عائلات "جزائرية" تـُشَجِّعُ أبناءَها على"الجريمة" و التردد على "السجون"
ظاهرة سيئة تنتشر كثيرا في الجزائر و بالأخص في مدينة الصخر العتيق قسنطينة تقوم بها بعض "الأمهات" عن جهل و هي احتفالها بخروج ابنها من السجن، و هي ظاهرة كثيرا ما شجعت الشباب على الجرائم و ربطت علاقته بالسجن من خلال التكرار المتواصل لارتكاب الجرائم
وكثيرا ما تكون مثل هذه العادات في الأحياء الشعبية بحيث تقيم " الأمّ " وليمة و تدعو فيها الأقارب و الجيران لحضور مأدبة الغذاء أو العشاء، و تخسر الأموال الكثيرة في تحضير هذه الوليمة، و قد تجدها تلجأ إلى قرض المال أو بيع مصوغاتها من أجل إسعاد ابنها الذي قضى عقوبته لجريمة اقترفها و إدخال في قلبه الفرحة..
إن مثل هذه الولائم عادة ما تكون من أجل شخص كان أسيرا في الحرب أو عائدا من الغربة و من الخدمة الوطنية، أو في المناسبات الخاصة بالنجاح في امتحان مثلا أو ترقية في الوظيفة أو خطبة و زواج، و لهذا نجد المدعوون كثيرا ما يندهشون لمثل هذه الولائم، و هم يستمعون إلى الأم : (أنتم مدعوون لحفلة خروج ابني من السجن) أو كما يقال بالعامية: ( راكو معروضين للعشا تاع وليدي خرج من الحبس) ..
انتشرت هذه الظاهرة في مدينة الصخر العتيق قسنطينة، و ربما في مناطق أخرى، غير أنه لا شك أن مثل هذه الظواهر تشجع الشباب على ارتكاب الجرائم مادامت " الأم " راضية عن ابنها حتى لو كان مجرما محترفا، أمام الإجراءات الجديدة التي تقوم بها إدارة السجون في الجزائر في ظل سياسة "حفظ الكرامة الإنسانية للسجين"، فقد عملت إدارة السجون على توفير كل الأجواء الملائمة داخل السجن من قاعات لـ: ( الرياضة، الموسيقى، الإنترنت ، فتح مركز لمحو الأمية، كذلك فتح المجال لمتابعة الدراسة عن بعد مع التركيز على نوعية الأكل و الفراش المريح..) مثلما هو الشأن بالنسبة لسجن حي بوصوف الواقع عل بعد 07 كيلومتر من مدينة قسنطينة، لدرجة أن هذه السجون أصبح يطلق عليها اسم (فنادق بخمس نجوم) زد على ذلك اهتمام الأهل بالسجين من خلال الزيارات المتكررة للاطمئنان عليه و تزويده بالغذاء الجيّد..
كما أن النطق بالأحكام عادة ما تكون "مخففة" من قبل المحاكم الجنائية أو محاكم الجنح، حيث أصبح "السجن" بالنسبة لهذه الشريحة من المنحرفين مثل الدار أو أحسن، خاصة الشباب البطال الذي أصبح ينظر إلى الجريمة الحل الوحيد للهروب من البطالة و الركن إلى جدران المدينة، و تحولت الجريمة في نظر هذه الشريحة إلى فن له تقنياته الخاصة، لاسيما و الأرقام تؤكد على تزايد عدد المساجين من سنة إلى أخرى ، و تؤكد الإحصائيات الأخيرة أن العدد الإجمالي للمساجين يفوق عن 60 ألف سجين على المستوى الوطني..
كان لنا لقاء مع بعض الأمهات أمام باب سجن "الكدية" كن ينتظرن موعد زيارة
أبنائهن المسجونين، و بعد التقرب منهن رويدا رويدا، فتحت لنا بعض الأمهات صدروهن للنقاش، حول هذه القضية سألنا السيدة ( ق. مسعودة) عمرها 72 سنة ، فقالت و الدموع تغمر عيناها: ( واش ندير أنا " أمّ" و هذا ما نسعى في الدنيا و ربّي ماهداهش..) ، أما السيدة ( ب. كلثوم) 65 سنة أفضت لنا بالقول: ( الليّ ما جَرَّبـْشِ الكبْدة يْكـَذَّبْ ) و قصت علينا مغامرات ابنها في قضايا السرقة مضيفة بالقول: ( حاولتُ مرارا إعادته إلى الطريق المستقيم و لكن السرقة أصبحت تسري في دمه، فماذا افعل؟ هذا حال اليتيم اللي ماعندوش اللي ينصحو، و مهما كان الحال يبقى ابني)، في حين صرحت إحدى الأمهات أنها على يقين أن ابنها مظلوم، و أضافت تقول: لو أعلم أن ابني مجرم بالفعل فأنا سأتبرأ منه مدى الحياة، و قالت أخرى رفضت ذكر اسمها بالقول: إن وجودي هنا لزيارة زوجي الضحية الذي سجن بسبب أخطاء ابنه، و أنا نسيت إذا كان عندي ولد..
الآراء كانت متناقضة بين مؤيد و معارض، وكان لنا الفضول في طرح السؤال على "المواطنين" لمعرفة ما يقوله الرأي العام ، سألنا أحد المواطنين من الشباب فكان رده أن الظاهرة لها شقين (إيجابي و سلبي) ، فالشق الأول أي الإيجابي تبقى الوليمة مبادرة طيبة إذا كان المحبوس "مظلوما"، و مثل هذه الولائم تشعره بأنه موضع اهتمام من طرف العائلة و أن هذه الأخيرة دوما متضامنة معه و تتذكره و تنتظر خروجه بفارغ الصبر، كما أن "الأمّ " بطبعها امرأة فهي بفطرتها عاطفية، لكن للعاطفة حدود أضاف محدثنا، فإقامة مثل هذه الولائم على مسجون ( في حالة عود) كما يطلق عليه في المصطلح القانوني أكبر من جريمة و أن العائلات التي تحتفل بخروج ابنها الضال هي كذلك مشاركة في الجريمة، و كان من الأحرى على هذه "الأم" أن تطرد ابنها من المنزل و تتبرأ منه مدى الحياة..
و راح آخر بالقول: إن الظلم ظلمات يوم القيامة و العائلات التي تقيم مثل هذه الولائم تكون تشجع ابنها على ارتكاب الجرائم، لاسيما و نحن نقرأ يوميا على صفحات الجرائد قضايا السرقات و الاختطاف و الاغتصاب، و لو كانت هذه الأم لها ابنة اختطفت و اغتصبت ربما نجدها تبحث عن الشخص الذي اغتصب ابنتها لتنتقم من شرف العائلة، لا ندري إذا ما كانت هاته الأمهات على حق، لأن عاطفة الأمومة أقوى بكثير، و لا يمكن لأي " أمّ "أن ترى ابنها في وضع سيئ ( جائع أو عار مثلا) مهما كانت أخطاؤه، غير أن مثل هذه الولائم تبقى ظاهرة سيئة تشجع الشباب على السير في طريق الإجرام، مادام هناك من يتكفل بهم ماديا و معنويا..