الصيام في اللغة بأنّه الإمساك، أمّا في الاصطلاح الشرعي، فهو: إمساكٌ مخصوصٌ، في زمنٍ مخصوصٍ، من شيءٍ مخصوصٍ، بشرائط مخصوصةٍ، وصيام رمضان فرضٌ فرضه الله -تعالى- على عباده، في السنة الثانية من الهجرة، وهو ركنٌ من أركان الإسلام الخمسة، وقد صام رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- تسعة رمضاناتٍ، حيث قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)،[١] وأجمعت الأمة كذلك على وجوب صيامه، ومن أنكر وجوبه فقد كفر، فبالصيام يتخلّص الإنسان من الأخلاق الرديئة، وفيه يزهد الإنسان بالدنيا وما فيها، ويشعر بالفقراء والمساكين، ويدرّب نفسه على ترك ما يحب من أجل الله تعالى، كما يربّي الإنسان نفسه على الإرادة، فضلاً عمّا للصيام من تأثيرٍ في صحة الجسم، وغرس التقوى في القلوب.[٢] أحكام الصيام إنّ حقيقة الصيام هي الامتناع عن المفطرات خلال وقت الصيام، وهو من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، فمن تناول شيئاً من المُفطرات أثناء فترة الصيام عامداً ذاكراً؛ لم يصحّ صيامه، أمّا إن كان ناسياً؛ فلا شيء عليه، وصيامه صحيحٌ، حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (من أكل ناسياً، وهو صائمٌ، فليُتِمَّ صومَه، فإنّما أطعمَه اللهُ وسقاهُ)،[٣] وتجب النية على المسلم بصيامه للواجب؛ لأنّ الأعمال بالنيات، ولا تكون النية بالنطق باللسان؛ بل بالقلب، فمن نطق بالنية بلسانه، دون الموافقة لما في القلب؛ فلا يصحّ صيامه، ووقت النية في الصيام هو الليل، والصيام الذي يدخل تحت حكم الوجوب؛ هو صيام رمضان، ويدخل رمضان إمّا برؤية الهلال أو بإكمال شهر شعبان ثلاثين يوماً، ويجب الصيام على كلّ مسلمٍ عاقلٍ بالغٍ؛ فلا تصحّ العبادة من الكافر، والمجنون لا تصح عبادته، ومن أُغمي عليه جميع النهار؛ فلا يصحّ صومه، ويجب عليه القضاء، أمّا من أُغمي عليه بعضاً من النهار، فيكون صيامه صحيحاً؛ إن لم يتناول شيئاً من المُفطرات، حيث قال رسول الله: (رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ: عَن المَجنونِ المَغلوبِ على عَقْلِهِ حتى يَبْرَأَ، وعن النائِمِ حتى يَستيقِظَ، وعنِ الصبِيِّ حتى يَحْتَلِمَ)،[٤] ويشترط فيمن يجب عليه الصيام أن يكون قادراً؛ فمن كان عاجزاً عن الصيام لعجزٍ دائمٍ؛ كالكبر، والمرض الذي لا يُرجى شفاؤه؛ فلا يصوم، ولا قضاء عليه، ويطعم عن كلّ يومٍ يفطر فيه مسكيناً، أمّا إن كان مريضاً بمرضٍ يُرجى شفاؤه، فيُباح له أن يفطر، وعليه القضاء، كما يشترط للصيام الإقامة، وأن تكون المرأة خاليةً من الموانع؛ الحيض والنفاس، فتفطر المرأة في تلك الحالة، ويجب عليها القضاء.[٥] منافع وفوائد الصيام إنّ الصيام من العبادات التي تصعب على النفس؛ لما فيه من مجاهدةٍ للنفس، والصبر على أهوائها وشهواتها، ولما فرضه الله على عباده، جاء الأمر به بصيغة الكَتْب، وتلك الصيغة تأتي حينما يكون الأمر فيه مشقةً على النفس، وقد يسّر الله -تعالى- الصيام على عباده، من خلال عدة أمورٍ، وفيما يأتي بيان بعضها:[٦] جعله الله مفروضاً على عباده، كما فُرض على الذين من قبلهم، حيث قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)،[١] وجعل الله الصيام وسيلةً للتقوى، ومن حصّل التقوى، فقد نال الخير كلّه. جعله الله أيّاماً معدوداتٍ، وهي أيّام شهر رمضان، فهو شهرٌ واحدٌ من بين شهور السنة كلّها، ولم يجعله الله -تعالى- مطلقاً. أسقط الله -تعالى- وجوبه عن المريض؛ حتى يُشفى، وعن المسافر حتى يعود من سفره. جعل الله -تعالى- فيه الخيرية، حيث قال الله تعالى: (وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ).[٧] خصّه الله بأفضل شهور السنة؛ وهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حيث قال الله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ).[٨] خفّف الله في صيام رمضان عن المريض، والكبير، وبيّن أن ذلك التخفيف من باب التيسير، وتحقيق الهداية، وذكر الله الذي به تطمئن نفوس العباد. هوّنه بما جعل فيه من المنافع في الدنيا والآخرة. منافع الصيام في الآخرة من المنافع التي تتحقّق للعبد في الآخرة نتيجة الصيام، ما يأتي:[٦] تحقيق التقوى التي لا يعلم أجر أصحابها يوم القيامة إلّا الله تعالى، فالمتقون هم الذين يتقبل الله -تعالى- منهم، وهم الذين أعدّ الله لهم الجنة وما فيها، ويعدّ الصيام من أهم الوسائل التي تتحقّق بها التقوى. سببٌ لمحو الذنوب والآثام التي يرتكبها العبد، حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (مَن صامَ رمضانَ إيماناً واحتساباً، غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ، ومَن قامَ ليلةَ القدرِ إيماناً واحتِساباً غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ).[٩] الثواب العظيم الذي لا يعلم مقداره إلّا الله عزّ وجلّ؛ فالله عدّ الصيام من العبادات التي يؤديها العبد من أجل الله تعالى، حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما يرويه عن ربّه: (كلُّ عمَلِ ابنِ آدمَ له إلّا الصيامَ فهو لِي وأنا أجزِي بِهِ).[١٠] دخول الجنة من باب الصائمين. تُفتح أبواب الجنة، وتُغلق أبواب النيران، وتُصفّد الشياطين في رمضان. الفرح بلقاء الله، والثواب الذي يجزي به عن الصوم، فقد روى أبو هريرة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أنّه قال: (للصائمِ فَرْحتانِ يفرَحْهُما: إذا أَفطرَ فَرِحَ، وإذا لقي ربَّه فَرِحَ بصومِهِ).[١١]