أصل سلاطين الفونج وموطنهم - رياض النعيمي
- 29 ديسمبر, 2011 08:35 ص 804 - 0
أصل سلاطين الفونج وموطنهم
نظراً لما اكتنف ظهور سلطنة الفونج من الغموض، تارة لقلة المصادر الوطنية، وأخرى لصمت المصادر العربية المعاصرة عن تلك السلطنة، فان أصلهم لايزال يشكِّل معضلة أساسية في تاريخ السودان. وشغل هذا الأمر بال الباحثين فترات طويلة، طرح خلالها عدد من النظريات، ولكن لايزال أصلهم يكتنفه بعض الغموض وسوف يظل الأمر كذلك، حتى تشهد منطقة عاصمة الفونج سنار اهتمام علماء الحفريات واللغات المقارنة والآثار، لأن نتائج البحوث الأثرية اليوم تعد الحل الحاسم للعديد من المسائل التاريخية.
يرجع الباحثون موطن الفونج الأصلي الى احدى ثلاث مناطق وهي:
أـ بلاد الحبشة (اثيوبيا).
ب ـ بلاد برنو، الواقعة حول بحيرة تشاد.
جـ ـ بلاد شلك على النيل الأبيض.
ويجب أن نلاحظ أن بلاد الحبشة الموطن الأصلي لسلاطين الفونج في روايات النسابة السودانيين الذين يعزون أصولهم الى بني أمية، تنال حظوة بين الباحثين المعاصرين.
ويعتبر الرحالة والمغامر اليهودي المسمى «داود روبيني» أول من قَدَّم لنا وصفاً لقبائل الفونج. اذ قدم هذا الرحالة من اليمن في طريقه الى أوروبا، وكان يدّعي النسب الشريف، ويتظاهر بالاسلام مكث في ضيافة السلطان «عمارة بن دونقس» مدة وجيزة خلال عام 1522م(2).
وهناك أيضاً مصدر ثان، وهو مخطوط «للشيخ أحمد» كاتب الشونة، الذي عاصر أواخر سلاطين الفونج منذ نشأة دولتهم. أما الرحالة اليهودي الشرقي «روبيني» فانه قضى معظم وقته أثناء زيارته لهذه السلطنة في العاصمة لاموال أولول، كما ذكر «الشيخ أحمد». وتقع عاصمة هذه السلطنة على النيل الأزرق، على مسافة مسيرة ثمانية أيام من «سنار»، وكثيراً ما صاحب «روبيني» السلطان في تجواله لتفقد أحوال سلطنته. وطبقاً لهذين المصدرين فانه كان يساعد السلطان في ادارة مملكته عدد كبير من الموظفين، وقادة الجيش وعدد من القضاة وحكام المدن والأشراف من آل البيت. ويذكر «روبيني» أن السلطان كان يمتلك الكثير من التبر، الخيل، الابل، المواشي، والأغنام. ويتضح من هذا الوصف الذي ورد في روايتي روبيني والشيخ أحمد كاتب الشونة، أن المجتمع الفونجي كان مجتمعاً رعوياً مسيطراً على منطقة جغرافية واسعة(1).
وهناك عدد من النظريات التاريخية التي تناولت أصول سلاطين مملكة الفونج وقد تباينت حول الأصل الأموي، والشلكاوي، والبرئاوي، وغيرها. أما فيما يخص النسب الأموي، فان الروايات السودانية تميل الى أن الفونج ينحدرون من سلالة بني أمية وخاصة أولئك الذين نَجَوْا بحياتهم من مطاردة العباسيين، بعد أن أفل نجم دولتهم، وتميل هذه الرواية الى أن أجداد الفونج دخلوا الى السودان عن طريق الحبشة (اثيوبيا). أشارت الى أصل الفونج الأموي، وهي وثيقة تعود الى الربع الأول من القرن السابع عشر، بعثها السلطان الفونجي «محمد بادي عجيب أوبادي سيد القوم» الى بني أمية، القاطنين في «دار دنقلاً»، وتوضح هذه الوثيقة أصل هذا السلطان الفونجي، وتعزو نسبه الى الأمويين(2).
وهناك رواية أخرى تنسب أصل الفونج الى سلالة العمريين من خلف «عمرو بن سليمان بن عبد الملك» الخليفة الأموي، الذي هرب من الشام الى الحبشة خشية بطش العباسيين. وفي السودان تزوج «عمر بن سليمان الأموي» كريمة ملك النوبة، وانجبت له ولدين هما: «داود وأنس» ويذكر السمرقندي رواية أخرى تقول: إنَّ نسل «داود وأنس» تكاثروا في السودان حتى أصبح من العسير تفريقهم عن السودانيين، كما يذكر الفقيه «أحمد العكي» أن نسل «عمرو بن سليمان الأموي» تصاهروا مع سكان احدى عواصم الفونج، وأصبحوا مثلهم مثل
الشعب النوبي الذي وفدوا اليه(1)، وهناك رأي آخر تضيفه مخطوطة اسلامية في «فينا» يُشير الى أن أصول سلاطين الفونج تعود الى بني هلال، وخاصة بطن حسان، ومهما يكن من أمر فقد يكون لرواية العرب المسلمين القادمين من الحبشة الى النوبة والسودان ظل من الحقيقة، لأن الهجرات العربية سواء كانت من أصل أموي أوْلاً كانت الحبشة تمثل بالنسبة لهم اقامة مؤقتة(2).
أما عن الأصل الشلكاوي لسلاطين الفونج، فان أول من ربط أصول الفونج بالشلك ـ وهم مواطنو البلد غير العرب ـ هو الرحالة الهولندي «جيمس بروس 1730 ـ 1794م » الذي زار سنار في عام 1772م، وجمع ما كان متداولاً شفهياً عن أصل سلاطين الفونج من روايات متباينة، حيث انتهى الى أن سلاطين مملكة الفونج ينحدرون من بطون قبيلة «الشلك» ويجب أن ندرك أن «بروس» كتب مذكراته بعد اثنتي عشرة سنة من عودته الى بلاده، أثناء مرحلة التغلغل الأوروبي المبكرة في افريقيا. وأشار في مذكراته أن أمة من السود تعرف بالشلك تقطن في الشواطئ الغربية للنيل الأزرق على خط 13 شمالاً. وذكر أن أول سلاطينهم على الشاطي الشرقي للنيل الأزرق هو «عمارة بن عدلان» الذي انشأ مملكة وشيد (سنار) عاصمة لها(3).
وعن الأصل البرناوي لسلاطين الفونج، أمامنا رأي آخر يشكك في الرأيين السابقين، ويربط هذا الرأيُ أصولَ سلاطين الفونج بذرية سلاطين «كانم وبرنو» (الذين أقاموا سلطنة حول بحيرة تشاد) وأنهم يعودون الى ذرية السلطان «عثمان بن قاضي بن مادي» الذي هزم في عام 1486م على أثر نزاع حول العرش البرناوي، فشق طريقه مهاجراً الى وادي النيل شرقاً، حيث تمكن أحد أسلافه من السيطرة على «الشلك» ثم على مملكة «سوبا» غير أن هذا الرأي يكتنفه شيء من الضعف والغموض(4).
ونضيف رأياً رابعاً، وهو كما يبدو على نمط خرافي، اذ يقال أن رجلاً حكيماً متجولاً زار قبائل النوبة السودانية، وغيّر من عاداتهم وتقاليدهم وتزوج منهم بعد اقتناعهم بتعليماته وارشاداته، وبمرور الزمن تأسس من نسله سلطة الفونج الاسلامية(5).
ويتضح من سرد الآراء سالفة الذكر حول أصل سلاطين الفونج، أنه من العسير ابداء رأي قاطع، لكنه لايمكن للباحث أن ينكر الجذور العربية في دمائهم، عندما يعلم أن كلمة الفونج
نفسها تعني «الغريب» في لغات شعوب نهر النيل، ومهما يكن عن أصل هذا الغريب، فان شدة التلاحم بين ذريته، والوطنيين الذين احتضنوه يميِّز احفاده عن السكان الأصليين.
وأيضاً فان هؤلاء المهاجرين المسلمين قد لعبوا دوراً بارزاً في نشر الاسلام في المنطقة، كما أنهم أرسَوْا قواعد ثقافية واسلامية وعادات اسلامية، أعطت وجهاً مشرقاً للأوضاع المحلية سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية
لقد كان وجود هؤلاء المهاجرين في منطقتي النوبة وشرقي السودان سبباً في فتح المنطقة والمناطق المجاورة لها على دين جديد لعب دوره الحضاري في اقناع الأهالي، ومواطني تلك المناطق باعتناق ذلك الدين الحنيف مما أدى الى نشر العادات والتقاليد الاسلامية في ربوعها.
ان هؤلاء المهاجرين المسلمين الجدد قد عملوا على تطوير الأوضاع الاقتصادية، وخاصة في المجال التجاري حيث دخلت فيه تطورات فعّالة في أسلوب التجارة وأدواتها، كما دخلت أيضاً تغييرات كثيرة في أسلوب الحكم وادارة شؤونه، حيث نشأت تنظيمات سياسية وادارية جديدة. ولم يسلم الجانب الثقافي من التأثيرات الاسلامية، حيث صبغت المنطقة بصبغة اسلامية في المجال الثقافي.
موقع الفحل