السؤال:
ما الفرق بين عاجل بشرى المؤمن ، وبين ما يعطى لأحد من العطايا والكرم من
الله على أيدي الناس ، مقابل خير يعلمه الإنسان ولا ينتظر مقابلا له، لكنه
يفاجأ مثلا بهدية ، أو بتسهيل معاملات وتيسير أمور؟ هل ينقص من أجر
الإنسان؟ وهل كما يقال هو من عاجل بشرى المؤمن؟ وما المقصود بعاجل بشرى
المؤمن؟
الجواب:
الحمد لله
عاجل بشرى المؤمن أن يعمل المؤمن العمل الصالح مخلصا لله فيه ، لا يرجو به غير وجه
الله ، فيطلع الناس عليه ، فيثنوا عليه به ، فيسره ذلك ويستبشر به خيرا ، فتلك عاجل
بشرى المؤمن.
ومن ذلك الرؤيا الصالحة يراها في نومه أو تُرى له .
ومن ذلك وقوع محبته في قلوب الناس ، ورضاهم عنه .
ومن ذلك أن يجد في نفسه راحة للعمل الصالح وانشراح صدر .
ويكون ذلك وأمثاله من دلائل محبة الله له وقبول عمله ، فيعجل الله له البشرى في
الدنيا بهذا الثناء والرضا والقبول من الناس ، ويدخر له في الآخرة جزيل الثواب .
روى البخاري (3209) ومسلم (2637) عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ
الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ .
فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ : إِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ . فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ، ثُمَّ يُوضَعُ
لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ ) .
ورواه الترمذي (3161) وزاد : ( فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ : ( إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدًّا ) .
قال النووي رحمه الله :
" وَمَعْنَى ( يُوضَع لَهُ الْقَبُول فِي الْأَرْض ) أَيْ الْحُبّ فِي قُلُوب
النَّاس , وَرِضَاهُمْ عَنْهُ , فَتَمِيل إِلَيْهِ الْقُلُوب , وَتَرْضَى عَنْهُ .
وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَة ( فَتُوضَع لَهُ الْمَحَبَّة ) " انتهى .
وقال ابن كثير رحمه الله :
" يخبر تعالى أنه يغرس لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات في قلوب عباده
الصالحين مودة ، وهذا أمر لا بد منه ولا محيد عنه " انتهى .
"تفسير ابن كثير" (5 / 267) وراجع : "فتح القدير" (3 / 504)
وروى مسلم (2642) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ : قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنْ
الْخَيْرِ وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : ( تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى
الْمُؤْمِنِ )
قال النووي رحمه الله : " قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَاهُ هَذِهِ الْبُشْرَى
الْمُعَجَّلَة لَهُ بِالْخَيْرِ , وَهِيَ دَلِيل عَلَى رِضَاء اللَّه تَعَالَى
عَنْهُ , وَمَحَبَّته لَهُ , فَيُحَبِّبهُ إِلَى الْخَلْق كَمَا سَبَقَ فِي
الْحَدِيث , ثُمَّ يُوضَع لَهُ الْقَبُول فِي الْأَرْض . هَذَا كُلّه إِذَا
حَمِدَهُ النَّاس مِنْ غَيْر تَعَرُّض مِنْهُ لِحَمْدِهِمْ , وَإِلَّا
فَالتَّعَرُّض مَذْمُوم " انتهى .
وقال ابن الجوزي رحمه الله :
" والمعنى : أن الله تعالى إذا تقبل العمل أوقع في القلوب قبول العامل ومدحه ،
فيكون ما أوقع في القلوب مبشرا بالقبول ، كما أنه إذا أحب عبدا حببه إلى خلقه وهم
شهداء الله في الأرض " انتهى .
"كشف المشكل" (ص 245)
وقال السيوطي رحمه الله :
" أي هذه البشرى المعجلة دليل للبشرى المؤخرة إلى الآخرة " انتهى .
"شرح السيوطي على مسلم" (5 / 556)
وسئل ابن عثيمين :
ما معني الحديث الذي يقول ( تلك عاجل بشرى المؤمن ) ؟
فأجاب رحمه الله تعالى : " المؤمن يبشر في الدنيا بعمله الصالح من عدة وجوه :
أولا : إذا شرح الله صدره إلى العمل الصالح وصار يطمئن إليه ويفرح به كان هذا دليلا
على أن الله تعالى كتبه من السعداء ؛ لقول الله تبارك وتعالى ( فَأَمَّا مَنْ
أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ) فمن
بشرى المؤمن أن يجد من نفسه راحة في الأعمال الصالحة ورضا بها وطمأنينة إليها ؛
ولهذا كانت الصلاة قرة عين رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
ومن البشرى للمؤمن : أن يثني الناس عليه خيرا ؛ فإن ثناء الناس عليه بالخير شهادة
منهم له على أنه من أهل الخير .
ومنها : أن تُرى له المرائي الحسنة في المنام " انتهى باختصار .
"فتاوى نور على الدرب" (111 / 45-46)
وقال رحمه الله :
" ليس من الرياء أن يفرح الإنسان بعلم الناس بعبادته ؛ لأن هذا إنما طرأ بعد الفراغ
من العبادة ، وليس من الرياء أن يسر الإنسان بفعل الطاعة ؛ لأن ذلك دليل إيمانه ؛
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من سرته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن ) "
انتهى .
"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (2 / 207)
وروى البخاري (6990) عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لَمْ يَبْقَ مِنْ
النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ ) قَالُوا وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ ؟ قَالَ : (
الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ ).
وروى الترمذي (2273) وحسنه عن أبي الدَّرْدَاءِ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ في قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : ( لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا ) فَقَالَ : ( هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ
تُرَى لَهُ ) . وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .
قال السعدي رحمه الله :
" أما البشارة في الدنيا ، فهي : الثناء الحسن ، والمودة في قلوب المؤمنين ،
والرؤيا الصالحة ، وما يراه العبد من لطف الله به وتيسيره لأحسن الأعمال والأخلاق ،
وصرفه عن مساوئ الأخلاق " انتهى . "تفسير السعدي" (ص 368)
- أما ما يُعطاه الإنسان مقابل خير يعمله أو خير يعلّمه ، كهدية أو تسهيل معاملة أو
قضاء حاجة ، فلا يقال فيه أنه من عاجل بشرى المؤمن ؛ فإنه فوق أنه يغاير المعنى
المتقدم لبشرى المؤمن ، فإن منه المحمود ، كمن قضى لمسلم حاجة فقضى الله حاجته ،
وكمن كوفئ على خير علمه ، دون أن ينتظر من أحد شيئا ، ومنه المذموم ، كهدايا العمال
؛ فإنها غلول ، وكالإكراميات والأعطيات التي تُعطي بغير الحق .
- ومن ثَمّ : فقد لا يضره هذا العطاء ، ولا ينقص من أجر معروفه الذي عمله لله ، حيث
أخلص في عمله ، ولم ينتظر من أحد نوالا ولا ثناء ، وقد يضره وينقص من أجره .
وقد روى أحمد (17477) عَنْ خَالِدِ بْنِ عَدِيٍّ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ
بَلَغَهُ مَعْرُوفٌ عَنْ أَخِيهِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلَا إِشْرَافِ نَفْسٍ
فَلْيَقْبَلْهُ وَلَا يَرُدَّهُ ، فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ إِلَيْهِ ) .
صححه الألباني في "الصحيحة" (1005) وأصله في الصحيحين من حديث عمر رضي الله عنه.
وروى مسلم (1906) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ غَازِيَةٍ أَوْ سَرِيَّةٍ تَغْزُو
فَتَغْنَمُ وَتَسْلَمُ إِلَّا كَانُوا قَدْ تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أُجُورِهِمْ وَمَا
مِنْ غَازِيَةٍ أَوْ سَرِيَّةٍ تُخْفِقُ وَتُصَابُ إِلَّا تَمَّ أُجُورُهُمْ
قال النووي رحمه الله :
" الْغَنِيمَة فِي مُقَابَلَة جُزْء مِنْ أَجْر غَزْوهمْ , فَإِذَا حَصَلَتْ لَهُمْ
فَقَدْ تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرهمْ الْمُتَرَتَّب عَلَى الْغَزْو , وَتَكُون
هَذِهِ الْغَنِيمَة مِنْ جُمْلَة الْأَجْر , وَهَذَا مُوَافِق لِلْأَحَادِيثِ
الصَّحِيحَة الْمَشْهُورَة عَنْ الصَّحَابَة كَقَوْلِهِ : ( مِنَّا مَنْ مَاتَ
وَلَمْ يَأْكُل مِنْ أَجْره شَيْئًا وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَته فَهُوَ
يَهْدُبُهَا ) أَيْ : يَجْتَنِيهَا " انتهى .
وقال حسين الجعفي : ربما عطش حمزة – الزيات المقرئ المشهور - فلا يستسقي كراهية أن
يصادف من قرأ عليه . وذكر جرير بن عبد الحميد أن حمزة مر به فطلب ماءً . قال :
فأتيته فلم يشرب مني لكوني أحضر القراءة عنده .
"تاريخ الإسلام" (9 / 385)
أما عاجل بشرى المؤمن : فشيء يلقى في قلوب الناس ، لا يمكن دفعه ، من حسن الثناء ،
والرضا والقبول .
وللاستزادة : راجع جواب السؤال رقم : (6356)
.
والله تعالى أعلم .
ما الفرق بين عاجل بشرى المؤمن ، وبين ما يعطى لأحد من العطايا والكرم من
الله على أيدي الناس ، مقابل خير يعلمه الإنسان ولا ينتظر مقابلا له، لكنه
يفاجأ مثلا بهدية ، أو بتسهيل معاملات وتيسير أمور؟ هل ينقص من أجر
الإنسان؟ وهل كما يقال هو من عاجل بشرى المؤمن؟ وما المقصود بعاجل بشرى
المؤمن؟
الجواب:
الحمد لله
عاجل بشرى المؤمن أن يعمل المؤمن العمل الصالح مخلصا لله فيه ، لا يرجو به غير وجه
الله ، فيطلع الناس عليه ، فيثنوا عليه به ، فيسره ذلك ويستبشر به خيرا ، فتلك عاجل
بشرى المؤمن.
ومن ذلك الرؤيا الصالحة يراها في نومه أو تُرى له .
ومن ذلك وقوع محبته في قلوب الناس ، ورضاهم عنه .
ومن ذلك أن يجد في نفسه راحة للعمل الصالح وانشراح صدر .
ويكون ذلك وأمثاله من دلائل محبة الله له وقبول عمله ، فيعجل الله له البشرى في
الدنيا بهذا الثناء والرضا والقبول من الناس ، ويدخر له في الآخرة جزيل الثواب .
روى البخاري (3209) ومسلم (2637) عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ
الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ .
فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ : إِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ . فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ، ثُمَّ يُوضَعُ
لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ ) .
ورواه الترمذي (3161) وزاد : ( فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ : ( إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدًّا ) .
قال النووي رحمه الله :
" وَمَعْنَى ( يُوضَع لَهُ الْقَبُول فِي الْأَرْض ) أَيْ الْحُبّ فِي قُلُوب
النَّاس , وَرِضَاهُمْ عَنْهُ , فَتَمِيل إِلَيْهِ الْقُلُوب , وَتَرْضَى عَنْهُ .
وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَة ( فَتُوضَع لَهُ الْمَحَبَّة ) " انتهى .
وقال ابن كثير رحمه الله :
" يخبر تعالى أنه يغرس لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات في قلوب عباده
الصالحين مودة ، وهذا أمر لا بد منه ولا محيد عنه " انتهى .
"تفسير ابن كثير" (5 / 267) وراجع : "فتح القدير" (3 / 504)
وروى مسلم (2642) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ : قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنْ
الْخَيْرِ وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : ( تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى
الْمُؤْمِنِ )
قال النووي رحمه الله : " قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَاهُ هَذِهِ الْبُشْرَى
الْمُعَجَّلَة لَهُ بِالْخَيْرِ , وَهِيَ دَلِيل عَلَى رِضَاء اللَّه تَعَالَى
عَنْهُ , وَمَحَبَّته لَهُ , فَيُحَبِّبهُ إِلَى الْخَلْق كَمَا سَبَقَ فِي
الْحَدِيث , ثُمَّ يُوضَع لَهُ الْقَبُول فِي الْأَرْض . هَذَا كُلّه إِذَا
حَمِدَهُ النَّاس مِنْ غَيْر تَعَرُّض مِنْهُ لِحَمْدِهِمْ , وَإِلَّا
فَالتَّعَرُّض مَذْمُوم " انتهى .
وقال ابن الجوزي رحمه الله :
" والمعنى : أن الله تعالى إذا تقبل العمل أوقع في القلوب قبول العامل ومدحه ،
فيكون ما أوقع في القلوب مبشرا بالقبول ، كما أنه إذا أحب عبدا حببه إلى خلقه وهم
شهداء الله في الأرض " انتهى .
"كشف المشكل" (ص 245)
وقال السيوطي رحمه الله :
" أي هذه البشرى المعجلة دليل للبشرى المؤخرة إلى الآخرة " انتهى .
"شرح السيوطي على مسلم" (5 / 556)
وسئل ابن عثيمين :
ما معني الحديث الذي يقول ( تلك عاجل بشرى المؤمن ) ؟
فأجاب رحمه الله تعالى : " المؤمن يبشر في الدنيا بعمله الصالح من عدة وجوه :
أولا : إذا شرح الله صدره إلى العمل الصالح وصار يطمئن إليه ويفرح به كان هذا دليلا
على أن الله تعالى كتبه من السعداء ؛ لقول الله تبارك وتعالى ( فَأَمَّا مَنْ
أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ) فمن
بشرى المؤمن أن يجد من نفسه راحة في الأعمال الصالحة ورضا بها وطمأنينة إليها ؛
ولهذا كانت الصلاة قرة عين رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
ومن البشرى للمؤمن : أن يثني الناس عليه خيرا ؛ فإن ثناء الناس عليه بالخير شهادة
منهم له على أنه من أهل الخير .
ومنها : أن تُرى له المرائي الحسنة في المنام " انتهى باختصار .
"فتاوى نور على الدرب" (111 / 45-46)
وقال رحمه الله :
" ليس من الرياء أن يفرح الإنسان بعلم الناس بعبادته ؛ لأن هذا إنما طرأ بعد الفراغ
من العبادة ، وليس من الرياء أن يسر الإنسان بفعل الطاعة ؛ لأن ذلك دليل إيمانه ؛
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من سرته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن ) "
انتهى .
"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (2 / 207)
وروى البخاري (6990) عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لَمْ يَبْقَ مِنْ
النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ ) قَالُوا وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ ؟ قَالَ : (
الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ ).
وروى الترمذي (2273) وحسنه عن أبي الدَّرْدَاءِ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ في قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : ( لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا ) فَقَالَ : ( هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ
تُرَى لَهُ ) . وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .
قال السعدي رحمه الله :
" أما البشارة في الدنيا ، فهي : الثناء الحسن ، والمودة في قلوب المؤمنين ،
والرؤيا الصالحة ، وما يراه العبد من لطف الله به وتيسيره لأحسن الأعمال والأخلاق ،
وصرفه عن مساوئ الأخلاق " انتهى . "تفسير السعدي" (ص 368)
- أما ما يُعطاه الإنسان مقابل خير يعمله أو خير يعلّمه ، كهدية أو تسهيل معاملة أو
قضاء حاجة ، فلا يقال فيه أنه من عاجل بشرى المؤمن ؛ فإنه فوق أنه يغاير المعنى
المتقدم لبشرى المؤمن ، فإن منه المحمود ، كمن قضى لمسلم حاجة فقضى الله حاجته ،
وكمن كوفئ على خير علمه ، دون أن ينتظر من أحد شيئا ، ومنه المذموم ، كهدايا العمال
؛ فإنها غلول ، وكالإكراميات والأعطيات التي تُعطي بغير الحق .
- ومن ثَمّ : فقد لا يضره هذا العطاء ، ولا ينقص من أجر معروفه الذي عمله لله ، حيث
أخلص في عمله ، ولم ينتظر من أحد نوالا ولا ثناء ، وقد يضره وينقص من أجره .
وقد روى أحمد (17477) عَنْ خَالِدِ بْنِ عَدِيٍّ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ
بَلَغَهُ مَعْرُوفٌ عَنْ أَخِيهِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلَا إِشْرَافِ نَفْسٍ
فَلْيَقْبَلْهُ وَلَا يَرُدَّهُ ، فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ إِلَيْهِ ) .
صححه الألباني في "الصحيحة" (1005) وأصله في الصحيحين من حديث عمر رضي الله عنه.
وروى مسلم (1906) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ غَازِيَةٍ أَوْ سَرِيَّةٍ تَغْزُو
فَتَغْنَمُ وَتَسْلَمُ إِلَّا كَانُوا قَدْ تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أُجُورِهِمْ وَمَا
مِنْ غَازِيَةٍ أَوْ سَرِيَّةٍ تُخْفِقُ وَتُصَابُ إِلَّا تَمَّ أُجُورُهُمْ
قال النووي رحمه الله :
" الْغَنِيمَة فِي مُقَابَلَة جُزْء مِنْ أَجْر غَزْوهمْ , فَإِذَا حَصَلَتْ لَهُمْ
فَقَدْ تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرهمْ الْمُتَرَتَّب عَلَى الْغَزْو , وَتَكُون
هَذِهِ الْغَنِيمَة مِنْ جُمْلَة الْأَجْر , وَهَذَا مُوَافِق لِلْأَحَادِيثِ
الصَّحِيحَة الْمَشْهُورَة عَنْ الصَّحَابَة كَقَوْلِهِ : ( مِنَّا مَنْ مَاتَ
وَلَمْ يَأْكُل مِنْ أَجْره شَيْئًا وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَته فَهُوَ
يَهْدُبُهَا ) أَيْ : يَجْتَنِيهَا " انتهى .
وقال حسين الجعفي : ربما عطش حمزة – الزيات المقرئ المشهور - فلا يستسقي كراهية أن
يصادف من قرأ عليه . وذكر جرير بن عبد الحميد أن حمزة مر به فطلب ماءً . قال :
فأتيته فلم يشرب مني لكوني أحضر القراءة عنده .
"تاريخ الإسلام" (9 / 385)
أما عاجل بشرى المؤمن : فشيء يلقى في قلوب الناس ، لا يمكن دفعه ، من حسن الثناء ،
والرضا والقبول .
وللاستزادة : راجع جواب السؤال رقم : (6356)
.
والله تعالى أعلم .