ابن دريد الأزدي
223 - 321 هـ / 838 - 932 م
محمد بن الحسن بن دريد الأزدي القحطاني، أبو بكر.
من
أئمة اللغة والأدب، كانوا يقولون: ابن دريد أشعر العلماء وأعلم الشعراء،
وهو صاحب المقصورة الدريدية، ولد في البصرة وانتقل إلى عمان فأقام اثني عشر
عاما وعاد إلى البصرة ثم رحل إلى نواحي فارس فقلده آل ميكال ديوان فارس،
ومدحهم بقصيدته المقصورة، ثم رجع إلى بغداد واتصل بالمقتدر العباسي فأجرى
عليه في كل شهر خمسين دينارا فأقام إلى أن توفي.
من كتبه (الاشتقاق -ط) في الأنساب، و(المقصور والممدود -ط)، و(الجمهرة-ط) في اللغة، ثلاثة مجلدات، و(أدب الكاتب)، و(الأمالي).
القصيدة
أَرى الناسَ قَد أُغروا بِبَغيٍ وَريبَةٍ ** وَغَيٍّ إِذا ما مَيَّزَ الناسَ عاقِلُ
وَقد لَزِموا مَعنى الخِلافِ فَكُلُّهُم ** إِلى نَحوِ ما عابَ الخَليقَةَ مائِلُ
إِذا ما رَأَوا خَيراً رَمَوهُ بِظِنَّةٍ ** وَإِن عايَنوا شَرّاً فَكُلٌّ مُناضلُ
وَلَيسَ اِمرُؤٌ مِنهُم بِناجٍ مِنَ الأَذى ** وَلا فيهِمُ عَن زَلَّةٍ مُتَغافلُ
وَإِن عايَنوا حَبراً أَديباً مُهَذَّباً ** حَسيباً يَقولوا إِنَّهُ لَمُخاتِلُ
وَإِن كانَ ذا ذِهنٍ رَمَوهُ بِبَدعَةٍ ** وَسَمّوهُ زِنديقاً وَفيهِ يُجادلُ
وَإِن كانَ ذا صَمتٍ يَقولونَ صورَةٌ ** مُمَثَّلَةٌ بِالعيِّ بَل هُوَ جاهِلُ
وَإِن كانَ ذا شَرٍّ فَوَيلٌ لِأُمِّهِ ** لِما عَنهُ يَحكي مَن تَضُمُّ المَحافِلُ
وَإِن كانَ ذا أَصلٍ يَقولونَ إِنَّما ** يُفاخِرُ بِالمَوتى وَما هُوَ زائِلُ
وَإِن كانَ مَجهولاً فَذَلِكَ عِندَهُم ** كَبيضِ رِمالٍ لَيسَ يُعرَفُ عامِلُ
وَإِن كانَ ذا مالٍ يَقولونَ مالُهُ ** من السُحتِ قَد رابى وَبِئسَ المَآكِلُ
وَإِن كانَ ذا فَقرٍ فَقَد ذَلَّ بَينَهُم ** حَقيراً مَهيناً تَزدَريهِ الأَراذِلُ
وَإِن قَنِعَ المسكينُ قالوا لِقِلَّةٍ ** وَشُحَّةِ نَفسٍ قَد حَوَتها الأَنامِلُ
وَإِن هُوَ لَم يَقنَع يَقولونَ إِنَّما ** يُطالِبُ مَن لَم يُعطِهِ وَيُقاتِلُ
وَإِن يَكتَسِب مالاً يَقولوا بهيمَةٌ ** أَتاها مِنَ المَقدورِ حَظٌّ وَنائِلُ
وَإِن جادَ قالوا مُسرِفٌ وَمُبَذِّرٌ ** وَإِن لَم يَجُد قالوا شَحيحٌ وَباخِلُ
وَإِن صاحَبَ الغِلمانَ قالوا لِريبَةٍ ** وَإِن أَجمَلوا في اللَفظِ قالوا مُباذِلُ
وَإِن هَوِيَ النِسوانَ سَمّوهُ فاجِراً ** وَإِن عَفَّ قالوا ذاكَ خُنثى وَباطِلُ
وَإِن تابَ قالوا لَم يَتب مِنهُ عادَةٌ ** وَلَكِن لِإِفلاسٍ وَما ثَمَّ حاصِلُ
وَإِن حَجَّ قالوا لَيسَ لِلَّهِ حَجُّهُ ** وَذاكَ رِياء أَنتَجَتهُ المَحافِلُ
وَإِن كانَ بِالشِطرَنجِ وَالنَردِ لاعِباً ** وَلاعَبَ ذا الآداب قالوا مُداخِلُ
وَإِن كانَ في كُلِّ المَذاهِبِ نابِزاً ** وَكانَ خَفيفَ الروحِ قالوا مُثاقِلُ
وَإِن كانَ مِغراماً يَقولونَ أَهوَج ** وَإِن كانَ ذا ثَبتٍ يَقولونَ باطِلُ
وَإِن يَعتَلِل يَوماً يقولوا عقوبةٌ ** لشرِّ الّذي يَأتي وما هوَ فاعلُ
وَإِن ماتَ قالوا لَم يَمُت حَتفَ أَنفِهِ ** لِما هُوَ مِن شَرٍّ المَآكِلِ آكِلُ
وَما الناسُ إِلّا جاحِدٌ وَمُعانِدٌ ** وَذو حَسَدٍ قَد بانَ فيهِ التَخاتُلُ
فَلا تَترُكَن حَقّاً لِخيفَةِ قائِلٍ ** فَإِنَّ الَّذي تَخشى وَتَحذَرُ حاصِلُ