بسم الله الرحمن الرحيم
التربية الإسلامية ـ سبل الوصول وعلامات القبول: أكل الطيبات وتعلقه بالحلال والحرام.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل
والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام
على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول
الشهوات إلى جنات القربات
قواعد في الحلال والحرام :
1 ـ الأصل في الأشياء الإباحة أما في العقائد والعبادات فالأصل فيها الحظر :
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في موضوعٍ متعلقٍ بـ: "سبل الوصول وعلامات القبول" الموضوع "أكل الطيبات".
ولكن من لوازم هذا الموضوع موضوع الحلال والحرام، ومن خلال
النصوص القرآنية والنبوية الصحيحة استنبط بعض العلماء قواعد في
الحلال والحرام لابد من الوقوف عندها، لأنها منهجٌ للمؤمن في
موضوع الحلال والحرام.
فالقاعدة الأولى: الأصل في الأشياء الإباحة، ولا يحرم شيءٌ إلا بالدليل
القطعي الدلالة، والثابت نسباً، هذا في الأشياء، أما في العقائد
والعبادات فالأصل فيها الحظر، ولا تشرع عبادةٌ إلا بالدليل القطعي والثابت، عندنا عقائد وعبادات الأصل فيها الحظر،
وعندنا أشياء الأصل فيها الإباحة، بالأشياء التحريم يحتاج إلى دليل، أما في العبادات فالتشريع يحتاج إلى دليل، لو كان
كل مسلم يخترع عبادة انتهى الدين، فالعبادات توقيفية، ولا تشرع عبادةٌ إلا بالدليل القطعي والثابت، هذه قاعدة، طبعاً
قال تعالى:
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ﴾
[ سورة الجاثية الآية: 13]
الكون كله مسخر لهذا الإنسان، إذاً الأصل في الأشياء الإباحة.
(( ما أحل الله في كتابه فهو حلال))
[أخرجه الطبراني والبزار عن أبي الدرداء]
الآن بموضوع الحلال والحرام والعبادات:
(( وما حرم هو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئاً، ثم تلا: { وَمَا كَانَ
رَبُّكَ نَسِيّاً } ))
[أخرجه الطبراني والبزار عن أبي الدرداء]
﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً ﴾
[ سورة مريم الآية: 64 ]
هذه القاعدة الأولى مهمة جداً، الأصل في الأشياء الإباحة ولا يحرم شيءٌ إلا بالدليل القطعي والثابت، والأصل في
العقائد والعبادات الحظر ولا تشرع عبادةٌ إلا بالدليل القطعي والثابت هذه قاعدة.
2 ـ التحليل والتحريم من شأن الله وحده :
القاعدة الثانية: التحليل والتحريم من شأن الله وحده، غير مسموحٍ لأي إنسانٍ كائنٍ من كان أن يقول لك: هذا حلال
وهذا حرام، التحليل والتحريم من شأن الله وحده، ونحن لا يوجد عندنا بالعالم الإسلامي إنسان كلامه دليل، إلا أن
كلامه يحتاج إلى دليل، أما النبي وحده فكلامه سنة، وفعله سنة، وإقراره سنة، بحياة المسلمين إنسان واحد هو رسول
الله كلامه دليل، أي إنسان آخر يحتاج كلامه إلى دليل، هذه قاعدة ثانية: التحليل والتحريم من حق الله وحده.
﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ﴾
[ سورة الشورى الآية: 21 ]
﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ﴾
[ سورة النحل الآية: 116 ]
فالتحليل والتحريم من شأن الله وحده، غير مسموحٍ لإنسان أن يقول: هذا حلال وهذا حرام بلا دليل، كان بعض العلماء
الكبار إن سُئل عن شيء يقول: لا أرتاح له لا أفعله فقط، أما حلال و حرام فهذا تألي على الله.
3 ـ تحليل الحرام وتحريم الحلال من أكبر الكبائر :
أيها الأخوة، القاعدة الثالثة: تحليل الحرام وتحريم الحلال من أكبر الكبائر، بل إن تحريم الحلال ليس أقل إثماً من تحليل
الحرام، يقول الله عز وجل فيما يرويه النبي عن ربه:
(( إني خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ ))
حنفاء أي مائلون بفطرتهم إلى الشرع، الفطرة متوافقة مع الشرع.
(( إني خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كلّهم . وإنهم أَتَتْهُمُ الشياطين فاجْتَالَتْهم عن دينهم ))
[أخرجه مسلم عن عياض بن حمار]
أي استخفت بهم، فجالوا معها في الحلال والحرام، الآن إنسان عادي جداً يقول لك: حرام، حلال، لست مقتنعاً أنه
حرام، من أنت؟
يقولون هذا عندنا غير جائز فمن أنتمُ حتى يكون لكم عندُ؟
***
(( وإني خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كلّهم، وإنهم أَتَتْهُمُ الشياطين فاجْتَالَتْهم ))
أي استخفت بهم، فجالوا معها، جالوا تجولوا معها في الحلال والحرام وقالوا: هذا حلال بزعمهم، وهذا حرام بزعمهم.
(( وحرمت عليهم ما أَحللتُ لهم . وأمرْتَهُم أن يُشرِكوا بي ما لم أُنَزِّلْ به سُلطانا ))
[أخرجه مسلم عن عياض بن حمار]
الآن هناك فئة من الناس متشددون، يحرمون الحلال، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(( هَلَكَ المُتَنَطِّعُون ))
[أخرجه مسلم وأبو داود عن عبد الله بن مسعود]
المتنطع هو المتعمق، المغالي في الكلام، هو مرتاح يقول لك: حرام، أين الدليل؟ يا أخي الكريم عود نفسك ألا تقبل
شيئاً إلا بالدليل، ألا تقبل تحريماً إلا بالدليل، وألا تقبل إباحةً إلا بالدليل، ولولا الدليل لقال من شاء ما شاء.
4 ـ الحلال تطيب به النفس والحرام تخبث به النفس :
إذاً: الأصل في الأشياء الإباحة والأصل في العبادات الحظر، والتحليل والتحريم من حق الله وحده، وتحليل الحرام من
أكبر الكبائر، كما أن تحريم الحلال من أكبر الكبائر، ويقترن بالشرك.
أخواننا الكرام، الحلال طيب تطيب به النفس، والحرام خبيث تخبث به النفس، هذا ينقلنا إلى أن هناك علاقةً علميةً
بين الحلال ونتائجه، وبين الحرام ونتائجه، الحلال طيب تطيب نفسك به، إنسان اشتهى المرأة قام وتزوج، زوجة
صالحة، طاهرة، عفيفة، أنجبت له أولاداً، ملأت حياته فرحاً، هذا الزواج كلما تقدم في السن صار هناك مراحل أخرى،
صار جد والجد له مكانة كبيرة، المرأة أصبحت أماً، أصبحت جدة، أي هناك مستقبل للحلال، ولا يوجد مستقبل للحرام،
الحرام خبيث تخبث به النفس، أوضح مثل: خاطب لابنتك تتم الموافقة عليه، يعقد العقد الشرعي، يسهر عندكم
للساعة الثانية ليلاً، لا أحد يتكلم كلمة، أما لو أن فتاة كلمها شاب لا تعرفه، ومشت معه في الطريق، ورآها أبوها
كأنها وقعت في فضيحة، الحلال مقبول والحرام مرفوض، الحلال تطيب به النفس والحرام تخبث به النفس، طبعاً
الدليل:
﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾
[ سورة الأعراف الآية: 157 ]
وهذا دليل عام، أي شيء ثبت أنه خبيث فهو حرام بالدليل العام.
5 ـ في الحلال ما يغني عن الحرام :
أيها الأخوة، هناك قاعدة أخرى: في الحلال ما يغني عن الحرام، أي شيءٍ حرمه الله عز وجل أحلّ مقابله شيئا آخر،
الله عز وجل حرم الاستقسام بالأزلام - وسيلة بدائية لأن تختار هذا الشيء وهذا الشيء- عوضهم عن الاستقسام
بالأزلام بدعاء الاستخارة، الاستقسام بالأزلام محرم يقابله دعاء الاستخارة، حرم عليهم الربا عوضهم عنها بالتجارة
الرابحة والبيع الحلال، حرم عليهم القمار و جعل بدلاً منها المسابقة في الدين، حرم عليهم الحرير و استعاض عنها
بالملابس الفاخرة، حرم عليهم الزنا و استعاض عنها بالزواج الحلال، حرم عليهم شرب المسكرات عوضهم بالأشربة
اللذيذة، حرم عليهم الخبائث من المطعومات و استعاض عنها بالمطاعم الطيبات، ما من شيءٍ حرمه الله إلا له بديل.
الآن التأمين حرام لكن التأمين التعاوني حلال، أنت بالتأمين التعاوني شريك في هذه المؤسسة، أربع سنوات لم يحدث
معك أي حادث يقتضي أن تأخذ تعويضاً، لكن مالك محفوظٌ لك، ولك أن تربح منه، أي لا يوجد شيء حرام إلا ويقابله
شيء حلال، حرمان بالإسلام لا يوجد لكن هناك تنظيماً.
6 ـ ما أدى إلى حرام فهو حرام :
أيها الأخوة، النقطة الدقيقة في القاعدة السادسة: ما أدى إلى حرام فهو حرام، الزنا محرم، إطلاق البصر محرم،
مقدمات الزنا محرمة، التبرج الجاهلي محرم، الخلوة بامرأةٍ لا تحل لك محرمة، الاختلاط العابث محرم، الصور
الفاضحة محرمة، الأدب المكشوف محرم، المواقع الإباحية بالإنترنت محرمة، القصص الماجنة محرمة، الفضائيات
التي يوجد فيها مشاهد مثيرة محرمة، فما أدى إلى حرام فهو حرام، نحن عندنا قاعدة مذهلة:
الأهداف النبيلة لها وسائل نبيلة، الوسائل من جنس الهدف، لا يوجد
هدف نبيل وسائله خبيثة أبداً، لا يوجد يانصيب خيري، ولا حفلة
غنائية كبرى يرصد ريعها للأيتام، لا تصح، الأهداف النبيلة لابد لها
من وسائل نبيلة، الأهداف الشريفة لها وسائل شريفة، في الإسلام
الوسيلة من جنس الهدف، إذاً ما أدى إلى حرام فهو حرام.
هناك نقطة ثانية: الحرام تتسع دائرته لا لتبقى عند فاعل الحرام بل لتشمل كل من شارك فيه، ملهى ليلي كل ما في
الملهى معاصي وآثام، الذي ركب الكهرباء آثم، والذي دهن البناء آثم، والذي زين البناء آثم، كل من شارك في هذا
الملهى آثم، فإثم الحرام لا يقتصر على فاعله المباشر بل تتسع الدائرة لتشمل كل من شارك بجهدٍ ماديٍ أو أدبي، أي
من أعان ظالماً ولو بشطر كلمة، أنت عند موظف خطير يريد أن يوقع الأذى بإنسان، قال لك: معي الحق، قلت له:
طبعاً شاركته في الإثم.
(( مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ))
[أخرجه ابن ماجه عن أبي هريرة]
لذلك من أين أُخذ هذا؟ في الخمر:
(( لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه ))
[أخرجه الحاكم عن عبد الله بن عباس]
يمكن أن نضيف شيئاً الآن؟ والمعلن عنها، مؤسسة إعلانية، تعلن عن نشاط ملهى ليلي مثلاً، هذا الإعلان آثم، تتسع
دائرة الحرام حتى تشمل كل من شارك في هذا الحرام، وهذا معنى قوله تعالى:
﴿ مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا ﴾
[ سورة النساء الآية: 85 ]
هذه القواعد ليست من بنات أفكار العلماء، هذه القواعد مستنبطة من نصوص كثيرة، آيات وأحاديث صحيحة متعلقة
بالحلال والحرام.
والحمد لله رب العالمين
التربية الإسلامية ـ سبل الوصول وعلامات القبول: أكل الطيبات وتعلقه بالحلال والحرام.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل
والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام
على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول
الشهوات إلى جنات القربات
قواعد في الحلال والحرام :
1 ـ الأصل في الأشياء الإباحة أما في العقائد والعبادات فالأصل فيها الحظر :
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في موضوعٍ متعلقٍ بـ: "سبل الوصول وعلامات القبول" الموضوع "أكل الطيبات".
ولكن من لوازم هذا الموضوع موضوع الحلال والحرام، ومن خلال
النصوص القرآنية والنبوية الصحيحة استنبط بعض العلماء قواعد في
الحلال والحرام لابد من الوقوف عندها، لأنها منهجٌ للمؤمن في
موضوع الحلال والحرام.
فالقاعدة الأولى: الأصل في الأشياء الإباحة، ولا يحرم شيءٌ إلا بالدليل
القطعي الدلالة، والثابت نسباً، هذا في الأشياء، أما في العقائد
والعبادات فالأصل فيها الحظر، ولا تشرع عبادةٌ إلا بالدليل القطعي والثابت، عندنا عقائد وعبادات الأصل فيها الحظر،
وعندنا أشياء الأصل فيها الإباحة، بالأشياء التحريم يحتاج إلى دليل، أما في العبادات فالتشريع يحتاج إلى دليل، لو كان
كل مسلم يخترع عبادة انتهى الدين، فالعبادات توقيفية، ولا تشرع عبادةٌ إلا بالدليل القطعي والثابت، هذه قاعدة، طبعاً
قال تعالى:
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ﴾
[ سورة الجاثية الآية: 13]
الكون كله مسخر لهذا الإنسان، إذاً الأصل في الأشياء الإباحة.
(( ما أحل الله في كتابه فهو حلال))
[أخرجه الطبراني والبزار عن أبي الدرداء]
الآن بموضوع الحلال والحرام والعبادات:
(( وما حرم هو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئاً، ثم تلا: { وَمَا كَانَ
رَبُّكَ نَسِيّاً } ))
[أخرجه الطبراني والبزار عن أبي الدرداء]
﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً ﴾
[ سورة مريم الآية: 64 ]
هذه القاعدة الأولى مهمة جداً، الأصل في الأشياء الإباحة ولا يحرم شيءٌ إلا بالدليل القطعي والثابت، والأصل في
العقائد والعبادات الحظر ولا تشرع عبادةٌ إلا بالدليل القطعي والثابت هذه قاعدة.
2 ـ التحليل والتحريم من شأن الله وحده :
القاعدة الثانية: التحليل والتحريم من شأن الله وحده، غير مسموحٍ لأي إنسانٍ كائنٍ من كان أن يقول لك: هذا حلال
وهذا حرام، التحليل والتحريم من شأن الله وحده، ونحن لا يوجد عندنا بالعالم الإسلامي إنسان كلامه دليل، إلا أن
كلامه يحتاج إلى دليل، أما النبي وحده فكلامه سنة، وفعله سنة، وإقراره سنة، بحياة المسلمين إنسان واحد هو رسول
الله كلامه دليل، أي إنسان آخر يحتاج كلامه إلى دليل، هذه قاعدة ثانية: التحليل والتحريم من حق الله وحده.
﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ﴾
[ سورة الشورى الآية: 21 ]
﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ﴾
[ سورة النحل الآية: 116 ]
فالتحليل والتحريم من شأن الله وحده، غير مسموحٍ لإنسان أن يقول: هذا حلال وهذا حرام بلا دليل، كان بعض العلماء
الكبار إن سُئل عن شيء يقول: لا أرتاح له لا أفعله فقط، أما حلال و حرام فهذا تألي على الله.
3 ـ تحليل الحرام وتحريم الحلال من أكبر الكبائر :
أيها الأخوة، القاعدة الثالثة: تحليل الحرام وتحريم الحلال من أكبر الكبائر، بل إن تحريم الحلال ليس أقل إثماً من تحليل
الحرام، يقول الله عز وجل فيما يرويه النبي عن ربه:
(( إني خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ ))
حنفاء أي مائلون بفطرتهم إلى الشرع، الفطرة متوافقة مع الشرع.
(( إني خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كلّهم . وإنهم أَتَتْهُمُ الشياطين فاجْتَالَتْهم عن دينهم ))
[أخرجه مسلم عن عياض بن حمار]
أي استخفت بهم، فجالوا معها في الحلال والحرام، الآن إنسان عادي جداً يقول لك: حرام، حلال، لست مقتنعاً أنه
حرام، من أنت؟
يقولون هذا عندنا غير جائز فمن أنتمُ حتى يكون لكم عندُ؟
***
(( وإني خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كلّهم، وإنهم أَتَتْهُمُ الشياطين فاجْتَالَتْهم ))
أي استخفت بهم، فجالوا معها، جالوا تجولوا معها في الحلال والحرام وقالوا: هذا حلال بزعمهم، وهذا حرام بزعمهم.
(( وحرمت عليهم ما أَحللتُ لهم . وأمرْتَهُم أن يُشرِكوا بي ما لم أُنَزِّلْ به سُلطانا ))
[أخرجه مسلم عن عياض بن حمار]
الآن هناك فئة من الناس متشددون، يحرمون الحلال، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(( هَلَكَ المُتَنَطِّعُون ))
[أخرجه مسلم وأبو داود عن عبد الله بن مسعود]
المتنطع هو المتعمق، المغالي في الكلام، هو مرتاح يقول لك: حرام، أين الدليل؟ يا أخي الكريم عود نفسك ألا تقبل
شيئاً إلا بالدليل، ألا تقبل تحريماً إلا بالدليل، وألا تقبل إباحةً إلا بالدليل، ولولا الدليل لقال من شاء ما شاء.
4 ـ الحلال تطيب به النفس والحرام تخبث به النفس :
إذاً: الأصل في الأشياء الإباحة والأصل في العبادات الحظر، والتحليل والتحريم من حق الله وحده، وتحليل الحرام من
أكبر الكبائر، كما أن تحريم الحلال من أكبر الكبائر، ويقترن بالشرك.
أخواننا الكرام، الحلال طيب تطيب به النفس، والحرام خبيث تخبث به النفس، هذا ينقلنا إلى أن هناك علاقةً علميةً
بين الحلال ونتائجه، وبين الحرام ونتائجه، الحلال طيب تطيب نفسك به، إنسان اشتهى المرأة قام وتزوج، زوجة
صالحة، طاهرة، عفيفة، أنجبت له أولاداً، ملأت حياته فرحاً، هذا الزواج كلما تقدم في السن صار هناك مراحل أخرى،
صار جد والجد له مكانة كبيرة، المرأة أصبحت أماً، أصبحت جدة، أي هناك مستقبل للحلال، ولا يوجد مستقبل للحرام،
الحرام خبيث تخبث به النفس، أوضح مثل: خاطب لابنتك تتم الموافقة عليه، يعقد العقد الشرعي، يسهر عندكم
للساعة الثانية ليلاً، لا أحد يتكلم كلمة، أما لو أن فتاة كلمها شاب لا تعرفه، ومشت معه في الطريق، ورآها أبوها
كأنها وقعت في فضيحة، الحلال مقبول والحرام مرفوض، الحلال تطيب به النفس والحرام تخبث به النفس، طبعاً
الدليل:
﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾
[ سورة الأعراف الآية: 157 ]
وهذا دليل عام، أي شيء ثبت أنه خبيث فهو حرام بالدليل العام.
5 ـ في الحلال ما يغني عن الحرام :
أيها الأخوة، هناك قاعدة أخرى: في الحلال ما يغني عن الحرام، أي شيءٍ حرمه الله عز وجل أحلّ مقابله شيئا آخر،
الله عز وجل حرم الاستقسام بالأزلام - وسيلة بدائية لأن تختار هذا الشيء وهذا الشيء- عوضهم عن الاستقسام
بالأزلام بدعاء الاستخارة، الاستقسام بالأزلام محرم يقابله دعاء الاستخارة، حرم عليهم الربا عوضهم عنها بالتجارة
الرابحة والبيع الحلال، حرم عليهم القمار و جعل بدلاً منها المسابقة في الدين، حرم عليهم الحرير و استعاض عنها
بالملابس الفاخرة، حرم عليهم الزنا و استعاض عنها بالزواج الحلال، حرم عليهم شرب المسكرات عوضهم بالأشربة
اللذيذة، حرم عليهم الخبائث من المطعومات و استعاض عنها بالمطاعم الطيبات، ما من شيءٍ حرمه الله إلا له بديل.
الآن التأمين حرام لكن التأمين التعاوني حلال، أنت بالتأمين التعاوني شريك في هذه المؤسسة، أربع سنوات لم يحدث
معك أي حادث يقتضي أن تأخذ تعويضاً، لكن مالك محفوظٌ لك، ولك أن تربح منه، أي لا يوجد شيء حرام إلا ويقابله
شيء حلال، حرمان بالإسلام لا يوجد لكن هناك تنظيماً.
6 ـ ما أدى إلى حرام فهو حرام :
أيها الأخوة، النقطة الدقيقة في القاعدة السادسة: ما أدى إلى حرام فهو حرام، الزنا محرم، إطلاق البصر محرم،
مقدمات الزنا محرمة، التبرج الجاهلي محرم، الخلوة بامرأةٍ لا تحل لك محرمة، الاختلاط العابث محرم، الصور
الفاضحة محرمة، الأدب المكشوف محرم، المواقع الإباحية بالإنترنت محرمة، القصص الماجنة محرمة، الفضائيات
التي يوجد فيها مشاهد مثيرة محرمة، فما أدى إلى حرام فهو حرام، نحن عندنا قاعدة مذهلة:
الأهداف النبيلة لها وسائل نبيلة، الوسائل من جنس الهدف، لا يوجد
هدف نبيل وسائله خبيثة أبداً، لا يوجد يانصيب خيري، ولا حفلة
غنائية كبرى يرصد ريعها للأيتام، لا تصح، الأهداف النبيلة لابد لها
من وسائل نبيلة، الأهداف الشريفة لها وسائل شريفة، في الإسلام
الوسيلة من جنس الهدف، إذاً ما أدى إلى حرام فهو حرام.
هناك نقطة ثانية: الحرام تتسع دائرته لا لتبقى عند فاعل الحرام بل لتشمل كل من شارك فيه، ملهى ليلي كل ما في
الملهى معاصي وآثام، الذي ركب الكهرباء آثم، والذي دهن البناء آثم، والذي زين البناء آثم، كل من شارك في هذا
الملهى آثم، فإثم الحرام لا يقتصر على فاعله المباشر بل تتسع الدائرة لتشمل كل من شارك بجهدٍ ماديٍ أو أدبي، أي
من أعان ظالماً ولو بشطر كلمة، أنت عند موظف خطير يريد أن يوقع الأذى بإنسان، قال لك: معي الحق، قلت له:
طبعاً شاركته في الإثم.
(( مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ))
[أخرجه ابن ماجه عن أبي هريرة]
لذلك من أين أُخذ هذا؟ في الخمر:
(( لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه ))
[أخرجه الحاكم عن عبد الله بن عباس]
يمكن أن نضيف شيئاً الآن؟ والمعلن عنها، مؤسسة إعلانية، تعلن عن نشاط ملهى ليلي مثلاً، هذا الإعلان آثم، تتسع
دائرة الحرام حتى تشمل كل من شارك في هذا الحرام، وهذا معنى قوله تعالى:
﴿ مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا ﴾
[ سورة النساء الآية: 85 ]
هذه القواعد ليست من بنات أفكار العلماء، هذه القواعد مستنبطة من نصوص كثيرة، آيات وأحاديث صحيحة متعلقة
بالحلال والحرام.
والحمد لله رب العالمين