المختار في أصول السنة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي العربي المكي ثم المدني، أشهد أنه رسول الله وأنه خاتم النبيين، وأنه رسول الله إلى الثقلين الجن والإنس من العرب والعجم، وأنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه من ربه اليقين؛ فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين وعلى آله وعلى أصحابه وعلى أتباعه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فإني أحمد الله إليكم وأشكره وأثني عليه الخير كله، وأسأله المزيد من فضله، وأسأله سبحانه وتعالى أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعا مرحوما، وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، وأن لا يجعل فينا ولا منا شقيا ولا محروما.
وأسأله سبحانه وتعالى أن يجعل مجلسنا هذا مجلس خير وعلم ورحمة تنزل عليه السكينة وتغشاه الرحمة، وتحفه الملائكة، ويذكره الله فيمن عنده، فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده »1 والحمد لله الذي أعادنا إلى مجالس الذكر وحلقات العلم، فنسأله -سبحانه وتعالى- أن يصلح قلوبنا وأعمالنا ونياتنا وذرياتنا، ونسأله -سبحانه وتعالى- أن يرزقنا جميعا الإخلاص في العمل، والصدق في القول.
أيها الإخوان: إن طلب العلم وتعلم العلم وتعليمه من أفضل القربات وأجل الطاعات، وهو ميراث الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-؛ ولهذا قال العلماء: إن طلب العلم أفضل من نوافل العبادة -يعني- إذا تعارض طلب العلم، وأن تأتي بنوافل الصلاة ونوافل الزكاة ونوافل الصيام ونوافل الحج فإن طلب العلم مقدم، وما ذاك إلا لأن المسلم إذا تعلم العلم تبصر وتفقه في دين الله؛ فأنقذ نفسه من الجهل، وأنقذ غيره.
والأصل في الإنسان أنه لا يعلم كما قال الله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾2
والعلم هو ميراث النبوة، والأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم، وطالب العلم الذي يسلك السبيل إليه إنما يسلك السبيل إلى الجنة، كما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة »3 والذي يفقهه الله في دين الله، وفي شريعة الله قد أراد الله به خيرا، كما ثبت في الصحيحين من حديث معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين »4 قال العلماء: هذا الحديث له منطوق وله مفهوم، فمنطوقه: أن من فقهه الله في الدين فقد أراد الله به خيرا، ومفهومه: أن من لم يرد الله به خيرا لم يفقهه في الدين، وأهل العلم هم أهل الخشية الحقيقية؛ كما قال الله تعالى في كتابه العظيم: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾5 يعني: الخشية الحقيقية، وإلا فكل مؤمن عنده أصل الخشية.
والله تعالى أمر نبيه أن يسأله الزيادة في العلم فقال سبحانه: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾6 ولم يأمره أن يسأله الزيادة من المال أو الجاه، وإنما قال: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾6 فالعلماء لهم مكانتهم ولهم ميزتهم عن غيرهم، فلا يساوون غيرهم؛ ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾7
ومن شرف أهل العلم أن الله تعالى قرن شهادة أهل العلم بشهادته وشهادة ملائكته على أجل مشهود به، وهي الشهادة لله تعالى بالوحدانية؛ قال سبحانه وتعالى في كتابه العظيم: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾8 وشرف العلم إنما يشرف بشرف المعلوم، وأشرف العلوم هو علم التوحيد، علم العقيدة المأخوذ من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
علم التوحيد، علم العقيدة والتوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام -كما هو معلوم عند أهل العلم-: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات يتعلق بذات الرب سبحانه وتعالى، وإثبات حقيقة ذات الرب وأسمائه وصفاته وأفعاله، وهذان النوعان من التوحيد وسيلة إلى توحيد العبادة وتوحيد الذات وتوحيد الألوهية، وذلك أن الإنسان عليه أولا أن يعرف معبوده -يعني- يعرف ربه بأسمائه وصفاته وأفعاله، فإذا عرف ربه بأسمائه وصفاته وأفعاله بعد ذلك عليه أن يعرف حقه حتى يؤديه، وهو عبادته سبحانه وأداء الواجبات وترك المحرمات، وامتثال الأوامر واجتناب النواهي.
ثم بعد ذلك هناك علم ثالث وهو العلم بالجزاء والثواب الذي أعده الله للمؤمنين الموحدين؛ ما أعد لهم من الكرامة، وما يكون في يوم القيامة من البعث والجزاء والحساب والميزان والصراط والجنة والنار، وما أعده الله لأعدائه الكفرة من الجزاء والحساب، ودخولهم النار نسأل الله السلامة والعافية.
فيكون العلم ثلاثة أقسام لا رابع لها:
القسم الأول: العلم الذي يتعلق بذات الرب وأسمائه وصفاته وأفعاله.
ثم العلم الثاني: العلم الذي يتعلق بحق الرب؛ الأوامر والنواهي العلم بدين الله وهو الأوامر والنواهي.
ثم العلم الثالث: العلم بالجزاء وما يكون في الآخرة وما أعده الله تعالى في الآخرة لمن وحد الله من الكرامة والنعيم، ولمن ترك التوحيد من الشقاء والعذاب.
كما قال العلامة ابن القيم -رحمه الله- في الكافية الشافية:
والعلـم أقسـام ثلاث ما لهـا
مـن رابـع والحق ذو تبيــان
علـم بأوصـاف الإلـه وفعله
وكــذلك الأسـماء للرحـمن
هذا العلم الأول بالأوصاف والأفعال والأسماء:
والأمـر والنهي الـذي هو دينه
................................
هذا العلم الثاني دين الله الأوامر والنواهي.
................................
وجـزاؤه يوم المعـاد الثـاني
هذا العلم الثالث.
والعلـم أقسـام ثلاث ما لهـا
مـن رابـع والحق ذو تبيــان
علـم بأوصـاف الإلـه وفعله
وكــذلك الأسـماء للرحـمن
والأمـر والنهي الـذي هو دينه
وجـزاؤه يـوم المعـاد الثـاني
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا جميعا الإخلاص في العمل والصدق في القول.
على المؤمن وطالب العلم أن يخلص عمله لله، وليعلم أنه في عبادة من أجل القربات وأفضل الطاعات، عليه أن يخلص طلبه للعلم. أنت في عبادة أفضل من نوافل العبادات كلها، أفضل من نوافل الصلاة، وأفضل من نوافل الصيام، وأفضل من نوافل الصوم، وأفضل من نوافل الحج، وأفضل من نوافل الجهاد؛ وما ذاك إن الإنسان إذا تعلم أنقذ نفسه وأنقذ غيره، فلا بد أن يخلص الإنسان نيته قيل:. . كيف ينوي؟ قال: ينوي أن يرفع الجهل عن نفسه وعن غيره.
فأنت الآن ترفع الجهل عن نفسك؛ فتتبصر وتتفقه في دين الله وفي شريعته، وفيما يجب له في حقه سبحانه وتعالى، ثم بعد ذلك تبصر غيرك وترفع الجهل عن غيرك، والعبادة لا بد لها من أمرين، لا تصح إلا بهما كل عبادة، نحن في عبادة وطلب العلم عبادة من أفضل القربات، والعبادة لا بد لها من أمرين أساسيين، ركنين أساسيين لا تصح إلا بهما:
الأمر الأول: أن يكون مقصود المتعبد وجه الله والدار الآخرة، لا يريد رياء ولا سمعة ولا الدنيا ولا حطامها ولا الجاه، إنما يريد وجه الله والدار الآخرة.
والأمر الثاني: أن تكون هذه العبادة موافقة لشرع الله والصواب على دينه، والأمر الأول هو تحقيق شهادة أن لا إله الله وأن لا يعبد إلا الله، والأمر الثاني هو تحقيق شهادة أن محمدا رسول الله، وإذا تخلف الأمر الأول وقع الشرك حل محله الشرك، وإذا تخلف الأمر الثاني حل محله البدع قال الله تعالى في كتابه العظيم: فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴿ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا ﴾9 هذا هو الصواب، هذا هو الأمر الثاني: ﴿ وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾9 هذا هو الإخلاص.
وقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ﴾10 فإسلام الوجه: إخلاص العمل لله، والإحسان هو إتقان العمل، والإحسان هو كون العمل موافقا للشرع قال سبحانه وتعالى: ﴿ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾11
قال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان: « إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى »12 .
هذا هو الأصل الأول، وقال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد »13 وفي لفظ لمسلم: « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد »14 .
ونحن إن شاء الله في هذه الدورة المباركة سوف ندرس هذا الكتاب الذي بين أيدينا وهو (المختار في أصول السنة)، المختار في أصول السنة، تأليف الإمام أبي علي الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البنا الحنبلي، المولود سنة ست وسبعين وثلاثمائة، والمتوفى سنة إحدى وسبعين وأربعمائة، فعمره خمس وسبعون سنة وهو من علماء القرن الخامس الهجري، وهذا الكتاب كما هو. . المؤلف -رحمه الله- من علماء الحنابلة، ومن أهل السنة والجماعة، عقيدته عقيدة أهل السنة والجماعة، وله شيوخ وله تلاميذ وله مؤلفات.
والأئمة والعلماء أئمة أهل السنة وعلماء الأمة لهم جهود كثيرة وأنشطة في سبيل نشر العقيدة وتثبيتها وتصحيحها والذب عنها، وإبطال كل ما يخالفها ويضادها من أقوال فاسدة، وقد بذلوا أوقاتهم ونفوسهم في أداء هذا الواجب العظيم، كثرت المؤلفات وتنوعت فمنها المخطوط ومنها المطبوع.
وأغلب المؤلفين في كتب العقائد أنه يذكر معتقد أهل السنة والجماعة، ويستدل له بالنصوص من الكتاب والسنة، ويذكر مذهب المخالفين لأهل السنة والجماعة، مذاهب المخالفين من المعتزلة والأشاعرة والجهمية والرافضة والكرامية والسالمية والفلاسفة والصوفية والباطنية وغيرهم، يذكرون مذاهبهم الفاسدة وأدلتهم العقلية الكاسدة وتأويلهم للنصوص ويردون عليهم.
ومن العلماء من يؤلف مؤلفات خاصة في معتقد أهل السنة والجماعة فقط دون أن يذكر أدلة المخالفين، ومنهم من يذكر أدلة المخالفين لأهل السنة والجماعة؛ كالكتب التي ألفت في الفرق في عقيدة المعتزلة والأشاعرة والمرجئة والقدرية، ومنهم من يجمع بين الأمرين، وغالب كتب العقائد هو أن يكون الكتاب متضمنا لعقيدة أهل السنة والجماعة والاستدلال لهم، وعقيدة المخالفين لأهل السنة والرد عليهم.
والمبتدئ عليه أن يبدأ أولا برسائل صغيرة في عقيدة السنة والجماعة في توحيد العبادة؛ كالأصول الثلاثة والقواعد الأربع وكشف الشبهات وكتاب التوحيد، هذه الكتب الأربعة للإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-.
على المبتدئ أن يقرأ هذه الرسائل وهذه الرسائل كانت تحفظ، كان يحفظها المبتدئون يحفظونها، ولا يزال العلماء يدرسونها للصغار وللكبار، الأصول الثلاثة التي يسأل عنها الإنسان إذا وضع في قبره: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ رسالة عظيمة مختصرة يحفظها صغار الطلبة، وهي مفيدة لا يستغني عنها المنتهي، ثم القواعد الأربعة في التمييز بين أهل الشرك وأهل التوحيد، ثم كشف الشبهات وهي عبارة عن سلسلة من الشبهات لأهل الشرك والرد عليها، ثم كتاب التوحيد الذي هو الكتاب العظيم الذي لم يؤلف على مثله، ولم ينسج على منواله؛ لأنه كتاب متخصص لتوحيد العبادة والإلهية.
حتى العلماء السابقون كتاب التوحيد للإمام البخاري في الأسماء والصفات، وكذلك غيره، والسبب في ذلك أنه في زمانهم -رحمهم الله- كان الانحراف في الأسماء والصفات فلهذا ألفه، وفي زمان الإمام محمد -رحمه الله- كان الشرك في العبادة؛ فلهذا ألف هذا الكتاب الذي لم ينسج على منواله، وليس له نظير فيما نعلم في كتاب توحيد العبادة، وهو فوق الستين، فوق الستين بابا في إثبات توحيد العبادة، وما يضاده من الشرك والبدع والشرك الأصغر، بين الشرك الأصغر والشرك الأكبر، وهو على طريقة الإمام البخاري باعتراف المحققين، نفسه نفس البخاري في التراجم والاستدلال والآيات.
ثم بعد ذلك هناك كتب أي كتب السنة كثيرة، ومن أهمها في توحيد الأسماء والصفات وتوحيد الربوبية مؤلفات الإمام المجدد العالم العلامة، البحر الفهامة تقي الدين شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، وأولها رسالة العقيدة الواسطية رسالة عظيمة ينبغي أن يحفظها كل طالب علم، ورسالة مختصرة في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة والإشارة إلى إبطال ما خالفها وهي مختصرة وصغيرة يحفظها طالب العلم، كتبها -رحمه الله- في جلسة بعد العصر جوابا عن سؤال، ثم الفتوى الحموية الكبرى، ثم التدمرية، ثم العقيدة الطحاوية وغيرها، ثم بعد ذلك كتب أهل السنة كثيرة، كتاب السنة للإمام أحمد بن حنبل، كتاب السنة لابنه عبد الله، كتاب السنة للخلال، كتاب السنة للبربهاري وغيرهم.
وهذه الرسالة التي بين أيدينا سماها المؤلف -رحمه الله-: "المختار في أصول السنة" المؤلف -رحمه الله- اختار هذه الرسالة، هذه الرسالة لخصها أو اختارها من ثلاثة كتب، الكتاب الأول كتاب الشريعة للآجري، وهو على ينقل نص ينقل من الشريعة للآجري وكتاب الشريعة للآجري كتاب عظيم في معتقد أهل السنة والجماعة ينقل بالأسانيد، والمؤلف -رحمه الله- أحيانا يأتي بأسانيد غير أسانيد المؤلف فيكون في هذا قوة للحديث وهو يشبه المستخرجات، والكتاب الثاني كتاب التوحيد للإمام البخاري في صحيحه والكتاب الثالث مشكل الحديث لابن قتيبة -رحمه الله-.
وهو ينقل عن هذه الكتب الثلاثة، -يعني- ضمن المؤلف -رحمه الله- كتابه المختار في أصول السنة هذه الكتب الثلاثة، فهو عبارة عن اختصار لمواضع من هذه الكتب لم يستوف لهذه الكتب لكن اختصار لمواضع.
وفي الغالب يلتزم بعبارات المؤلف وأحيانا يتصرف في النقل، وهو -رحمه الله- لم يلتزم نهجا واحدا في الاختصار من حيث حذف أسانيد الكتاب المختصرة أو إثباتها، فهو أحيانا يذكر الحديث بإسناد وأحيانا يقتصر على راويه من الصحابة.
وفي اختصاره لكتاب الشريعة للآجري لا يورد أسانيد الآجري، وإنما يورد أسانيد من عنده، أسانيد يرويها هو فيكون في هذا قوة للحديث كما يفعل الإمام مسلم -رحمه الله- حينما يذكر طرق الحديث المتعددة، فيكون في هذا قوة فهو بمثابة المستخرج، والمؤلف -رحمه الله- يذكر في هذا الكتاب معتقد أهل السنة والجماعة، ويرد على أهل البدع، يرد على أهل البدع.
وفي نقله عن الإمام البخاري يذكر أحيانا ترجمة الإمام البخاري وأحيانا لا يذكرها، وأحيانا يذكر الأسانيد، أسانيد البخاري وأحيانا لا يذكرها وأحيانا يحذف بعض الأبواب وأحيانا يذكرها.
وذكر في هذا الكتاب أصول في التعريف بالطوائف من أهل البدع كالجهمية والروافض الرافضة والمعتزلة والمرجئة، وذكر أنه أفرد كتابا في بيان الاثنتين والسبعين فرقة ومذاهبهم وأدلتهم والإجابة عنها، وأطال المؤلف -رحمه الله- النفس في مسألة القرآن والرد على الطوائف المبتدعة في ذلك بأنواعهم، فرد على القائلين بخلق القرآن، وعلى القائلين بأن اللفظ في القرآن مخلوق، وعلى الواقفة، وبين كما بين غيره من أهل العلم بأن من قال القرآن مخلوق فهو كافر، كما حكم بذلك الإمام أحمد وغيره من أهل العلم قالوا: من قال القرآن مخلوق فهو كافر -يعني- على العموم أما الشخص المعين لا بد من إقامة الحجة عليه.
وكذلك من قال: لفظة القرآن مخلوق فهو مبتدع، فهو أيضا كذلك مبتدع، وكذلك من توقف، الواقف منهم الواقف من توقف؛ يقول: لا أقول مخلوق ولا غير مخلوق فهو مبتدع أيضا، بل الواجب على المسلم يجزم بأن القرآن كلام الله منزل وغير مخلوق.
والكتاب هذا حققه الشيخ فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر تحقيقا جيدا، خرج الأحاديث وعلق على ما يحتاج إلى تعليق، فجزاه الله خيرا وأثابه على هذا التحقيق والتعليق الجيد. وإذا أمكن أن يكون بين يدي طالب العلم هذا الكتاب محققا يكون أحسن إذا تيسر، وإن لم يتيسر فيكفي قراءة المتن، ويعلق طالب العلم ما يراه بحاجة إليه والآن نبدأ.
1 : مسلم : الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2699) , والترمذي : القراءات (2945) , وأبو داود : الصلاة (1455) , وابن ماجه : المقدمة (225) , وأحمد (2/252).
2 : سورة النحل (سورة رقم: 16)؛ آية رقم:78
3 : مسلم : الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2699) , والترمذي : العلم (2646) , وأحمد (2/252) , والدارمي : المقدمة (344).
4 : البخاري : العلم (71) , ومسلم : الإمارة (1037) , وابن ماجه : المقدمة (221) , وأحمد (4/93) , ومالك : الجامع (1667) , والدارمي : المقدمة (226).
5 : سورة فاطر (سورة رقم: 35)؛ آية رقم:28
6 : سورة طه (سورة رقم: 20)؛ آية رقم:114
7 : سورة الزمر (سورة رقم: 39)؛ آية رقم:9
8 : سورة آل عمران (سورة رقم: 3)؛ آية رقم:18
9 : سورة الكهف (سورة رقم: 18)؛ آية رقم:110
10 : سورة لقمان (سورة رقم: 31)؛ آية رقم:22
11 : سورة البقرة (سورة رقم: 2)؛ آية رقم:112
12 : البخاري : بدء الوحي (1) , ومسلم : الإمارة (1907) , والترمذي : فضائل الجهاد (1647) , والنسائي : الطهارة (75) , وأبو داود : الطلاق (2201) , وابن ماجه : الزهد (4227) , وأحمد (1/25).
13 : البخاري : الصلح (2697) , ومسلم : الأقضية (1718) , وأبو داود : السنة (4606) , وابن ماجه : المقدمة (14) , وأحمد (6/256).
14 : مسلم : الأقضية (1718) , وأحمد (6/146).