السؤال:
سؤال يسبب لي المتاعب : في بعض الأحيان يغلب على ظني أن الناس سيثنون علي
إذا أخبرتهم بعمل من الأعمال الصالحة "من باب شكر الله عز و جل" ؛ فهل
أخبرهم به ، وهل علي شيء إذا كنت ممن يفرح بثنائهم علي؟ وكيف نوفق بين
الأدلة التي تحث على إخفاء العمل ، وبين التحديث بنعمة الله التي أهمها
نعمة العمل الصالح ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
التحدث بنعمة الله تعالى من دواعي شكرها ، ومن إقرار المسلم بفضل الله عليه ، قال
الله تعالى : ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) الضحى / 11.
قال
السعدي رحمه الله :
"
وهذا يشمل النعم الدينية والدنيوية ( فَحَدِّثْ ) أي : أثن على الله بها ،
وخصصها بالذكر إن كان هناك مصلحة ، وإلا فحدث بنعم الله على الإطلاق ، فإن التحدث
بنعمة الله ، داع لشكرها ، وموجب لتحبيب القلوب إلى من أنعم بها ، فإن القلوب
مجبولة على محبة المحسن " انتهى .
"تفسير السعدي" (ص928) .
وقال ابن كثير رحمه الله :
"
قوله : ( وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُم ) فيه
دلالة على أن إسرار الصدقة أفضل من إظهارها ؛ لأنه أبعد عن الرياء ، إلا أن يترتب
على الإظهار مصلحة راجحة ، من اقتداء الناس به ، فيكون أفضل من هذه الحيثية ، وقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة والمُسِر بالقرآن
كالمُسِر بالصدقة "
والأصل أن الإسرار أفضل ، لهذه الآية ... " انتهى .
"تفسير ابن كثير" (1/701)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"
الذي يتحدث عن نفسه بفعل الطاعات لا يخلو من حالين :
الحال الأولى : أن يكون الحامل له على ذلك تزكية نفسه وإدلاله بعمله على ربه ، وهذا
أمر خطير قد يؤدي إلى بطلان عمله وحبوطه ، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عباده عن
تزكية نفوسهم فقال تعالى : ( فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ
اتَّقَى ) .
الحال الثانية : أن يكون الحامل له على ذلك التحدث بنعمة الله سبحانه وتعالى ، وأن
يتخذ من هذا الإخبار عن نفسه سبيلاً إلى أن يقتدي به نظراؤه وأشكاله من بني جنسه ،
وهذا قصد محمود ؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول : ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ
فَحَدِّثْ ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله
أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ) "
انتهى من "نور على الدرب" (12/ 30) .
قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله :
"
جَاءَ آثَارٌ بِفَضِيلَةِ الْجَهْرِ بِالْقُرْآنِ ، وَآثَارٌ بِفَضِيلَةِ
الْإِسْرَارِ بِهِ وَالْجَمْعُ بِأَنْ يُقَالَ : الْإِسْرَارُ أَفْضَلُ لِمَنْ
يَخَافُ الرِّيَاءَ ، وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ لِمَنْ لَا يَخَافُهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا
يُؤْذِيَ غَيْرَهُ مِنْ مُصَلٍّ أَوْ نَائِمٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ، وَذَلِكَ لِأَنَّ
الْعَمَلَ فِي الْجَهْرِ يَتَعَدَّى نَفْعُهُ إِلَى غَيْرِهِ أَيْ مِنْ اِسْتِمَاعٍ
أَوْ تَعَلُّمٍ أَوْ ذَوْقٍ أَوْ كَوْنِهِ شِعَارًا لِلدِّينِ ، وَلِأَنَّهُ
يُوقِظُ قَلْبَ الْقَارِئِ وَيَجْمَعُ هَمَّهُ وَيَطْرُدُ النَّوْمَ عَنْهُ
وَيُنَشِّطُ غَيْرَهُ لِلْعِبَادَةِ . فَمَتَى حَضَرَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ
النِّيَّاتِ فَالْجَهْرُ أَفْضَلُ " انتهى من "تحفة الأحوذي" (8/191)
وعليه :
فإذا كان التحدث بنعمة الله من باب نسبة الفضل إلى الله تعالى ، والإقرار بمنته على
عبده ، وأنه الجواد الكريم ، أو كان ليقتدي بالإنسان غيره في فعل الخير ، حتى يكون
له أجره وأجر من اقتدى به : فهذا مستحب مشروع .
وإن
كان من باب تزكية النفس ، أو نسبة الفضل إليها ، أو المراءاة وتسميع الناس بالعمل ،
وكسب الجاه والمنزلة بما له من الطاعات ، ونحو ذلك : فهذا أمر مذموم مقبوح .
وينظر: جواب السؤال رقم : (137984)
.
ثانيا :
إذا
تحدث العبد بنعمة الله عليه على الوجه المشروع ، فأحسن الناس الثناء عليه فأعجبه
ذلك ، ولم يخالط ذلك في قلبه طلب الرياء والسمعة ، فهو من عاجل بشرى المؤمن .
وعاجل بشرى المؤمن أن يعمل المؤمن العمل الصالح ، يرجو به وجه الله ، فيطلع الناس
عليه من غير تعمد منه لإظهار ذلك ، أو مراءاة الناس به ، فيثنوا عليه خيرا ، فيعجبه
ذلك .
روى
مسلم (2642) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ : قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنْ
الْخَيْرِ وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : ( تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى
الْمُؤْمِنِ )
وينظر جواب السؤال رقم : (145731)
.
ولمعرفة أنواع دخول الرياء على العبادة ينظر جواب السؤال رقم : (9359)
.
وينظر أيضا : يراجع جواب السؤال رقم : (6356)
، (135634)
والله تعالى أعلم .
سؤال يسبب لي المتاعب : في بعض الأحيان يغلب على ظني أن الناس سيثنون علي
إذا أخبرتهم بعمل من الأعمال الصالحة "من باب شكر الله عز و جل" ؛ فهل
أخبرهم به ، وهل علي شيء إذا كنت ممن يفرح بثنائهم علي؟ وكيف نوفق بين
الأدلة التي تحث على إخفاء العمل ، وبين التحديث بنعمة الله التي أهمها
نعمة العمل الصالح ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
التحدث بنعمة الله تعالى من دواعي شكرها ، ومن إقرار المسلم بفضل الله عليه ، قال
الله تعالى : ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) الضحى / 11.
قال
السعدي رحمه الله :
"
وهذا يشمل النعم الدينية والدنيوية ( فَحَدِّثْ ) أي : أثن على الله بها ،
وخصصها بالذكر إن كان هناك مصلحة ، وإلا فحدث بنعم الله على الإطلاق ، فإن التحدث
بنعمة الله ، داع لشكرها ، وموجب لتحبيب القلوب إلى من أنعم بها ، فإن القلوب
مجبولة على محبة المحسن " انتهى .
"تفسير السعدي" (ص928) .
وقال ابن كثير رحمه الله :
"
قوله : ( وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُم ) فيه
دلالة على أن إسرار الصدقة أفضل من إظهارها ؛ لأنه أبعد عن الرياء ، إلا أن يترتب
على الإظهار مصلحة راجحة ، من اقتداء الناس به ، فيكون أفضل من هذه الحيثية ، وقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة والمُسِر بالقرآن
كالمُسِر بالصدقة "
والأصل أن الإسرار أفضل ، لهذه الآية ... " انتهى .
"تفسير ابن كثير" (1/701)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"
الذي يتحدث عن نفسه بفعل الطاعات لا يخلو من حالين :
الحال الأولى : أن يكون الحامل له على ذلك تزكية نفسه وإدلاله بعمله على ربه ، وهذا
أمر خطير قد يؤدي إلى بطلان عمله وحبوطه ، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عباده عن
تزكية نفوسهم فقال تعالى : ( فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ
اتَّقَى ) .
الحال الثانية : أن يكون الحامل له على ذلك التحدث بنعمة الله سبحانه وتعالى ، وأن
يتخذ من هذا الإخبار عن نفسه سبيلاً إلى أن يقتدي به نظراؤه وأشكاله من بني جنسه ،
وهذا قصد محمود ؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول : ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ
فَحَدِّثْ ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله
أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ) "
انتهى من "نور على الدرب" (12/ 30) .
قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله :
"
جَاءَ آثَارٌ بِفَضِيلَةِ الْجَهْرِ بِالْقُرْآنِ ، وَآثَارٌ بِفَضِيلَةِ
الْإِسْرَارِ بِهِ وَالْجَمْعُ بِأَنْ يُقَالَ : الْإِسْرَارُ أَفْضَلُ لِمَنْ
يَخَافُ الرِّيَاءَ ، وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ لِمَنْ لَا يَخَافُهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا
يُؤْذِيَ غَيْرَهُ مِنْ مُصَلٍّ أَوْ نَائِمٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ، وَذَلِكَ لِأَنَّ
الْعَمَلَ فِي الْجَهْرِ يَتَعَدَّى نَفْعُهُ إِلَى غَيْرِهِ أَيْ مِنْ اِسْتِمَاعٍ
أَوْ تَعَلُّمٍ أَوْ ذَوْقٍ أَوْ كَوْنِهِ شِعَارًا لِلدِّينِ ، وَلِأَنَّهُ
يُوقِظُ قَلْبَ الْقَارِئِ وَيَجْمَعُ هَمَّهُ وَيَطْرُدُ النَّوْمَ عَنْهُ
وَيُنَشِّطُ غَيْرَهُ لِلْعِبَادَةِ . فَمَتَى حَضَرَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ
النِّيَّاتِ فَالْجَهْرُ أَفْضَلُ " انتهى من "تحفة الأحوذي" (8/191)
وعليه :
فإذا كان التحدث بنعمة الله من باب نسبة الفضل إلى الله تعالى ، والإقرار بمنته على
عبده ، وأنه الجواد الكريم ، أو كان ليقتدي بالإنسان غيره في فعل الخير ، حتى يكون
له أجره وأجر من اقتدى به : فهذا مستحب مشروع .
وإن
كان من باب تزكية النفس ، أو نسبة الفضل إليها ، أو المراءاة وتسميع الناس بالعمل ،
وكسب الجاه والمنزلة بما له من الطاعات ، ونحو ذلك : فهذا أمر مذموم مقبوح .
وينظر: جواب السؤال رقم : (137984)
.
ثانيا :
إذا
تحدث العبد بنعمة الله عليه على الوجه المشروع ، فأحسن الناس الثناء عليه فأعجبه
ذلك ، ولم يخالط ذلك في قلبه طلب الرياء والسمعة ، فهو من عاجل بشرى المؤمن .
وعاجل بشرى المؤمن أن يعمل المؤمن العمل الصالح ، يرجو به وجه الله ، فيطلع الناس
عليه من غير تعمد منه لإظهار ذلك ، أو مراءاة الناس به ، فيثنوا عليه خيرا ، فيعجبه
ذلك .
روى
مسلم (2642) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ : قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنْ
الْخَيْرِ وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : ( تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى
الْمُؤْمِنِ )
وينظر جواب السؤال رقم : (145731)
.
ولمعرفة أنواع دخول الرياء على العبادة ينظر جواب السؤال رقم : (9359)
.
وينظر أيضا : يراجع جواب السؤال رقم : (6356)
، (135634)
والله تعالى أعلم .