¤ موران السماء يوم القيامة
مشاهد يوم القيامة كثيرةٌ ومتنوّعة، تطالُ كلّ أشكال الحياة وأنواع المخلوقات، ويمكننا التعبير بأن يوم القيامة هو بحق: يوم التغيّرات الكونيّة التي يشيب لها الولدان، ومن جملة التغيّرات الحاصلة التي ثبتت في السنّة الصحيحة: تلك الأحوال المتفرّقة التي تكون عليها حال السماوات، كما قال الله عز وجل في محكم كتابه: {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات} (إبراهيم:48).
على أن هذا التبديل للسماوات، ليس مشهداً واحداً، ولا حالاً متفرّدة، بل هو مجموعة من الأحوال المتنوّعة المتراتبة وفق جدول زمني، بحيث تشهد كلّ مرحلةٍ منها مشهداً مغايراً من مشاهد التبديل الحاصل للسماوات يوم القيامة، ونحصي في ذلك جملةً من التغيّرات، مثل: الكشط، والانفطار، والتشقّق، والانفراج، وانفتاحها أبواباً يعاينها الناس، والمَوَران، وهذا هو محور حديثنا هنا.
ما هو المور
كلمة المَوْر في أصلها تدلّ على معنى الحراك والاضطراب، وهذا الحراك يمتاز بالنشاط والقوّة، لكنّه متوسّط الحال بين الشدّة والضعف، ومما يُذكر من معانيه: التردّد، ويعنون بها التحرّك في الاتجاهات المختلفة، ولذلك جرى تشبيه حركة السماء بجريان السفن واضطرابها نتيجةً لحركة الموج التي تجعل الأشياء في السفينة تذهبُ وتجيء.
يُقال: ناقة مائرة، إذا كانت نشيطة في سيرها، كما ذكر ذلك أبو منصور الهروي في تهذيب اللغة، ومار يمورُ موراً: إذا جعل يذهب ويجيء ويتردد. وقال الأزهري: "مارت، أي سالت وترددت عليه، وذهبتْ وجاءت".
وبهذا المعنى، ما جاء في كتاب القدر للفريابي، قول عكرمة: " لما خلق الله تعالى آدم ونفخ فيه الروح عطس، فقال: الحمد لله، فقالت الملائكة: رحمك ربّك، فذهب ينهض قبل أن تمور الروح في رجليه"، أي: قبل أن تتحرّك في جسده.
ومما يُستدلّ به على معنى الإسراع ما حدّثت به عائشة رضي الله عنها مخاطبةً عروة بن الزبير. قالت: "يا ابن أختي! بلغني أن عبد الله بن عمرو، مارَ بنا إلى الحج.." القصّة بتمامها في صحيح مسلم.
وقد أنشد الأعشى:
كأن مشيتها من بيت جارتها ... مور السحابة لا ريث ولا عجل
كلام العلماء في حقيقة الموران
لم تختلف كلمة العلماء كثيراً عن قول أهل البلاغة في معنى المَوَران، وإن ارتكزت في معظمها على معنى الحراك السريع، فقد نُقل عن مجاهد قولُه في معنى المَوَران: "تمور السماء: أي: تدور دوراً كَدَوران الرّحى، وتكفأُ بأهلِها تكفّؤ السفين، ويموج بعضها في بعض، وأصل المور: الاختلاف والاضطراب".
وللإمام ابن القيم محاولةٌ للجمع بين أقوال العلماء، وذلك في قولِه: "..والمَوْر قد فُسٍر بالحركة، وفُسّر بالدوران، وفُسّر بالتموّج والاضطراب، والتحقيق أنه حركةٌ في تموّج وتكفّؤ، وذهاب ومجيء؛ ولهذا فرّق سبحانَه بين حركة السماء وحركة الجبال فقال: {وتسير الجبال سيرا} وقال {وإذا الجبال سيرت} من مكان إلى مكان، وأما السماء فإنها تتكفّأ وتموج وتذهب".
الأدلة على حدوث ذلك
ورد وصف الموران والتحرّك في السماء يوم القيامة في موضعٍ واحد من القرآن الكريم، وهو قوله سبحانه: {يوم تمور السماء مورا} (الطور: 9).
السرّ في المَوَران
إذا كان موران السماء يعني: الذهاب والمجيء والتردد والدوران والاضطراب، فما هو السرّ في هذا النوع من التبدّل في حركة السماء؟ فنحن نعلم من خلال المشاهدة والرصد ما عليه الإحكام والاتزان في حركة السماء بما تحتويه من ملايين الأفلاك على اختلاف أنواعها وأحجامها، كما قال عز وجل: {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون} (يس:40)، فلماذا يختلف هذا الإحكام يوم القيامة؟.
نقول: لقد أرادَ الله سبحانَه وتعالى أن يوجد بقدرتِه وحكمته ليوم القيامة الأمارات والدلائل التي تدلّ على تبدّل الأحوال، إيذاناً بالحساب والدخول في اليوم الآخر، فنرى في يوم القيامة الكثير من الأمور غير المعهودة، كانبساط الأرض حتى تصبح مستويةً تماماً لا ترى فيها عِوجاً ولا أمْتاً، وانبثاق الحمم من البحار: {والبحر المسجور} (الطور:6)، لكن الملفت للنظر هو جريانُ سننٍ كونيّة عند حدوث هذا التغيير، فقد هيّأ الله الأسباب لكل مظهرٍ من مظاهر التبدّل، فإذا تحدّثنا عن السماء، فإن المقدّر أن تفتّح أبواباً وأن تنفطر وتتكشّف، ومثل هذا الاضطراب والحراك في السماء في مختلف الاتجاهات –كما يميد البحر بالسفن- يهيّء لمثل هذا الأمر المقدّر من انفطار السماء وتشقّقها، إيذاناً بعظمة الخالق وجبروتِه ومطلق سلطانه وعظمته.
مشاهد يوم القيامة كثيرةٌ ومتنوّعة، تطالُ كلّ أشكال الحياة وأنواع المخلوقات، ويمكننا التعبير بأن يوم القيامة هو بحق: يوم التغيّرات الكونيّة التي يشيب لها الولدان، ومن جملة التغيّرات الحاصلة التي ثبتت في السنّة الصحيحة: تلك الأحوال المتفرّقة التي تكون عليها حال السماوات، كما قال الله عز وجل في محكم كتابه: {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات} (إبراهيم:48).
على أن هذا التبديل للسماوات، ليس مشهداً واحداً، ولا حالاً متفرّدة، بل هو مجموعة من الأحوال المتنوّعة المتراتبة وفق جدول زمني، بحيث تشهد كلّ مرحلةٍ منها مشهداً مغايراً من مشاهد التبديل الحاصل للسماوات يوم القيامة، ونحصي في ذلك جملةً من التغيّرات، مثل: الكشط، والانفطار، والتشقّق، والانفراج، وانفتاحها أبواباً يعاينها الناس، والمَوَران، وهذا هو محور حديثنا هنا.
ما هو المور
كلمة المَوْر في أصلها تدلّ على معنى الحراك والاضطراب، وهذا الحراك يمتاز بالنشاط والقوّة، لكنّه متوسّط الحال بين الشدّة والضعف، ومما يُذكر من معانيه: التردّد، ويعنون بها التحرّك في الاتجاهات المختلفة، ولذلك جرى تشبيه حركة السماء بجريان السفن واضطرابها نتيجةً لحركة الموج التي تجعل الأشياء في السفينة تذهبُ وتجيء.
يُقال: ناقة مائرة، إذا كانت نشيطة في سيرها، كما ذكر ذلك أبو منصور الهروي في تهذيب اللغة، ومار يمورُ موراً: إذا جعل يذهب ويجيء ويتردد. وقال الأزهري: "مارت، أي سالت وترددت عليه، وذهبتْ وجاءت".
وبهذا المعنى، ما جاء في كتاب القدر للفريابي، قول عكرمة: " لما خلق الله تعالى آدم ونفخ فيه الروح عطس، فقال: الحمد لله، فقالت الملائكة: رحمك ربّك، فذهب ينهض قبل أن تمور الروح في رجليه"، أي: قبل أن تتحرّك في جسده.
ومما يُستدلّ به على معنى الإسراع ما حدّثت به عائشة رضي الله عنها مخاطبةً عروة بن الزبير. قالت: "يا ابن أختي! بلغني أن عبد الله بن عمرو، مارَ بنا إلى الحج.." القصّة بتمامها في صحيح مسلم.
وقد أنشد الأعشى:
كأن مشيتها من بيت جارتها ... مور السحابة لا ريث ولا عجل
كلام العلماء في حقيقة الموران
لم تختلف كلمة العلماء كثيراً عن قول أهل البلاغة في معنى المَوَران، وإن ارتكزت في معظمها على معنى الحراك السريع، فقد نُقل عن مجاهد قولُه في معنى المَوَران: "تمور السماء: أي: تدور دوراً كَدَوران الرّحى، وتكفأُ بأهلِها تكفّؤ السفين، ويموج بعضها في بعض، وأصل المور: الاختلاف والاضطراب".
وللإمام ابن القيم محاولةٌ للجمع بين أقوال العلماء، وذلك في قولِه: "..والمَوْر قد فُسٍر بالحركة، وفُسّر بالدوران، وفُسّر بالتموّج والاضطراب، والتحقيق أنه حركةٌ في تموّج وتكفّؤ، وذهاب ومجيء؛ ولهذا فرّق سبحانَه بين حركة السماء وحركة الجبال فقال: {وتسير الجبال سيرا} وقال {وإذا الجبال سيرت} من مكان إلى مكان، وأما السماء فإنها تتكفّأ وتموج وتذهب".
الأدلة على حدوث ذلك
ورد وصف الموران والتحرّك في السماء يوم القيامة في موضعٍ واحد من القرآن الكريم، وهو قوله سبحانه: {يوم تمور السماء مورا} (الطور: 9).
السرّ في المَوَران
إذا كان موران السماء يعني: الذهاب والمجيء والتردد والدوران والاضطراب، فما هو السرّ في هذا النوع من التبدّل في حركة السماء؟ فنحن نعلم من خلال المشاهدة والرصد ما عليه الإحكام والاتزان في حركة السماء بما تحتويه من ملايين الأفلاك على اختلاف أنواعها وأحجامها، كما قال عز وجل: {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون} (يس:40)، فلماذا يختلف هذا الإحكام يوم القيامة؟.
نقول: لقد أرادَ الله سبحانَه وتعالى أن يوجد بقدرتِه وحكمته ليوم القيامة الأمارات والدلائل التي تدلّ على تبدّل الأحوال، إيذاناً بالحساب والدخول في اليوم الآخر، فنرى في يوم القيامة الكثير من الأمور غير المعهودة، كانبساط الأرض حتى تصبح مستويةً تماماً لا ترى فيها عِوجاً ولا أمْتاً، وانبثاق الحمم من البحار: {والبحر المسجور} (الطور:6)، لكن الملفت للنظر هو جريانُ سننٍ كونيّة عند حدوث هذا التغيير، فقد هيّأ الله الأسباب لكل مظهرٍ من مظاهر التبدّل، فإذا تحدّثنا عن السماء، فإن المقدّر أن تفتّح أبواباً وأن تنفطر وتتكشّف، ومثل هذا الاضطراب والحراك في السماء في مختلف الاتجاهات –كما يميد البحر بالسفن- يهيّء لمثل هذا الأمر المقدّر من انفطار السماء وتشقّقها، إيذاناً بعظمة الخالق وجبروتِه ومطلق سلطانه وعظمته.