إن المجتمع الإسلامي بطبيعته هو مجتمع الدعوة المتجددة والدائمة إلى سبيل الله وإلى دين الله عز وجل. ولم يخل مجتمع إسلامي على مر العصور من الفقهاء والعلماء والدعاة ووسائل التعليم والإعلام بعلوم الإسلام وخلقه وآدابه. وقد كانت الدعوة بدعاتها ووسائلها - هي ركيزة التربية الإسلامية للأجيال المتعاقبة من النشء في كل مجتمع إسلامي حتى عهد قريب. كذلك فإن الدعوة لم تنفصل عن الإعلام في أي من المجتمعات الإسلامية على مر العصور، بل إن الدعوة كانت مصدر الإعلام وركيزته على الدوام، وأصدق الشواهد على ذلك أن المساجد في كل مجتمع إسلامي كانت تمثل مراكز العلم والإعلام والتعليم والتوعية والإرشاد، وقد ظل المسجد يؤدي هذه الرسالة الجليلة على مر القرون وحتى بعد ظهور وسائل الإعلام المتطورة في العصر الحديث، فإن دور المسجد مازال قائمًا في كل مجتمع إسلامي منارة للدعوة والعلم والإرشاد.
وحين نعرض للحديث عن موقع الدعوة من الإعلام المعاصر وكيف يجب أن تكون علاقة الإعلام بالدعوة، نبدأ بالقول بأن طبيعة المجتمع الإسلامي تحتم قيام "إعلام إسلامي" على أسس صحيحة ومقومات صريحة. بمعنى أن وجود إعلام غير إسلامي، في المجتمع الإسلامي يمثل تناقضًا كبيرًا تنعكس آثاره السيئة على المجتمع، وخاصة في المجال التربوي والخلقي، ومن ثم على البناء الاجتماعي وهو الأمر الذي أثبتته التجارب في بعض المجتمعات المسلمة التي نقلت عن الإعلام الغربي وفتحت له أبوابها على مصارعيها خلال هذا القرن.
وحين يقوم بنيان الإعلام الإسلامي في المجتمع المسلم على أسسه الصحيحة - فإن عملية الإعلام في مجموعها وجزئياتها لابد وأن تستلهم فكر الدعوة وتتآلف مع منهجها، بحيث يصبح العمل الإعلامي نسيجًا إسلاميًّا خالصًا - يسهم في إرساء القيم الإسلامية والخلق الإسلامي ويؤدي دوره في صياغة الفكر العام للمجتمع وفي تربية الأجيال تربية إيمانية صحيحة.
وليس من شك في أن وسائل الإعلام وفنونه الحديثة - تستطيع أن تسهم إسهامًا عظيمًا في تطوير وسائل الدعوة وفي نشرها داخل المجتمعات الإسلامية وخارجها.
**الإعلام ودور في الدعوة***
ويجدر بنا أن نحدد وظيفة الإعلام في مجال الدعوة في النقاط التالية:
1- الإسهام في تأصيل القيم الإسلامية والمنهج الإسلامي في الحياة الاجتماعية من خلال التزام المادة الإعلامية بالفكر الإسلامي.
2- الإعلام عن الإسلام بالأساليب والوسائل المتطورة الفعالة التي تضمن تزويد أفراد المجتمع على اختلاف فئاتهم وأعمارهم ومستوياتهم الفكرية بالقدر المناسب من الثقافة الإسلامية وعلوم الدين.
3- التصدي للحملات المغرضة والسموم الإعلامية التي يبثها أعداء الإسلام والجاهلون به، والعمل على إبراز حقيقة الإسلام من خلال منهج إعلامي متطور يتم إعداده ودراسته والتنسيق له بين مختلف أجهزة ومؤسسات الإعلام الخارجي.
4- العناية بتطوير الرسائل الإعلامية الموجهة إلى الأقليات المسلمة في المجتمعات الغير إسلامية، بحيث تفوق في تأثيرها ومستواها الإعلامي، مستوى الإعلام في تلك المجتمعات، وخاصة في مجال المطبوعات والإذاعات الموجهة.
وثمة حقيقة يجب أن نذكرها ونتدبرها ذلك أن انفصال الإعلام عن الدعوة وعن منابع الفكر الإسلامي، إنما يمثل أخطر عوائق التطور أمام الإعلام في معظم المجتمعات الإسلامية المعاصرة. ولتوضيح ذلك نقول:
إن الإعلام في المجتمعات الغربية قد تطورت أساليبه ووسائله وفنونه بتطور حركة الحياة في تلك المجتمعات، بحيث يمكن القول بأن الإعلام في تلك المجتمعات هو وقْعُ خطى الحياة فيها أو هو صوتها وظل حركتها ومرآة وجهها، وقد نجحت تلك المجتمعات في تطوير وسائل وفنون الممارسة الإعلامية إلى الحد الذي جعل الإعلام سلاحًا لا يستهان به في تحقيق أهدافها ومصالحا الداخلية والخارجية في شتى المجالات، وذلك من خلال ارتباط الإعلام بواقع المجتمعات وحركته وأهدافه. ومما لا شك فيه أن تخلف المجتمعات الإسلامية عن مواكبة التطور العلمي - ردحًا من الزمان - بفعل ما تعرضت له عن عوامل القهر والتفتت والانقسام - قد أدى إلى تجميد قدرتها على التطوير والابتكار في مجالات عديدة سبقها إليها غيرها من الأمم، ومنها المجال الإعلامي - وإذا كنا قد بدأنا في اللحاق بركب التطور - بنقل خبرات غيرنا في مجال الإعلام وبمحاكاة منهجهم فإن علينا الآن أن نسترد هويتنا الإسلامية، ونصوغ من فكرنا وجهدنا وعلمنا - إعلامًا إسلاميًّا حقيقيًّا - يكون حاديًا لحركة الحياة ورائدًا للفكر الاجتماعي في كل مجتمع مسلم. والإعلام الإسلامي بهذه المواصفات لابد وأن يرتبط بمنهج الدعوة في جوهره. فالهدف الرئيسي يتمثل في بناء مجتمع مسلم قوي ومتطور، ثم حماية هذا المجتمع من آفات الفكر الهدام ومن تيارات الانحراف.
ولا يستطيع الإعلام أن يؤدي دوره في تحقيق هذه الأهداف في المجتمع الإسلامي، ما لم يكن إعلامًا إسلاميًّا في جوهره وعناصره ومنهجه، وهو ما يجعله بالدرجة الأولى مرتبطًا بجوهر الدعوة وفكرها وأهدافها.
**الإعلام الديني وإعلام الدعوة:***
وقد يرتبط مفهوم الدعوة في أذهان الكثيرين بمعنى "الإعلام الديني"، ولكن ينبغي إدراك حقيقة أن الإعلام الديني إنما يمثل جزءًا من "إعلام الدعوة" الذي يجب أن يكون في المجتمع الإسلامي، وأن مفهوم الدعوة يمتد ويتسع ليشمل كل عمل إعلامي يدعو إلى خير أو يأمر بالمعروف أو ينهى عن منكر أو يسهم في تحقيق النفع والخير للمسلمين. فالدعوة بمفهومها الشامل هي الدعوة إلى سبيل الله عز وجل، وإلى تحقيق المنهج الإسلامي في الحياة في شتى مجالاتها: في العقيدة والفكر والعمل والمعاملات، وفي التربية والتعليم والبناء الاجتماعي. إلى مختلف مجالات الحياة البشرية.
وعلى ذلك فلا ينبغي النظر إلى الدعوة بوصفها جزءًا منفصلاً في بناء الإعلام الإسلامي، فليست الدعوة مجرد صفحات دينية في الصحف اليومية أو بعض الأحاديث الدينية الإذاعية أو غير ذلك مما نجده في مجالات الإعلام المختلفة، وإنما يجب أن تكون الدعوة روح كل عمل إعلامي، بمعنى أن يبنى العمل الإعلامي على فكر إسلامي نقي، وأن يتضمن دعوة إلى خير أو تحقيقًا لنفع أو تأصيلاً لقيمة إسلامية في حياة المجتمع، أو دفعًا لضرٍ، أو انحراف يتهدد بناء المجتمع الإسلامي.
وبهذا تصبح الدعوة جوهر كل عمل إعلامي، ويكتسب الإعلام صفة كونه "إعلامًا إسلاميًّا" بالمعنى
منقول