السؤال :
لدي صعوبة في فهم قضية ، أننا يجب أن نعمل كل شيء لله ، وله وحده فقط ،
مثلا إذا أردت أن أقلل من وزني أو أي شيء آخر ، فإذا فعلته لكي أبدو أحسن ،
هل هذه نية خاطئة ؟ وإذا كانت خاطئة ، فما هي النية الصحيحة التي أنوي بها
إذا أردت عمل شيء كهذا ؟ عندما يقول الناس ينبغي أن تتزوج لله فقط ، وتعمل
أي عمل آخر فلله فقط ، فما معنى ذلك عملياً ؟
الجواب :
الحمد لله
المسلم هو المستسلم لله سبحانه وتعالى ، المنقاد لشرعه وأمره ونهيه ، الذي يعبد
الله عز وجل لأنه ربه وخالقه المستحق للعبادة ، آمن بعظمة الله وقيوميته ووحدانيته
، فملك عليه قلبه ونفسه ، وجعل حبه لربه مقصد معاشه ومعاده ، ورجا أن يتقبله في
عباده الصالحين .
قال تعالى
: (
قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا
قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . قُلْ
إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ )
الأنعام/161-163.
فمن استشعر هذه المعاني سعى في استحضار نية التقرب لله عز وجل في
جميع شؤون حياته ، فإذا نام احتسب نومه لله عز وجل كي يستعين براحة جسمه على
العبادة حين يستيقظ ، وإذا أكل أو شرب قصد بذلك التقوي للقيام بحقوق الله ، وإذا
تزوج أراد إعفاف نفسه والاشتغال بالحلال عن الحرام ، وإذا طلب الذرية قصد الذرية
الصالحة التي تعمر الأرض بمنهج الله ، إذا تكلم فبالخير ، وإذا سكت فإمساكاً عن
الشر ، يرجو بنفقته على نفسه وأهله الأجر والثواب أيضاً ، وإذا تعلم وقرأ ودرس
احتسب ذلك أيضاً... ، وهكذا تكون مقاصده في أعماله كلها .
قال
ابن تيمية رحمه الله : " ينبغي ألا يفعل من المباحات إلا ما يستعين
به على الطاعة ، ويقصد الاستعانة بها على الطاعة " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (10/460-461) .
هذا هو باختصار بيان كيف يمكن أن ينوي المسلم حياته وأعماله كلها
لله ، ويمكن أن نُجمِلَ ذلك بأمرين اثنين :
1- أن
يلتزم في أعماله الشريعة ، فلا يترك واجباً ، ولا يقع في محذور .
2- أن
يلحظ في قلبه كيف يمكن أن يوصله هذا العمل – ولو كان في أصله دنيوياً – إلى الأجر
والثواب والقربة من الله تعالى .
ويمكن
تطبيق ذلك على سؤالك خاصة عن تقليل الوزن ، فمن أراد باجتهاده لتقليل وزنه المحافظة
على صحته ليقوم بواجباته وحقوق الله عليه أكمل قيام ، أو أراد بذلك التجمل لزوجته
لتحقيق السعادة والمودة بينهما ، أو أراد بذلك التجمل للخلق ليكون أكثر قبولاً
بينهم فيحسن التواصل معهم ، فهذا القصد قصد حسن مأجور عليه إن شاء الله تعالى .
كما أن هذا الفعل المباح إذا أراد به صاحبه التشبه ببعض الكفار ، أو التجمل لفتنة
الفتيات ، ونحو ذلك من المقاصد الشيطانية فهذا يستحق الإثم والعقوبة .
وهكذا سائر الأمور المباحة ، لا يؤجر عليها صاحبها إلا إذا احتسبها
لتحقيق مقصد من مقاصد الخير والفضل والأجر
.
قال ابن الحاج رحمه الله : " المباح ينتقل بالنية إلى الندب " انتهى
.
"المدخل" (1/21) .
وذكر ابن
القيم أن خواص المقربين هم الذين انقلبت المباحات في حقهم إلى طاعات وقربات بالنية
، فليس في حقهم مباح متساوي الطرفين ، بل أعمالهم راجحة " انتهى .
"مدارج السالكين" (1/107) .
وقد صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه :( إنك
لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فيِّ امرأتك ) رواه
البخاري (56) ، ومسلم (1628) .
قال الإمام النووي - رحمه الله - معلقاً على الحديث :
" وفيه أن المباح إذا قصد به وجه الله تعالى صار طاعة ويثاب عليه ، وقد نبه صلى
الله عليه وسلم على هذا بقوله صلى الله عليه وسلم : ( حتى اللقمة تجعلها في في
امرأتك ) ؛ لأن زوجة الإنسان هي من أخص حظوظه الدنيوية وشهواته وملاذه المباحة ،
وإذا وضع اللقمة في فيها فإنما يكون ذلك في العادة عند الملاعبة والملاطفة والتلذذ
بالمباح ، فهذه الحالة أبعد الأشياء عن الطاعة وأمور الآخرة ، ومع هذا فأخبر صلى
الله عليه وسلم أنه إذا قصد بهذه اللقمة وجه الله تعالى حصل له الأجر بذلك ، فغير
هذه الحالة أولى بحصول الأجر إذا أراد وجه الله تعالى .
ويتضمن ذلك أن الإنسان إذا فعل شيئا أصله على الإباحة وقصد به وجه الله تعالى يثاب
عليه ، وذلك كالأكل بنية التقوي على طاعة الله تعالى ، والنوم للاستراحة ليقوم إلى
العبادة نشيطاً ، والاستمتاع بزوجته وجاريته ليكف نفسه وبصره ونحوهما عن الحرام ،
وليقضي حقها ، وليحصل ولداً صالحاً ، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( وفي
بُضعِ أحدِكم صدقة) والله أعلم " انتهى .
"شرح مسلم" (11/77) .
وقال السيوطي رحمه الله :
" ومن أحسن ما استدلوا به على أن العبد ينال أجرًا بالنية الصالحة في المباحات
والعادات قوله صلى الله عليه وسلم : ( ولكل امرئ ما نوى ) ، فهذه يثاب فاعلها إذا
قصد بها التقرب إلى الله ، فإن لم يقصد ذلك فلا ثواب له " انتهى .
"شرح السيوطي على النسائي" (1/19) .
والنقول عن أهل العلم في هذا الشأن كثيرة .
وانظر جواب السؤال رقم :
(69960) .
لكن
ينبغي أن تعلم ـ أخانا السائل ـ أن ما ذكرناه لك من نية التقرب إلى الله تعالى بما
تعمله من المباحات : ليس هو على وجه الوجوب والإلزام ؛ فإنه لو كان واجباً لازماً :
لم يكن مباحاً ، وإنما كان واجباً ، يأثم الإنسان بتركه .
وأما من لم يقصد شيئاً إلا تحقيق رغبته النفسية ، أو قضاء شهوته ، أو حاجته ، أو
التمتع بالمباح : فهذا لا حرج عليه فيما فعل ، ما دام قد علم أن هذا الأمر مما رخص
فيه الشرع وأذن فيه ؛ لكن ليس له أجر بمجرد ذلك الفعل ، كما أنه لا إثم عليه بمجرد
فعله
.
والله
أعلم .
لدي صعوبة في فهم قضية ، أننا يجب أن نعمل كل شيء لله ، وله وحده فقط ،
مثلا إذا أردت أن أقلل من وزني أو أي شيء آخر ، فإذا فعلته لكي أبدو أحسن ،
هل هذه نية خاطئة ؟ وإذا كانت خاطئة ، فما هي النية الصحيحة التي أنوي بها
إذا أردت عمل شيء كهذا ؟ عندما يقول الناس ينبغي أن تتزوج لله فقط ، وتعمل
أي عمل آخر فلله فقط ، فما معنى ذلك عملياً ؟
الجواب :
الحمد لله
المسلم هو المستسلم لله سبحانه وتعالى ، المنقاد لشرعه وأمره ونهيه ، الذي يعبد
الله عز وجل لأنه ربه وخالقه المستحق للعبادة ، آمن بعظمة الله وقيوميته ووحدانيته
، فملك عليه قلبه ونفسه ، وجعل حبه لربه مقصد معاشه ومعاده ، ورجا أن يتقبله في
عباده الصالحين .
قال تعالى
: (
قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا
قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . قُلْ
إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ )
الأنعام/161-163.
فمن استشعر هذه المعاني سعى في استحضار نية التقرب لله عز وجل في
جميع شؤون حياته ، فإذا نام احتسب نومه لله عز وجل كي يستعين براحة جسمه على
العبادة حين يستيقظ ، وإذا أكل أو شرب قصد بذلك التقوي للقيام بحقوق الله ، وإذا
تزوج أراد إعفاف نفسه والاشتغال بالحلال عن الحرام ، وإذا طلب الذرية قصد الذرية
الصالحة التي تعمر الأرض بمنهج الله ، إذا تكلم فبالخير ، وإذا سكت فإمساكاً عن
الشر ، يرجو بنفقته على نفسه وأهله الأجر والثواب أيضاً ، وإذا تعلم وقرأ ودرس
احتسب ذلك أيضاً... ، وهكذا تكون مقاصده في أعماله كلها .
قال
ابن تيمية رحمه الله : " ينبغي ألا يفعل من المباحات إلا ما يستعين
به على الطاعة ، ويقصد الاستعانة بها على الطاعة " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (10/460-461) .
هذا هو باختصار بيان كيف يمكن أن ينوي المسلم حياته وأعماله كلها
لله ، ويمكن أن نُجمِلَ ذلك بأمرين اثنين :
1- أن
يلتزم في أعماله الشريعة ، فلا يترك واجباً ، ولا يقع في محذور .
2- أن
يلحظ في قلبه كيف يمكن أن يوصله هذا العمل – ولو كان في أصله دنيوياً – إلى الأجر
والثواب والقربة من الله تعالى .
ويمكن
تطبيق ذلك على سؤالك خاصة عن تقليل الوزن ، فمن أراد باجتهاده لتقليل وزنه المحافظة
على صحته ليقوم بواجباته وحقوق الله عليه أكمل قيام ، أو أراد بذلك التجمل لزوجته
لتحقيق السعادة والمودة بينهما ، أو أراد بذلك التجمل للخلق ليكون أكثر قبولاً
بينهم فيحسن التواصل معهم ، فهذا القصد قصد حسن مأجور عليه إن شاء الله تعالى .
كما أن هذا الفعل المباح إذا أراد به صاحبه التشبه ببعض الكفار ، أو التجمل لفتنة
الفتيات ، ونحو ذلك من المقاصد الشيطانية فهذا يستحق الإثم والعقوبة .
وهكذا سائر الأمور المباحة ، لا يؤجر عليها صاحبها إلا إذا احتسبها
لتحقيق مقصد من مقاصد الخير والفضل والأجر
.
قال ابن الحاج رحمه الله : " المباح ينتقل بالنية إلى الندب " انتهى
.
"المدخل" (1/21) .
وذكر ابن
القيم أن خواص المقربين هم الذين انقلبت المباحات في حقهم إلى طاعات وقربات بالنية
، فليس في حقهم مباح متساوي الطرفين ، بل أعمالهم راجحة " انتهى .
"مدارج السالكين" (1/107) .
وقد صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه :( إنك
لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فيِّ امرأتك ) رواه
البخاري (56) ، ومسلم (1628) .
قال الإمام النووي - رحمه الله - معلقاً على الحديث :
" وفيه أن المباح إذا قصد به وجه الله تعالى صار طاعة ويثاب عليه ، وقد نبه صلى
الله عليه وسلم على هذا بقوله صلى الله عليه وسلم : ( حتى اللقمة تجعلها في في
امرأتك ) ؛ لأن زوجة الإنسان هي من أخص حظوظه الدنيوية وشهواته وملاذه المباحة ،
وإذا وضع اللقمة في فيها فإنما يكون ذلك في العادة عند الملاعبة والملاطفة والتلذذ
بالمباح ، فهذه الحالة أبعد الأشياء عن الطاعة وأمور الآخرة ، ومع هذا فأخبر صلى
الله عليه وسلم أنه إذا قصد بهذه اللقمة وجه الله تعالى حصل له الأجر بذلك ، فغير
هذه الحالة أولى بحصول الأجر إذا أراد وجه الله تعالى .
ويتضمن ذلك أن الإنسان إذا فعل شيئا أصله على الإباحة وقصد به وجه الله تعالى يثاب
عليه ، وذلك كالأكل بنية التقوي على طاعة الله تعالى ، والنوم للاستراحة ليقوم إلى
العبادة نشيطاً ، والاستمتاع بزوجته وجاريته ليكف نفسه وبصره ونحوهما عن الحرام ،
وليقضي حقها ، وليحصل ولداً صالحاً ، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( وفي
بُضعِ أحدِكم صدقة) والله أعلم " انتهى .
"شرح مسلم" (11/77) .
وقال السيوطي رحمه الله :
" ومن أحسن ما استدلوا به على أن العبد ينال أجرًا بالنية الصالحة في المباحات
والعادات قوله صلى الله عليه وسلم : ( ولكل امرئ ما نوى ) ، فهذه يثاب فاعلها إذا
قصد بها التقرب إلى الله ، فإن لم يقصد ذلك فلا ثواب له " انتهى .
"شرح السيوطي على النسائي" (1/19) .
والنقول عن أهل العلم في هذا الشأن كثيرة .
وانظر جواب السؤال رقم :
(69960) .
لكن
ينبغي أن تعلم ـ أخانا السائل ـ أن ما ذكرناه لك من نية التقرب إلى الله تعالى بما
تعمله من المباحات : ليس هو على وجه الوجوب والإلزام ؛ فإنه لو كان واجباً لازماً :
لم يكن مباحاً ، وإنما كان واجباً ، يأثم الإنسان بتركه .
وأما من لم يقصد شيئاً إلا تحقيق رغبته النفسية ، أو قضاء شهوته ، أو حاجته ، أو
التمتع بالمباح : فهذا لا حرج عليه فيما فعل ، ما دام قد علم أن هذا الأمر مما رخص
فيه الشرع وأذن فيه ؛ لكن ليس له أجر بمجرد ذلك الفعل ، كما أنه لا إثم عليه بمجرد
فعله
.
والله
أعلم .