السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مأساة حلب وتزيين الكعبة وتدريس أحكام الحيض وضبط العواطف بميزان الشرع
تحت هذا العنوان كتب شيخنا/ وليد بن إدريس المنيسي تلميذ شيخنا المفضال/ السيد غباشي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
فقد تألم كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر مما جرى من عدوان النصيرية والروافض والملاحدة الروس ومن عاونهم من المنافقين على إخواننا وأخواتنا في مدينة حلب، (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، (إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، وحلب هي درة بلاد الشام وذات تاريخ مجيد في نصر الإسلام والمسلمين، وقد تتابع القصف عليها منذ أسبوع ولم يتوقف إلى الآن وقد تعطلت صلاة الجمعة بها بسبب شدة الغارات المتواصلة عليها للمرة الأولى منذ أن فتحها أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح في عهد الفاروق أمير المؤمنين عمر رضي الله عنهما.
وفي خضم هذه الآلام يندفع بعض إخواننا بعواطف حميدة ونوايا صالحة لكنها غير منضبطة بضوابط الشرع وغير ملجَمة بلجام الاتباع للكتاب والسنة..
فنجد من ينكر على إخوانه كل نشاط واجب أو مستحب أو مباح يقومون به صائحًا: حلب تباد وأنتم تُعَلِّمُون أحكام الحيض! حلب تحترق وأنتم تأكلون وتشربون وتسافرون!
وقد يكون هؤلاء الذين لا يولولون على حلب على صفحات الفيسبوك أكثرَ دعاءً لأهل حلب وأكثر صدقة لهم ومساعدة بكل ما يستطيعون..
والمسلم عليه أن يضبط عواطفه بميزان الشرع ويتأمل في حال النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام في المواقف المشابهة.. هل عطل النبي صلى الله عليه وسلم الاحتفال بالأعياد منذ شُرِعَ العيدُ في العام الثاني الهجري لكون مكة محتلة من مشركي قريش وبها مسلمون يُعَذَّبُون ويُضْطَهدُون؟ فخلال تلك المدة أو عند مقتل أصحابه في أحد أو في سرية القراء أو غيرها من المآسي التي تعرض لها المسلمون إلى فتح مكة هل امتنع النبي عليه الصلاة والسلام من تعليم القرآن أو أنكر على من أكل طيب الطعام والشراب أو امتنع من إجابة السائلات عن أحكام الحيض والنفاس التي هي من أحكام الدين ومرتبطة بشروط صحة الصلاة والصيام وأنزل الله فيها قرآنا يبين حكمها؟
وما الذي سيستفيده أهل حلب لو ترك علماء المسلمين تعليم التجويد والنحو والفقه والحديث وترك الناس الأكل والشرب؟ هل بهذا سينتصر أهل حلب وتنفك كربتهم؟ إن الذي ننصرهم به حقًا هو ترك الحرام، لأن ذنوب الأمة هي سبب البلاء وليس في ترك الحلال نصر لهم، أما الاستشهاد بأن صلاح الدين الأيوبي رحمه الله لم يضحك حتى حرر المسجد الأقصى وأن نور الدين زنكي رحمه الله قال: كيف أبتسم والفرنج يحاصرون المسلمين بدمياط؟
فنقول: هما ملكان صالحان مجاهدان من خيار ملوك المسلمين ونثني على حسن نيتهما في ذلك ولكن يؤخذ من هديهما ويُرَدُّ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد كان دائم البشر يمزح ولا يقول إلا حقا ويتبسم في وجه من رآه، ولم ينقل لنا أنه صلى الله عليه وسلم ترك التبسم إلى فتح مكة ولا أنه ظل عابسًا بعد غزوة أحد ولا ترك الزواج وحسن عشرة أهله خلال سنوات استيلاء المشركين على مكة ونحوه..
كذلك اشتد نكير بعض إخواننا على وضع حلقات ذهبية لكسوة الكعبة، وكيف يفعلون هذا وحلب تباد، بينما مسألة تحلية الكعبة خصوصًا والمساجد عمومًا بالذهب هي من مسائل الخلاف الفقهي المعتبر، ويجب أن تُبْحَثَ في هذا الإطار، ففي غذاء الألباب من كتب الحنابلة: وهل تحرم تحلية المسجد بذهب أو فضة وتجب إزالته وزكاته بشرطها أو يكره؟ على قولين. وقدم الأول في الرعاية. قلت: وهو المذهب كما مر. وعند الحنفية لا بأس بتحلية المسجد بذهب ونحوه؛ لأنه تعظيم له. ومنهم من استحبه لذلك. وعند المالكية يكره ويصان عنه. وهو قول لبعض الحنفية. وللشافعية في تحريمه وجهان. ذكر ذلك في الآداب الكبرى. اهـ.
وفي المجموع للنووي من كتب الشافعية: وأما تحلية الكعبة وسائر المساجد بالذهب والفضة وتمويه سقفه وتعليق قناديلها فيها ففيه وجهان مشهوران (أصحهما) التحريم وبه قال أبو إسحق المروزى وآخرون من المتقدمين ونقله الماوردى عن كثير من أصحابنا المتقدمين وقطع به القاضي أبو الطيب والبغوى وآخرون واستدلوا له بانه لم يرد فيه سنة ولا عمله أحد من الخلفاء الراشدين فهو بدعة وكل بدعة ضلالة، وفى الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من أحدث في ديننا ما ليس منه فهو رد) وفى رواية لهما (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)، (والوجه الثاني) الجواز تعظيما للكعبة والمساجد وإعظاما للدين كما أجمعوا علي ستر الكعبة بالحرير. اهـ.
وبهذا يتبين أن مسألة تحلية الكعبة بالذهب من مسائل الخلاف المعتبر التي لا إنكار فيها، فعلى المنتقد أن ينتقد التقصير في مساعدة أهل حلب وفقراء المسلمين من غير إنكار لأوجه الإنفاق المباح، فقد كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أغنياء الصحابة وفقراؤهم، وفي الوقت الذي كان فيه فقراء يبيتون جوعى كان يوجد صحابة لهم إبل وغنم وبساتين نخل يؤدون زكاتها ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدقوا وجوبًا بما فضل عن حاجتهم، والله تعالى أعلم.
وأقول هذا وقلبي يعتصر حزنًا وألمًا على ما حل بأهلنا في حلب وأدعو الله تعالى لهم قدر وسعي وطاقتي بالنصر والتمكين وأن يفرج الله كربهم ويهلك عدوهم .
مأساة حلب وتزيين الكعبة وتدريس أحكام الحيض وضبط العواطف بميزان الشرع
تحت هذا العنوان كتب شيخنا/ وليد بن إدريس المنيسي تلميذ شيخنا المفضال/ السيد غباشي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
فقد تألم كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر مما جرى من عدوان النصيرية والروافض والملاحدة الروس ومن عاونهم من المنافقين على إخواننا وأخواتنا في مدينة حلب، (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، (إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، وحلب هي درة بلاد الشام وذات تاريخ مجيد في نصر الإسلام والمسلمين، وقد تتابع القصف عليها منذ أسبوع ولم يتوقف إلى الآن وقد تعطلت صلاة الجمعة بها بسبب شدة الغارات المتواصلة عليها للمرة الأولى منذ أن فتحها أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح في عهد الفاروق أمير المؤمنين عمر رضي الله عنهما.
وفي خضم هذه الآلام يندفع بعض إخواننا بعواطف حميدة ونوايا صالحة لكنها غير منضبطة بضوابط الشرع وغير ملجَمة بلجام الاتباع للكتاب والسنة..
فنجد من ينكر على إخوانه كل نشاط واجب أو مستحب أو مباح يقومون به صائحًا: حلب تباد وأنتم تُعَلِّمُون أحكام الحيض! حلب تحترق وأنتم تأكلون وتشربون وتسافرون!
وقد يكون هؤلاء الذين لا يولولون على حلب على صفحات الفيسبوك أكثرَ دعاءً لأهل حلب وأكثر صدقة لهم ومساعدة بكل ما يستطيعون..
والمسلم عليه أن يضبط عواطفه بميزان الشرع ويتأمل في حال النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام في المواقف المشابهة.. هل عطل النبي صلى الله عليه وسلم الاحتفال بالأعياد منذ شُرِعَ العيدُ في العام الثاني الهجري لكون مكة محتلة من مشركي قريش وبها مسلمون يُعَذَّبُون ويُضْطَهدُون؟ فخلال تلك المدة أو عند مقتل أصحابه في أحد أو في سرية القراء أو غيرها من المآسي التي تعرض لها المسلمون إلى فتح مكة هل امتنع النبي عليه الصلاة والسلام من تعليم القرآن أو أنكر على من أكل طيب الطعام والشراب أو امتنع من إجابة السائلات عن أحكام الحيض والنفاس التي هي من أحكام الدين ومرتبطة بشروط صحة الصلاة والصيام وأنزل الله فيها قرآنا يبين حكمها؟
وما الذي سيستفيده أهل حلب لو ترك علماء المسلمين تعليم التجويد والنحو والفقه والحديث وترك الناس الأكل والشرب؟ هل بهذا سينتصر أهل حلب وتنفك كربتهم؟ إن الذي ننصرهم به حقًا هو ترك الحرام، لأن ذنوب الأمة هي سبب البلاء وليس في ترك الحلال نصر لهم، أما الاستشهاد بأن صلاح الدين الأيوبي رحمه الله لم يضحك حتى حرر المسجد الأقصى وأن نور الدين زنكي رحمه الله قال: كيف أبتسم والفرنج يحاصرون المسلمين بدمياط؟
فنقول: هما ملكان صالحان مجاهدان من خيار ملوك المسلمين ونثني على حسن نيتهما في ذلك ولكن يؤخذ من هديهما ويُرَدُّ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد كان دائم البشر يمزح ولا يقول إلا حقا ويتبسم في وجه من رآه، ولم ينقل لنا أنه صلى الله عليه وسلم ترك التبسم إلى فتح مكة ولا أنه ظل عابسًا بعد غزوة أحد ولا ترك الزواج وحسن عشرة أهله خلال سنوات استيلاء المشركين على مكة ونحوه..
كذلك اشتد نكير بعض إخواننا على وضع حلقات ذهبية لكسوة الكعبة، وكيف يفعلون هذا وحلب تباد، بينما مسألة تحلية الكعبة خصوصًا والمساجد عمومًا بالذهب هي من مسائل الخلاف الفقهي المعتبر، ويجب أن تُبْحَثَ في هذا الإطار، ففي غذاء الألباب من كتب الحنابلة: وهل تحرم تحلية المسجد بذهب أو فضة وتجب إزالته وزكاته بشرطها أو يكره؟ على قولين. وقدم الأول في الرعاية. قلت: وهو المذهب كما مر. وعند الحنفية لا بأس بتحلية المسجد بذهب ونحوه؛ لأنه تعظيم له. ومنهم من استحبه لذلك. وعند المالكية يكره ويصان عنه. وهو قول لبعض الحنفية. وللشافعية في تحريمه وجهان. ذكر ذلك في الآداب الكبرى. اهـ.
وفي المجموع للنووي من كتب الشافعية: وأما تحلية الكعبة وسائر المساجد بالذهب والفضة وتمويه سقفه وتعليق قناديلها فيها ففيه وجهان مشهوران (أصحهما) التحريم وبه قال أبو إسحق المروزى وآخرون من المتقدمين ونقله الماوردى عن كثير من أصحابنا المتقدمين وقطع به القاضي أبو الطيب والبغوى وآخرون واستدلوا له بانه لم يرد فيه سنة ولا عمله أحد من الخلفاء الراشدين فهو بدعة وكل بدعة ضلالة، وفى الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من أحدث في ديننا ما ليس منه فهو رد) وفى رواية لهما (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)، (والوجه الثاني) الجواز تعظيما للكعبة والمساجد وإعظاما للدين كما أجمعوا علي ستر الكعبة بالحرير. اهـ.
وبهذا يتبين أن مسألة تحلية الكعبة بالذهب من مسائل الخلاف المعتبر التي لا إنكار فيها، فعلى المنتقد أن ينتقد التقصير في مساعدة أهل حلب وفقراء المسلمين من غير إنكار لأوجه الإنفاق المباح، فقد كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أغنياء الصحابة وفقراؤهم، وفي الوقت الذي كان فيه فقراء يبيتون جوعى كان يوجد صحابة لهم إبل وغنم وبساتين نخل يؤدون زكاتها ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدقوا وجوبًا بما فضل عن حاجتهم، والله تعالى أعلم.
وأقول هذا وقلبي يعتصر حزنًا وألمًا على ما حل بأهلنا في حلب وأدعو الله تعالى لهم قدر وسعي وطاقتي بالنصر والتمكين وأن يفرج الله كربهم ويهلك عدوهم .