{{ سوق الدعوة والتدريب }}
((للأمانة..الكاتب: إبراهيم غرايبة ))
ظاهرة الدعاة الجدد
قد تعبر عن إدراك لتحولات العلاقة، أو هي استجابة تسويقية لسؤال "كيف يفكر الزبائن؟ "، فهؤلاء الدعاة يمثلون منتجا متفقا مع ظاهرة «الاستهلاك الديني»، المتدينين الجدد الذين يريدون ممارسة التدين وفق عاداتهم الاستهلاكية عبر "المولات" والفضائيات، تحويل التدين نفسه إلى سلعة جميلة وسهلة التداول.
تخيل نفسك تجني الحسنات والثواب
عند الله في اليوم الآخر، وأنت مستمتع تتسلى.
فهؤلاء الدعاة يخاطبون الناس
كما البنوك والمراكز التجارية بعروض السحب وفرص الفوز وتجميع النقاط التي تؤهلك للفوز، كلما اشتريت أكثر أو تحدثت أكثر عبر الهاتف، أو كما يقول لنا أحد البنوك "ادخر لنفسك ونحن نكافئك". وهؤلاء أيضا يخبرونك كيف يمكن أن تدخل الجنة وتحصل على حلاوة الإيمان والاطمئنان وتتفوق في عملك وتحصل على البركة في وقتك ومالك، وأنت في الوقت نفسه تتسلى بالمشاهدة والاستماع والحضور، وتحصل على الدين في قالب من القصص والمؤثرات البصرية والصوتية، أو في أثناء برنامجك السياحي وقضاء عطلتك.
والواقع أن "تسليع التدين"
كانت مبادرة تفوقت كثيرا على تسليع الثقافة والفكر والتعليم المستمر، تعبر عنها اليوم منظومة هائلة وشبكية من البنوك والفضائيات والشركات والرحلات والسياحة والتدريب وسوق الملابس والعلاقات العامة، بل وفي العقارات (فلل وقصور إسلامية على سبيل المثال!).
ويمكن ملاحظة الظاهرة
أيضا في موجة التدريب، عندما تنامى هذا القطاع في أوائل التسعينيات في محاولة للاستجابة للتحولات الاقتصادية والحوسبة الجارية في الأعمال والإدارة، ولكنه تحول سريعا إلى سوق استهلاكية تقدم للناس ما يريدون وليس بالضرورة ما يحتاجون إليه، فقد تحولت عمليات تخصيص جزء من الموازنات السنوية للمؤسسات العامة والخاصة للتدريب (وفي بعض الأحيان يكون ذلك إلزاميا)، تحولت إلى مشروعات سياحية وترفيهية تقدم للمشاركين التسلية والمتعة في الفنادق والمراكز التجارية والتدريبية وبتواطؤ بين المستهلكين (قادة المؤسسات والمشاركون في الدورات التدريبية) وبين الموردين (مؤسسات التدريب والتطوير)، وطالما أن المسألة هي عرض وطلب، أو عرض ينشئ الطلب، فسوف يكون مثل هذا المقال ينطوي على قدر كبير من الملل و «ثقل الدم».
كيف يفكر الزبائن؟
لم يعد هذا السؤال أساس عمل المسوقين، ولكنه يكاد يكون أساسا للسياسة والفكر والثقافة والتنمية والدعوة أيضا، والأمر بطبيعة الحال ليس كله سيئا أو حسنا ولا خطأ أو صحيحا، ولكن مع تنامي دور القطاع الخاص وتحول المنتجات إلى سلع للاستهلاك والعرض والطلب، فقد امتد ذلك إلى الفكر والسياسة والثقافة والرياضة والإعلام والفن، والمواقف والأفكار، والدعوة والوعظ والإرشاد.
كيف نقيس وعي الناس؟
كيف نتوقع سلوك واتجاهات عقلهم الباطن؟ الواقع أن السوق اليوم بكل اتجاهاتها سواء كانت للسلع المادية أو المعرفية والإعلامية تكاد تكون واقعا في وصاية على المستهلك، الناس، المجتمعات، وقد تنجح الأسواق في حصار الناس وتوجيههم لفترة من الزمن، ولكنها في ذلك تلعب في الوقت الضائع، وقد تتعرض لخسائر كبيرة وتمنى بفشل ذريع.
لقد ظلت عمليات التسويق
والتوجيه محكومة ببيئة سابقة لم يعد لها وجود اليوم، فالحملات الإعلانية كانت تفترض أن الناس يتعاطون مع وسائل إعلام محددة سلفا، ولكن لا يمكن اليوم الجزم بسهولة بمداخل الناس ومشاهداتهم ومتابعاتهم الإعلامية، ولذلك فإننا نرى على سبيل المثال إعلانات حكومية مصرية أو عراقية في قناة الـ "أم. بي. سي"، ألا يعبر ذلك عن إدراك لعلاقة المصريين والعراقيين بمحطات التلفاز في مصر والعراق؟
وفي بلادنا العربية
، نواجه مشكلة ضعف المجتمعات، ففي مرحلة نمو القطاع الخاص والشركات واستحواذها على توريد احتياجات الناس وخدماتهم، لم تتطور المجتمعات لتملك أدوات التأثير في وجهة التوريد وتقديم الخدمات وفي مواصفات الأسواق والمنتجات، مرة أخرى فإننا نحتاج للتذكير بأن السوق تعني كل المنتجات والسلع بما في ذلك الخدمات والثقافة والفنون، والمستهلك، يعني جميع الناس والمجتمعات أيضا.