ضابط الحرج وحالات الجمع بين الصلاتين
السؤال:
ما هو ضابطُ الحرج في الجمع بين الصلاتين في الشتاء؟ وإذا حاك في صدر المرء حرجٌ مِنْ جمعِ الإمام: فهل له أَنْ ينويَ معه العشاءَ نافلةً ثمَّ يصلِّيها في بيته عند دخول وقتها؟ وبارك الله فيكم.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالحرج ـ في الجملة ـ هو كُلُّ ما يُوجِبُ التضييقَ على البدن أو النفس أو المال في الدنيا والآخرة وفي الحال أو المآل، قال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلدِّينِ مِنۡ حَرَجٖ﴾[الحج: ٧٨]، أي: ما كلَّفكم ما لا تُطيقون وما أَلْزَمكم بشيءٍ يَشُقُّ عليكم إلَّا جعل اللهُ لكم فَرَجًا ومخرجًا.
ومِنَ الحالات التي تُسبِّبُ الحرجَ ويُرخَّصُ فيها الجمعُ عند وجوده: السفرُ، والمطرُ، والمرضُ، والحاجةُ العارضةُ وغيرُها.أمَّا الحالاتُ التي يجوز فيها الجمعُ بين الصلاتين في الحَضَر في فصلِ الشتاء ـ غالبًا ـ فمنها: المطرُ، والبَرْدُ الشديدُ، والريحُ العاصفُ، والوَحَلُ الكثيرُ، والثلجُ ونحوُها.
أمَّا المطرُ فيجوز فيه الجمعُ، سواءٌ كان نازلًا أو متوقَّعَ النُّزول. أمَّا البردُ والثلجُ والوَحَلُ فيجوز فيها الجمعُ ـ وإِنْ لم يكن المطرُ نازلًا ـ لحصول الضيق والحرج على المكلَّفين، و«المشَقَّةُ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ».
ولا يخفى أنَّ الصلاة في المسجد جمعًا أَوْلى مِنَ الصلاة في البيوت مفرَّقةً، ولأنَّ ما انعقد عليه الإجماعُ: أولويَّةُ إقامِ الصلاة المفروضة في المسجد جماعةً على إقامتها في البيوت قولًا واحدًا.
أمَّا إِنْ جَمَع الإمامُ مع انتفاءِ الحرج كُلِّيًّا فللمقتدي أَنْ ينوِيَ به فَضْلَ الجماعة نفلًا، ثمَّ يقيمُها فرضًا بعد دخول وقتها في المسجد مع المتخلِّفين عن الصلاة أو في البيت مع جماعةٍ إِنْ أمكنه ذلك؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم في قصَّة الرجلين: «إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ؛ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ»(١).
علمًا أنَّ الجمع لا يختصُّ بالسفر، وإنما يتعلَّق بالحرج والحاجة، بخلافِ القصر فإنه يتعلَّق بالسفر؛ إذ القَصْرُ سنَّةٌ راتبةٌ واجبةٌ على الراجح، والجمعُ رخصةٌ عارضةٌ؛ وعليه فلا يجوز اتِّخاذُ الجمع عادةً يُترخَّصُ بها مع تخلُّف عِلَّتِه المتمثِّلةِ في دفعِ الحرج والمشقَّة، أو وجودِ الحاجة، قال النوويُّ ـ رحمه الله ـ: «وذَهَب جماعةٌ مِنَ الأئمَّة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمَنْ لا يتَّخِذه عادةً، وهو قولُ ابنِ سيرين، وأشهبَ مِنْ أصحاب مالكٍ، وحكاه الخطَّابيُّ عن القفَّال الشاشيِّ الكبير مِنْ أصحاب الشافعيِّ عن أبي إسحاق المروَزيِّ عن جماعةٍ مِنْ أصحاب الحديث، واختاره ابنُ المنذر، ويؤيِّده ظاهرُ قولِ ابنِ عبَّاسٍ: «أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ»(٢)»(٣).
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
(١) أخرجه الترمذيُّ في «الصلاة» بابُ ما جاء في الرجل يصلِّي وحده ثمَّ يُدْرِك الجماعةَ (٢١٩)، والنسائيُّ في «الإمامة» بابُ إعادةِ الفجر مع الجماعة لمَنْ صلَّى وَحْدَه (٨٥٨)، مِنْ حديثِ يزيد بنِ الأسود العامريِّ رضي الله عنه. وصحَّحه النوويُّ في «الخلاصة» (١/ ٢٧١)، وابنُ الملقِّن في «البدر المنير» (٤/ ٤١٢)، والألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٦٦٧).
(٢) أخرجه مسلمٌ في «صلاة المسافرين وقصرِها» (٧٠٥).
(٣)«شرح مسلم» للنووي (٥/ ٢١٩).
السؤال:
ما هو ضابطُ الحرج في الجمع بين الصلاتين في الشتاء؟ وإذا حاك في صدر المرء حرجٌ مِنْ جمعِ الإمام: فهل له أَنْ ينويَ معه العشاءَ نافلةً ثمَّ يصلِّيها في بيته عند دخول وقتها؟ وبارك الله فيكم.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالحرج ـ في الجملة ـ هو كُلُّ ما يُوجِبُ التضييقَ على البدن أو النفس أو المال في الدنيا والآخرة وفي الحال أو المآل، قال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلدِّينِ مِنۡ حَرَجٖ﴾[الحج: ٧٨]، أي: ما كلَّفكم ما لا تُطيقون وما أَلْزَمكم بشيءٍ يَشُقُّ عليكم إلَّا جعل اللهُ لكم فَرَجًا ومخرجًا.
ومِنَ الحالات التي تُسبِّبُ الحرجَ ويُرخَّصُ فيها الجمعُ عند وجوده: السفرُ، والمطرُ، والمرضُ، والحاجةُ العارضةُ وغيرُها.أمَّا الحالاتُ التي يجوز فيها الجمعُ بين الصلاتين في الحَضَر في فصلِ الشتاء ـ غالبًا ـ فمنها: المطرُ، والبَرْدُ الشديدُ، والريحُ العاصفُ، والوَحَلُ الكثيرُ، والثلجُ ونحوُها.
أمَّا المطرُ فيجوز فيه الجمعُ، سواءٌ كان نازلًا أو متوقَّعَ النُّزول. أمَّا البردُ والثلجُ والوَحَلُ فيجوز فيها الجمعُ ـ وإِنْ لم يكن المطرُ نازلًا ـ لحصول الضيق والحرج على المكلَّفين، و«المشَقَّةُ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ».
ولا يخفى أنَّ الصلاة في المسجد جمعًا أَوْلى مِنَ الصلاة في البيوت مفرَّقةً، ولأنَّ ما انعقد عليه الإجماعُ: أولويَّةُ إقامِ الصلاة المفروضة في المسجد جماعةً على إقامتها في البيوت قولًا واحدًا.
أمَّا إِنْ جَمَع الإمامُ مع انتفاءِ الحرج كُلِّيًّا فللمقتدي أَنْ ينوِيَ به فَضْلَ الجماعة نفلًا، ثمَّ يقيمُها فرضًا بعد دخول وقتها في المسجد مع المتخلِّفين عن الصلاة أو في البيت مع جماعةٍ إِنْ أمكنه ذلك؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم في قصَّة الرجلين: «إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ؛ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ»(١).
علمًا أنَّ الجمع لا يختصُّ بالسفر، وإنما يتعلَّق بالحرج والحاجة، بخلافِ القصر فإنه يتعلَّق بالسفر؛ إذ القَصْرُ سنَّةٌ راتبةٌ واجبةٌ على الراجح، والجمعُ رخصةٌ عارضةٌ؛ وعليه فلا يجوز اتِّخاذُ الجمع عادةً يُترخَّصُ بها مع تخلُّف عِلَّتِه المتمثِّلةِ في دفعِ الحرج والمشقَّة، أو وجودِ الحاجة، قال النوويُّ ـ رحمه الله ـ: «وذَهَب جماعةٌ مِنَ الأئمَّة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمَنْ لا يتَّخِذه عادةً، وهو قولُ ابنِ سيرين، وأشهبَ مِنْ أصحاب مالكٍ، وحكاه الخطَّابيُّ عن القفَّال الشاشيِّ الكبير مِنْ أصحاب الشافعيِّ عن أبي إسحاق المروَزيِّ عن جماعةٍ مِنْ أصحاب الحديث، واختاره ابنُ المنذر، ويؤيِّده ظاهرُ قولِ ابنِ عبَّاسٍ: «أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ»(٢)»(٣).
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
(١) أخرجه الترمذيُّ في «الصلاة» بابُ ما جاء في الرجل يصلِّي وحده ثمَّ يُدْرِك الجماعةَ (٢١٩)، والنسائيُّ في «الإمامة» بابُ إعادةِ الفجر مع الجماعة لمَنْ صلَّى وَحْدَه (٨٥٨)، مِنْ حديثِ يزيد بنِ الأسود العامريِّ رضي الله عنه. وصحَّحه النوويُّ في «الخلاصة» (١/ ٢٧١)، وابنُ الملقِّن في «البدر المنير» (٤/ ٤١٢)، والألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٦٦٧).
(٢) أخرجه مسلمٌ في «صلاة المسافرين وقصرِها» (٧٠٥).
(٣)«شرح مسلم» للنووي (٥/ ٢١٩).