رمضان والمواساة
الخطبة الأولى:
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله،
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}[آل عمران: 102]،
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا
كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}[النِّساء1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴿70﴾ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}[الأحزاب: 70-71].
أمَّا بعد:
فإنَّ أصدقَ الحديث كلامُ الله -تعالى-، وخير الهدي هديُ محمَّد -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النَّار.
أيُّها النَّاس: من طبيعة الإنسان الغفلة والنِّسيان، ومن صفات الدُّنيا الغرور والإلهاء، وإذا ما اجتمع على الإنسان غفلةٌ ونسيانٌ، ومتاعُ الدُّنيا وزخرفها فإنَّ قلبه يقسو، ونفسه تعصي،
ومن ثمَّ يضعف إيمانه بالله -تعالى-، وتقلُّ رغبته في الدَّار الآخرة، ويج
تمع همُّه كلُّه للدُّنيا؛ ففي حظوظها ينافس، وفي سبيلها يُجاهد.
وإذا ما انتشر في البشريَّة كلِّها هذا الدَّاء الوبيل؛ فإنَّهم يستحيلون إلى وحوشٍ كاسرةٍ يأكل بعضها بعضًا، فلا يرحمون في ضعيفٍ ضعفه، ولا يرأفون بمسكينٍ، ولا يرقون ليتيمٍ، ولا يعرفون حقَّ قريبٍ أو بعيدٍ!!
ولهذا فإنَّ الله -تعالى- قد رحم البشريَّة بالنُّبوءات، وشرع لها الشَّرائع الَّتي تدلُّها على التَّوحيد والإيمان، وتهذب فيها السُّلوك والوجدان، وتزرع فيها الرَّحمة والرَّأفة بالعباد؛ فبرحمة الله -تعالى- يتراحمون، وبها يتواصلون ويتعاطفون، ويرقّ قويُّهم لضعيفهم، ويعين قادرهم عاجزهم، ويحنو كبيرهم على صغيرهم.
وهذه الخصال الحميدة يتحلَّى بها أهل الإسلام والإيمان، وإذا ما ضعف إيمانهم، أو قلَّ إحسانهم، أو فترت عزائمهم، أو تسلطت عليهم شياطينهم؛ فجمحت بهم إلى زخارف الدُّنيا جاءهم ما يذكرهم ربُّهم، ويزيدُ في إيمانهم، ويجدد رغبتهم في الآخرة؛ كما في شهر رمضان الَّذي يعود كلَّ عامٍ، تنبعث فيه النُّفوس من كسلها، ويتجدد نشاطها، وتقوى عزائمها، ويزداد إيمان المؤمنين، وتشتدُّ رغبتهم فيما عند الله -تعالى-؛ فلا تراهم إلا رُكَّعًا سُجَّداً يذكرون الله -تعالى-، ويتلون كتابه، ويخلصون الدُّعاء له وحده، ويرجون رحمته، ويخافون عذابه، مع محبَّةٍ وخشوعٍ وإنابةٍ؛ فتزكو نفوسهم، وترقُّ قلوبهم، وتجود مدامعهم، وترخص الدُّنيا في ميزانهم؛ فيرفع عنهم التَّحاسد والتَّباغض والتَّقاطع؛ لأنَّ الحسد والبغضاء والقطيعة أخلاقٌ
فاسدةٌ، كان سببها حبُّ الدُّنيا، وقد سما بهم إيمانهم عند الدُّنيا فأصبحوا من طلاب الآخرة.
إنَّك ترى مظاهر ذلك في رمضان أينما يمَّمت وجهك في بلدٍ من بلدان المسلمين، أو أيِّ بقعةٍ فيها مسلمون يصومون لله -تعالى- ويصلُّون.
ترى كثرة المتصدِّقين، وتشاهد موائد لإفطار الصَّائمين، وتلحظ المواساة بين النَّاس وهذا مقصد عظيم من مقاصد الصَّوم، ومعنًى أراده الشَّارع الحكيم؛ليهذب الأخلاق، ويسمو بنفوس الصَّائمين؛ كما سُئل أحد السَّلف: "لمَ شرِع الصِّيام"؟ قال: "ليذوق الغنيُّ طعمَ الجوعِ فلا ينسى الجائِعَ".
إنَّ الصِّيام طريقٌ إلى المواساة، ومسلكٌ من مسالك الإحسان؛ من حقَّق الصيام الشَّرعي الَّذي أمره الله -تعالى- به، واجتنب ما يخلُّ به من قول الفحش أو سماعه، أوِ النَّظر إلى الحرام أو فعله فهو حريٌّ أن يواسي إخوانه، ويُحسن إلى النَّاس.
قدوته في ذلك رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- الَّذي كان الإحسان إلى النَّاس ومواساتهم خلقًا من أخلاقه -عليه السَّلام-؛ كما قال عثمان بن عفان -رضي الله عنه-:"إنَّا والله قد صحبنا رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في السَّفر والحضر، يعود مرضانا، ويتبع جنائزنا، ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير، وإنَّ ناسًا يُعَلِّمُوني عسى أن لا يكون أحدهم رآه قط"؛ رواه الإمام أحمد بسندٍ حسنٍ.وهكذا سار صحابته -رضي الله عنهم-، والتَّابعون لهم بإحسانٍ على هذا المنهج القويم من مواساة إخوانهم، والإحسان إليهم، ويزداد هذا الخلق فيهم إذا كانوا صيامًا؛ كما كان ابن عمر -رضي الله عنهما- يصوم ولا يفطر إلا مع المساكين، فإذا منعهم أهله عنه لم يتعشَ تلك الليلة! وكان إذا جاءه سائلٌ
وهو على طعامه أخذ نصيبه منَ الطَّعام وقام فأعطاه السَّائل، فيرجع وقد أكل أهله ما بقي في الجفنة فيصبح صائمًا ولم يأكل شيئًا.
واشتهى أحد الصَّالحين طعامًا وكان صائمًا فوضع بين يديه عند فطوره فسمع
سائلًا يقول: "من يقرض الملي الوفيّ الغنيّ"، فقال: "عبده المعدم منَ الحسنات"؛ فقام فأخذ الصّحفة فخرج بها إليه، وبات طاويًا.
وجاء سائلٌ إلى الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- فدفع إليه رغيفين كان يُعدهما لفطره، ثمَّ طوى وأصبح صائمًا.
قال الشَّافعي -رحمه الله تعالى-:
"أحبُّ للرَّجل الزِّيادة بالجود في شهر رمضان؛ اقتداءً برسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-؛ ولحاجة النَّاس فيه إلى مصالحهم؛ ولتشاغل كثير منهم بالصَّوم والصَّلاة عن مكاسبهم".
إنَّ رمضان شهر المواساة؛ فالشَّبعان منَ المسلمين يصوم ويجوع؛ ليواسي إخوانه الجوعى، ويقاسمهم طعامه، ولربما لو لم يصم ولم يصبه الجوع ما تذكرهم، وصاحب الثَّراء يصوم كذلك؛ ليتذكر حال إخوانه الفقراء والمحتاجين؛ فيدفع لهم زكاته، ويتصدَّق عليهم من فضول أمواله.
وكم في النَّاس من أثرياء كانوا من قبل فقراء معدمين قد ذاقوا قَرْصَ الجوع، وألم الحرمان، أنعم الله عليهم بالخير الوفير، فأصابهم الثَّراء بعد الفقر، فأسرفوا في رزق الله -تعالى- لهم، ولم يؤدُّوا حقَّه عليهم، ونسوا أنَّ لهم إخوانًا لا زالوا يذوقون قَرْصَ الجوع الَّذي ذاقوه هم من قبل، ويعالجون الفقر الَّذي أصابهم فيما مضى، فإذا ما صاموا وجاعوا تذكروا
ماضيهم البئيس، وما أنعم الله عليهم به من الغنى والخير، فشكروا الله -تعا
لى- على ذلك، وتابوا من سرفهم، وواسوا إخوانهم المحرومين.ذكر الشّيخ السّباعي -رحمه الله تعالى- أنَّه يعرف أبًا كان ذا نعمةٍ ومالٍ وفيرٍ، وقد عوَّد أولاده الطَّعام الطَّيِّب، واللباس الفاخر، ثمَّ قدَّر الله -تعالى- عليه الفقر، فأعسر بعد اليسر، فجاء رمضان وهو لا يجد ما
ينفق كما كان ينفق من قبل، وله من مكانته وحيائه ما يمنعه أن يسأل النَّاس
صدقةً أو دينًا، فلم يكن يستطيع أن يقدِّم لعائلته ما تفطر عليه إلا الجبن والزَّيتون والفول، واحتمل أبناؤه ذلك أوَّل يوم، وثانيه، حتَّى قال صغيرهم في اليوم الثَّالث: يا أبتِ، لقد أحرق بطوننا الجبن والزَّيتون، ونحن صيام نحتاج إلى ما يبل الأُوام، ويرطب الجوف في هذا الحرِّ الشَّديد، ويكاد يغمى علينا من روائح الطَّعام عند جيراننا؛ فلماذا لا تطعمنا كما يطعم جارنا أولاده، وكما كنت تطعمنا من قبل؟ وطفرت دمعة من عين الصَّبيّ.خرج الأب بعدها إلى جانبٍ مظلمٍ منَ الدَّار ثمَّ بكى؛ لأنَّه لا يريد أن تتفتح قلوب أبنائه أوَّل ما تتفتح في الحياة على غدر المجتمع؛ وقسوة النَّاس الَّذين لم يرحموا فيه عسره، وتحوُّله منَ الغنى إلى الفقر.
وإذا ما اقتربت الشَّمس من مغيبها، وتهيأت الأسرة لإفطارها، ومدَّت الموائد بأنواع الطَّعام والشَّراب هل نتذكر إخوانًا لنا شرَّدتهم قوى الظُّلم والطغيان فهم في العراء؛ لا بيوت تكنُّهم، ولا لباس يقيهم بأسهم.. يبيتون بلا طعامٍ، ويتسحرون بلا سحورٍ، ويفطرون على ماءٍ.. يتسولون الجمعيَّات التَّنصيريَّة بُلْغَةً من عيشٍ، أو كفًّا من دقيقٍ، أو رغيفًا من خبزٍ، فلا تدفع إليهم إلا بعد مساومتهم على دينهم وعلى صلاتهم وصومهم!!
إنُّهم إخوانٌ لنا قد شهدوا شهادة الحقِّ، وصدَّقوا المرسلين، كان ثباتهم على دينهم، ومطالبتهم بحقوقهم سببًا في تشريدهم من ديارهم، وحشرهم في ملاجئ تفتقد ضروريَّات الحياة؛ فهلا شعرنا بهم ونحن نتهيأ لإفطارنا، واقتصدنا في موائدنا، ودفعنا إليهم حقُّ الله -تعالى- علينا، وحقُّ أُخوتهم لنا، ورفعنا أكفَّ الضَّراعة بالدُّعاء لهم؟! فإن كنَّا في كلِّ ليلةٍ نفرح بفطرنا، فإنَّ تلك الفرحة قد نسوها مذ شُردوا من أوطانهم، نسأل الله -تعالى- أن يفرج عنهم، وأن لا يحرمهم الفرحة الثَّانية، كما نسأله -عزَّ وجلَّ- أن لا يعذبنا بنسيانهم، وأن لا يجعل فرحتنا واحدةً، وأن يجمع لنا ولهم بين الفرحتين اللتين ذكرهما النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- بقوله:«للصَّائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه»[رواه البخاري 1904].
ونحن في كلِّ يوم -بحمد الله وشكره- نُحسُّ الفرحة الأولى عند فطرنا، فعسى أن لا نحرم الثَّانية بتقصيرنا في حقِّ إخواننا.
أعوذ بالله منَ الشَّيطان الرَّجيم:
{لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّـهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: 273].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثَّانية:
الحمد لله حمدًا طيِّبًا مباركًا فيه كما يحبُّ ربُّنا ويرضى، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدِّين.
أمَّا بعد:
فاتقوا الله -تعالى-؛ فإن من أجَلِّ حكم الصِّيام نيل التَّقوى؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
أيُّها المسلمون: بسبب ضعفِ المواساة بين النَّاس، وعدمِ اتصال الأغنياء بالفقراء، وتلمس حاجاتهم صار الأغنياء يحتارون أين يضعون صدقاتهم، ولمن يدفعون زكواتهم؟! فظهر لهم في طرقاتهم ومساجدهم وأسواقهم ووظائفهم تجار يتاجرون بالسُّؤال، ويتقمصون شخصيات الفقراء وأصحاب العاهات، وكثير منهم ليس بمحتاجٍ ولكنَّه يسأل النَّاس تكثُّرًا، والمحتاج منهم حقًّا لا خوف عليه؛ لأنَّه سيجد منَ النَّاس من يعطيه؛ ولكنَّ الخوف على أسر منعها التَّعفُّف والكرامة أن تُخرِج نساءَها وأطفالها يسألون النَّاس؛ فباتوا طاوين جائعين، إنْ فطن لهم رجلٌ صالحٌ يتحسَّس أحوال المحتاجين حقًّا جاءهم الفرج وإلا بقوا في بؤسهم إلى ما شاء الله -تعالى-.
ولو أنَّ النَّاس كفُّوا أيديهم عنِ السَّائلين، وخالط الأغنياء الفقراء؛ لوقعت الزَّكوات والصَّدقات في يد من يستحقها؛ ولقضي على مظاهر التَّسوُّل المذموم.
أمَّا والَّذي جعل الصِّيام مساواة بين النَّاس، ومواساة للبؤساء والمعدمين لو أنَّ كلَّ صائمٍ مقتدرٍ أطعم صائمًا معوزًا، ولو أنَّ كلَّ أسرةٍ موسرةٍ أسعفت عائلةً معسرةً؛ لما بقي في المسلمين بائسٌ ولا فقيرٌ؛ ولكان الصِّيام موسمًا للخير لا تنتهي بركاته وحسناته؛ ولحققنا الخيريَّة الَّتي وصفنا الله -تعالى-بها بقوله:{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[آل عمران:110]؛ ففتِّشوا -أيُّها الصَّائمون- عن جيرانكم، فتِّشوا عن أقاربكم، فتشوا عن إخوانكم اللاجئين، وحذار أن تنسوا برَّهم وإسعادهم، وإشراكهم معكم في نعمة الله -تعالى- عليكم.
أيُّها الصَّائمون: اذكروا حين تجتمعون مع نسائكم وأطفالكم لتملؤوا بطونكم ريًا وشبعًا، اذكروا في تلك اللحظات جوع الجائعين، ولوعة الملتاعين، وعبرات البائسين، خافوا أن لا يتقبَّل الله لكم صيامًا ولا طاعةً وحولكم بطون جائعةٌ تستطيعون إشباعها، ونفوسٌ حائرةٌ
تملكون إسعادها.
وتحرُّوا في صدقاتكم أهل الحاجات، ولا تتخلصوا منها بإلقائها في يد أقرب سائلٍ؛ فإنَّ الذِّمَّة لا تبرأ إلا بعد الاجتهاد والتَّحري، واسألوا أهل الخبرة في ذلك منَ الصَّالحين والعاملين في مجالات البرِّ والإحسان إن كنتم تعجزون عن البحث بأنفسكم.
{وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّـهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّـهَ ۖ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المزمِّل: 20].
ألا وصلُّوا وسلموا على نبيِّكم كما أمركم بذلك ربُّكم،،،
المختار الإسلامي
الخطبة الأولى:
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله،
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}[آل عمران: 102]،
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا
كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}[النِّساء1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴿70﴾ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}[الأحزاب: 70-71].
أمَّا بعد:
فإنَّ أصدقَ الحديث كلامُ الله -تعالى-، وخير الهدي هديُ محمَّد -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النَّار.
أيُّها النَّاس: من طبيعة الإنسان الغفلة والنِّسيان، ومن صفات الدُّنيا الغرور والإلهاء، وإذا ما اجتمع على الإنسان غفلةٌ ونسيانٌ، ومتاعُ الدُّنيا وزخرفها فإنَّ قلبه يقسو، ونفسه تعصي،
ومن ثمَّ يضعف إيمانه بالله -تعالى-، وتقلُّ رغبته في الدَّار الآخرة، ويج
تمع همُّه كلُّه للدُّنيا؛ ففي حظوظها ينافس، وفي سبيلها يُجاهد.
وإذا ما انتشر في البشريَّة كلِّها هذا الدَّاء الوبيل؛ فإنَّهم يستحيلون إلى وحوشٍ كاسرةٍ يأكل بعضها بعضًا، فلا يرحمون في ضعيفٍ ضعفه، ولا يرأفون بمسكينٍ، ولا يرقون ليتيمٍ، ولا يعرفون حقَّ قريبٍ أو بعيدٍ!!
ولهذا فإنَّ الله -تعالى- قد رحم البشريَّة بالنُّبوءات، وشرع لها الشَّرائع الَّتي تدلُّها على التَّوحيد والإيمان، وتهذب فيها السُّلوك والوجدان، وتزرع فيها الرَّحمة والرَّأفة بالعباد؛ فبرحمة الله -تعالى- يتراحمون، وبها يتواصلون ويتعاطفون، ويرقّ قويُّهم لضعيفهم، ويعين قادرهم عاجزهم، ويحنو كبيرهم على صغيرهم.
وهذه الخصال الحميدة يتحلَّى بها أهل الإسلام والإيمان، وإذا ما ضعف إيمانهم، أو قلَّ إحسانهم، أو فترت عزائمهم، أو تسلطت عليهم شياطينهم؛ فجمحت بهم إلى زخارف الدُّنيا جاءهم ما يذكرهم ربُّهم، ويزيدُ في إيمانهم، ويجدد رغبتهم في الآخرة؛ كما في شهر رمضان الَّذي يعود كلَّ عامٍ، تنبعث فيه النُّفوس من كسلها، ويتجدد نشاطها، وتقوى عزائمها، ويزداد إيمان المؤمنين، وتشتدُّ رغبتهم فيما عند الله -تعالى-؛ فلا تراهم إلا رُكَّعًا سُجَّداً يذكرون الله -تعالى-، ويتلون كتابه، ويخلصون الدُّعاء له وحده، ويرجون رحمته، ويخافون عذابه، مع محبَّةٍ وخشوعٍ وإنابةٍ؛ فتزكو نفوسهم، وترقُّ قلوبهم، وتجود مدامعهم، وترخص الدُّنيا في ميزانهم؛ فيرفع عنهم التَّحاسد والتَّباغض والتَّقاطع؛ لأنَّ الحسد والبغضاء والقطيعة أخلاقٌ
فاسدةٌ، كان سببها حبُّ الدُّنيا، وقد سما بهم إيمانهم عند الدُّنيا فأصبحوا من طلاب الآخرة.
إنَّك ترى مظاهر ذلك في رمضان أينما يمَّمت وجهك في بلدٍ من بلدان المسلمين، أو أيِّ بقعةٍ فيها مسلمون يصومون لله -تعالى- ويصلُّون.
ترى كثرة المتصدِّقين، وتشاهد موائد لإفطار الصَّائمين، وتلحظ المواساة بين النَّاس وهذا مقصد عظيم من مقاصد الصَّوم، ومعنًى أراده الشَّارع الحكيم؛ليهذب الأخلاق، ويسمو بنفوس الصَّائمين؛ كما سُئل أحد السَّلف: "لمَ شرِع الصِّيام"؟ قال: "ليذوق الغنيُّ طعمَ الجوعِ فلا ينسى الجائِعَ".
إنَّ الصِّيام طريقٌ إلى المواساة، ومسلكٌ من مسالك الإحسان؛ من حقَّق الصيام الشَّرعي الَّذي أمره الله -تعالى- به، واجتنب ما يخلُّ به من قول الفحش أو سماعه، أوِ النَّظر إلى الحرام أو فعله فهو حريٌّ أن يواسي إخوانه، ويُحسن إلى النَّاس.
قدوته في ذلك رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- الَّذي كان الإحسان إلى النَّاس ومواساتهم خلقًا من أخلاقه -عليه السَّلام-؛ كما قال عثمان بن عفان -رضي الله عنه-:"إنَّا والله قد صحبنا رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في السَّفر والحضر، يعود مرضانا، ويتبع جنائزنا، ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير، وإنَّ ناسًا يُعَلِّمُوني عسى أن لا يكون أحدهم رآه قط"؛ رواه الإمام أحمد بسندٍ حسنٍ.وهكذا سار صحابته -رضي الله عنهم-، والتَّابعون لهم بإحسانٍ على هذا المنهج القويم من مواساة إخوانهم، والإحسان إليهم، ويزداد هذا الخلق فيهم إذا كانوا صيامًا؛ كما كان ابن عمر -رضي الله عنهما- يصوم ولا يفطر إلا مع المساكين، فإذا منعهم أهله عنه لم يتعشَ تلك الليلة! وكان إذا جاءه سائلٌ
وهو على طعامه أخذ نصيبه منَ الطَّعام وقام فأعطاه السَّائل، فيرجع وقد أكل أهله ما بقي في الجفنة فيصبح صائمًا ولم يأكل شيئًا.
واشتهى أحد الصَّالحين طعامًا وكان صائمًا فوضع بين يديه عند فطوره فسمع
سائلًا يقول: "من يقرض الملي الوفيّ الغنيّ"، فقال: "عبده المعدم منَ الحسنات"؛ فقام فأخذ الصّحفة فخرج بها إليه، وبات طاويًا.
وجاء سائلٌ إلى الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- فدفع إليه رغيفين كان يُعدهما لفطره، ثمَّ طوى وأصبح صائمًا.
قال الشَّافعي -رحمه الله تعالى-:
"أحبُّ للرَّجل الزِّيادة بالجود في شهر رمضان؛ اقتداءً برسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-؛ ولحاجة النَّاس فيه إلى مصالحهم؛ ولتشاغل كثير منهم بالصَّوم والصَّلاة عن مكاسبهم".
إنَّ رمضان شهر المواساة؛ فالشَّبعان منَ المسلمين يصوم ويجوع؛ ليواسي إخوانه الجوعى، ويقاسمهم طعامه، ولربما لو لم يصم ولم يصبه الجوع ما تذكرهم، وصاحب الثَّراء يصوم كذلك؛ ليتذكر حال إخوانه الفقراء والمحتاجين؛ فيدفع لهم زكاته، ويتصدَّق عليهم من فضول أمواله.
وكم في النَّاس من أثرياء كانوا من قبل فقراء معدمين قد ذاقوا قَرْصَ الجوع، وألم الحرمان، أنعم الله عليهم بالخير الوفير، فأصابهم الثَّراء بعد الفقر، فأسرفوا في رزق الله -تعالى- لهم، ولم يؤدُّوا حقَّه عليهم، ونسوا أنَّ لهم إخوانًا لا زالوا يذوقون قَرْصَ الجوع الَّذي ذاقوه هم من قبل، ويعالجون الفقر الَّذي أصابهم فيما مضى، فإذا ما صاموا وجاعوا تذكروا
ماضيهم البئيس، وما أنعم الله عليهم به من الغنى والخير، فشكروا الله -تعا
لى- على ذلك، وتابوا من سرفهم، وواسوا إخوانهم المحرومين.ذكر الشّيخ السّباعي -رحمه الله تعالى- أنَّه يعرف أبًا كان ذا نعمةٍ ومالٍ وفيرٍ، وقد عوَّد أولاده الطَّعام الطَّيِّب، واللباس الفاخر، ثمَّ قدَّر الله -تعالى- عليه الفقر، فأعسر بعد اليسر، فجاء رمضان وهو لا يجد ما
ينفق كما كان ينفق من قبل، وله من مكانته وحيائه ما يمنعه أن يسأل النَّاس
صدقةً أو دينًا، فلم يكن يستطيع أن يقدِّم لعائلته ما تفطر عليه إلا الجبن والزَّيتون والفول، واحتمل أبناؤه ذلك أوَّل يوم، وثانيه، حتَّى قال صغيرهم في اليوم الثَّالث: يا أبتِ، لقد أحرق بطوننا الجبن والزَّيتون، ونحن صيام نحتاج إلى ما يبل الأُوام، ويرطب الجوف في هذا الحرِّ الشَّديد، ويكاد يغمى علينا من روائح الطَّعام عند جيراننا؛ فلماذا لا تطعمنا كما يطعم جارنا أولاده، وكما كنت تطعمنا من قبل؟ وطفرت دمعة من عين الصَّبيّ.خرج الأب بعدها إلى جانبٍ مظلمٍ منَ الدَّار ثمَّ بكى؛ لأنَّه لا يريد أن تتفتح قلوب أبنائه أوَّل ما تتفتح في الحياة على غدر المجتمع؛ وقسوة النَّاس الَّذين لم يرحموا فيه عسره، وتحوُّله منَ الغنى إلى الفقر.
وإذا ما اقتربت الشَّمس من مغيبها، وتهيأت الأسرة لإفطارها، ومدَّت الموائد بأنواع الطَّعام والشَّراب هل نتذكر إخوانًا لنا شرَّدتهم قوى الظُّلم والطغيان فهم في العراء؛ لا بيوت تكنُّهم، ولا لباس يقيهم بأسهم.. يبيتون بلا طعامٍ، ويتسحرون بلا سحورٍ، ويفطرون على ماءٍ.. يتسولون الجمعيَّات التَّنصيريَّة بُلْغَةً من عيشٍ، أو كفًّا من دقيقٍ، أو رغيفًا من خبزٍ، فلا تدفع إليهم إلا بعد مساومتهم على دينهم وعلى صلاتهم وصومهم!!
إنُّهم إخوانٌ لنا قد شهدوا شهادة الحقِّ، وصدَّقوا المرسلين، كان ثباتهم على دينهم، ومطالبتهم بحقوقهم سببًا في تشريدهم من ديارهم، وحشرهم في ملاجئ تفتقد ضروريَّات الحياة؛ فهلا شعرنا بهم ونحن نتهيأ لإفطارنا، واقتصدنا في موائدنا، ودفعنا إليهم حقُّ الله -تعالى- علينا، وحقُّ أُخوتهم لنا، ورفعنا أكفَّ الضَّراعة بالدُّعاء لهم؟! فإن كنَّا في كلِّ ليلةٍ نفرح بفطرنا، فإنَّ تلك الفرحة قد نسوها مذ شُردوا من أوطانهم، نسأل الله -تعالى- أن يفرج عنهم، وأن لا يحرمهم الفرحة الثَّانية، كما نسأله -عزَّ وجلَّ- أن لا يعذبنا بنسيانهم، وأن لا يجعل فرحتنا واحدةً، وأن يجمع لنا ولهم بين الفرحتين اللتين ذكرهما النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- بقوله:«للصَّائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه»[رواه البخاري 1904].
ونحن في كلِّ يوم -بحمد الله وشكره- نُحسُّ الفرحة الأولى عند فطرنا، فعسى أن لا نحرم الثَّانية بتقصيرنا في حقِّ إخواننا.
أعوذ بالله منَ الشَّيطان الرَّجيم:
{لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّـهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: 273].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثَّانية:
الحمد لله حمدًا طيِّبًا مباركًا فيه كما يحبُّ ربُّنا ويرضى، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدِّين.
أمَّا بعد:
فاتقوا الله -تعالى-؛ فإن من أجَلِّ حكم الصِّيام نيل التَّقوى؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
أيُّها المسلمون: بسبب ضعفِ المواساة بين النَّاس، وعدمِ اتصال الأغنياء بالفقراء، وتلمس حاجاتهم صار الأغنياء يحتارون أين يضعون صدقاتهم، ولمن يدفعون زكواتهم؟! فظهر لهم في طرقاتهم ومساجدهم وأسواقهم ووظائفهم تجار يتاجرون بالسُّؤال، ويتقمصون شخصيات الفقراء وأصحاب العاهات، وكثير منهم ليس بمحتاجٍ ولكنَّه يسأل النَّاس تكثُّرًا، والمحتاج منهم حقًّا لا خوف عليه؛ لأنَّه سيجد منَ النَّاس من يعطيه؛ ولكنَّ الخوف على أسر منعها التَّعفُّف والكرامة أن تُخرِج نساءَها وأطفالها يسألون النَّاس؛ فباتوا طاوين جائعين، إنْ فطن لهم رجلٌ صالحٌ يتحسَّس أحوال المحتاجين حقًّا جاءهم الفرج وإلا بقوا في بؤسهم إلى ما شاء الله -تعالى-.
ولو أنَّ النَّاس كفُّوا أيديهم عنِ السَّائلين، وخالط الأغنياء الفقراء؛ لوقعت الزَّكوات والصَّدقات في يد من يستحقها؛ ولقضي على مظاهر التَّسوُّل المذموم.
أمَّا والَّذي جعل الصِّيام مساواة بين النَّاس، ومواساة للبؤساء والمعدمين لو أنَّ كلَّ صائمٍ مقتدرٍ أطعم صائمًا معوزًا، ولو أنَّ كلَّ أسرةٍ موسرةٍ أسعفت عائلةً معسرةً؛ لما بقي في المسلمين بائسٌ ولا فقيرٌ؛ ولكان الصِّيام موسمًا للخير لا تنتهي بركاته وحسناته؛ ولحققنا الخيريَّة الَّتي وصفنا الله -تعالى-بها بقوله:{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[آل عمران:110]؛ ففتِّشوا -أيُّها الصَّائمون- عن جيرانكم، فتِّشوا عن أقاربكم، فتشوا عن إخوانكم اللاجئين، وحذار أن تنسوا برَّهم وإسعادهم، وإشراكهم معكم في نعمة الله -تعالى- عليكم.
أيُّها الصَّائمون: اذكروا حين تجتمعون مع نسائكم وأطفالكم لتملؤوا بطونكم ريًا وشبعًا، اذكروا في تلك اللحظات جوع الجائعين، ولوعة الملتاعين، وعبرات البائسين، خافوا أن لا يتقبَّل الله لكم صيامًا ولا طاعةً وحولكم بطون جائعةٌ تستطيعون إشباعها، ونفوسٌ حائرةٌ
تملكون إسعادها.
وتحرُّوا في صدقاتكم أهل الحاجات، ولا تتخلصوا منها بإلقائها في يد أقرب سائلٍ؛ فإنَّ الذِّمَّة لا تبرأ إلا بعد الاجتهاد والتَّحري، واسألوا أهل الخبرة في ذلك منَ الصَّالحين والعاملين في مجالات البرِّ والإحسان إن كنتم تعجزون عن البحث بأنفسكم.
{وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّـهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّـهَ ۖ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المزمِّل: 20].
ألا وصلُّوا وسلموا على نبيِّكم كما أمركم بذلك ربُّكم،،،
المختار الإسلامي