الحمد لله حمداً كثيراً فاطر الأرض والسماوات، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى أصحابه الطيبين وأزواجه الطاهرات، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم يبعث فيه الأموات، فريق في النار وفريق في الجنات، أما بعد؛ قال الله تعالى:" يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم وريشاً ولباسُ التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذّكرون. يا بني آدم لا يفتننَّكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليُريهما سوآتهما إنه يراكم وقبيله من حيث لا ترونهم إنّا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون" ، قال الإمام الطبري رحمه الله :"وأولى الأقوال بالصحة في تأويل قوله (ولباس التقوى): استشعار النفوس تقوى الله في الانتهاء عما نهى الله عنه من معاصيه، والعمل بما أمر به من طاعته، وذلك يجمع الإيمان والعمل الصالح والحياء وخشية الله والسمت الحسن؛ لأن من اتقى الله كان به مؤمناً، وبما أمره به عاملاً، ومنه خائفاً، وله مراقباً، ومن أن يُرى عند ما يكرهه من عباده مستحيياً" . وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في الآية الثانية:"يُحذر تعالى بني آدم من إبليس وقبيله، مبيناً لهم عداوته القديمة لأبي البشر آدم عليه السلام في سعيه في إخراجه من الجنة التي هي دار النعيم إلى دار التعب والعناء، والتسبب في هتك عورته بعد ماكانت مستورةً عنه، وما هذا إلا عن عداوة أكيدة" . قلت: فاجتمع لنا من الآيتين امتنانٌ متضمنٌ للأمر من الله تعالى باللباس الساتر في الظاهر مقروناً بالتقوى في الباطن أعني القلب، وتحذيرٌ متضمنٌ للنهي عن كشف السوأة وعن موالاة العدو الشيطاني الساعي إلى هتك الستر وكشف عورة بني آدم. قال ابن الجوزي رحمه الله في قوله تعالى (يابني آدم لا يفتننَّكم الشيطان) :"والمعنى لا يخدعنكم ولا يضلنكم بغروره فيزين لكم كشف عوراتكم" ، وقال الإمام الشوكاني في قوله تعالى (وقبيله) :" أعوانه من الشياطين وجنوده" ، قلت: فكل من سعى في هتك ستر بني آدم وكشف عوراتهم هو من أعوان الشيطان وأوليائه، وقد قال الله تعالى منكراً ومحذراً من إبليس:" أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلاً" . وحتى تدرك حجم العداوة والخسة الشيطانية والسعي الخبيث في كشف العورات وهتك الأستار فلتتأمل قوله سبحانه وتعالى في الآية (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم) قال الإمام الشوكاني:"هذه الجملة تعليل لما قبلها مع ما تتضمنه من المبالغة في تحذيرهم منه، لأن من كان بهذه المثابة يرى بني آدم من حيث لا يرونه، كان عظيم الكيد، وكان حقيقاً بأن يُحترس منه أبلغ احتراس" ، قلت: فنحن إذاً أمام عدو شيطاني خسيس يرمي إلى هتك الأستار وكشف العورات مجنداً في سبيل ذلك الأعوان والقرناء ممن يعادون الستر والعفة والحياء ويروجون للعري والتكشف والتبرج والسفور؛ إنها معركة العفة والفضيلة، إنها معركة الحجاب...