رسولنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو: محمد بن عبد الله بن عبد المطَّلب بن هاشم بن عبد مناف بن قُصيِّ بن كلاب بن مُرَّة بن كعْب بن لُؤيِّ بن غالب بن فِهْر بن مالك بن النَّضْر بن كِنانة بن خُزَيمة بن مُدرِكَة بن إِلياس بن مُضَر بن نِزار بن مَعدِّ بن عَدنان .. وُلِدَ بمكَّة في يوم الاثنين في شهر ربيع الأول، لأول عام مِن حادِثة الفيل، ومِن أسمائه - صلى الله عليه وسلم - ما جاء في قوله: ( أنا محمَّد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يُمحَى بي الكُفْر، وأنا الحاشِر الذي يُحشَر النَّاسُ عَلَى عَقِبي، وأنا العاقِب ( ليس بعدي نبي ) رواه مسلم .
ومن فضل الله - عز وجل - على هذه الأمّة أن اختص عبده ورسوله محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ دون غيره من الأنبياء بخصائص كثيرة، تشريفا وتكريما له، مما يدل على جليل قدره وشرف منزلته عند ربه، فجعله أفضل الرسل والأنبياء وخاتَمَهم، وخير خلق الله أجمعين، قال الله تعالى: { اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }(الحج الآية:75)، وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( أنا سيِّد ولدِ آدمَ يوم القيامة، وأول مَن يَنشق عنه القبر، وأول شافعٍ، وأول مشفَّع ) رواه البخاري .
وجعل حبَّه - صلى الله عليه وسلم - دينًا ندين الله به، ونتقرَّب به إليه، ولن يبلغ أحد محبة الله ـ عز وجل ـ إلا باتباعه ـ صلى الله عليه وسلم - قال الله تعالى: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ }(آل عمران من الآية: 31)، ولا تفتح الجنة لأحد قبله حتى يدخلها، فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم -: ( آتِي باب الجنة فأسْتَفْتِح، فيقول الخازنُ: مَن أنت؟، فأقول: محمد، فيقول: بك أُمرتُ ألا أفتح لأحد قبلك ) رواه مسلم .
مَحَاسِنُ أَصْنَافِ النَّبِيِّينِ جَمَّةُ وَمَا قَصَبَاتُ السَّبْقِ إِلا لأَحْمَد
مكانة رسول الله :
لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند الله شأن عظيمٌ، ومكانة عالية، ولا يعرف حقيقته وعظيم قدره إلا خالقه سبحانه وتعالى .. فلقد اختاره الله - تعالى - واصطفاه على جميع البشر، وفضَّله على جميع الأنبياء والمرسلين، وشرح له صدره، ورفع له ذكرَه، ووضع عنه وِزْرَه، وأعلى له قدرَه .
والمتأمل في آيات القرآن الكريم يجد الكثير من الأدلة التي تبين عِظم قدره ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند ربه ـ عز وجل ـ، وتزكية الله ـ عز وجل ـ له، فقد زكَّاه في عقله، فقال - سبحانه -: { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى }(النجم الآية: 2)، وزكَّاه في لسانه وكلامه فقال: { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى }(النجم الآية: 3 )، وزكَّاه في بصره، فقال: { مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى }(النجم الآية: 17)، وزكَّى فؤاده، فقال: { مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى }(النجم الآية: 11)، وزكَّاه في صدره، فقال: { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ }(الشرح الآية: 1)، وزكَّاه في رحمته بالمؤمنين، فقال: { بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ }(التوبة من الآية: 128)، وزكَّى معلمه فقال: { عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى }(النجم الآية: 5)، وزكى أصحابه فقال: { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ }(الفتح من الآية:29)، وزكاه وأثنى على أخلاقه كلها فقال تعالى: { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }(القلم الآية: 4) .
وقد رَفْع الله ـ عز وجل ـ ذِكْرِ نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الدنيا والآخرة، قال تعالى: { وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ }(الشرح الآية:4) .
قال ابن كثير: " قال مجاهد: لا أُذكر إلا ذكِرْتَ معي، أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله " .
وقال القرطبي: " وروي عن الضحاك عن ابن عباس قال: يقول له: ما ذُكِرْتُ إلا ذكِرْتَ معي في الأذان، والإقامة والتشهد، ويوم الجمعة على المنابر، ويوم الفطر، ويوم الأضحى، وأيام التشريق، ويوم عرفة وعند الجمار، وعلى الصفا والمروة، وفي خطبة النكاح، وفي مشارق الأرض ومغاربها " ..
وقال قتادة: " رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة فليس خطيب ولا متشهّد ولا صاحب صلاة إلا ينادي بها أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله " .
وقال حسان بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ:
أغـرَّ عـليه للـنبـوةِ خـاتـمٌ من اللهِ مشهـودٌ يـلـوحُ و يُـشهــدُ
ضمَ الإله اسم النبي إلى اسمهِ إذا قال في الخمسِ المـؤذنِ: اشهـدُ
وشـق له مـن اسـمه لـيـجُـلـه فـذو العـرشِ محمودٌ وهـذا محمدُ
وليس معنى رفع ذكره ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأن يذكر كلما ذُكِر الله ـ عز وجل ـ في مثل التشهد والأذان، أن ذلك يعني التشريك في الأمر، أو المساواة في التعظيم، كلا، فما زال وسيظل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع علو قدره وشأنه عبدا مخلوقا، فلا يُخلط بين الأمرين، فالذي رفع ذِكره ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو نفسه ـ سبحانه وتعالى ـ الذي علمنا أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليس له من الأمر شيء، قال الله تعالى: { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ }(آل عمران: 128)، وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( لا تُطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله ) رواه البخاري .
فمبلغ العلم فيه أنه بشرٌ وأنه خير خلق الله كلهم
وقد أمر الله ـ عز وجل ـ بالصلاة عليه، بل وصلى هو ـ سبحانه ـ عليه، فقال تعالى: { إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }(الأحزاب الآية:56) .
إنه لرسول الله :
لقد نشأ النبي - صلى الله عليه وسلم - متحلياً بكل خلق كريم، مبتعداً عن كل وصف ذميم، فكل خلق محمود يليق بالإنسان فله - صلى الله عليه وسلم - منه القسط الأكبر، والحظ الأوفر، وكل وصف مذموم فهو أسلم الناس منه، وأبعدهم عنه، شهد له بذلك العدو والصديق .
قال القاضي عياض: " وأما الأخلاق المكتسبة من الأخلاق الحميدة، والآداب الشريفة التي اتفق جميع العقلاء على تفضيل صاحبها، وتعظيم المتصف بالخُلق الواحد منها فضلا عما فوقه، وأثنى الشرع على جميعها، وأمر بها، ووعد السعادة الدائمة للمتخلق بها، ووصف بعضها بأنه جزء من أجزاء النبوة، وهي المسماة بحسن الخُلق، فجميعها قد كانت خلق نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ " .
ويصف عروة بن مسعود الثقفي كيف كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين أصحابه الكرام فيقول: " لقد وفدت على الملوك وعلى قيصر وعلى كسرى والنجاشي، والله ما رأيتُ ملكاً يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمد محمداً، والله ما تنخم نخامة ووقعت في كف رجل منهم إلا دلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، ولا يحدون إليه النظر تعظيماً له ومهابة له " .
ويصور خبيب بن عدي ـ رضي الله عنه ـ مدى حب الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عندما صلبوه وقالوا له: أتتمنى أن يكون محمد في مكانك وأنت آمن في بيتك؟: قال: " والله! لا أتمنى أن يُشاك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم شوكة واحدة وأنا آمن في بيتي " .
وقال عنه صاحبه المقرب أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ: " إنه لرسول الله " .
وإذا كان من الطبيعي أن يحب ويثني التابعون على متبوعهم، فالعجيب هو ثناء الأعداء والمخالفين، فلم يشهد بصدق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحسن أخلاقه المؤمنون به فقط، بل شهد له الكثير من المنصفين من أعدائه الذين لم يؤمنوا به، فعندما اطلعوا على سيرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ الصحيحة لم يجدوا فيه مغمزاً لقادح، ولا مطعناً لجارح، فلم يملكوا إلا الاعتراف له بالفضل وحسن الخلق والسيادة، وهذه هي الحقيقة التي أبصرتها عقول منصفة ـ قديما وحديثا ـ وإن كانت مخالفة له .
في القديم قال عنه كفار مكة الذين لم يؤمنوا به: " ما جربنا عليك إلا صدقاً "، وفي تحكيمه بينهم لاختلافهم على وضع الحجر الأسود في الكعبة قالوا: " هذا الأمين، رضينا، هذا محمد " .
وفي العصر الحديث أقوال كثيرة لعلماء ومفكرين وأدباء ـ غربيين ـ تدل على عظمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ومنها: قول أحدهم: " إذا ما حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس قلنا إن محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان من أعظم عظماء التاريخ ". وقال مايكل هارث العالم أمريكي: " في اعتقادي أن محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح بشكل أسمى وأبرز في كلا المستويين الديني والدنيوي .. إن هذا الاتحاد الفريد الذي لا نظير له للتأثير الديني والدنيوي معا، يخوّله أن يعتبر أعظم شخصية ذات تأثير في تاريخ البشرية ".
وقال جوستاف لوبون الباحث الفرنسي الشهير: " لقد كان محمد ذا أخلاق عالية وحكمة ورقة قلب، ورأفة ورحمة، وصدق وأمانة "، ويقول: " إذا ما قيست قيمة الرجال بجليل أعمالهم، كان محمد من أعظم من عرفهم التاريخ "، ويقول لامارتين شاعر فرنسا الشهير: " من ذا الذي يجرؤ من الناحية البشرية علي تشبيه رجل من رجال التاريخ بمحمد؟!، ومن هو الرجل الذي ظهر أعظم منه عند النظر إلي جميع المقاييس التي تقاس بها عظمة الإنسان؟!، فأعظم حب في حياتي هو أنني درستُ حياة محمد دراسة وافية، وأدركت ما فيها من عظمة وخلود " .
وبالرغم من وجود من حاول الطعن في نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبب حقده على الإسلام، والبعد عن الإنصاف والموضوعية العلمية، فلن تجد في تاريخ البشرية كله شخصية حظيت بمثل ما حظيت به شخصية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الاهتمام والإشادة، والثناء والتمجيد .. ـ نعم ـ إنه لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، سيد الأنام، وأكرم رسل الله الكرام، الأرفع مكانة، والأعلى درجة، بما شرفه الله به من فضائل وخصال، ومكارم وخلال، لم تجتمع لغيره، ولن تكون لأحد دونه، إنه النعمة المسداة، ورحمة الله للعالمين، قال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }(الأنبياء الآية:107)، إنه سحاب لا يضره نباح المرجفين والحاقدين، وقمة لا تنالها سهام المفترين والمشككين، فلنشكر الله على أن جعلنا من أتباعه المؤمنين به، ولنتبع هديه، ونتمسك بسنته وشريعته
قُولُوا مَعِي فَخْرَاً لأَعْظَمِ مُرْسَلٍ بِالشَّرِّ نَدَّدْ
إِنَّا نُحِبُّكَ يَا رَسُولَ الله حُبَّاً لا يُبَدَّدْ
فَلْتَشْهَدِي يَا أَرْضُ هَذَا وَالسَّمَا وَالكَوْنُ يَشْهَدْ
ومن فضل الله - عز وجل - على هذه الأمّة أن اختص عبده ورسوله محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ دون غيره من الأنبياء بخصائص كثيرة، تشريفا وتكريما له، مما يدل على جليل قدره وشرف منزلته عند ربه، فجعله أفضل الرسل والأنبياء وخاتَمَهم، وخير خلق الله أجمعين، قال الله تعالى: { اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }(الحج الآية:75)، وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( أنا سيِّد ولدِ آدمَ يوم القيامة، وأول مَن يَنشق عنه القبر، وأول شافعٍ، وأول مشفَّع ) رواه البخاري .
وجعل حبَّه - صلى الله عليه وسلم - دينًا ندين الله به، ونتقرَّب به إليه، ولن يبلغ أحد محبة الله ـ عز وجل ـ إلا باتباعه ـ صلى الله عليه وسلم - قال الله تعالى: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ }(آل عمران من الآية: 31)، ولا تفتح الجنة لأحد قبله حتى يدخلها، فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم -: ( آتِي باب الجنة فأسْتَفْتِح، فيقول الخازنُ: مَن أنت؟، فأقول: محمد، فيقول: بك أُمرتُ ألا أفتح لأحد قبلك ) رواه مسلم .
مَحَاسِنُ أَصْنَافِ النَّبِيِّينِ جَمَّةُ وَمَا قَصَبَاتُ السَّبْقِ إِلا لأَحْمَد
مكانة رسول الله :
لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند الله شأن عظيمٌ، ومكانة عالية، ولا يعرف حقيقته وعظيم قدره إلا خالقه سبحانه وتعالى .. فلقد اختاره الله - تعالى - واصطفاه على جميع البشر، وفضَّله على جميع الأنبياء والمرسلين، وشرح له صدره، ورفع له ذكرَه، ووضع عنه وِزْرَه، وأعلى له قدرَه .
والمتأمل في آيات القرآن الكريم يجد الكثير من الأدلة التي تبين عِظم قدره ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند ربه ـ عز وجل ـ، وتزكية الله ـ عز وجل ـ له، فقد زكَّاه في عقله، فقال - سبحانه -: { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى }(النجم الآية: 2)، وزكَّاه في لسانه وكلامه فقال: { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى }(النجم الآية: 3 )، وزكَّاه في بصره، فقال: { مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى }(النجم الآية: 17)، وزكَّى فؤاده، فقال: { مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى }(النجم الآية: 11)، وزكَّاه في صدره، فقال: { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ }(الشرح الآية: 1)، وزكَّاه في رحمته بالمؤمنين، فقال: { بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ }(التوبة من الآية: 128)، وزكَّى معلمه فقال: { عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى }(النجم الآية: 5)، وزكى أصحابه فقال: { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ }(الفتح من الآية:29)، وزكاه وأثنى على أخلاقه كلها فقال تعالى: { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }(القلم الآية: 4) .
وقد رَفْع الله ـ عز وجل ـ ذِكْرِ نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الدنيا والآخرة، قال تعالى: { وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ }(الشرح الآية:4) .
قال ابن كثير: " قال مجاهد: لا أُذكر إلا ذكِرْتَ معي، أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله " .
وقال القرطبي: " وروي عن الضحاك عن ابن عباس قال: يقول له: ما ذُكِرْتُ إلا ذكِرْتَ معي في الأذان، والإقامة والتشهد، ويوم الجمعة على المنابر، ويوم الفطر، ويوم الأضحى، وأيام التشريق، ويوم عرفة وعند الجمار، وعلى الصفا والمروة، وفي خطبة النكاح، وفي مشارق الأرض ومغاربها " ..
وقال قتادة: " رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة فليس خطيب ولا متشهّد ولا صاحب صلاة إلا ينادي بها أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله " .
وقال حسان بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ:
أغـرَّ عـليه للـنبـوةِ خـاتـمٌ من اللهِ مشهـودٌ يـلـوحُ و يُـشهــدُ
ضمَ الإله اسم النبي إلى اسمهِ إذا قال في الخمسِ المـؤذنِ: اشهـدُ
وشـق له مـن اسـمه لـيـجُـلـه فـذو العـرشِ محمودٌ وهـذا محمدُ
وليس معنى رفع ذكره ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأن يذكر كلما ذُكِر الله ـ عز وجل ـ في مثل التشهد والأذان، أن ذلك يعني التشريك في الأمر، أو المساواة في التعظيم، كلا، فما زال وسيظل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع علو قدره وشأنه عبدا مخلوقا، فلا يُخلط بين الأمرين، فالذي رفع ذِكره ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو نفسه ـ سبحانه وتعالى ـ الذي علمنا أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليس له من الأمر شيء، قال الله تعالى: { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ }(آل عمران: 128)، وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( لا تُطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله ) رواه البخاري .
فمبلغ العلم فيه أنه بشرٌ وأنه خير خلق الله كلهم
وقد أمر الله ـ عز وجل ـ بالصلاة عليه، بل وصلى هو ـ سبحانه ـ عليه، فقال تعالى: { إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }(الأحزاب الآية:56) .
إنه لرسول الله :
لقد نشأ النبي - صلى الله عليه وسلم - متحلياً بكل خلق كريم، مبتعداً عن كل وصف ذميم، فكل خلق محمود يليق بالإنسان فله - صلى الله عليه وسلم - منه القسط الأكبر، والحظ الأوفر، وكل وصف مذموم فهو أسلم الناس منه، وأبعدهم عنه، شهد له بذلك العدو والصديق .
قال القاضي عياض: " وأما الأخلاق المكتسبة من الأخلاق الحميدة، والآداب الشريفة التي اتفق جميع العقلاء على تفضيل صاحبها، وتعظيم المتصف بالخُلق الواحد منها فضلا عما فوقه، وأثنى الشرع على جميعها، وأمر بها، ووعد السعادة الدائمة للمتخلق بها، ووصف بعضها بأنه جزء من أجزاء النبوة، وهي المسماة بحسن الخُلق، فجميعها قد كانت خلق نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ " .
ويصف عروة بن مسعود الثقفي كيف كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين أصحابه الكرام فيقول: " لقد وفدت على الملوك وعلى قيصر وعلى كسرى والنجاشي، والله ما رأيتُ ملكاً يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمد محمداً، والله ما تنخم نخامة ووقعت في كف رجل منهم إلا دلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، ولا يحدون إليه النظر تعظيماً له ومهابة له " .
ويصور خبيب بن عدي ـ رضي الله عنه ـ مدى حب الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عندما صلبوه وقالوا له: أتتمنى أن يكون محمد في مكانك وأنت آمن في بيتك؟: قال: " والله! لا أتمنى أن يُشاك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم شوكة واحدة وأنا آمن في بيتي " .
وقال عنه صاحبه المقرب أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ: " إنه لرسول الله " .
وإذا كان من الطبيعي أن يحب ويثني التابعون على متبوعهم، فالعجيب هو ثناء الأعداء والمخالفين، فلم يشهد بصدق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحسن أخلاقه المؤمنون به فقط، بل شهد له الكثير من المنصفين من أعدائه الذين لم يؤمنوا به، فعندما اطلعوا على سيرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ الصحيحة لم يجدوا فيه مغمزاً لقادح، ولا مطعناً لجارح، فلم يملكوا إلا الاعتراف له بالفضل وحسن الخلق والسيادة، وهذه هي الحقيقة التي أبصرتها عقول منصفة ـ قديما وحديثا ـ وإن كانت مخالفة له .
في القديم قال عنه كفار مكة الذين لم يؤمنوا به: " ما جربنا عليك إلا صدقاً "، وفي تحكيمه بينهم لاختلافهم على وضع الحجر الأسود في الكعبة قالوا: " هذا الأمين، رضينا، هذا محمد " .
وفي العصر الحديث أقوال كثيرة لعلماء ومفكرين وأدباء ـ غربيين ـ تدل على عظمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ومنها: قول أحدهم: " إذا ما حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس قلنا إن محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان من أعظم عظماء التاريخ ". وقال مايكل هارث العالم أمريكي: " في اعتقادي أن محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح بشكل أسمى وأبرز في كلا المستويين الديني والدنيوي .. إن هذا الاتحاد الفريد الذي لا نظير له للتأثير الديني والدنيوي معا، يخوّله أن يعتبر أعظم شخصية ذات تأثير في تاريخ البشرية ".
وقال جوستاف لوبون الباحث الفرنسي الشهير: " لقد كان محمد ذا أخلاق عالية وحكمة ورقة قلب، ورأفة ورحمة، وصدق وأمانة "، ويقول: " إذا ما قيست قيمة الرجال بجليل أعمالهم، كان محمد من أعظم من عرفهم التاريخ "، ويقول لامارتين شاعر فرنسا الشهير: " من ذا الذي يجرؤ من الناحية البشرية علي تشبيه رجل من رجال التاريخ بمحمد؟!، ومن هو الرجل الذي ظهر أعظم منه عند النظر إلي جميع المقاييس التي تقاس بها عظمة الإنسان؟!، فأعظم حب في حياتي هو أنني درستُ حياة محمد دراسة وافية، وأدركت ما فيها من عظمة وخلود " .
وبالرغم من وجود من حاول الطعن في نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبب حقده على الإسلام، والبعد عن الإنصاف والموضوعية العلمية، فلن تجد في تاريخ البشرية كله شخصية حظيت بمثل ما حظيت به شخصية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الاهتمام والإشادة، والثناء والتمجيد .. ـ نعم ـ إنه لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، سيد الأنام، وأكرم رسل الله الكرام، الأرفع مكانة، والأعلى درجة، بما شرفه الله به من فضائل وخصال، ومكارم وخلال، لم تجتمع لغيره، ولن تكون لأحد دونه، إنه النعمة المسداة، ورحمة الله للعالمين، قال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }(الأنبياء الآية:107)، إنه سحاب لا يضره نباح المرجفين والحاقدين، وقمة لا تنالها سهام المفترين والمشككين، فلنشكر الله على أن جعلنا من أتباعه المؤمنين به، ولنتبع هديه، ونتمسك بسنته وشريعته
قُولُوا مَعِي فَخْرَاً لأَعْظَمِ مُرْسَلٍ بِالشَّرِّ نَدَّدْ
إِنَّا نُحِبُّكَ يَا رَسُولَ الله حُبَّاً لا يُبَدَّدْ
فَلْتَشْهَدِي يَا أَرْضُ هَذَا وَالسَّمَا وَالكَوْنُ يَشْهَدْ