إنه الحديث عن صوم الجوارح، الصيام الذي نحتاجه طيلة العام، الصيام الذي لا يحد بحد، ولا يعرف بعد.
يقول صاحب كتاب "إحياء علوم الدين": الصوم ثلاث درجات: صوم العموم، وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص... فأما صوم الخصوص: فهو صوم الصالحين، وهو كف السمع والبصر، واللسان واليد، والرجل وسائر الجوارح عن الآثام، ويتحقق بخمسة أمور هي:
- غض البصر، وقد قيل: النظرة سهم مسموم من سهام إبليس فمن تركها مخافة الله أعقبه إيماناً يجد طعمه في قلبه.
- صوم اللسان وهو حفظ اللسان عن الهذيان والكذب، والغيبة والنميمة، والفحش والجفاء، والخصومة والمراء، وشغله بذكر الله وتلاوة القرآن عملاً بقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "الصيام جنَّة؛ فإذا كان أحدكم صائماً فلا يرفث ولا يجهل، وإن إمرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم، إني صائم".
- صوم السمع بكف السمع عن الإصغاء إلى كل مكروه؛ لأن كل ما حرم قوله حرم الإصغاء إليه، ولذلك سوَّى الله بين التسمع وبين أكل السحت فقال تعالى: "سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ" [المائدة:42]
- كف بقية الجوارح عن الآثام من اليد والرجل، وكفِّ البطن عن الشبهات في زمان الفطر، فلا معنى للصوم بالكف عن الطعام الحلال، ثم الإفطار على الحرام قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش". قيل في تفسير ذلك: هو من يفطر على الحرام، وقيل: هو الذي يمسك عن الطعام الحلال، ويفطر على لحوم الناس بالغيبة، وقيل: هو الذي لا يحفظ جوارحه عن الآثام.
- عدم الاستكثار من الطعام الحلال عند الإفطار، إذ لا يوجد وعاء ملئه بغيض إلى الله من بطن مليء من حلال، إذ كيف تكسر الشهوة، ويقهر الشيطان إذا تدارك الصائم عند فطره ما فاته في نهاره، وربما زاد عليه .
سؤال: ماذا على الحامل أو المرضع إذا أفطرتا في رمضان؟ وماذا يكفي إطعامه من الأرز؟
جواب: لا يحل للحامل أو المرضع أن تفطر في نهار رمضان إلا لعذر فإن أفطرتا لعذر وجب عليهما قضاء الصوم لقوله تعالى في المريض: "وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ" [البقرة : 184]. وهما بمعنى المريض وإن كان عذرهما الخوف على المولود فعليهما مع القضاء إطعام مسكين لكل يوم من البر أو الأرز أو التمر أو غيرها من قوت الآدميين وقال بعض العلماء ليس عليهما سوى القضاء على كل حال لأنه ليس في إيجاب الإطعام دليل من الكتاب والسنة والأصل براءة الذمة حتى يقوم الدليل على شغلها وهذا مذهب أبي حنيفة وهو قوي. [الشيخ ابن عثيمين]
- الإفراط في تناول طعام السَّحور، حيث إن الإفراط في تناول السَّحور يؤدي إلى انحطاط الجسم، وهذا بدوره يفضي إلى التثاقل عن أداء الواجبات، وهو ما ينافي الحكمة من الصيام، إذ إن على المسلم أن يستثمر شهر رمضان لزيادة الطاعات، والإكثار من القربات، وكل ما ينافي هذا المقصد فهو أمر مذموم.
- النوم بعد تناول السَّحور مباشرة، وهو من العادات السيئة جداً، حيث إن هذه العادة تؤدي إلى أضرار صحية، فضلاً عما فيها من تضيعٍ لصلاة الفجر مع الجماعة، ومخالفةٍ لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المكوث في المسجد بعد صلاة الفجر؛ لذكر الله إلى أن تطلع الشمس.