صاحب الهمة..يسبق الأمة
خلق الله البشر وجعل لكل منهم همة وإرادة
إن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحا ، ولكنه يعيش صغيراً ويموت صغيراً.
ورُب همة احييت أمة
فلا يتوقف قلبك النابض عن النبض
فمن سيكتب التاريخ
فلماذا هذا الجمود
معنى الهمة
الإرادة تبدأ بالهم ،وتنتهي بالهمة. إنسان عالي الهمة أي وصل إلى نهاية ما يريد. يقال: الملك الهمّام : هو الملك العظيم الذي إذا أراد شيئاً أمكنه فعله، فالهمة منتهى الإرادة، والإنسان لا يصل إلى درجة عالية من الإيمان إلا إذا كان عالي الهمة. ولكن هناك أيضاً همة عند الكافر يكون مخلصاً في كفره. قالوا: المخلص في كفره ينتصر على المزيف إيمانه.
وحين نقرأ آيات الله تعالى نرى من النصوص ما يُرغّب في معالي الأمور ويحفّز عليها ومنها أنه تعالى أثنى على أصحاب الهمم العالية وفي طليعتهم الأنبياء والرسل وفي مقدمتهم أولو العزم من الرسل، وعلى رأسهم خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى :
{فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل} "االأحقاف 35"
-- وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين }
"آل عمران: 133"
{وفي ذلك فليتنافس المتافسون} "المطففين: 26"
لكل منا همة تسكن قلبه.. وتيسر دربه.. ويخطط على منوالها مستقبله، والهمم تتفاوت بين البشر، فشتان بين همة في الثرى وأخرى في الثريا، وعلو الهمة مبتغى كل إنسان ناجح يتطلع إلى حياة أفضل، بيد أن شروطها هنا يراد بها وجه الله تعالى، وأن تكون عونا على البذل والعطاء لهذا الدين إذن نحن لا نقصد علو الهمة لذاته.. فذلك يتساوى فيه الكافر والمسلم لا فرق بينهما.
وعلى قدر تفاوت الهمم والإرادات تتفاوت مقامات الخلق في الدنيا والآخرة . فأعلاهم همة أبلغهم لما يريد، وأكثرهم تحقيقا لما يطلب.
قيمة المرء على قدر همته:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "العامة تقول: قيمة كل امرئ ما يحسن، والخاصة تقول: قيمة كل امرئ ما يطلب".
وإنما كان الأمر كذلك لأن الهمة طليعة الأعمال ومقدمتها.. قال أحد الصالحين: "همتك فاحفظها؛ فإن الهمة مقدمة الأشياء؛ فمن صلحت همته وصدق فيها صلح له ما وراء ذلك من العمل".
وعلامة كمال العقل ورجحانه علو همة صاحبه.. يقول ابن الجوزي: "من علامة كمال العقل علو الهمة، والراضي بالدون دنيء
"ولم أر في عيوب الناس عيبا .. .. كنقص القادرين على التمام"
ومعنى علو الهمة:
" استصغار ما دون النهاية من معالى الأمور" .. بمعنى أن يطلب المرء من كل أمر أعلاه وأقصاه، ويستصغر كل ما وصل إليه إن كان هناك ما هو فوقه أو أعلى منه.
وقيل: "هو خروج النفس إلى غاية الكمال الممكن في العلم والعمل".
وأعلى الهمم على الإطلاق هي التي لا تقف دون الله تعالى، ولا تطلب سواه، ولا تسعى إلا لرضاه، ولا ترضى بغيره بدلا منه، ولا تبيع حظها من الله وقربه والأنس به بشيء من أعراض الدنيا وحظوظها ولا حطامها الخسيس الفاني. كيف والله أعلى مطلوب وأفضل مرغوب.
سقوط الهمة أصل الخذلان:
إن سقوط الهمم هو أصل ما وصلنا إليه من ذل وهوان وخذلان، وما من أمة يرضى أهلها بالأمر الواقع ولا تبلغ همم أبنائها أن يغيروه إلا كان لهم الخزي والعار والذلة والصغار.
إن الهمم الكبار تغير التاريخ بل هي التي تسطره وتكتبه:
لقد رأينا محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم.. رجل واحد في وسط عالم كامل من الشرك كيف عبّده بهمته لله رب العالمين؟.
فماله والنوم ؟ وماله والراحة ؟ ماله والفراش الدافئ ، والعيش الهادئ والمتاع المريح ؟
ولقد عرف رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم حقيقة الأمر وقدرة ، فقال لأم المؤمنين خديجة رضي الله عنها : (( مضى عهد النوم يا خديجة )) أجل مضى عهد النوم ، وما عاد منذ اليوم إلا السهر والتعب والجهاد الطويل الشاق.
سيدنا إبراهيم عليه السلامقدّم نفسه للنيران وطعامه للضيفان وولده للقربان فمدحه الرحمن .. وهمته في رفع القواعد لم يطلب من يعينه وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام.
إبدأ بما عندك من أسباب ورب الأسباب سوف يسبب الأسباب هذه همة اليقين.
ولقد رأينا أصحاب رسول الله رضي الله عنهم كيف أسقطوا أكبر إمبراطوريتين وأعظم دوليتين في زمنهم (فارس والروم) وفتحوا بلاد السند والهند والمغرب والأندلس في فترة وجيزة هي كالحلم في عمر الزمان.
ولقد رأينا في زمان العز وعلو الهمم كيف كان المسلم في عهد صلاح الدين يربط عشرات الأسرى في طنب خيمة..
ثم مرت الأيام وقعدت الهمم ورأينا كيف كان الجندي التتري يأمر المسلم قعيد الهمة (بل العدد منهم) أن يجلسوا مكانهم حتى يذهب فيأتي بالسيف ليقتلهم فيمنعهم الخوف أن يتحركوا حتى يعود إليهم فيقتلهم أجمعين!!
ومرت الأيام ورأينا كيف بيعت فلسطين بثمن بخس، وضاعت القدس، وسلب المسجد الأقصى.
إن هذه الأمة إن أرادت أن تستعيد هيبتها وكرامتها وأن تعيد مجدها وعزتها فلابد لها أولا من أن تعلي همتها وتحيي عزيمتها.. وإنما تعلو الهمم بأمور خلاصتها تخلية وتحلية..
*****
(وأسباب نقص الهمة..) وما يقضي على الخير في الشخصية السوية:
هو الجهل:
الجهل بالنفس وبدورها في هذه الدنيا، وكذلك الجهل بهذا الدين وعظمته، والجهل بالأحكام الشرعية، والبعد عن الأجواء العلمية التي تعطرها آيات الكتاب المبين وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
حب الدنيا وكراهية الموت:
وحب الدنيا رأس كل خطيئة، وهو أصل التثاقل إلى الأرض.
الكسل والخمول:
وهما منابت العجز، ولكنه عجز القادر على العمل المتراخي عنه، قال المتنبي :
ولم أرى في عيوب الناس عيبا .. .. كنقص القادرين على التمام
التسويف والتمني:
وهما صفة بليد الحس، عديم المبالاة، كلما همت نفسه بالخير أعاقها بسوف حتى يأتيه الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب.
مصاحبة سافل الهمة:
فيسرق طبعك منه فإن الطباع سراقة.. فالأخلاق تنتقل بالمجالسة والمزاملة!!
(موجبات علو الهمة)
العلم والبصيرة:
فالعلم يرتقي بالهمة، ويرفع طالبه عن الحضيض ويصفي النية ويورث الفقه بمراتب الأعمال؛ فيتقي فضول المباحات من الكلام والمنام والنظر والطعام وينشغل بما هو أعلى منها.
إرادة الآخرة:
بجعل الهم هما واحدا .. قال تعالى: (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) (الاسراء:19)
وقال صلى الله عليه وسلم: "من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة". (صحيح ابن ماجه).
كثرة ذكر الموت:
فإنه الباعث الحثيث على إحسان العمل، والمسارعة إلى الطاعات.
صحبة أولي الهمم ومطالعة أخبارهم:
وانظر إلى أبي بكر لما كان صاحبه هو أعلى الناس همة على الإطلاق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغت به الهمة أعلاها فكان خير الناس بعد النبيين والمرسلين، فلم ترض همته مجرد دخول الجنة لا بل يريد أن ينادى عليه من أبوابها كلها كما ورد في صحيح البخاري قال صلى الله عليه وسلم: (من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان فقال أبو بكر رضي الله عنه هل على من دعي من هذه الأبواب من ضرورة فهل يدعى أحد من هذه الأبواب كلها قال نعم وأرجو أن تكون منهم).
وانظر إلى أحمد والشافعي ، وكذلك الإمام أحمد مع يحيى بين معين فإنها صحبة بلغت بأصحابها إمامة الناس في العلم والدين والورع.
أنت في الناس تقاس .. .. بمن اخترت خليلا
فاصحب الأخيار تعلو.. .. وتنل ذكرا جميلا
المجاهدة:
وهو الصبر على النفس وسياستها وتعويدها بلوغ الغايات وأعالى المقامات وعدم الرضا بالدون، وكلما جاهد الإنسان نفسه في بلوغ القمم بلغها سواء في أمور الدنيا أو الآخرة" (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت:69).
تربية الأولاد على علو الهمة :
فالمرء على ماشب عليه.. وقد قالوا قديما:
والنفس كالطفل إن تهمله شب على .. .. حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
وقالوا:
وينشأ ناشئ الفتيان منا .. .. على ما كان عوده أبوه