موقف المسلم من النمام وحكم هجر الأخ فوق ثلاث
سؤال
أنا مسافر إلى السعودية ومع اثنين من زملائي فى نفس التخصص، وعندي مشكلة كبيرة لا أعرف من يتحمل وزرها، وهي أني بعد مجيئي إلى السعودية قام أحد الزملاء بالتعاون مع رئيسي المباشر، وذلك للتفرقة بيني وبين زميلي الآخر، وأنا كنت جديدا بالمملكة، وطبعا عملوا علي حصارا كبيرا وعقدوني فى الشغل وكرهوني فى حياتي، وفى النهاية وقعت فى المحظور وقمت بمخاصمة الزميل الثالث ونحن موجودان مع بعض بدون كلام لمدة سنة كاملة، وأنا أتعذب لأني لا أحب خصام أحد، ولكن الزميل الخائن ينقل كل شيء للرئيس. والله لو كلمته ووجد العلاقة ترجع يقلب علي، وأنا لا أعرف هل أتحمل وزر الخصام؟ في النهاية تدخلوا بينا إلى أن ساءت العلاقة وكرهني وأنا كرهته بدون سبب، والزميل الخائن وأنا آسف في التعبير، ولكن أنا أعاني مرارة الظلم من يوم قدومي إلى الآن. فأفتوني بالله عليكم ماذا أفعل؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما يقوم به زميلك ورئيسك من تضييق عليك وحصار لك إثم كبير؛ لأن إيذاء المسلم بدون وجه حق حرام، وما يقوم به زميلك هذا من نقل للكلام مما تسبب في حدوث الأحقاد بينك وبين زميلك نميمة محرمة، والنميمة من كبائر الذنوب، وهي تدل على خبث صاحبها وسوء طويته، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: لا يدخل الجنة قتات. أي نمام. جاء في التيسير بشرح الجامع الصغير للمناوي: ولذلك قالوا النميمة من الخصال الذميمة، تدل على نفس سقيمة وطبيعة لئيمة، مشغوفة بهتك الاستار وكشف الأسرار، وقال بعض الحكماء: الاشرار يتبعون مساوئ الناس ويتركون محاسنهم، كما يتبع الذباب المواضع الوجعة من الجسد ويترك الصحيحة، وقالوا: الساعي بالنميمة كشاهد الزور يهتك نفسه ومن سعى به ومن سعى إليه، ورأى بعضهم رجلاً يسعى بآخر عند رجل فقال له: نزه سمعك عن استماع الخنا كما تنزه لسانك عن النطق به، فإن السامع شريك المتكلم. انتهى.
وضابط النميمة المحرمة هو ما جاء في فتح الباري: وقال الغزالي ما ملخصه: النميمة في الأصل نقل القول إلى المقول فيه، ولا اختصاص لها بذلك، بل ضابطها كشف ما يكره كشفه، سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه أو غيرهما، وسواء كان المنقول قولاً أم فعلاً، وسواء كان عيباً أم لا، حتى لو رأى شخصاً يخفي ماله فأفشى كان نميمة. انتهى.
فعليك بنصح زميلك الذي يسعى في هذه الفتنة، وأن تعلمه بقبح فعله، وتذكره بعقاب الله وأخذه للعصاة الظالمين، وقد يكون من المناسب أن تحاول مع ذلك تألف قلبه بهدية أو غيرها من أبواب الإحسان، فإن من كياسة الإنسان وفطنته أن يحول أعداءه إلى أصدقاء، وهذا ما طلبه القرآن وحث عليه، فقال سبحانه: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34}.
ولكن مهما حدث فما كان لك أن تهجر زميلك الآخر ولا أن تقاطعه، فهجر المسلم بدون مسوغ شرعي حرام، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. رواه مسلم. وجاء في سنن أبي داود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار. صححه الألباني.
بل قد جاء وعيد شديد فيمن هجر أخاه سنة فقد روى أحمد وأبو داود وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه. صححه الألباني. جاء في فيض القدير: أي مهاجرته سنة توجب العقوبة كما أن سفك دمه يوجبها. والمراد اشتراك الهاجر والقاتل في الإثم لا في قدره، ولا يلزم التساوي بين المشبه والمشبه به، ومذهب الشافعي أن هجر المسلم فوق ثلاث حرام إلا لمصلحة كإصلاح دين الهاجر أو المهجور أو لنحو فسقه أو بدعته. انتهى.
فسارع إلى إصلاح ما بينك وبين زميلك هذا، ولا تخش الناس، فالله أحق أن تخشاه. واعلم أن من توكل على الله واتقاه كفاه، ودفع عنه كيد الكائدين وشرور المفسدين.
والله أعلم.