قد لا يكونُ الأبُ بالنسبة لأبنائه قدوةً, لأنه يأمرهم بالمحافظة على الصلاة ولا يحافظ عليها, أو ينهاهم عن الكذب بينما هو يكذب أمامهم.
وقد لا يكون المُعلِّمُ بالنسبة لطلابه قدوةً, لأنه يأمرهم بفضائلِ الأعمالِ وجليل الخِصال بينما هو لا يلتزم بها, وينهاهم عن الرذائل بينما هو ليس ببعيد عنها.
وأما الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام) فأرشدوا أقوامهم إلى كل فضيلة وكانوا هم أولَ الملتزمين بما أرشدوا أقوامهم إليه, ونهوهم عن كل رذيلة وكانوا هم أولَ المنتهين عما نهوا أقوامهم عنه, قال تعالى على لسان شعيب (عليه السلام): «وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه» آية رقم 88 مِن سورة هود.
ولذا أرشدنا الله تعالى إلى التأسي بهم فقال تعالى: «لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة» آية رقم 6 مِن سورة الممتحنة.
ولقد كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يطبق على نفسه كل ما يأمر به وينهى عنه, فما أمر بفضيلةٍ مِن الفضائل إلا كان أول الملتزمين بها ولا نهى عن رذيلةٍ مِن الرذائل إلا كان أول المنتهين عنها, وهذا واضح ظاهر مِن سيرته المُطهَّرة في كل مراحل حياته:
1- فقد أمر بالصدق والتزم به قولا وفعلا وسلوكا وأجمع الذين عرفوه وألفوه على أنه منذ صباه الباكر ما عرف الكذب أبدا, وحينما بُعث وأتاه الوحي أول مرة في غار حراء وارتجف فؤاده, لم تجد له السيِّدة خديجة زوجته ما تسكِّن به روعه أفضل مِن قولها له: والله لا يُخزيك الله أبدا: إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث.. الخ الحديث. رواه البخاري ومسلم.
2- أمر بالأمانة والتزم بها وعُرف بها صغيرا وكبيرا, وبلغ مِن اشتهاره بهذه الصفة أنه بعد البعثة كان المشركون يضعون عنده أماناتهم, مع اختلافهم معه في الدين, ومعلوم أنه كانت مهمة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) التي كلَّفه بها النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يبيت مكانه ويتسجى ببرده وأن يرد الأمانات إلى أهلها.
3- أمر بالوفاء والتزم به في كل صوره وأشكاله, فوفَّى لله تعالى فيما أنعم عليه مِن نعم فأجهد نفسه في القيام بشكرها حتى تفطَّرت قدماه مِن القيام ولما قالت له زوجته عائشة (رضي الله عنها): لماذا تصنع كل هذا بنفسك وقد غفر الله لك ما تقدَّم مِن ذنبك؟ قال لها: أفلا أكون عبدا شكورا! رواه البخارى ومسلم.
ووَفى بالعهود لكل مَن عاهده , فلم ينكث مرة عهدا, ولم يغدر أبدا!.
ومِن هنا لا يصلح أن يكون قدوة وأسوة إلا الأنبياء والمرسلون (عليهم السلام) بصفة عامة, وخاتمهم محمد (صلى الله عليه وسلم) بصفة خاصة.
الشيخ عثمان إبراهيم عامر