ظاهرة التدين المنقوص والتدين المعكوس ظاهرة قديمة وتنطلق من التدين ومعناها التمسك بالدين ولكن الدين في الحالتين وفى نصوصه الصحيحة يبتعد عن الممارسات وبعض هذه الممارسات تتناقض تمامًا مع الدين وهذه الظاهرة تشيع في جميع طبقات الأمة ذلك أن الأفلام القديمة كانت تجاهر بشرب الخمر وكان البطل نموذجا يجب تقليده ولم يكن ذلك مستهجنا عند المتدينين فسار الناس في خطوط متوازية ولكن في إطار مجتمع يحترم خصوصياتهم. ومعنى ذلك أن الدين كان من الخصوصيات ولم يكن شأنا عامًا يزعم البعض أنه صاحب وصاية على الآخرين فانتشرت ظاهرة التكفير الديني والمذهبي والتمييز بين أبناء الشرائع وهذه الظاهرة تبرز في أحوال ضعف الأمم وترديها.
أما في الطبقات الدنيا فكان التمسك بالدين من الناحية الشكلية أساسيًا لأن المجتمع كان يحرص على هذه الشكليات وربما استندت هذه الممارسات إلى تفسير منحرف لبعض مصادر الدين مثل التي تركز على الظاهر وتترك الباطن والضمائر للخالق وهى في الحقيقة جوهر الدين ويمكن تطبيقه إذا حسنت النوايا واستقامت المقاصد وذلك مثل الحديث النبوي الشريف «إذا رأيت الرجل يرتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان». وهذا الحديث يحض على ارتياد المساجد ولا أظن أنه يقصد حرفيا أن شهادة من يراه بالإيمان لها أهمية كبيرة لأن الدين الحق يميز بين الإيمان وبين طقوس العبادات. وكان التناقض الفادح في نموذج فظ هو ذلك الذي أظهرته تحقيقات الشرطة المصرية من أن ضابط السجن كان يصوم رمضان ويقرأ القرآن ويقطع بين أوقات القراءة لكي يقوم بتعذيب المسجونين، ولما سئل إن كان يرى تناقضا بين قراءة القرآن وتعذيب الناس، أكد أنه يمارس مهمته وليس مسؤولا عن النتيجة.
هذه الصورة هي التدين المعكوس وذلك على خلاف التدين المنقوص الذي يعني الممارسات الدينية التي يحاول الناس أن يلصقوها بالدين وليست من الدين. وعلى سبيل المثال يؤدي نقص الثقافة الدينية إلى الجدل حول أبسط العبادات وهى الصلاة: هل صلاة الضحى تصح قبيل الظهر وهل صلاة العصر تصح قبيل المغرب، وهكذا الصلوات في نهاية مواقيتها.
هناك فريق من الناس يتخذ طقوس العبادة غطاء لأفعالهم المتناقضة مع الدين، وهؤلاء يتعمدون ذلك ويهمهم أن يظهروا أمام الناس في ثياب المتقين المؤمنين.
وأخيرًا يضل بعض الناس في فهم التعبد وخصوصًا الإنفاق السري ويهمهم أن يرى الناس ما يعملون ولذلك شدد الإسلام على أن العبرة بالإيمان وهو الذي يستقر في القلب ويصدقه العمل وأن المرائين يأخذون المقابل ممن يراءونهم وليس لهم عند الله من نصيب. وقد خصهم القرآن بآيات محددة في محكم آياته. ويلحق بهم المطففون الذين يخسرون الميزان ويتجاهلون خطورته على ضمير الإنسان المسلم.