في هذا العالم إذا كرس المسلمون جميع أوقاتهم
وأفعالهم لما ينفع في اليوم الآخر ولم ينخرطوا في أي من الأعمال الدنيوية ،
فكيف سيساهمون فيما فيه نفع الحضارة والإنسانية مثل التكنولوجيا والعلم
والاختراع ؟.
دين الإسلام هو خاتم الأديان ، وإن مِن أهم خصائص هذا الدين أنه
دين ينظم الحياة كلها , فالإسلام دين الدنيا والآخرة , قال الله سبحانه وتعالى : (
قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
) الأنعام/162 ، وفي دعاء المسلمين في مواضع متفرقة يقولون :
( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) ، فهذا دين الله
الكامل والشامل والجامع ، جمع بين حق الله وحق العبد ، وبين أمر الدنيا وأمر الآخرة
.
وإن ادِّعاء أن الإسلام جاء بالرهبانية ادعاء باطل ، بل
الرهبانية في دين النصارى المحرَّف ، وأخذها عنهم بعض مبتدعة المسلمين كالصوفية ،
أما أهل السنة والجماعة الذي أخذوا الدين من نبعه الصافي ، وفهموه على وجهه الصحيح
فإنهم يعتقدون أن الدنيا معبر إلى الآخرة ، وأن الإنسان لا ينبغي له أن يتعلق
بالدنيا على حساب الآخرة ، فهم جعلوا الآخرة هي محط أنظارهم لأنها الحياة الأبدية
الخالدة ، فالعمل ينبغي أن يكون من أجلها لا من أجل حياة قصيرة فانية ، وليس معنى
هذا أن لا يعملوا في الدنيا ولا يعمروا الأرض ، بل إن المسلمين بلغوا في مجالات
العلم النظرية والعملية أعلى المنازل ، وكانت الحضارات تتبع المسلمين في تقدمهم
وعلومهم ، ولا تزال بعض الجامعات الغربية العريقة تعترف بهذا وتدرِّس كتاباً
للمسلمين في مناهجهم .
قال الفيلسوف الفرنسي " جوستاف لوبون " في كتابه " حضارة العرب "
:
هل يتعين أن نذكر أن العرب - والعرب وحدهم - هم الذين هدونا إلى
العالم اليوناني والعالم اللاتيني القديم ، وأن الجامعات الأوربية ومنها جامعة
باريس عاشت مدة ستمئة عام على ترجمات كتبهم وجرت على أساليبهم في البحث ، وكانت
الحضارة الإسلامية من أعجب ما عرف التاريخ " انتهى .
والمسلمون ليسوا كغيرهم ، فإنهم لما كانوا متمسكين بدينهم كانوا
سابقين – أيضاً – في الدنيا ، ولما تركوا دينهم وتخلوا عنه صاروا تبعاً لغيرهم
وعالة عليهم ، والنصارى لما كانوا متمسكين بدينهم المحرَّف كانوا متخلفين في دنياهم
، ولما قاموا على كنائسهم حرقاً وعلى رهبانهم قتلاً وفصلوا الدين عن الدنيا تقدموا
في دنياهم وعلومها ، فالمسلمون يدفعهم دينهم إلى التقدم ، ويتأخرون بتأخرهم عن
دينهم ، والنصارى تخلفوا لما تمسكوا بدينهم المحرَّف ، لأنه لا يمكن لدين حرفه
العباد أن يؤدي إلى التقدم ، وتقدموا لما تخلوا عنه ، فأي المنهجين يدعو لعمارة
الدنيا ويسعى في تقدمه في العلوم وإسعاد الناس في الدنيا والآخرة ؟
والآيات والأحاديث التي تحث المسلم على عمارة الأرض بالزراعة
والصناعة كثيرة ، وقد فهم المسلمون ذلك فسارعوا إلى العمل على هذه العمارة دون أن
يؤثر ذلك على عبادتهم وطاعتهم ، ودون أن يروا أن بين الدين والدنيا تضادّاً
وتنافراً ، والمحذور في هذه العمارة هو أن ينشغل المسلم بها عن واجبات دينه وطاعة
ربه .
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : ( ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا
كان له به صدقة ) رواه البخاري (2195) ومسلم (1553) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
وفي الحديث : فضل الغرس والزرع والحض على عمارة الأرض , ويستنبط
منه اتخاذ الضيعة والقيام عليها ، وفيه فساد قول من أنكر ذلك من المتزهدة ، وحُمل
ما ورد من التنفير عن ذلك على ما إذا شغل عن أمر الدين , فمنه حديث ابن مسعود
مرفوعا : ( لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا ) الحديث , قال القرطبي : يجمع بينه
وبين حديث الباب بحمله على الاستكثار والاشتغال به عن أمر الدين , وحمل حديث الباب
على اتخاذها للكفاف أو لنفع المسلمين بها وتحصيل ثوابها .
"فتح الباري" (5/4) .
والحديث الذي ذكره الحافظ ابن حجر : ( لا تتخذوا الضيعة فترغبوا
في الدنيا ) رواه الترمذي (2328) وحسَّنه .
قال المباركفوري رحمه الله :
(الضيعة) هي : البستان والقرية والمزرعة .
(فترغبوا في الدنيا) أي : فتميلوا إليها عن الأخرى , والمراد :
النهي عن الاشتغال بها وبأمثالها مما يكون مانعاً عن القيام بعبادة المولى وعن
التوجه كما ينبغي إلى أمور العقبى . وقال الطيبي : المعنى لا تتوغلوا في اتخاذ
الضيعة فتلهوا بها عن ذكر الله قال تعالى : ( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر
الله ) .
"تحفة الأحوذي" (6/511) .
وقد رأينا إنصاف المسلمين ودينهم من بعض الباحثين الغربيين ،
فاعترفوا بسبق المسلمين في مجالات العلوم الدنيوية المختلفة ، وهاهي بعض أقوالهم
ليعلم السائل – وغيره – موقع الإسلام من الحضارات الأخرى ، وليعلم منهج الإسلام في
حثه أتباعه على النظر والتأمل والعمل والإبداع ، وسنحرص على تنويع بلدان القائلين
واختلاف ثقافاتهم .
1. يقول المفكر الفرنسي " جوستاف لوبون " في كتابه المعروف "
حضارة العرب " - ترجمة " عادل زعيتر " - :
" لو أن العرب استولوا على فرنسا : إذن لصارت باريس مثل قرطبة في
إسبانيا ، مركزاً للحضارة والعلم ؛ حيث كان رجل الشارع فيها يكتب ويقرأ ، بل ويقرض
الشعر أحياناً ، في الوقت الذي كان فيه ملوك أوروبا لا يعرفون كتابة أسمائهم " ! .
2. وقالت المستشرقة الألمانية " زيغريد هونكة " - في كتابها
المعروف " شمس الله تشرق على الغرب" - انتشار المكتبات في العالم العربي والإسلامي
:
" نمت دور الكتب في كل مكان نمو العشب في الأرض الطيبة ، ففي عام
891 م يحصي مسافر عدد دور الكتب العامة في بغداد بأكثر من مئة ، وبدأت كل مدينة
تبني لها داراً للكتب يستطيع عمرو وزيد من الناس استعارة ما يشاء منها ، وأن يجلس
في قاعات المطالعة ليقرأ ما يريد ، كما يجتمع فيها المترجمون والمؤلفون في قاعات
خصصت لهم ، يتجادلون ويتناقشون كما يحدث اليوم في أرقى الأندية العلمية " .
وكتاب " شمس الله تشرق على الغرب " في النص الألماني معناه : نور
الإسلام يضيء الحضارة الغربية ، والكتاب مليء بأسماء مبدعين مسلمين عرب وغير عرب .
3. واقرأ هذا الكلام لحكيم روسي وهو يبين أن هذا الدين فيه ما
خدم الإنسانية ، وقاد إلى الرقي والمدنية .
وقال تولستوي الحكيم الروسي :
" ومما لا ريب فيه أن النبي محمداً كان من عظام الرجال المصلحين
الذين خدموا المجتمع الإنساني خدمة جليلة ، ويكفيه فخراً أنه هدى أمة برمتها إلى
نور الحق ، وجعلها تجنح للسكينة والسلام وتؤثر عيشة الزهد ، ومنعها من سفك الدماء
وتقديم الضحايا البشرية ، وفتح لها طريق الرقي والمدنية ، وهو عمل عظيم لا يقوم به
إلا شخص أوتي قوة ، ورجل مثل هذا جدير بالاحترام والإكرام " .
4. وقال الدكتور النمساوي شبرك :
" إنّ البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها ، إذ إنّه رغم
أُمّيته استطاع قبل بضعة عشر قرنًا أنْ يأتي بتشريع ، سنكونُ نحنُ الأوروبيين أسعد
ما نكون إذا توصلنا إلى قمّته " .
5. وفي باب الطب والجراحة كان للمسلمين دورٌ لا يُنكر .
يقول الكاتب البريطاني هـ.ج. ويلز في كتابه " معالم تاريخ
الإنسانية " :
" وتقدموا في الطب أشواطا بعيدة على الإغريق ، ودرسوا علم وظائف
الأعضاء ، وعلم تدبير الصحة ، ... ولا يبرح كثير من طرق العلاج عندهم مستعملا بين
ظهرانينا إلى اليوم ، وكان لجراحيهم دراية باستعمال التخدير ، وكانوا يجرون طائفة
من أصعب الجراحات المعروفة ، وفي ذات الوقت التي كانت الكنيسة تحرم فيه ممارسة الطب
انتظاراً منها لتمام الشفاء بموجب المناسك الدينية التي يتولاها القساوسة : كان لدى
العرب علم طبي حق " انتهى .
بل ويقول – أيضاً - :
"كل دين لا يسير مع المدنية فاضرب به عرض الحائط ، ولم أجد ديناً
يسير مع المدنية أنَّى سارت سوى دين الإسلام " انتهى .
والشهادات أكثر من أن تحصى ، وأردنا بذكر بعضها التدليل على ما
قلناه من كلام غير المسلمين ، وقد اخترنا أناساً لا يمكن تواطؤهم على الكذب ، فهم
من دول مختلفة ، ومن ثقافات مختلفة ، بل ومن أديان وحضارات مختلفة ، وفي كل ما
ذكرناه عنهم بيان لما كان عليه المسلمون – ويجب أن يبقوا عليه – من تقدم وازدهار في
العلوم المدنية ومن السعي في الإنسانية للرقي بحياتها في مختلف المجالات ، وكان
المسلمون مع بروزهم في هذه المجالات متقدمين – كذلك – في العلوم الدينية والعبادات
والطاعات لربهم عز وجل ، وتاريخ هذا الدين يشهد بالحركة العظيمة في التأليف في
المجال الشرعي المتعلق بالقرآن والسنة ، ويشهد بنماذج عالية لعبَّاد وزهَّاد لم
تمنعهم عبادتهم ولم يمنعهم زهدهم من أن يكونوا علماء في الشرع أو علماء في علوم
دنيوية .
وثمة أسماء لامعة لعلماء مسلمين في مجالات متعددة لا يُنكِر
علمَهم وتقدمَهم إلا جاهل أو مكابر ، ومنهم : ابن النفيس والزهراوي في الطب ، وابن
الهيثم في الرؤية والضوء ، والخوارزمي في الرياضيات ، وغيرهم كثير كثير .
وفي نهاية الجواب نتمنى أن تطلع على هذه المحاضرة والتي هي
بعنوان " عمل الدنيا لا ينافي عمل الآخرة " وستجد فيها المزيد مما تستفيد منه وتفيد
غيرك به ، وهي مفرغة تحت هذا الرابط :
http://www.islamdoor.com/k/364.htm
ونسأل الله أن يهدي المسلمين لدينهم ، وأن يوفقهم للعمل بما
أمروا به ، وأن يهدي كل باحث عن الحقيقة ساعٍ في طلبها ، راغبٍ في الهداية .
والله الموفق .
وأفعالهم لما ينفع في اليوم الآخر ولم ينخرطوا في أي من الأعمال الدنيوية ،
فكيف سيساهمون فيما فيه نفع الحضارة والإنسانية مثل التكنولوجيا والعلم
والاختراع ؟.
الحمد لله
دين الإسلام هو خاتم الأديان ، وإن مِن أهم خصائص هذا الدين أنه
دين ينظم الحياة كلها , فالإسلام دين الدنيا والآخرة , قال الله سبحانه وتعالى : (
قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
) الأنعام/162 ، وفي دعاء المسلمين في مواضع متفرقة يقولون :
( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) ، فهذا دين الله
الكامل والشامل والجامع ، جمع بين حق الله وحق العبد ، وبين أمر الدنيا وأمر الآخرة
.
وإن ادِّعاء أن الإسلام جاء بالرهبانية ادعاء باطل ، بل
الرهبانية في دين النصارى المحرَّف ، وأخذها عنهم بعض مبتدعة المسلمين كالصوفية ،
أما أهل السنة والجماعة الذي أخذوا الدين من نبعه الصافي ، وفهموه على وجهه الصحيح
فإنهم يعتقدون أن الدنيا معبر إلى الآخرة ، وأن الإنسان لا ينبغي له أن يتعلق
بالدنيا على حساب الآخرة ، فهم جعلوا الآخرة هي محط أنظارهم لأنها الحياة الأبدية
الخالدة ، فالعمل ينبغي أن يكون من أجلها لا من أجل حياة قصيرة فانية ، وليس معنى
هذا أن لا يعملوا في الدنيا ولا يعمروا الأرض ، بل إن المسلمين بلغوا في مجالات
العلم النظرية والعملية أعلى المنازل ، وكانت الحضارات تتبع المسلمين في تقدمهم
وعلومهم ، ولا تزال بعض الجامعات الغربية العريقة تعترف بهذا وتدرِّس كتاباً
للمسلمين في مناهجهم .
قال الفيلسوف الفرنسي " جوستاف لوبون " في كتابه " حضارة العرب "
:
هل يتعين أن نذكر أن العرب - والعرب وحدهم - هم الذين هدونا إلى
العالم اليوناني والعالم اللاتيني القديم ، وأن الجامعات الأوربية ومنها جامعة
باريس عاشت مدة ستمئة عام على ترجمات كتبهم وجرت على أساليبهم في البحث ، وكانت
الحضارة الإسلامية من أعجب ما عرف التاريخ " انتهى .
والمسلمون ليسوا كغيرهم ، فإنهم لما كانوا متمسكين بدينهم كانوا
سابقين – أيضاً – في الدنيا ، ولما تركوا دينهم وتخلوا عنه صاروا تبعاً لغيرهم
وعالة عليهم ، والنصارى لما كانوا متمسكين بدينهم المحرَّف كانوا متخلفين في دنياهم
، ولما قاموا على كنائسهم حرقاً وعلى رهبانهم قتلاً وفصلوا الدين عن الدنيا تقدموا
في دنياهم وعلومها ، فالمسلمون يدفعهم دينهم إلى التقدم ، ويتأخرون بتأخرهم عن
دينهم ، والنصارى تخلفوا لما تمسكوا بدينهم المحرَّف ، لأنه لا يمكن لدين حرفه
العباد أن يؤدي إلى التقدم ، وتقدموا لما تخلوا عنه ، فأي المنهجين يدعو لعمارة
الدنيا ويسعى في تقدمه في العلوم وإسعاد الناس في الدنيا والآخرة ؟
والآيات والأحاديث التي تحث المسلم على عمارة الأرض بالزراعة
والصناعة كثيرة ، وقد فهم المسلمون ذلك فسارعوا إلى العمل على هذه العمارة دون أن
يؤثر ذلك على عبادتهم وطاعتهم ، ودون أن يروا أن بين الدين والدنيا تضادّاً
وتنافراً ، والمحذور في هذه العمارة هو أن ينشغل المسلم بها عن واجبات دينه وطاعة
ربه .
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : ( ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا
كان له به صدقة ) رواه البخاري (2195) ومسلم (1553) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
وفي الحديث : فضل الغرس والزرع والحض على عمارة الأرض , ويستنبط
منه اتخاذ الضيعة والقيام عليها ، وفيه فساد قول من أنكر ذلك من المتزهدة ، وحُمل
ما ورد من التنفير عن ذلك على ما إذا شغل عن أمر الدين , فمنه حديث ابن مسعود
مرفوعا : ( لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا ) الحديث , قال القرطبي : يجمع بينه
وبين حديث الباب بحمله على الاستكثار والاشتغال به عن أمر الدين , وحمل حديث الباب
على اتخاذها للكفاف أو لنفع المسلمين بها وتحصيل ثوابها .
"فتح الباري" (5/4) .
والحديث الذي ذكره الحافظ ابن حجر : ( لا تتخذوا الضيعة فترغبوا
في الدنيا ) رواه الترمذي (2328) وحسَّنه .
قال المباركفوري رحمه الله :
(الضيعة) هي : البستان والقرية والمزرعة .
(فترغبوا في الدنيا) أي : فتميلوا إليها عن الأخرى , والمراد :
النهي عن الاشتغال بها وبأمثالها مما يكون مانعاً عن القيام بعبادة المولى وعن
التوجه كما ينبغي إلى أمور العقبى . وقال الطيبي : المعنى لا تتوغلوا في اتخاذ
الضيعة فتلهوا بها عن ذكر الله قال تعالى : ( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر
الله ) .
"تحفة الأحوذي" (6/511) .
وقد رأينا إنصاف المسلمين ودينهم من بعض الباحثين الغربيين ،
فاعترفوا بسبق المسلمين في مجالات العلوم الدنيوية المختلفة ، وهاهي بعض أقوالهم
ليعلم السائل – وغيره – موقع الإسلام من الحضارات الأخرى ، وليعلم منهج الإسلام في
حثه أتباعه على النظر والتأمل والعمل والإبداع ، وسنحرص على تنويع بلدان القائلين
واختلاف ثقافاتهم .
1. يقول المفكر الفرنسي " جوستاف لوبون " في كتابه المعروف "
حضارة العرب " - ترجمة " عادل زعيتر " - :
" لو أن العرب استولوا على فرنسا : إذن لصارت باريس مثل قرطبة في
إسبانيا ، مركزاً للحضارة والعلم ؛ حيث كان رجل الشارع فيها يكتب ويقرأ ، بل ويقرض
الشعر أحياناً ، في الوقت الذي كان فيه ملوك أوروبا لا يعرفون كتابة أسمائهم " ! .
2. وقالت المستشرقة الألمانية " زيغريد هونكة " - في كتابها
المعروف " شمس الله تشرق على الغرب" - انتشار المكتبات في العالم العربي والإسلامي
:
" نمت دور الكتب في كل مكان نمو العشب في الأرض الطيبة ، ففي عام
891 م يحصي مسافر عدد دور الكتب العامة في بغداد بأكثر من مئة ، وبدأت كل مدينة
تبني لها داراً للكتب يستطيع عمرو وزيد من الناس استعارة ما يشاء منها ، وأن يجلس
في قاعات المطالعة ليقرأ ما يريد ، كما يجتمع فيها المترجمون والمؤلفون في قاعات
خصصت لهم ، يتجادلون ويتناقشون كما يحدث اليوم في أرقى الأندية العلمية " .
وكتاب " شمس الله تشرق على الغرب " في النص الألماني معناه : نور
الإسلام يضيء الحضارة الغربية ، والكتاب مليء بأسماء مبدعين مسلمين عرب وغير عرب .
3. واقرأ هذا الكلام لحكيم روسي وهو يبين أن هذا الدين فيه ما
خدم الإنسانية ، وقاد إلى الرقي والمدنية .
وقال تولستوي الحكيم الروسي :
" ومما لا ريب فيه أن النبي محمداً كان من عظام الرجال المصلحين
الذين خدموا المجتمع الإنساني خدمة جليلة ، ويكفيه فخراً أنه هدى أمة برمتها إلى
نور الحق ، وجعلها تجنح للسكينة والسلام وتؤثر عيشة الزهد ، ومنعها من سفك الدماء
وتقديم الضحايا البشرية ، وفتح لها طريق الرقي والمدنية ، وهو عمل عظيم لا يقوم به
إلا شخص أوتي قوة ، ورجل مثل هذا جدير بالاحترام والإكرام " .
4. وقال الدكتور النمساوي شبرك :
" إنّ البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها ، إذ إنّه رغم
أُمّيته استطاع قبل بضعة عشر قرنًا أنْ يأتي بتشريع ، سنكونُ نحنُ الأوروبيين أسعد
ما نكون إذا توصلنا إلى قمّته " .
5. وفي باب الطب والجراحة كان للمسلمين دورٌ لا يُنكر .
يقول الكاتب البريطاني هـ.ج. ويلز في كتابه " معالم تاريخ
الإنسانية " :
" وتقدموا في الطب أشواطا بعيدة على الإغريق ، ودرسوا علم وظائف
الأعضاء ، وعلم تدبير الصحة ، ... ولا يبرح كثير من طرق العلاج عندهم مستعملا بين
ظهرانينا إلى اليوم ، وكان لجراحيهم دراية باستعمال التخدير ، وكانوا يجرون طائفة
من أصعب الجراحات المعروفة ، وفي ذات الوقت التي كانت الكنيسة تحرم فيه ممارسة الطب
انتظاراً منها لتمام الشفاء بموجب المناسك الدينية التي يتولاها القساوسة : كان لدى
العرب علم طبي حق " انتهى .
بل ويقول – أيضاً - :
"كل دين لا يسير مع المدنية فاضرب به عرض الحائط ، ولم أجد ديناً
يسير مع المدنية أنَّى سارت سوى دين الإسلام " انتهى .
والشهادات أكثر من أن تحصى ، وأردنا بذكر بعضها التدليل على ما
قلناه من كلام غير المسلمين ، وقد اخترنا أناساً لا يمكن تواطؤهم على الكذب ، فهم
من دول مختلفة ، ومن ثقافات مختلفة ، بل ومن أديان وحضارات مختلفة ، وفي كل ما
ذكرناه عنهم بيان لما كان عليه المسلمون – ويجب أن يبقوا عليه – من تقدم وازدهار في
العلوم المدنية ومن السعي في الإنسانية للرقي بحياتها في مختلف المجالات ، وكان
المسلمون مع بروزهم في هذه المجالات متقدمين – كذلك – في العلوم الدينية والعبادات
والطاعات لربهم عز وجل ، وتاريخ هذا الدين يشهد بالحركة العظيمة في التأليف في
المجال الشرعي المتعلق بالقرآن والسنة ، ويشهد بنماذج عالية لعبَّاد وزهَّاد لم
تمنعهم عبادتهم ولم يمنعهم زهدهم من أن يكونوا علماء في الشرع أو علماء في علوم
دنيوية .
وثمة أسماء لامعة لعلماء مسلمين في مجالات متعددة لا يُنكِر
علمَهم وتقدمَهم إلا جاهل أو مكابر ، ومنهم : ابن النفيس والزهراوي في الطب ، وابن
الهيثم في الرؤية والضوء ، والخوارزمي في الرياضيات ، وغيرهم كثير كثير .
وفي نهاية الجواب نتمنى أن تطلع على هذه المحاضرة والتي هي
بعنوان " عمل الدنيا لا ينافي عمل الآخرة " وستجد فيها المزيد مما تستفيد منه وتفيد
غيرك به ، وهي مفرغة تحت هذا الرابط :
http://www.islamdoor.com/k/364.htm
ونسأل الله أن يهدي المسلمين لدينهم ، وأن يوفقهم للعمل بما
أمروا به ، وأن يهدي كل باحث عن الحقيقة ساعٍ في طلبها ، راغبٍ في الهداية .
والله الموفق .