بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ور حمة الله
وضع القرآن الكريم جملة من القيم، التي لا غنى للمجتمع بدونها، وتعد معايير للحكم على السلوك، فبدون هذه القيم يقف المجتمع بلا تقدم، قيم يحيى بها الفرد والجماعة، تدفع إلى سلامة الفرد ووحدة الجماعة وتماسكها بما تبثه من تعاون، وتلقيه من محبة ومودة تذكي روح الأخوة والمساواة، وتقضي على الحقد والكراهية، وتذهب بالغضب والحسد والأنانية أدراج الرياح، وإليك هذه القيم والآيات التي تشير إليها:
1- الـتـواضـع:
التواضع هو ذلك السلوك الفعال في كسب القلوب وأسر العقول، لذلك لا تجد نبيًا إلا متواضعا، وقد بين الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وللمسلمين أن التواضع هو السر في إمالة القلوب واستقطابها، وأن الغلظة والتعالي سبب البعد والنفور، قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159].
التواضع هو السلوك الذي يمنح القدرة على التعبير عن النفس، وتدرك من خلاله السجايا، وتعرض من خلاله الحقائق بمرونة وبشكل سهل بسيط، يضفي على صاحبه هالة ووقار يدركه كل من يتعاملون معه، ويعطي انطباعاً إيجابياً، وتوفر عليه البحث عن أساليب معقدة يفرض من خلالها نفسه ورغباته، وقد مدح الله تعالى المتواضعين وذم المستكبرين وتوعدهم بالعذاب الأليم، قال تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [المائدة:82].
وقال تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:215]، وقال تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: 32]، وقال تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ . أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الأعراف:48-49].
أما الكبر وهو الترفع والتعالي واعتقاده أنه فوق الناس، قال تعالى فيه: {تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83]، وقال تعالى: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} [الإسراء:37]، وقال تعالى على لسان لقمان: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان:18].
فالتواضع ترسيخ وتدعيم للأخوة والمساواة التي وضعها الإسلام، أما الكبر فهو المرض العضال الذي ينال من الأخوة فيقضي عليها ويضع بدلاً منها الكره والحقد والحسد، فلا أحد يرضى أن يتعالى عليه أحد، لذلك حرمه الله بأشد الألفاظ وأبشع الأوصاف حتى ترتعد منه النفوس، وتتجنبه العقول، ومما يدل على أهميه في تربية الأولاد أنه يدخل ضمن ما وصى به لقمان الحكيم ولده، فاحرص أيها المربي على التواضع وغرسه في نفوس أولادك وحذرهم من الكبر، وبطش الله للمتكبرين، وجازهم وكافئهم على التواضع، وعليك بقصة قارون وفرعون فيهما من العظات ما يكفي.
2- الصـدق:
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119]، وقال تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:35]، وقال تعالى: {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [محمد:21].
أما الكذب، فقد قال تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النحل:105]، وقال تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [الأنعام:11]، وقال تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا} [النساء:50].
وقد عرف العلماء الصدق بأنه: "مطابقة ما ينطق به اللسان، لما هو مستكن في القلب والوجدان"، أما الكذب فهو ضده، وهو الغش الاجتماعي، وتوار الحقائق على الناس، والصدق منهج تربوي إسلامي، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قال لصبي تعال هاك ثم لم يعطه فهي كذبة» (حسنه الألباني لغيره في الترغيب والترهيب:2942)، فهكذا نرى نبينا صلى الله عليه وسلم يحرص تمام الحرص على تربية الأولاد على هذه الصفة الحميدة والخلق القويم، وكيف لا؟ فإن الصدق في الأقوال يؤدي إلى الصدق في الأفعال مما يؤدي إلى صلاح الأحوال، وانتشار البركات والرحمات، وزيادة المحبة والألفة بين أفراد المجتمع، فيتقدم المجتمع ويعمه الرخاء والازدهار..
وعلى النقيض إذا انتشر الكذب انتشر معه الفساد والاضمحلال والكساد، بما يؤدي بضعف المجتمع وزوال هيبته لأن الكذب يؤدي إلى الفجور كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم، وكما قيل: "رأس المأثم الكذب"، وهو من أقوى أسلحة إبليس في الإغواء وتسهيل إرتكاب المعاصي، فالكذوب يتعمد الكذب ليغطي ويمحو معصية ارتكبها أو ليتجمل سنية فعلها، أو ليبرز ما يقوم به من أعمال الشيطان، لذلك يجب أن نصون أبنائنا عنه ونحميهم منه.
3- التعاون على البر والتقوى:
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة:2]،
تشير الآية الكريمة إلى نوعين من التعاون..
النوع الأول: هو الذي ارتضاه الإسلام وحرص عليه وحث عليه المسلمين، وهو التعاون في كل وجوه الخير التي تعود على الأفراد والجماعات بالنفع، التعاون على طاعة الله ونصرة دينه، التعاون لنصرة المظلوم، التعاون لردع الظالم، التعاون من أجل المصلحة العامة، التعاون للارتقاء بالمجتمع ونشر العلم والثقافة، وهكذا..
أما النوع الآخر: فهو النوع المذموم الذي حاربه الإسلام، وهو ما كان عليه العرب في الجاهلية، وهو التعاون على الإثم والعدوان وظلم الناس والإفساد ونشر الرذيلة والفاحشة، فقد كان العرب يقولون: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا".
والإنسان كائن اجتماعي بطبعه، لا يستطيع العزلة عن المجتمع، فهو يحتاج إلى غيره لإشباع حاجاته الأساسية من كساء وغذاء ودواء وغير ذلك من متطلبات الحياه، وغيره كذلك يحتاج إليه، ومن ثم كان التعاون ضرورة ملحه لا بد منها، لذا حث الإسلام عليه وقننه وضبطه، ومن ثم ينبغي أن يتعود الطفل على التعاون المثمر والفعال منذ الصغر، كما ينبه على أن التعاون ضرورة من ضروريات الحياة، فكثيرًا من الأنبياء الصالحين طلب من الله يعينهم بغيرهم، مثل موسى عليه السلام، وذو القرنين وغيرهم..، حتى يتقدم بهم المجتمع.
4- أداء الأمانة:
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:58]، وقال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب:72]. يتصور أن مجتمع تضيع فيه الأمانة، فهو مجتمع لا أمان فيه، تضيع فيه الحقوق، ينتشر فيه أمراض القلوب من الحقد والكره والغضب، وهو من علامات قيام الساعة كما أخبرنا بذلك المعصوم عليه الصلاة والسلام، ومن علامات النفاق ويرتبط بالخيانة العديد من الرذائل التي تحط من قدر الإنسان أمام نفسه وأمام مجتمعه.
5- الاتحاد:
قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:103]، يأمر الله تبارك وتعالى في الآية بالاعتصام وهو التمسك التشبث بشريعته، وشبه الشريعة بالحبل زيادة في الإيضاح وحثًا على التمسك بها، فهي وسيلة الاتحاد والتجمع التي يستمد منها المسلمون قوتهم بالالتفاف حولها، وتنهانا عن التفرق، التفرق يأتي الضعف والهوان، وإذلال الأمم والشعوب.
وينبغي للمربين أن يبثوا في نفوس أولادهم قيمة الاتحاد وأثرها على الفرد والمجتمع، والفُرقة والشتات وأثره على الفرد والمجتمع، ويعظوهم ويحثوهم بأيات الله، وقصص القرآن، قال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105]، وقال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46].
كما ينبغي أن يروي لهم ما فعله الاستعمار والغرب قديماً وحديثاً، حيث لم يستطيعوا الهيمنة على أرض الإسلام ونهب ثرواتها قديمًا لاتحاد المسلمين، فأدركوا أن قوة المسلمين تكمن في عقيدتهم التي تمدهم بالاتحاد، فحاولوا إضعاف العقيدة وتمزيق الوحدة، فحال المسلمين اليوم كما نراه، لا يسر عدوًا أو صديق، ومنها فهناك علاقة طردية بين ارتباط المسلمين بعقيدتهم وبين قوتهم وازدهار حضارتهم ورقيها، كما ينبغي خلق المواقف التي تتطلب الاتحاد والتعاون من الأطفال وحثهم عليه ودفعهم إليه، حتى يعتادوا عليه.
6- الوفــاء:
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [المائدة:1]، من القيم الهامة التي لها أثر عميق في العلاقات الاجتماعية والإنسانية، فهو يعمق الاحترام بين الأفراد والجماعات، وينمي المحبة ويوسع دائرة العلاقات الاجتماعية، والإخلال به يجلب اختلال العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع.
وقد جاء استعماله في القرآن الكريم بصيغ مختلفة ومتنوعة، فتارة يأتي الوفاء بعهد الله، كما قال تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة:40]، وتارة يأتي بعموم الوفاء، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف:2- 3]، وقال تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا [الإسراء:34]، وقال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الانعام:152].
وهكذا يأتي اهتمام القرآن الكريم في تربيته للمسلمين بالوفاء والحث عليه وتنوع الآيات القرآنية المختصة به توحي بعموم المعنى، فلا يقتصر فقط على الوفاء بالمواعيد والعهود، والكيل والميزان فقط، بل المعنى أشمل من ذلك، وهكذا تتجلى عظمة التربية القرآنية وروحها، ولكي يحث ويدفع الله تبارك وتعالى المسلمين إلى الوفاء لم يحذرهم من الإخلال به فقط، بل ضرب لنا أروع وأسمى نموذج في الوفاء، قال تعالى: {وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة:111]. فاحرص أيها المربي على تربية أبنائك عليه، وإذا لم تفعل فاعلم أن أول من يعاني من ضده هو أنت.
الروابط والصلات الاجتماعية:
عمل القرآن الكريم على ربط أفراد المجتمع المسلم مع بعضهم البعض بعدة روابط، وجعل لها آداب وحقوق، وحذر قطع هذه الصلات، دفعاً لتماسك المجتمع وتقوية روابطه، وزيادة المودة والألفة..
- فمنها روابط الأبوة والبنوة، قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء:23]، وقال تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24]، وأيضاً قوله تعالى: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا} [الإسراء: 28]، وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان:14]، فلنعلم أبنائنا ونربيهم على بر الوالدين، فقد أكثر الله تعالى: من التوصية بهما خيراً، حتى أنه قرن الأمر بعبادته بالأمر بالإحسان إليهما، وقرن الأمر بشكره بالأمر بشكرهم.
- ولا تقتصر العلاقات والصلات الاجتماعية على الوالدين فقط، بل تمتد لتشمل جميع الأقارب والأرحام، فقد نهى الله قطعها وأمر بوصلها، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} [الرعد:21].
- ويوصي أيضاً بالجار القريب، قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء:36]، فقد جمع الله في هذه الآية المستحقين للإحسان والصلة، ومنهم الصاحب.
فينبغي أن ينظم المربي أوقات للصلة والإحسان إلى هؤلاء المشار إليهم في الآية ويطلع الصغير عليه، ويشاركه فيها، ومع مرور الوقت يحاسبه هو إذا كان يصل الأهل والأصدقاء والجيران أم لا، ويكافئ عليها، ومن الجوانب المهمة أيضاً التربية الاجتماعية، أن يحرص المربي على تلقين الأولاد الآداب الاجتماعية، مثل الاستئذان والسلام، والتهادي وغير ذلك.
وأخيرًا: فهذا النموذج الأمثل في التربية الاجتماعية، الذي لا يضاهيه ولا يضارعه نموذج فهو نموذج من وضع الله الذي يعلم السر وأخفى، الذي يعلم بمكنون النفوس، وما يضرها وما يصلحها، فإذا كنا نريد السلامة لأبنائنا والنجاة من عقاب ربنا فلنتبع ما وجهنا إليه، ولا نأخذ بما يأتي به العقل الضعيف الذي يخطئ ويصيب، وخاصة العقول الغربية الكافرة، فلو كان في أفكارهم خيرًا لصلحت بها مجتمعاتهم، لكن التفكك والإغراق يعم مجتمعاتهم، فابتغوا العزة فيما عند الله فهو المعز وهو المذل، لا إلـه إلا هـو.
طريق الاسلام