بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الوسائط الذي يسلكها الناس إلى الله عز وجل
الوسائط الذي يسلكها الناس إلى الله عز وجل أقسامٌ ثلاثة:
القسم الأول: وساطة التبليغ عن الله إلى الناس أمره ونهيه وخبره.
وهذه الواسطة هم من نصبهم الله - عز وجل- لا غيره، ليبلغوا ما يريده -سبحانه وتعالى- من عباده إليهم حتى يعلموا ما يجب عليهم نحو ربهم - تبارك وتعالى- من حقوق، وحتى يعلموا كيف يعبدوه حق العبادة، ويخلصوا له الدين وهذه الواسطة هم الملائكة - عليهم الصلاة والسلام- ورسله إلى الجن والإنس وهؤلاء الرسل من البشر؛ قال الله تعالى:
﴿ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [الحج : 75]
وقال تعالى:﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ﴾ ..إلى قوله..﴿ رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً﴾ [النساء : 163- 165]
فمن استجاب لهؤلاء الرسل وانقاض لما جاءوا به وتابعوهم كان على هدىً من الله -سبحانه وتعالى- ومن استنكف عن الاستجابة لهم، ورد دعوتهم، فهؤلاء هم الكفار المكذبون.
وقد قص الله -سبحانه وتعالى- علينا في كتابه خبر أوليائه المتبعين رسله، وما أعد لهم من حسن العاقبة، وكذلك قص علينا في كتابه خبر من رد دعوتهم وكذبهم واستنكف عن ما جاءت به المرسلون من أليم العقاب وسوء العاقبة؛ وهذا ما لا يحصى من آيات تنزيل الكريم، ومن كان ذا عهدٍ بكتاب الله حفظًا وتدبرًا، أوحفظًا أو تدبرًا ظهر له ذلك جليًا.
الواسطة الثانية:
وهذه وإن كانت فرعًا عن سابقتها إلا أن أهل العلم يذكرونها لمزيد الاهتمام بها؛ ووجوب التمسك بما جاءت به هذه الواسطة؛
وهذه الواسطة هم ورثة الأنبياء من أصحابهم وأتباعهم بإحسان؛ وفي الحديث الصحيح ((وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ ؛ فإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرَّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا وإنما وَرَّثُوا الْعِلْمَ ، مَنْ أَخَذَهُ فَقَدْ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ)) فبان أن هذه الواسطة هم العلماء؛ فالصحابة -رضي الله عنهم- ورثوا عن محمد -صلى الله عليه وسلم- وبلغوا إلى من بعدهم ما تلقوه عن نبيهم -صلى الله عليه وسلم- فلم يزيدوا عليه ولم ينقصوا منه؛ ولهذا انعقد اجماع الأئمة على أن ما أجمع عليه الصحابة -رضي الله عنهم- كان حجة يجب التسليم لها، ولا يعدل عنه إلا ضال مضل صاحب هوى؛ أقول أو جاهل؛ ولكن الأول مبتدع والثاني معذور ويجب عليه السعي حتى يزول عنه الجهل، وعلى الأقل جهل ما يجب عليه وجوبًا عينيًا من دين الله - عزوجل- .
والتابعون ورثوا عن الصحابة -رضي الله عنهم- وسلكوا سبيلهم ومن بعدهم ورثوا عن التابعين ، وهكذا.
وفي الحديث الصحيح ((إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا)) فالأمة ما وقرت علماءها الربانين العاملين بالسنة، العازمين على عدم التفريط في شيء منها والناصحين للأمة ببذل ما أوجبه الله عليهم من علمه وتعليمه الناس، فهي في حصن حصين وحرزٍ متين ، وإلى هذا إشارة بقوله -صلى الله عليه وسلم- ((إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَنْتَزِعُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا مِنْ صُدُورِ العلماء، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ ، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالا ، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)) وفي هذا تنبيه إلى ما أسلفنا من توقير أهل العلم، لأن الله - عز وجل- نصبهم ورثة لمحمد - صلى الله عليه وسلم- فنعم الوارث والمورث.
وإذا أطلق العلم فالمراد به العلم الشرعي.
وحدَّه: فقه الكتاب الكريم وفقه سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وعلى سيرة السلف الصالح وهم كل من مضى بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- على أثره وأساسهم الصحابة -رضي الله عنهم- ثم من تبعهم بإحسان من أئمة العلم والدين في القرون المفضلة الثلاثة التي شهد لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالخيرية في غير ما حديث صحيح؛ ومنها ((خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ الحديث))
وفيه كذلك تحذيرٌ من صنفين من الناس:-
· الصنف الأول: الجهلة؛ الذين يتصدرون ميدان الدعوة، وبضاعتهم القصص والحكايات، والأحاديث الضعيفة والموضوعة.
· الثاني: أهل الهوى ؛ المبتدعة أهل الضلال، أهل الرأي المحض المعارض للنصوص.
وقد تواتر ذم هذا الصنف عن الصحابة -رضي الله عنهم- ومن بعدهم ومن ذلك قول الفاروق -رضي الله عنه- " إياكم وأهل الرأي أعداء السنن، أعيتهم أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يحفظوها فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا"
وقال الشعبي -رحمه الله- " إياكم والمقايسة فوالذي نفسي بيده لإن أخذتم بالقياس، لتحلن الحرام، ولتُحرمن الحلال، فما بلغكم عن من حفظ من أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- فخذوه، أو قال: فخذوا به"
فهتان الوستطان محمودتان محبوبتان وهما سبيل نجاة.
الواسطة الثالثة:
وهي التي عناها الشيخ -رحمه الله- وأقتصر عليها لشدة خطرها ووجوب الحذر منها ولأنها يزينها علماء السوء فيظهرون الإخلاص لله في العبادة ومتابعة السنة في قالب نقص قدر الصالحين؛ ويظهرون الغلو الذي يرفع من تُزعم فيه الولاية إلى رتبة الألوهية أنه هو محبة الصالحين أيضا؛ وهذه الوساطة هي من جنس شرك قريش ومن دان دينها ممن بُعث فيهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد سوغ لهم هذه الوساطة في زعمهم شيئان:-
أحدهما:
طلب الشفاعة منه؛ قال تعالى:﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [يونس : 18]
- فعاب الله عليهم أولًا هذا الصنيع؛ وهذا العيب والذم يشمل كل من صنع صنيعهم متخذًا وساطة عند الله يستشفعون بها عنده؛ والشفاعة هي ملكه -سبحانه وتعالى- كما قال-جلَّ وعلا-﴿قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا﴾ [الزمر : 44] وقال -جلَّ وعلا-: ﴿وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ﴾ [سبأ : 23]
- واستنكر عليهم ثانيًا بما يظهر سفه أحلامهم وعقولهم ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ﴾ [يونس : 18] فهولاء لا يملكون شيئًا حتى يُعطوه؛ سواءً كان المستشفع به ملكًا مقربًا، أو نبيًا مرسلًا، أو عبدًا صالحًا.
- وعابَ عليهم ثالثًا فقال:- ﴿قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ ﴾ [يونس : 18] أتخبرون الله بشيءٍ هو خافٍ عليه؛ ولا يعلم وقوعه منكم؟! هذا غاية الاستنكار والتوبيخ.
- ثم ختمها بتسجيل الكفرعليهم ﴿ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾[يونس : 18]
فليسموه ما شاءوا؛ شفاعة غير شفاعة هو شرك.
المسوغ الثاني:
طلب القربة والمعنى عندهم: أنا لا نستطيع أن نتقرب إلى الله مباشرة؛ بل لابد من سلوك سبيلٍ يُوصل قربتنا إليه، أو يُصلنا إليه حتى نتقرب؛ قال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾[الزمر : 2-3]
فما الذي تضمنته الآية من تسجيل المعائب والتوبيخ والمقت والعار؟
وقبل ذلك ننبه إلى أمرين تضمنتهم الآية:
1. الإشارة؛ بل النص أنه يجب على المسلم تجريد الإخلاص لله وحده في عبادته.
2. وتجريد المتابعة لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ ﴾ [الزمر : 2]
فإذا تقرر هذا؛ فلنذكر بعض ما تضمنته الآية من تعيير هؤلاء القوم وتسفيه عقولهم وأحلامهم:
§ أولًا : أن ما ادعوه من الواسطة وبرروا له بالقربة هو عبادة؛ وهذا دليل على أن مجرد الأسماء لا تغير الحقائق.
§ ثانيًا: الوعيد الشديد الغليط ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [الزمر : 3] يحكم بين هؤلاء الذين عبدوهم من دون الله وهم صالحون؛ فيظهر المحق من المبطل.
المصدر
الدرس الثاني من شرح نواقض الإسلام
للشيخ الوالد عبيد الجابري
حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الوسائط الذي يسلكها الناس إلى الله عز وجل
الوسائط الذي يسلكها الناس إلى الله عز وجل أقسامٌ ثلاثة:
القسم الأول: وساطة التبليغ عن الله إلى الناس أمره ونهيه وخبره.
وهذه الواسطة هم من نصبهم الله - عز وجل- لا غيره، ليبلغوا ما يريده -سبحانه وتعالى- من عباده إليهم حتى يعلموا ما يجب عليهم نحو ربهم - تبارك وتعالى- من حقوق، وحتى يعلموا كيف يعبدوه حق العبادة، ويخلصوا له الدين وهذه الواسطة هم الملائكة - عليهم الصلاة والسلام- ورسله إلى الجن والإنس وهؤلاء الرسل من البشر؛ قال الله تعالى:
﴿ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [الحج : 75]
وقال تعالى:﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ﴾ ..إلى قوله..﴿ رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً﴾ [النساء : 163- 165]
فمن استجاب لهؤلاء الرسل وانقاض لما جاءوا به وتابعوهم كان على هدىً من الله -سبحانه وتعالى- ومن استنكف عن الاستجابة لهم، ورد دعوتهم، فهؤلاء هم الكفار المكذبون.
وقد قص الله -سبحانه وتعالى- علينا في كتابه خبر أوليائه المتبعين رسله، وما أعد لهم من حسن العاقبة، وكذلك قص علينا في كتابه خبر من رد دعوتهم وكذبهم واستنكف عن ما جاءت به المرسلون من أليم العقاب وسوء العاقبة؛ وهذا ما لا يحصى من آيات تنزيل الكريم، ومن كان ذا عهدٍ بكتاب الله حفظًا وتدبرًا، أوحفظًا أو تدبرًا ظهر له ذلك جليًا.
الواسطة الثانية:
وهذه وإن كانت فرعًا عن سابقتها إلا أن أهل العلم يذكرونها لمزيد الاهتمام بها؛ ووجوب التمسك بما جاءت به هذه الواسطة؛
وهذه الواسطة هم ورثة الأنبياء من أصحابهم وأتباعهم بإحسان؛ وفي الحديث الصحيح ((وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ ؛ فإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرَّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا وإنما وَرَّثُوا الْعِلْمَ ، مَنْ أَخَذَهُ فَقَدْ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ)) فبان أن هذه الواسطة هم العلماء؛ فالصحابة -رضي الله عنهم- ورثوا عن محمد -صلى الله عليه وسلم- وبلغوا إلى من بعدهم ما تلقوه عن نبيهم -صلى الله عليه وسلم- فلم يزيدوا عليه ولم ينقصوا منه؛ ولهذا انعقد اجماع الأئمة على أن ما أجمع عليه الصحابة -رضي الله عنهم- كان حجة يجب التسليم لها، ولا يعدل عنه إلا ضال مضل صاحب هوى؛ أقول أو جاهل؛ ولكن الأول مبتدع والثاني معذور ويجب عليه السعي حتى يزول عنه الجهل، وعلى الأقل جهل ما يجب عليه وجوبًا عينيًا من دين الله - عزوجل- .
والتابعون ورثوا عن الصحابة -رضي الله عنهم- وسلكوا سبيلهم ومن بعدهم ورثوا عن التابعين ، وهكذا.
وفي الحديث الصحيح ((إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا)) فالأمة ما وقرت علماءها الربانين العاملين بالسنة، العازمين على عدم التفريط في شيء منها والناصحين للأمة ببذل ما أوجبه الله عليهم من علمه وتعليمه الناس، فهي في حصن حصين وحرزٍ متين ، وإلى هذا إشارة بقوله -صلى الله عليه وسلم- ((إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَنْتَزِعُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا مِنْ صُدُورِ العلماء، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ ، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالا ، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)) وفي هذا تنبيه إلى ما أسلفنا من توقير أهل العلم، لأن الله - عز وجل- نصبهم ورثة لمحمد - صلى الله عليه وسلم- فنعم الوارث والمورث.
وإذا أطلق العلم فالمراد به العلم الشرعي.
وحدَّه: فقه الكتاب الكريم وفقه سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وعلى سيرة السلف الصالح وهم كل من مضى بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- على أثره وأساسهم الصحابة -رضي الله عنهم- ثم من تبعهم بإحسان من أئمة العلم والدين في القرون المفضلة الثلاثة التي شهد لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالخيرية في غير ما حديث صحيح؛ ومنها ((خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ الحديث))
وفيه كذلك تحذيرٌ من صنفين من الناس:-
· الصنف الأول: الجهلة؛ الذين يتصدرون ميدان الدعوة، وبضاعتهم القصص والحكايات، والأحاديث الضعيفة والموضوعة.
· الثاني: أهل الهوى ؛ المبتدعة أهل الضلال، أهل الرأي المحض المعارض للنصوص.
وقد تواتر ذم هذا الصنف عن الصحابة -رضي الله عنهم- ومن بعدهم ومن ذلك قول الفاروق -رضي الله عنه- " إياكم وأهل الرأي أعداء السنن، أعيتهم أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يحفظوها فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا"
وقال الشعبي -رحمه الله- " إياكم والمقايسة فوالذي نفسي بيده لإن أخذتم بالقياس، لتحلن الحرام، ولتُحرمن الحلال، فما بلغكم عن من حفظ من أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- فخذوه، أو قال: فخذوا به"
فهتان الوستطان محمودتان محبوبتان وهما سبيل نجاة.
الواسطة الثالثة:
وهي التي عناها الشيخ -رحمه الله- وأقتصر عليها لشدة خطرها ووجوب الحذر منها ولأنها يزينها علماء السوء فيظهرون الإخلاص لله في العبادة ومتابعة السنة في قالب نقص قدر الصالحين؛ ويظهرون الغلو الذي يرفع من تُزعم فيه الولاية إلى رتبة الألوهية أنه هو محبة الصالحين أيضا؛ وهذه الوساطة هي من جنس شرك قريش ومن دان دينها ممن بُعث فيهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد سوغ لهم هذه الوساطة في زعمهم شيئان:-
أحدهما:
طلب الشفاعة منه؛ قال تعالى:﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [يونس : 18]
- فعاب الله عليهم أولًا هذا الصنيع؛ وهذا العيب والذم يشمل كل من صنع صنيعهم متخذًا وساطة عند الله يستشفعون بها عنده؛ والشفاعة هي ملكه -سبحانه وتعالى- كما قال-جلَّ وعلا-﴿قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا﴾ [الزمر : 44] وقال -جلَّ وعلا-: ﴿وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ﴾ [سبأ : 23]
- واستنكر عليهم ثانيًا بما يظهر سفه أحلامهم وعقولهم ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ﴾ [يونس : 18] فهولاء لا يملكون شيئًا حتى يُعطوه؛ سواءً كان المستشفع به ملكًا مقربًا، أو نبيًا مرسلًا، أو عبدًا صالحًا.
- وعابَ عليهم ثالثًا فقال:- ﴿قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ ﴾ [يونس : 18] أتخبرون الله بشيءٍ هو خافٍ عليه؛ ولا يعلم وقوعه منكم؟! هذا غاية الاستنكار والتوبيخ.
- ثم ختمها بتسجيل الكفرعليهم ﴿ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾[يونس : 18]
فليسموه ما شاءوا؛ شفاعة غير شفاعة هو شرك.
المسوغ الثاني:
طلب القربة والمعنى عندهم: أنا لا نستطيع أن نتقرب إلى الله مباشرة؛ بل لابد من سلوك سبيلٍ يُوصل قربتنا إليه، أو يُصلنا إليه حتى نتقرب؛ قال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾[الزمر : 2-3]
فما الذي تضمنته الآية من تسجيل المعائب والتوبيخ والمقت والعار؟
وقبل ذلك ننبه إلى أمرين تضمنتهم الآية:
1. الإشارة؛ بل النص أنه يجب على المسلم تجريد الإخلاص لله وحده في عبادته.
2. وتجريد المتابعة لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ ﴾ [الزمر : 2]
فإذا تقرر هذا؛ فلنذكر بعض ما تضمنته الآية من تعيير هؤلاء القوم وتسفيه عقولهم وأحلامهم:
§ أولًا : أن ما ادعوه من الواسطة وبرروا له بالقربة هو عبادة؛ وهذا دليل على أن مجرد الأسماء لا تغير الحقائق.
§ ثانيًا: الوعيد الشديد الغليط ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [الزمر : 3] يحكم بين هؤلاء الذين عبدوهم من دون الله وهم صالحون؛ فيظهر المحق من المبطل.
المصدر
الدرس الثاني من شرح نواقض الإسلام
للشيخ الوالد عبيد الجابري
حفظه الله