تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :
السؤال: كيف يتأكد الإنسان من صحة إيمانه وهو في شك عظيم ؟
الجواب :
الحمد لله
قال الله تعالى : ( ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) العنكبوت/1-3
قال السعدي رحمه الله :
" يخبر تعالى عن تمام حكمته وأن حكمته لا تقتضي أن كل من قال " إنه مؤمن " وادعى لنفسه الإيمان ، أن يبقوا في حالة يسلمون فيها من الفتن والمحن ، ولا يعرض لهم ما يشوش عليهم إيمانهم وفروعه ، فإنهم لو كان الأمر كذلك ، لم يتميز الصادق من الكاذب ، والمحق من المبطل ، ولكن سنته وعادته في الأولين وفي هذه الأمة ، أن يبتليهم بالسراء والضراء ، والعسر واليسر ، والمنشط والمكره ، والغنى والفقر ، وإدالة الأعداء عليهم في بعض الأحيان ، ومجاهدة الأعداء بالقول والعمل ونحو ذلك من الفتن ، التي ترجع كلها إلى فتنة الشبهات المعارضة للعقيدة ، والشهوات المعارضة للإرادة ، فمن كان عند ورود الشبهات يثبت إيمانه ولا يتزلزل ، ويدفعها بما معه من الحق ، وعند ورود الشهوات الموجبة والداعية إلى المعاصي والذنوب ، أو الصارفة عن ما أمر اللّه به ورسوله ، يعمل بمقتضى الإيمان ، ويجاهد شهوته ، دل ذلك على صدق إيمانه وصحته .
ومن كان عند ورود الشبهات تؤثر في قلبه شكا وريبا ، وعند اعتراض الشهوات تصرفه إلى المعاصي أو تصدفه عن الواجبات ، دلَّ ذلك على عدم صحة إيمانه وصدقه .
والناس في هذا المقام درجات لا يحصيها إلا اللّه ، فمستقل ومستكثر " انتهى .
"تفسير السعدي" (ص 626)
فمن عصفت بقلبه الفتن عند ورودها ، ولم يستمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها ، وهي كلمة التوحيد ولوازمها ، وجعل قلبه يتنقل بكل واد ، وإنما أمره في الحيرة والتردد ، وحاله حال المذبذبين المتحيرين ، فتارة مع هؤلاء ، وتارة مع هؤلاء ، وتارة لا إلى هؤلاء ، ولا إلى هؤلاء ، ذو قلب محجوب ، لا يتخلله الوعظ ، ولا يثبت على الصراط ؛ فمن كانت هذه حاله فليت أمه لم تلده ، إلا أن يتداركه الله برحمته ، فيغفر زلته ، ويقيل عثرته .
فليبادر عبد خاف على نفسه ، ونصح لها : أن يعود إلى الله ، وإلى الإيمان به وبرسوله ، وإلى اليقين بموعوده ، وإلى التصديق بكتابه ، وإلى الكفر بالطاغوت وأوليائه ، وإلى موالاة أولياء الرحمن صفوة خلقه ، ومعاداة أولياء الشيطان .
روى مسلم (118) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا ، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا ، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا )
وروى الإمام أحمد (15489) والحاكم (96) عَنْ كُرْزٍ الْخُزَاعِيِّ رضي الله عنه قَالَ :
سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله هل للإسلام من منتهى ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( نعم أيما أهل بيت من العرب والعجم أراد الله بهم خيرا أدخل عليهم الإسلام ، ثم تقع الفتن كأنها الظلل ) صححه الألباني في الصحيحة" (51) .
أما حال المؤمنين فهو حال المصدقين الموقنين ، الذين يقولون سمعنا وأطعنا ، لا تزيدهم الفتن إلا إيمانا ويقينا ، فكيف بدواعي الإيمان من الكلم الطيب والعمل الصالح ؟
( وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ) التوبة /124 ، 125
( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ) الإسراء/82
( وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ) الأحزاب / 22
وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا طَوِيلًا عَنْ الدَّجَّالِ فَكَانَ فِيمَا حَدَّثَنَا بِهِ أَنْ قَالَ : ( يَأْتِي الدَّجَّالُ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي بِالْمَدِينَةِ ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ هُوَ خَيْرُ النَّاسِ أَوْ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ فَيَقُولُ : أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا عَنْكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَهُ فَيَقُولُ الدَّجَّالُ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ هَلْ تَشُكُّونَ فِي الْأَمْرِ ؟ فَيَقُولُونَ لَا . فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ فَيَقُولُ حِينَ يُحْيِيهِ : وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي الْيَوْمَ . فَيَقُولُ الدَّجَّالُ : أَقْتُلُهُ . فَلَا أُسَلَّطُ عَلَيْهِ ) متفق عليه ، واللفظ للبخاري (1882)
فهذه حال المؤمن : على خير حال ، في كل حال ، يزداد بالطاعة إيمانا ، ولا تضره فتنة ما اختلف الليل والنهار ، روى مسلم (144) عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا ، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ : عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ) .
قال النووي :
" قَالَ صَاحِب التَّحْرِير : مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ الرَّجُل إِذَا تَبِعَ هَوَاهُ وَارْتَكَبَ الْمَعَاصِي دَخَلَ قَلْبه بِكُلِّ مَعْصِيَة يَتَعَاطَاهَا ظُلْمَة , وَإِذَا صَارَ كَذَلِكَ اُفْتُتِنَ وَزَالَ عَنْهُ نُور الْإِسْلَام . وَالْقَلْب مِثْل الْكُوز فَإِذَا اِنْكَبَّ اِنْصَبَّ مَا فِيهِ ، وَلَمْ يَدْخُلهُ شَيْء بَعْد ذَلِكَ " انتهى .
والخلاصة :
أن العبد ما دام يسمع ويطيع لمولاه ، ويوالي فيه ، ويعادي فيه ، ولا شيء أحب إليه من طاعة سيده ومولاه ، ولا أكره لديه من عصيانه والبعد عن صراطه ، ولا تزيده الفتن إلا تعلقا به إيمانا ويقينا ، فهو المؤمن حقا .
وقد روى الإمام أحمد (178) عن عُمَر رضي الله عنه أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ كَانَ مِنْكُمْ تَسُرُّهُ حَسَنَتُهُ وَتَسُوءُهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ) صححه الألباني في الصحيحة (430)
ومن انشغل بالهوى عن الهدى ، وآثر محبة عدوه على طاعة ربه ، وكلما وردت فتنة عصفت بقلبه ، ثم لا يزال في الشك والحيرة ، قليل الحظ من اليقين : فذاك مدخول الإيمان .
وقول السائل : "وهو في شك عظيم" :
إن كان يقصد أنه في شك عظيم من إيمانه بالله : فمن شك في الإيمان فليس بمؤمن .
وإن كان يقصد أنه في شك من صحة إيمانه ، هل هو مؤمن أم لا ؟
فقد قدمنا ما يستطيع به أن يتأكد من ذلك ، إثباتا ونفيا .
فإن كان السائل في شك من دينه ، وله في ذلك من نفسه أمارات فليتق الله ، وليراجع نفسه ، وليقبل على ربه وعلى طاعته ، ولا يلتفت إلى ما يعرض له من الشبهات ، وليصاحب أهل الإيمان ، ولا يصاحب أهل العصيان وأهل الكفران ، ولا يسمع لهم ، ولا يقرأ لهم ، وليرض بالله ودينه ورسوله .
أما إن كان ما يعرض له مجرد هواجس نفسية ، أو وساوس شيطانية ، فلا يلتفت إليها ، ولينصرف عنها ، وليقبل على الله .
وقد روى البخاري (3276) ومسلم (134) عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ : مَنْ خَلَقَ كَذَا ؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا ؟ حَتَّى يَقُولَ : مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ ) .
قال النووي :
" َمَعْنَاهُ : إِذَا عَرَضَ لَهُ هَذَا الْوَسْوَاس فَلْيَلْجَأْ إِلَى اللَّه تَعَالَى فِي دَفْع شَرّه عَنْهُ , وَلْيُعْرِضْ عَنْ الْفِكْر فِي ذَلِكَ , وَلْيَعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْخَاطِر مِنْ وَسْوَسَة الشَّيْطَان , وَهُوَ إِنَّمَا يَسْعَى بِالْفَسَادِ وَالْإِغْوَاء فَلْيُعْرِضْ عَنْ الْإِصْغَاء إِلَى وَسْوَسَته وَلْيُبَادِرْ إِلَى قَطْعهَا بِالِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهَا "
انتهى .
وإن من علامات صلاح القلب عن تلك الوساوس الشيطانية ، والعوارض الإبليسية أن يستعظم أمرها ، حتى لو خير بين أن تستقر في نفسه تلك الخواطر الرديئة ، وبين الموت ، لكان الموت أحب إليه من ذلك :
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَحَدَنَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ يُعَرِّضُ بِالشَّيْءِ ، لَأَنْ يَكُونَ حُمَمَةً أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ ؟!
فَقَالَ : ( اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ ؛ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ كَيْدَهُ إِلَى الْوَسْوَسَةِ )
رواه أبو داود (5112) ، وصححه الألباني .
نسأل الله - لنا ولإخواننا المسلمين - أن يثبت قلوبنا على دينه .
للاستزادة : تراجع إجابة السؤال رقم : (82866) .
والله أعلم
السؤال: كيف يتأكد الإنسان من صحة إيمانه وهو في شك عظيم ؟
الجواب :
الحمد لله
قال الله تعالى : ( ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) العنكبوت/1-3
قال السعدي رحمه الله :
" يخبر تعالى عن تمام حكمته وأن حكمته لا تقتضي أن كل من قال " إنه مؤمن " وادعى لنفسه الإيمان ، أن يبقوا في حالة يسلمون فيها من الفتن والمحن ، ولا يعرض لهم ما يشوش عليهم إيمانهم وفروعه ، فإنهم لو كان الأمر كذلك ، لم يتميز الصادق من الكاذب ، والمحق من المبطل ، ولكن سنته وعادته في الأولين وفي هذه الأمة ، أن يبتليهم بالسراء والضراء ، والعسر واليسر ، والمنشط والمكره ، والغنى والفقر ، وإدالة الأعداء عليهم في بعض الأحيان ، ومجاهدة الأعداء بالقول والعمل ونحو ذلك من الفتن ، التي ترجع كلها إلى فتنة الشبهات المعارضة للعقيدة ، والشهوات المعارضة للإرادة ، فمن كان عند ورود الشبهات يثبت إيمانه ولا يتزلزل ، ويدفعها بما معه من الحق ، وعند ورود الشهوات الموجبة والداعية إلى المعاصي والذنوب ، أو الصارفة عن ما أمر اللّه به ورسوله ، يعمل بمقتضى الإيمان ، ويجاهد شهوته ، دل ذلك على صدق إيمانه وصحته .
ومن كان عند ورود الشبهات تؤثر في قلبه شكا وريبا ، وعند اعتراض الشهوات تصرفه إلى المعاصي أو تصدفه عن الواجبات ، دلَّ ذلك على عدم صحة إيمانه وصدقه .
والناس في هذا المقام درجات لا يحصيها إلا اللّه ، فمستقل ومستكثر " انتهى .
"تفسير السعدي" (ص 626)
فمن عصفت بقلبه الفتن عند ورودها ، ولم يستمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها ، وهي كلمة التوحيد ولوازمها ، وجعل قلبه يتنقل بكل واد ، وإنما أمره في الحيرة والتردد ، وحاله حال المذبذبين المتحيرين ، فتارة مع هؤلاء ، وتارة مع هؤلاء ، وتارة لا إلى هؤلاء ، ولا إلى هؤلاء ، ذو قلب محجوب ، لا يتخلله الوعظ ، ولا يثبت على الصراط ؛ فمن كانت هذه حاله فليت أمه لم تلده ، إلا أن يتداركه الله برحمته ، فيغفر زلته ، ويقيل عثرته .
فليبادر عبد خاف على نفسه ، ونصح لها : أن يعود إلى الله ، وإلى الإيمان به وبرسوله ، وإلى اليقين بموعوده ، وإلى التصديق بكتابه ، وإلى الكفر بالطاغوت وأوليائه ، وإلى موالاة أولياء الرحمن صفوة خلقه ، ومعاداة أولياء الشيطان .
روى مسلم (118) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا ، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا ، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا )
وروى الإمام أحمد (15489) والحاكم (96) عَنْ كُرْزٍ الْخُزَاعِيِّ رضي الله عنه قَالَ :
سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله هل للإسلام من منتهى ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( نعم أيما أهل بيت من العرب والعجم أراد الله بهم خيرا أدخل عليهم الإسلام ، ثم تقع الفتن كأنها الظلل ) صححه الألباني في الصحيحة" (51) .
أما حال المؤمنين فهو حال المصدقين الموقنين ، الذين يقولون سمعنا وأطعنا ، لا تزيدهم الفتن إلا إيمانا ويقينا ، فكيف بدواعي الإيمان من الكلم الطيب والعمل الصالح ؟
( وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ) التوبة /124 ، 125
( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ) الإسراء/82
( وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ) الأحزاب / 22
وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا طَوِيلًا عَنْ الدَّجَّالِ فَكَانَ فِيمَا حَدَّثَنَا بِهِ أَنْ قَالَ : ( يَأْتِي الدَّجَّالُ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي بِالْمَدِينَةِ ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ هُوَ خَيْرُ النَّاسِ أَوْ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ فَيَقُولُ : أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا عَنْكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَهُ فَيَقُولُ الدَّجَّالُ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ هَلْ تَشُكُّونَ فِي الْأَمْرِ ؟ فَيَقُولُونَ لَا . فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ فَيَقُولُ حِينَ يُحْيِيهِ : وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي الْيَوْمَ . فَيَقُولُ الدَّجَّالُ : أَقْتُلُهُ . فَلَا أُسَلَّطُ عَلَيْهِ ) متفق عليه ، واللفظ للبخاري (1882)
فهذه حال المؤمن : على خير حال ، في كل حال ، يزداد بالطاعة إيمانا ، ولا تضره فتنة ما اختلف الليل والنهار ، روى مسلم (144) عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا ، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ : عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ) .
قال النووي :
" قَالَ صَاحِب التَّحْرِير : مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ الرَّجُل إِذَا تَبِعَ هَوَاهُ وَارْتَكَبَ الْمَعَاصِي دَخَلَ قَلْبه بِكُلِّ مَعْصِيَة يَتَعَاطَاهَا ظُلْمَة , وَإِذَا صَارَ كَذَلِكَ اُفْتُتِنَ وَزَالَ عَنْهُ نُور الْإِسْلَام . وَالْقَلْب مِثْل الْكُوز فَإِذَا اِنْكَبَّ اِنْصَبَّ مَا فِيهِ ، وَلَمْ يَدْخُلهُ شَيْء بَعْد ذَلِكَ " انتهى .
والخلاصة :
أن العبد ما دام يسمع ويطيع لمولاه ، ويوالي فيه ، ويعادي فيه ، ولا شيء أحب إليه من طاعة سيده ومولاه ، ولا أكره لديه من عصيانه والبعد عن صراطه ، ولا تزيده الفتن إلا تعلقا به إيمانا ويقينا ، فهو المؤمن حقا .
وقد روى الإمام أحمد (178) عن عُمَر رضي الله عنه أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ كَانَ مِنْكُمْ تَسُرُّهُ حَسَنَتُهُ وَتَسُوءُهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ) صححه الألباني في الصحيحة (430)
ومن انشغل بالهوى عن الهدى ، وآثر محبة عدوه على طاعة ربه ، وكلما وردت فتنة عصفت بقلبه ، ثم لا يزال في الشك والحيرة ، قليل الحظ من اليقين : فذاك مدخول الإيمان .
وقول السائل : "وهو في شك عظيم" :
إن كان يقصد أنه في شك عظيم من إيمانه بالله : فمن شك في الإيمان فليس بمؤمن .
وإن كان يقصد أنه في شك من صحة إيمانه ، هل هو مؤمن أم لا ؟
فقد قدمنا ما يستطيع به أن يتأكد من ذلك ، إثباتا ونفيا .
فإن كان السائل في شك من دينه ، وله في ذلك من نفسه أمارات فليتق الله ، وليراجع نفسه ، وليقبل على ربه وعلى طاعته ، ولا يلتفت إلى ما يعرض له من الشبهات ، وليصاحب أهل الإيمان ، ولا يصاحب أهل العصيان وأهل الكفران ، ولا يسمع لهم ، ولا يقرأ لهم ، وليرض بالله ودينه ورسوله .
أما إن كان ما يعرض له مجرد هواجس نفسية ، أو وساوس شيطانية ، فلا يلتفت إليها ، ولينصرف عنها ، وليقبل على الله .
وقد روى البخاري (3276) ومسلم (134) عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ : مَنْ خَلَقَ كَذَا ؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا ؟ حَتَّى يَقُولَ : مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ ) .
قال النووي :
" َمَعْنَاهُ : إِذَا عَرَضَ لَهُ هَذَا الْوَسْوَاس فَلْيَلْجَأْ إِلَى اللَّه تَعَالَى فِي دَفْع شَرّه عَنْهُ , وَلْيُعْرِضْ عَنْ الْفِكْر فِي ذَلِكَ , وَلْيَعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْخَاطِر مِنْ وَسْوَسَة الشَّيْطَان , وَهُوَ إِنَّمَا يَسْعَى بِالْفَسَادِ وَالْإِغْوَاء فَلْيُعْرِضْ عَنْ الْإِصْغَاء إِلَى وَسْوَسَته وَلْيُبَادِرْ إِلَى قَطْعهَا بِالِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهَا "
انتهى .
وإن من علامات صلاح القلب عن تلك الوساوس الشيطانية ، والعوارض الإبليسية أن يستعظم أمرها ، حتى لو خير بين أن تستقر في نفسه تلك الخواطر الرديئة ، وبين الموت ، لكان الموت أحب إليه من ذلك :
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَحَدَنَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ يُعَرِّضُ بِالشَّيْءِ ، لَأَنْ يَكُونَ حُمَمَةً أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ ؟!
فَقَالَ : ( اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ ؛ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ كَيْدَهُ إِلَى الْوَسْوَسَةِ )
رواه أبو داود (5112) ، وصححه الألباني .
نسأل الله - لنا ولإخواننا المسلمين - أن يثبت قلوبنا على دينه .
للاستزادة : تراجع إجابة السؤال رقم : (82866) .
والله أعلم