مقال العرب بعيون سينمائية بقلم يحيي السيد عمر
منذ مدة ليست بالبعيدة شاهدت على إحدى القنوات الفضائية التي أكنّ لها شديد الاحترام برنامجاً يتحدث عن العرب في السينما الأمريكية، شدّني الموضوع والحوار الذي دارَ، كانت تلك الحلقة قد قدَّمت لأربعة من الأفلام، والتي من الممكن وصفها بالحيادية إلى درجة كبيرة؛ إذ قامت تلك الأفلام بتقديم العرب بصورة إيجابية، بمحاسنهم ومساوئهم، بحيث لا يكونون هم الطرف الشرير الوحيد في الفيلم -كما اعتدنا سابقاً- بل تبرزهم كشعب يعيش على هذه الأرض كباقي شعوب العالم فيهم الخيّر وفيهم الشرير، يتعاملون مع باقي الأمم والحضارات التي تحوي الخير والشرير أيضاً بما فيهم الشعب الأمريكي.
بقلم: يحيى السيد عمر
قد لا تلبي تلك الأفلام متطلبات الشارع العربي الذي يرى في نفسه المظلوم الأكبر في عالم السينما العالمية، إذا ما قُورِنَت بالكمِّ الهائل من تلك المسيئة للعرب وعلى وجه الخصوص إن عرفنا أن عدد الأفلام المسيئة للعرب والتي أُنتجت فقط بعد أحداث 11 سبتمبر قد تخطى المائة فيلم، في وقت تعتبر فيه السينما أحد المصادر المهمة التي يستمد منها الناس في العالم أجمع معلوماتهم، وعلى أساسها يكوّنون معتقداتهم وآراءهم حول قضية من القضايا أو شعب من الشعوب.
بالعودة إلى برنامجي الذي أحبه وأفلامه الأربعة، أذكر أحد تلك الأفلام التي عرضت في تلك الحلقة وهو فيلم سيريانا، يناقش فيلم سيريانا قضية النفط في العالم؛ من خلال أحداث تجري على أرض إحدى الدول المتخيلة في الخليج العربي واسمها سيريانا، إذ تقوم شركات النفط الأمريكية بدعم أحد وريثي السلطة الذي يتصف بحبه للمجون وانغماسه في ملذاته الشخصية، محاولة التخلص من الوريث الثاني الذي يحاول بشتى الطرق النهوض باقتصاد البلد من خلال بيع النفط لمن يدفع أكثر رافضاً الهيمنة الأمريكية التي تدعم في طبيعة الحال الوريث الماجن بغية المحافظة على قواتها في المنطقة.
لا أقول: إن هذا الفيلم جاء مُنصِفاً للعرب، لكنه جاء أقرب ما يكون إلى الحيادية، على عكس عشرات الأفلام التي جسَّدت الشر والخبث والمكر والرذيلة في شخص الإنسان العربي، منها ما شاهدتها بنفسي، ومنها ما ذكرها لي بعض أصدقائي الذين شاهدوها، وأذكر منها فيلم Click لآدم ساندلر، وفيها يؤدي بطل الفيلم دور مهندس معماري يعمل في شركة أحد زبائنها عربي يدعى حبيبو، يعترض هذا الزبون على عمل المهندس، ويقترح وجود بار عريض لشرب الكحول، وتحويل المسبح إلى مكان للتبوُّل.
ويأتي فيلم رياضة دموية من بطولة الخارق فاندام ليقدم لنا صورةً غير مشرفة عن العرب؛ من خلال مصارع يلبس العقال والكوفية يقوم بمعاكسة فتاة بطريقة دنيئة، ويأتي الشهم الأمريكي فاندام فينقذها!
أما فيلم Naked gun المسدس العاري؛ فيظهر فيه شخص مجنون يلبس الكوفية الفلسطينية يركض وبيده رشاش وقنابل، وفيلم blade السياف، يبدأ بمشهد لطائرات الأ.....تمنع روابط التحميل الغير قانوني......ي الأمريكية وهي تحلِّق فوق صحراء يخبرنا الفيلم بأنها الصحراء السورية، ويقوم الجنود بدخول إحدى الكهوف الذي نكتشف أنه وَكْر قائد مصاصي الدماء، ومنبع الشر في العالم.
فما الهدف من هذه الصورة التي يرغب صُنَّاع السينما برسمها عن العرب وتوزيعها على مختلف أصقاع المعمورة؟
جواباً عن هذا السؤال أعجبني رأي الأستاذ جاك شاهين -إعلامي متقاعد- في مقابلة أجرتها معه وكالة رويترز، أكَّد فيه أن هذا التشويه الذي تعمد هوليود إلى ترسيخه يأتي في مصلحة السياسة الأمريكية، وعلى سبيل المثال قد سهَّل هذا التشويه على القوات الأمريكية دخول العراق؛ إذ لم يَلْقَ هذا الاجتياح إلا عدداً قليلاً من المحتجين على المستوى العالمي.
وستزداد الصورة وضوحاً في حال عرفنا أن اللوبي اليهودي هو المتحكم الأكبر في ما تنتجه استوديوهات هوليود العملاقة، وهو الذي يعمد إلى تصدير ثقافة العربي الإرهابي إلى شعوب العالم، وفي الوقت نفسه يعمل على تقديم الصورة الأكثر إشراقاً للإنسان اليهودي.
ومثال ذلك ما يمكننا أن نراه في فيلم يوم الاستقلال؛ إذ يظهر فيه بطل الفيلم وهو يهودي بصورة الإنسان اللَّبِق، الذي يحرص على سلامة البيئة، ويكون له الدور الأبرز في إنقاذ العالم من الغزو الفضائي، وذلك بما يتمتع به من ذكاء خارق، تفوق به على أصحاب الصحون الطائرة.
إلى هنا يمكننا أن نصف هذا الأمر بحرب إعلامية مشروعة، بغضِّ النظر عما تحويه من مغالطات بحقنا نحن العرب، فكلٌّ يستخدم الوسائل والأساليب التي تعمل على تحقيق مآربه وطموحاته، إلا أنها على ما يبدو ليست بالحرب المتكافئة.
وأنا لا أقول هذا لمقارنتي بين ما لدى الغرب من إمكانيات وما لدى العرب، لكنني أقول هذا لغرابة هذه الحرب، فهي حرب ليست من طرف واحد فحسب، بل حرب يقوم فيها الطرف الضعيف بنصرة الطرف القوي عليه، فالغرب ينتج ما يسيء إلينا، وتقوم أشهر القنوات الفضائية العربية، التي تتبجح بعروبتها، وتعطي دروساً عن الأصالة والشهامة العربية، بعرض هذه الأفلام على شاشاتها، لنجلس نحن وأبناؤنا نشاهدها ونسخر من غباء العربي الذي يظهر في الفيلم، ونتعاطف مع الغربي النبيل الذي ينتصر في النهاية.
وهنا نتساءل عن الدور الذي تلعبه وسائلنا الإعلامية التي تحتل الفضائيات المركز الأول فيها من حيث الانتشار والتأثير، وما الهدف أو المغزى من عرض هكذا أفلام على شاشاتها، هل أصبحت المكاسب المادية هي الأهم، أم أن هناك أيادٍ خفية تحرص على وصول هذه الأفلام إلى الإنسان العربي، كي تحبط من عزيمته، وتضعف ولاءه لأمته، وتخفِّف من تعاطفه مع قضاياها.
وفي خضم هذا الحديث يحق لنا أن نتساءل عن الدور الذي من الواجب أن تلعبه أجهزة الرقابة الإعلامية، وهي المعروفة بصرامتها في كثير من الدول، وحرصها على عدم عرض أيِّ مادة تحتوي مشاهد مُخِلَّة بالآداب العامة أو مثيرة للنَّعَرَات الطائفية أو القَبَلِيَّة، أو مُحَرِّضَة على أعمال الشَّغَب والعنف، فأين هذه الأجهزة من هذه الأفلام؟!.. أوليس الحفاظ على الشخصية العربية بالأمر الذي يستحق العناء، أو ليست كرامة الإنسان العربية جديرة بأن يُمنَع فيلم من العرض من أجل الحفاظ عليها؟!
وهنا أذكر إجابة أحد الإعلاميين عن ظاهرة كثرة الفضائيات، بما تحمله من الشيء الرديء أكثر من الجيد، فيقول بما معناه: لندع الأمور على هواها، فالأصيل يبقى والضعيف يزول.
وأنا أعلق على ما قال: هل هذا يعني أن ندع السيئ يعيث في الأرض فساداً؛ لأن الجيد سيأتي في يوم من الأيام -ولا نعرف متى- كي يقضي عليه؟!.. وهل هذا يعني أن نترك هذه الفضائيات تبث ما بجُعْبَتِها من سموم، وننتظر اليوم الذي يأتي فيه بطل إعلامي خارق يقضي عليها، بعد أن تكون قد أدَّت مَهمتها بالعبث في عقول شبابنا؟!!