في ظل حالة الإرباك التي تسيطر على المشهدين العراقي والسوري، خرج زعيم تنظيم "داعش" الإرهابي أبو بكر البغدادي برسالة، تحت عنوان "هذا ما وعدنا الله ورسوله"، ليشن هجوماً عنيفاً على تركيا والسعودية، داعياً "المجاهدين" إلى مهاجمة الأخيرة بعد أن دخلت في دائرة عملهم ومشروع "جهادهم"، قائلاً: "استعينوا بالله واغزوها واجعلوا أمنها فزعاً ورخاءها هلعاً، ثم أدرجوها في مناطق صراعكم الملتهبة".
هذه الرسالة، التي جاءت في وقت كانت فيه أنقرة تبحث عن أي فرصة أو حجة لتعزيز حضورها في سوريا والعراق، لا سيما في معركة تحرير الموصل، في ظل رفض بغداد وتهديد من دمشق، قد تقود إلى إعادة ترتيب الأوراق من جديد، لتصب في خدمة أجندة أنقرة بطريقة مباشرة، بسبب قدرتها على القول أنها مضطرة لزيادة تدخلها في البلدين لحماية أمنها القومي، تحت عنوان "الحرب على الإرهاب".
ونقلت "النشرة" عن مصادر متابعة، انه ينبغي السؤال عن توقيت هذا "التهديد"، في وقت تعتبر فيه أغلب الفصائل السورية المعارضة أن تركيا هي الشريان الأساسي لها، والحديث عن أن المناطق التي تقع على الحدود المشتركة بين البلدين كانت الممر الأساسي لمقاتلي "داعش" الأجانب نحو معاقله في سوريا والعراق ليس جديداً، في مؤشر إلى التعاون بين الجانبين، تأكد خلال تسليم وتسلم المناطق بينهما في عملية "درع الفرات" العسكرية.
إنطلاقاً من تهديد البغدادي الأخير، تعتبر هذه المصادر أن من الواضح أن زعيم تنظيم "داعش"، الذي يواجه حملة عسكرية كبيرة ضد معقله في الموصل، في ظل الأنباء عن إقتراب الهجوم على معقله الثاني في مدينة الرقة السورية، يريد أن يقدم الحجج لتركيا لحجز موقع لها في "الحرب على الإرهاب"، تمهيداً لها لكي تكون شريكة أساسية في المرحلة التي ستلي تحرير المناطق التي يسيطر عليها في الوقت الراهن، وهذا الأمر لا يمكن أن يتحقق من دون تهديد مباشر وعلني من رأس "داعش"، أي "الخليفة" البغدادي، وتشدد على ضرورة التنبه إلى هذه النقطة المفصلية، لا سيما أن التنظيم الإرهابي غير قادر عملياً على تنفيذ التهديدات التي يطلقها، نظراً إلى حجم المواجهات التي يخوضها في المرحلة الراهنة.
بالنسبة إلى هذه المصادر، تستطيع أنقرة إستغلال هذا التهديد لتدعيم حجج تدخلها في سوريا والعراق، على أساس أن التنظيم يضعها على رأس قائمة أهدافه، وبالتالي من حقها الدفاع عن نفسها بالطريقة التي تراها مناسبة، والتي من المفترض أن تترجم عبر توسيع رقعة وجودها العسكري، بعد أن كانت قد دخلت إلى سوريا عبر بوابة جرابلس، من خلال عملية "درع الفرات"، مع العلم أن الهدف الأساسي لها كان "قوات سوريا الديمقراطية"، واليوم تسعى إلى الدخول إلى العراق عبر بوابة الموصل، بعد أن رفض رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي هذا الأمر بشكل قاطع، بالرغم من الضغوط الأميركية التي تفرض عليه لتحقيق هذا الهدف، وبالتالي الرضوخ إلى مطلب أنقرة التي من المؤكد أنها لن تقف على هذا الحد، بل هي تتوسع إلى أكبر مدى ممكن.
على هذا الصعيد، من الضروري العودة إلى المخططات التي كانت تتداولها بعض وسائل الإعلام في أنقرة، في الفترة الأخيرة، والتي تضمنت خريطة جديدة لتركيا تشمل خطاً حدودياً على طول الشمال السوري، يمتد من حلب حتى كركوك في العراق، أي أنه يشمل الموصل، بالإضافة إلى بعض الجزر اليونانية في بحر ايجة، الأمر الذي كان قد ألمح إليه الرئيس رجب طيب أردوغان عبر فتح باب النقاش حول إتفاقية لوزان التاريخية.
في المحصلة، قدم البغدادي إلى أردوغان الخدمة التي يحتاجها لتعزيز حضوره في سوريا والعراق، التهديد يقود إلى التدخل، وبالتالي إمكانية تجاوز إعتراضات دمشق وبغداد.