السؤال:
يوجد لدينا في السنة الصحيحة أدلة كثيرة ، من أدعية أو أذكار ، تبين أن من
يقولها توجب له الجنة ، أو يحفظ من النار ، أو يكون للعبد الحق أن يرضيه
الله ، أو أن تحل له الشفاعة...
سؤالي هو :
هل يعني ذلك أن العاصي أو مرتكب الكبيرة يشمله هذا الجزاء ؟
وجزاكم الله خيرا .
الجواب :
الحمد لله
إن لله تعالى الخلق والأمر ، وله الحجة البالغة ، وما كان من أمره مما وعد عليه
بالجنة ، أو توعد عليه بالنار فوقوعه مشروط بحصول الشروط ، وانتفاء الموانع .
قال الشاطبي رحمه الله في "الموافقات" (1 / 345)
" لم يجعل الشارع الأسباب أسبابا مقتضية ، إلا مع وجود شرائطها وانتفاء موانعها ،
فإذا لم تتوفر لم يستكمل السبب أن يكون سببا شرعيا " انتهى بمعناه .
فلا بد لحصول أي شيء من وجود أسبابه وشرائطه ، وانتفاء موانعه .
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
" مُجَرَّدُ الْأَسْبَابِ لَا يُوجِبُ حُصُولَ الْمُسَبَّبِ ؛ فَإِنَّ الْمَطَرَ
إذَا نَزَلَ وَبُذِرَ الْحَبُّ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَافِيًا فِي حُصُولِ النَّبَاتِ
، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رِيحٍ مُرْبِيَةٍ بِإِذْنِ اللَّهِ ، وَلَا بُدَّ مِنْ
صَرْفِ الِانْتِفَاءِ عَنْهُ ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ الشُّرُوطِ وَزَوَالِ
الْمَوَانِعِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ .
وَكَذَلِكَ الْوَلَدُ لَا يُولَدُ بِمُجَرَّدِ إنْزَالِ الْمَاءِ فِي الْفَرْجِ ،
بَلْ كَمْ مَنْ أَنْزَلَ وَلَمْ يُولَدْ لَهُ ؛ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَنَّ اللَّهَ
شَاءَ خَلْقَهُ فَتَحْبَلُ الْمَرْأَةُ وَتُرَبِّيهِ فِي الرَّحِمِ وَسَائِرُ مَا
يَتِمُّ بِهِ خَلْقُهُ مِنْ الشُّرُوطِ وَزَوَالِ الْمَوَانِعِ .
وَكَذَلِكَ أَمْرُ الْآخِرَةِ : لَيْسَ بِمُجَرَّدِ الْعَمَلِ يَنَالُ الْإِنْسَانُ
السَّعَادَةَ ، بَلْ هِيَ سَبَبٌ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّهُ لَنْ يَدْخُلَ أَحَدُكُمْ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ قَالُوا
: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : وَلَا أَنَا إلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي
اللَّهُ بِرَحْمَةِ مِنْهُ وَفَضْلٍ " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (8 / 70)
وقال ابن القيم رحمه الله :
" السبب قد يتخلَّفُ عنه مسبَّبه لفوات شرط ، أو لوجود مانع " انتهى .
"زاد المعاد" (4 / 271) ، وينظر : "جامع العلوم والحكم" (ص 392) .
فمن توضأ أو صلى أو استغفر أو ذكر الله ، ونحو ذلك ، فقد أتى سببا من أسباب المغفرة
، وهذا وحده لا يكفي في حصولها ، حتى تتوافر له كل شروطها ، وتنتفي عنه موانعها
.
قال ابن رجب رحمه الله :
" وقد ورد ترتُّب دخولِ الجنة على فعلِ بعض هذه الأعمال كالصَّلاةِ ، ففي الحديث
المشهور : ( من صلَّى الصلواتِ لوقتِها ، كان له عندَ الله عهدٌ أنْ يُدخِلَهُ
الجنّة ) ، وفي الحديث الصحيح : ( من صَلَّى البَرْدَينِ دخل الجنة ) ، وهذا
كلُّه من ذكر السبب المقتضي الذي لا يعمل عمله إلاَّ باستجماع شروطه، وانتفاء
موانعه ...
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أنَّ ارتكاب بعضِ الكبائر يمنع دخولَ الجنَّة ، كقوله:
( لا يدخل الجَنَّةَ قاطع ) ، وقوله : ( لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرَّةٍ من
كِبْر ) ، وقوله : ( لا تدخلوا الجنة حتَّى تُؤمِنوا، ولا تُؤْمِنوا حتَّى تحابُّوا
) ، والأحاديث التي جاءت في منع دخول الجنَّة بالدَّينِ حتى يُقضى . وفي الصَّحيح :
أنَّ المؤمنين إذا جازوا الصِّراطَ ، حُبِسُوا على قنطرة يقتصُّ منهم مظالمُ كانت
بينهم في الدنيا.
وقال بعض السَّلف : إنَّ الرجل ليُحبَسُ على باب الجنَّةِ مئة عام بالذنب كان
يعملُه في الدنيا. فهذه كُلُّها موانع .
ومن هنا يظهرُ معنى الأحاديث التي جاءت في ترتيب دخول الجنَّة على مجرَّد التوحيد
، ففي " الصحيحين " عن أبي ذرٍّ ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، قال : ( ما
مِنْ عبدٍ قال : لا إله إلاَّ الله ، ثمَّ مات على ذلك إلاَّ دخل الجنَّة ) ، قلت :
وإنْ زنى وإنْ سرق ؟! قالَ : ( وإنْ زنى وإنْ سرق ) ، قالها ثلاثاً ، ثم قال في
الرابعة : ( على رغم أنف أبي ذرٍّ ) ، فخرج أبو ذرٍّ ، وهو يقول : وإنْ رغم أنفُ
أبي ذرٍّ ...
فقال طائفةٌ من العلماء : إنَّ كلمة التوحيد سببٌ مقتضٍ لدخول الجنَّة وللنجاة مِنَ
النَّارِ ، لكن له شروطٌ ، وهي الإتيانُ بالفرائضِ ، وموانعُ وهي إتيانُ الكبائر .
قال الحسن للفرزدق : إنَّ لـ (( لا إله إلا الله )) شروطاً ، فإيَّاكَ وقذفَ
المحصنة(1) . ورُوي عنه أنَّه قال : هذا العمودُ ، فأين الطُّنُبُ ؟! يعني : أنَّ
كلمةَ التوحيد عمودُ الفسطاط ، ولكن لا يثبتُ الفسطاطُ بدون أطنابه ، وهي فعلُ
الواجبات ، وتركُ المحرَّمات .
وقيل للحسن : إنَّ ناساً يقولون : من قال : لا إله إلا الله ، دخل الجنَّة ؟!
فقال : من قال : لا إله إلا الله ، فأدَّى حقَّها وفرضها ، دخلَ الجنَّةَ.
وقيل لوهب بنِ مُنبِّه : أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنَّة ؟
قال : بلى ؛ ولكن ما من مفتاحٍ إلا وله أسنان ، فإنْ جئتَ بمفتاحٍ له أسنانٌ فتح لك
، وإلاَّ لم يفتح لك .. " . انتهى .
"جامع العلوم والحكم" (208-210) .
والله أعلم .
يوجد لدينا في السنة الصحيحة أدلة كثيرة ، من أدعية أو أذكار ، تبين أن من
يقولها توجب له الجنة ، أو يحفظ من النار ، أو يكون للعبد الحق أن يرضيه
الله ، أو أن تحل له الشفاعة...
سؤالي هو :
هل يعني ذلك أن العاصي أو مرتكب الكبيرة يشمله هذا الجزاء ؟
وجزاكم الله خيرا .
الجواب :
الحمد لله
إن لله تعالى الخلق والأمر ، وله الحجة البالغة ، وما كان من أمره مما وعد عليه
بالجنة ، أو توعد عليه بالنار فوقوعه مشروط بحصول الشروط ، وانتفاء الموانع .
قال الشاطبي رحمه الله في "الموافقات" (1 / 345)
" لم يجعل الشارع الأسباب أسبابا مقتضية ، إلا مع وجود شرائطها وانتفاء موانعها ،
فإذا لم تتوفر لم يستكمل السبب أن يكون سببا شرعيا " انتهى بمعناه .
فلا بد لحصول أي شيء من وجود أسبابه وشرائطه ، وانتفاء موانعه .
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
" مُجَرَّدُ الْأَسْبَابِ لَا يُوجِبُ حُصُولَ الْمُسَبَّبِ ؛ فَإِنَّ الْمَطَرَ
إذَا نَزَلَ وَبُذِرَ الْحَبُّ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَافِيًا فِي حُصُولِ النَّبَاتِ
، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رِيحٍ مُرْبِيَةٍ بِإِذْنِ اللَّهِ ، وَلَا بُدَّ مِنْ
صَرْفِ الِانْتِفَاءِ عَنْهُ ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ الشُّرُوطِ وَزَوَالِ
الْمَوَانِعِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ .
وَكَذَلِكَ الْوَلَدُ لَا يُولَدُ بِمُجَرَّدِ إنْزَالِ الْمَاءِ فِي الْفَرْجِ ،
بَلْ كَمْ مَنْ أَنْزَلَ وَلَمْ يُولَدْ لَهُ ؛ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَنَّ اللَّهَ
شَاءَ خَلْقَهُ فَتَحْبَلُ الْمَرْأَةُ وَتُرَبِّيهِ فِي الرَّحِمِ وَسَائِرُ مَا
يَتِمُّ بِهِ خَلْقُهُ مِنْ الشُّرُوطِ وَزَوَالِ الْمَوَانِعِ .
وَكَذَلِكَ أَمْرُ الْآخِرَةِ : لَيْسَ بِمُجَرَّدِ الْعَمَلِ يَنَالُ الْإِنْسَانُ
السَّعَادَةَ ، بَلْ هِيَ سَبَبٌ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّهُ لَنْ يَدْخُلَ أَحَدُكُمْ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ قَالُوا
: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : وَلَا أَنَا إلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي
اللَّهُ بِرَحْمَةِ مِنْهُ وَفَضْلٍ " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (8 / 70)
وقال ابن القيم رحمه الله :
" السبب قد يتخلَّفُ عنه مسبَّبه لفوات شرط ، أو لوجود مانع " انتهى .
"زاد المعاد" (4 / 271) ، وينظر : "جامع العلوم والحكم" (ص 392) .
فمن توضأ أو صلى أو استغفر أو ذكر الله ، ونحو ذلك ، فقد أتى سببا من أسباب المغفرة
، وهذا وحده لا يكفي في حصولها ، حتى تتوافر له كل شروطها ، وتنتفي عنه موانعها
.
قال ابن رجب رحمه الله :
" وقد ورد ترتُّب دخولِ الجنة على فعلِ بعض هذه الأعمال كالصَّلاةِ ، ففي الحديث
المشهور : ( من صلَّى الصلواتِ لوقتِها ، كان له عندَ الله عهدٌ أنْ يُدخِلَهُ
الجنّة ) ، وفي الحديث الصحيح : ( من صَلَّى البَرْدَينِ دخل الجنة ) ، وهذا
كلُّه من ذكر السبب المقتضي الذي لا يعمل عمله إلاَّ باستجماع شروطه، وانتفاء
موانعه ...
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أنَّ ارتكاب بعضِ الكبائر يمنع دخولَ الجنَّة ، كقوله:
( لا يدخل الجَنَّةَ قاطع ) ، وقوله : ( لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرَّةٍ من
كِبْر ) ، وقوله : ( لا تدخلوا الجنة حتَّى تُؤمِنوا، ولا تُؤْمِنوا حتَّى تحابُّوا
) ، والأحاديث التي جاءت في منع دخول الجنَّة بالدَّينِ حتى يُقضى . وفي الصَّحيح :
أنَّ المؤمنين إذا جازوا الصِّراطَ ، حُبِسُوا على قنطرة يقتصُّ منهم مظالمُ كانت
بينهم في الدنيا.
وقال بعض السَّلف : إنَّ الرجل ليُحبَسُ على باب الجنَّةِ مئة عام بالذنب كان
يعملُه في الدنيا. فهذه كُلُّها موانع .
ومن هنا يظهرُ معنى الأحاديث التي جاءت في ترتيب دخول الجنَّة على مجرَّد التوحيد
، ففي " الصحيحين " عن أبي ذرٍّ ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، قال : ( ما
مِنْ عبدٍ قال : لا إله إلاَّ الله ، ثمَّ مات على ذلك إلاَّ دخل الجنَّة ) ، قلت :
وإنْ زنى وإنْ سرق ؟! قالَ : ( وإنْ زنى وإنْ سرق ) ، قالها ثلاثاً ، ثم قال في
الرابعة : ( على رغم أنف أبي ذرٍّ ) ، فخرج أبو ذرٍّ ، وهو يقول : وإنْ رغم أنفُ
أبي ذرٍّ ...
فقال طائفةٌ من العلماء : إنَّ كلمة التوحيد سببٌ مقتضٍ لدخول الجنَّة وللنجاة مِنَ
النَّارِ ، لكن له شروطٌ ، وهي الإتيانُ بالفرائضِ ، وموانعُ وهي إتيانُ الكبائر .
قال الحسن للفرزدق : إنَّ لـ (( لا إله إلا الله )) شروطاً ، فإيَّاكَ وقذفَ
المحصنة(1) . ورُوي عنه أنَّه قال : هذا العمودُ ، فأين الطُّنُبُ ؟! يعني : أنَّ
كلمةَ التوحيد عمودُ الفسطاط ، ولكن لا يثبتُ الفسطاطُ بدون أطنابه ، وهي فعلُ
الواجبات ، وتركُ المحرَّمات .
وقيل للحسن : إنَّ ناساً يقولون : من قال : لا إله إلا الله ، دخل الجنَّة ؟!
فقال : من قال : لا إله إلا الله ، فأدَّى حقَّها وفرضها ، دخلَ الجنَّةَ.
وقيل لوهب بنِ مُنبِّه : أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنَّة ؟
قال : بلى ؛ ولكن ما من مفتاحٍ إلا وله أسنان ، فإنْ جئتَ بمفتاحٍ له أسنانٌ فتح لك
، وإلاَّ لم يفتح لك .. " . انتهى .
"جامع العلوم والحكم" (208-210) .
والله أعلم .