النور المبين 2:لقد وجدت القرآن!
[rtl]الكـاتب : حسين بن عفيف
ذكرت في مقالي السابق عظم أثر هذا النور المبين على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسلفنا الصالحين، وكيف كانت الآية الواحدة تهز وجدانهم وتغير كيانهم، والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: كيف نصل إلى مثل هذا الوصال والارتباط مع الكتاب الحكيم، لا شك أن هناك مفاتيح للتعامل مع القرآن العظيم، لفت النظر إليها جمع من الكتاب، ومنهم الشيخ الفاضل/ صلاح الخالدي، في كتابه (مفاتيح للتعامل مع القرآن)، ومنهم الشيخ/ مجدي الهلالي، في سلسلة كتبه عن القرآن الكريم، ولاشك عندي أن القرآن معجز ويحمل من الدلالات والمعاني الشيء العظيم، مما يجعل الآية الواحدة يسمعها فئام من البشر فتُحدِث في نفوسهم أنواعاً من التأثير قد تكون مختلفة كل بما استنتج منها من دلالات وما وصل إليه فهمه من معاني، حسب علمه وفهمه، وما فتح الله عليه من بركة هذا الكتاب العظيم، وكما يقول الدكتور محمد عبد الله دراز - رحمه الله تعالى -: "ضع يدك حيث شئت من المصحف، وعدَّ ما أحصته كفك من الكلمات عداً، ثم أحص عدتها من أبلغ كلام تختاره، خارجاً عن الدفتين، وانظر نسبة ما حواه هذا الكلام من المعاني إلى ذاك، ثم انظر: كم كلمة تستطيع أن تسقطها أو تبدلها من هذا الكلام دون إخلال بغرض قائله؟ وأي كلمة تستطيع أن تسقطها أو تبدلها هناك".
هذا النور المبين بُعث به سيد المرسلين ليخرجنا كافة من الظلمات إلى النور، فهو نور مبين لكل الأجيال، من لدن مُبلِّغِه - صلى الله عليه وسلم - وحتى يرث الله الأرض ومن عليها، فهو صالح لكل زمان ومكان، ويَهِم بعضهم فينكر على من يُنزِّل الآيات على وقائع هذا الزمن متدبراً في دلالاتها ومفاهيمها حسب أصول المفسرين، وهو بإنكاره هذا كأنه ينفي صلاحية كتاب الله لكل أجيال الزمان، يقول الإمام الجليل ابن القيم - رحمه الله تعالى -في معرض تفسيره؛ لقوله - تعالى -: ( قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض) [سبأ: 22].
"فكفى بهذه الآية نوراً وبرهاناً ونجاة وتجريداً للتوحيد، وقطعاً لأصول الشرك ومواده لمن عقلها. والقرآن مملوء من أمثالها ونظائرها، ولكن أكثر الناس لا يشعرون بدخول الواقع تحته وتضمنه له، ويظنونه في نوع وفي قوم قد خلوا من قبل لم يعقبوا وارثاً، وهذا هو الذي يحول بين القلب وبين فهم القرآن، ولعمر الله إن كان أولئك قد خلوا فقد ورثهم من هو مثلهم أو شر منهم أو دونهم، وتناول القرآن لهم كتناوله لأولئك".
سنن الله في الأنفس والآفاق متحققة ولاشك، فمن سار وفق مقدمات معينة، سيصل إلى نفس النتائج التي يصل إليها كل من يسير مساره، والعودة إلى كتاب الله - عز وجل - مع التأمل والتبصر في التاريخ خير معين لمعرفة هذه السنن (مقدماتها، ونتائجها).
وبتأملنا لواقعنا المعاصر، وأحداث هذا الزمان، فإننا نحتاج حقاً- إلى عودة صادقة متدبرة إلى هذا المعين العظيم الذي لا ينضب، ولا تنقضي عجائبه، نحتاج إلى عودة صادقة إلى هذا الكتاب الخالد نلتمس منه معرفتنا ونور دروبنا كالطفل الصغير حين يعود لوالديه ملتمساً منهما معونته، فيجد عندهما تفسير كل ألغازه وأحاجيه، ويُسلِّم لهما بكل ما يُلَقِّنَاه إياه، وهذا موقف جميل مع كتاب الله - عز وجل - يرويه لنا صاحب الظلال - رحمه الله تعالى-، حيث تكلم عن طفولته والصور الساذجة لآيات القرآن التي كانت ترتسم في مخيلته ثم قال: "تلك أيام.. ولقد مضت بذكرياتها الحلوة، وبخيالاتها الساذجة. ثم تلتها أيام، ودخلت المعاهد العلمية، فقرأت تفسير القرآن في كتب التفسير، وسمعت تفسيره من الأساتذة. ولكنني لم أجد فيما أقرأ أو أسمع ذلك القرآن اللذيذ الجميل، الذي كنت أجده في الطفولة والصبا.
وا أسفاه! لقد طُمست كل معالم الجمال فيه، وخلا من اللذة والتشويق، تُرى هل هما قرآنان؟ قرآن الطفولة العذب الميسر المشوق، وقرآن الشباب العسر المعقد الممزق؟ أم إنها جناية الطريقة المتبعة في التفسير؟ وعدت إلى القرآن أقرؤه في المصحف لا في كتب التفسير، وعدت أجد قرآني الجميل الحبيب؛ وأجد صوري المشوقة اللذيذة، إنها ليست في سذاجتها التي كانت هناك، لقد تغير فهمي لها، فعدت الآن أجد مراميها وأغراضها، وأعرف أنها مثل يُضرَب، لا حادث يقع.
ولكن سحرها ما يزال. وجاذبيتها ما تزال.
الحمد لله. لقد وجدت القرآن".
ولا يعني هذا الكلام التقليل من قيمة علم التفسير أو المفسرين، لا بل هو العلم والتعلم، وأخذ التفسير من أهله، ثم هو التأمل والتدبر، وجلسات الخلوة والصفاء مع كلام رب العالمين، تَرق فيها القلوب، وتُذرف فيها الدمعات، في دقائق أو ساعات، يخرج المرء بعدها أصلب عوداً، وأعمق ثباتاً، فقد نهل من معين صافٍ، لم تكدره الدلاء...[/rtl]
[rtl]الكـاتب : حسين بن عفيف
ذكرت في مقالي السابق عظم أثر هذا النور المبين على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسلفنا الصالحين، وكيف كانت الآية الواحدة تهز وجدانهم وتغير كيانهم، والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: كيف نصل إلى مثل هذا الوصال والارتباط مع الكتاب الحكيم، لا شك أن هناك مفاتيح للتعامل مع القرآن العظيم، لفت النظر إليها جمع من الكتاب، ومنهم الشيخ الفاضل/ صلاح الخالدي، في كتابه (مفاتيح للتعامل مع القرآن)، ومنهم الشيخ/ مجدي الهلالي، في سلسلة كتبه عن القرآن الكريم، ولاشك عندي أن القرآن معجز ويحمل من الدلالات والمعاني الشيء العظيم، مما يجعل الآية الواحدة يسمعها فئام من البشر فتُحدِث في نفوسهم أنواعاً من التأثير قد تكون مختلفة كل بما استنتج منها من دلالات وما وصل إليه فهمه من معاني، حسب علمه وفهمه، وما فتح الله عليه من بركة هذا الكتاب العظيم، وكما يقول الدكتور محمد عبد الله دراز - رحمه الله تعالى -: "ضع يدك حيث شئت من المصحف، وعدَّ ما أحصته كفك من الكلمات عداً، ثم أحص عدتها من أبلغ كلام تختاره، خارجاً عن الدفتين، وانظر نسبة ما حواه هذا الكلام من المعاني إلى ذاك، ثم انظر: كم كلمة تستطيع أن تسقطها أو تبدلها من هذا الكلام دون إخلال بغرض قائله؟ وأي كلمة تستطيع أن تسقطها أو تبدلها هناك".
هذا النور المبين بُعث به سيد المرسلين ليخرجنا كافة من الظلمات إلى النور، فهو نور مبين لكل الأجيال، من لدن مُبلِّغِه - صلى الله عليه وسلم - وحتى يرث الله الأرض ومن عليها، فهو صالح لكل زمان ومكان، ويَهِم بعضهم فينكر على من يُنزِّل الآيات على وقائع هذا الزمن متدبراً في دلالاتها ومفاهيمها حسب أصول المفسرين، وهو بإنكاره هذا كأنه ينفي صلاحية كتاب الله لكل أجيال الزمان، يقول الإمام الجليل ابن القيم - رحمه الله تعالى -في معرض تفسيره؛ لقوله - تعالى -: ( قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض) [سبأ: 22].
"فكفى بهذه الآية نوراً وبرهاناً ونجاة وتجريداً للتوحيد، وقطعاً لأصول الشرك ومواده لمن عقلها. والقرآن مملوء من أمثالها ونظائرها، ولكن أكثر الناس لا يشعرون بدخول الواقع تحته وتضمنه له، ويظنونه في نوع وفي قوم قد خلوا من قبل لم يعقبوا وارثاً، وهذا هو الذي يحول بين القلب وبين فهم القرآن، ولعمر الله إن كان أولئك قد خلوا فقد ورثهم من هو مثلهم أو شر منهم أو دونهم، وتناول القرآن لهم كتناوله لأولئك".
سنن الله في الأنفس والآفاق متحققة ولاشك، فمن سار وفق مقدمات معينة، سيصل إلى نفس النتائج التي يصل إليها كل من يسير مساره، والعودة إلى كتاب الله - عز وجل - مع التأمل والتبصر في التاريخ خير معين لمعرفة هذه السنن (مقدماتها، ونتائجها).
وبتأملنا لواقعنا المعاصر، وأحداث هذا الزمان، فإننا نحتاج حقاً- إلى عودة صادقة متدبرة إلى هذا المعين العظيم الذي لا ينضب، ولا تنقضي عجائبه، نحتاج إلى عودة صادقة إلى هذا الكتاب الخالد نلتمس منه معرفتنا ونور دروبنا كالطفل الصغير حين يعود لوالديه ملتمساً منهما معونته، فيجد عندهما تفسير كل ألغازه وأحاجيه، ويُسلِّم لهما بكل ما يُلَقِّنَاه إياه، وهذا موقف جميل مع كتاب الله - عز وجل - يرويه لنا صاحب الظلال - رحمه الله تعالى-، حيث تكلم عن طفولته والصور الساذجة لآيات القرآن التي كانت ترتسم في مخيلته ثم قال: "تلك أيام.. ولقد مضت بذكرياتها الحلوة، وبخيالاتها الساذجة. ثم تلتها أيام، ودخلت المعاهد العلمية، فقرأت تفسير القرآن في كتب التفسير، وسمعت تفسيره من الأساتذة. ولكنني لم أجد فيما أقرأ أو أسمع ذلك القرآن اللذيذ الجميل، الذي كنت أجده في الطفولة والصبا.
وا أسفاه! لقد طُمست كل معالم الجمال فيه، وخلا من اللذة والتشويق، تُرى هل هما قرآنان؟ قرآن الطفولة العذب الميسر المشوق، وقرآن الشباب العسر المعقد الممزق؟ أم إنها جناية الطريقة المتبعة في التفسير؟ وعدت إلى القرآن أقرؤه في المصحف لا في كتب التفسير، وعدت أجد قرآني الجميل الحبيب؛ وأجد صوري المشوقة اللذيذة، إنها ليست في سذاجتها التي كانت هناك، لقد تغير فهمي لها، فعدت الآن أجد مراميها وأغراضها، وأعرف أنها مثل يُضرَب، لا حادث يقع.
ولكن سحرها ما يزال. وجاذبيتها ما تزال.
الحمد لله. لقد وجدت القرآن".
ولا يعني هذا الكلام التقليل من قيمة علم التفسير أو المفسرين، لا بل هو العلم والتعلم، وأخذ التفسير من أهله، ثم هو التأمل والتدبر، وجلسات الخلوة والصفاء مع كلام رب العالمين، تَرق فيها القلوب، وتُذرف فيها الدمعات، في دقائق أو ساعات، يخرج المرء بعدها أصلب عوداً، وأعمق ثباتاً، فقد نهل من معين صافٍ، لم تكدره الدلاء...[/rtl]