يؤكد القرآن الكريم أن العاقبة للمتقين، وأن الفوز والفلاح في الآخرة لأهل الإصلاح والإحسان والتواضع، فيقول تعالى: «تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين». القصص: 83. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلكم على أهل الجنة كل ضعيف متضاعف لو أقسم على الله لأبره، وأهل النار كل جواظ عتل مستكبر). رواه: البخاري، ومتضاعف أي متواضع صادق في وعده مخلص في إيمانه، والمراد بقول الرسول: جواظ. أي جاف غليظ، وقيل: المختال في مشيته، وهو في معنى المستكبر الذي يظهر قوته على غيره، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر، ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال خردلة من إيمان). رواه: أبو داود، إن قوة اليقين من قوة الإيمان، وهما سبيل التواضع والإحسان فحري بك أيها المسلم أن تسلك طريق الإحسان، لتكون من أهل الجنان، وتنجو من هول يوم الزحام، ولأننا نعيش في عصر تسيطر عليه مفاهيم مضطربة ومغرضة تتجه بالفرد إلى العنف والقوة، فإني في هذه المحاولة أريد تصحيح المفاهيم لدى أجيالنا وشبابنا، نفتح آفاق الفكر المستنير، ونفتح لهم باب الأمل في غد مشرق، وقبل ذلك نريد لأجيالنا التمسك بمنهج القرآن، فقد أنزل الله القرآن هدى وهداية للمتقين، ونواصل القول في حديث القرآن عن القوة وآثارها، يقص القرآن قصة قوم عاد، وأنهم قوم عتاة مستكبرين، بما أمدهم الله به من أموال وبنين، وبما أمدهم به من قوة البأس والتمكين، حتى سلكوا طريق الشر والفساد والتكبر والعناد، فاغتروا بما عندهم، فكان سببا لهلاكهم ودمارهم، وترك الله آثارهم وقصتهم عبرة لأولي الألباب. يقول تعالى: (فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون. فأرسلنا عليهم ريحا صررا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون). فصلت:15-16. ومما قصه القرآن من قصص المستكبرين، ما ذكره في آيات كثيرة وسور متعددة من شأن فرعون، الذي دعاه غروره وتكبره بما عنده من الملك والسلطان، حتى ادعى لنفسه الألوهية فجعله الله عبرة للذين اغتروا بما أمدهم الله به من القوة والجاه والتمكين، يقول تعالى: «فحشر فنادى. فقال أنا ربكم الأعلى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى. إن في ذلك لعبرة لمن يخشى». النازعات:23-26. ولكن فرعون أظهر ضعفه وذله عندما أدركه الغرق، وبعدما زال ملكه وسلطانه، وأدرك أنه كان في غرور وخداع، وأن القوة التي كان يدعيها قوة مزيفة، فلم ينفعه شيء من ذلك كله، يصور القرآن هذا المشهد المهيب، فيقول تعالى: «حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين. آلان وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين. فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون». يونس: 90-92. ويؤكد القرآن بطلان هذا المفهوم للقوة والضعف لدى من يعتقده أو يقول به. فيقول تعالى: «يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك». الانفطار:6-8. إن المفهوم المادي للقوة سبب للإفساد والفساد، وسبب للهلاك والدمار، وإن ما تعانيه البشرية الآن من توترات وصراعات واستيلاء على مقدرات الشعوب، إنما يرجع إلى المفهوم الخاطئ للقوة، ولو أن الناس غلبوا مفهوم القوة الإيمانية والاعتقادية والأخلاقية لساد العدل وانتشر الخير بين الناس في ربوع الأرض، وحينما طبق المسلمون هذا المنهج ساد العدل وانتشر الإسلام، وعم الرخاء، لأن الإسلام صهر الجميع في بوتقة واحدة، دون تمييز أو تفريق بين عربي وأعجمي، وبين أسود وأبيض، إن مبدأ المساواة واختيار الكفاءة التي يستفيد منها المجتمع مبدأ إسلامي، فهذا الرسول صلى الله عليه وسلم يعين أسامة بن زيد وهو شاب في سن السابعة عشر أو الثامنة عشر، يعينه قائدا على جيش المسلمين لملاقاة الروم، وفي الجنود من هو أسن منه، ومن هو أكبر منه في الإسلام، ويختار الرسول بلال بن رباح مؤذنا ومعروف أن بلالا كان عبدا حبشيا، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: سلمان منا آل البيت، ومن هو سلمان؟ إنه من فارس، وكما كان لصهيب الرومي. الذي نزل فيه قول الله تعالى: «ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد». سورة البقرة: 207. ولما لقيه الرسول هنأه قائلا: ربح البيع أبا يحيى ربح البيع أبا يحيى.