السؤال :
هناك قول اشتهر على ألسنة الناس على أنه حديث ، ولا أدري صحة ذلك ، (اعمل
لدنياك كأنك تعيش أبداً ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً) فأرجو التوضيح .
الجواب :
الحمد لله
أولا :
هذا الكلام مع شهرته لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الشيخ الألباني رحمه الله :
"لا أصل له مرفوعاً ، وإن اشتهر على الألسنة في الأزمنة المتأخرة" انتهى من
"السلسلة الضعيفة" ( .
وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " ( المجموعة الثانية 3/269 ) :
" ليس بحديث مرفوع عن الرسول صلى الله عليه وسلم " انتهى.
ثانياً :
أما من حيث المعنى :
فالشق الثاني منه وهو قوله : (واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً) فهو صحيح المعنى ، وفيه
الحث على العمل للآخرة ، ودوام الاستعداد لها ، وهذا أمر مرغوب مطلوب .
ولهذا المعنى شواهد كثيرة من الكتاب والسنة ، فيها الأمر بالاستعداد للآخرة وللقاء
الله بالعمل الصالح والمبادرة بذلك .
وأما الشق الأول منه ، وهو قوله : (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً) فله وجه مقبول ،
ووجه آخر مردود :
أما الوجه المقبول : فهو إذا فهم على أنه دعوة إلى الأخذ بالأسباب ، وبذل الوسع في
تحصيل الرزق ، والاهتمام بعمارة الأرض فيما يرضي الله عز وجل .
أو يقال : إن معنى قوله : (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً) : هو التمهل في عمل الدنيا
، وعدم المسارعة به كعمل الآخرة ، بل يتمهل ويتأنى ويزهد فيه لأنه ـ على افتراض أنه
مخلد في الدنيا ـ سيأتيه كل ما يريد من الدنيا ، وسيأخذ منها كل ما يريد ، ولكن ..
ما لا يأتيه اليوم قد يأتيه غداً ... وهكذا يكون هذا الكلام في الحث على الزهد في
الدنيا وليس كما يفهمه كثير من الناس .
قال ابن الأثير رحمه الله :
" الظاهر من مَفْهُوم لفظِ هذا الحديث : أمَّا في الدنيا فَلِلْحثِّ على عِمارتها ،
وبقاء الناس فيها حتى يَسْكُن فيها ، ويَنْتَفع بها من يَجيء بعدك ، كما انْتَفَعْت
أنت بعَمَل من كان قبلك ، وسَكَنْتَ فيما عَمَرَه ، فإنّ الإنسان إذا عَلم أنه
يَطُول عُمْرُه أحْكَم ما يَعمَلُه ، وحَرصَ على ما يَكْسِبُه ، وأمّا في جانِب
الآخرة فإنه حَثٌّ على إخلاص العمل ، وحُضُور النّيَّة والقَلْب في العباداتِ
والطاعات ، والإكْثار منها ، فإِنّ من يَعْلم أنه يموت غَداً يُكْثر من عبَادَته ،
ويُخْلِص في طاعتِه، كقوله في الحديث الآخر : ( صَلِّ صَلاَة مُوَدِّعٍ ) .
قال بعض أهل العلم : المراد من هذا الحديث غَيْرُ السَّابق إلى الفَهْم من ظاهره ؛
لأنّ النبي صلى اللّه عليه وسلم إنما نَدب إلى الزُّهْد في الدنيا والتَّقْلِيل
منها ومن الانْهمَاك فيها والاسْتِمتاع بلَذَّاتها ، وهو الغالب على أوَامره
ونَواهيه فيما يتعلق بالدنيا ، فكيف يَحُثُّ على عِمارتها والاسْتِكْثار منها ،
وإنما أراد - واللّه أعلم - أنّ الإنسان إذا عَلِم أنه يعِيش أبداً قَلَّ حِرْصُه ،
وعَلِم أنّ مَا يُريدُه لَنْ يَفُوتَه تَحْصِيلُه بتَرْك الحِرْص عليه ،
والمُبَادَرة إليه ، فإنه يقول: إن فاتَنِي اليَوْم أدْرَكْتُه غَداً ، فإِنّي أعيش
أبداً ، فقال عليه الصلاة والسلام : اعْمَل عَمَل من يَظُنُّ أنه يُخَلَّد ، فلا
يحْرِص في العمل ، فيكون حَثًّا لَهُ على الترك والتَّقْلِيل بِطَرِيقَة أنيقة ، من
الإشَارة والتَّنْبيه ، ويكون أمْرُه لعَمَل الآخِرة على ظاهره ، فيَجْمَع
بالأمْرَيْن حَالَة واحدة وهو الزُّهْد والتَّقْلِيل ، ولَكِن بلَفْظَيْن
مُخْتَلِفَيْن ، وقد اختَصَر الأزهري هذا المعْنى فقال : معْناه : تقْدِيم أمْرِ
الآخِرة وأعْمَالِها حِذَارَ المَوْت بالفَوْت على عَمل الدنيا ، وتَأخير أمْر
الدنيا كَراهيَة الاشْتِغال بها عن عَمل الآخرة " انتهى من "النهاية" (1/927) .
ومثل هذا قاله المناوي رحمه الله في "فيض القدير" .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" هذا القول المشهور ، لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فهو من الأحاديث
الموضوعة ، ثم إن معناه ليس هو المتبادر إلى أذهان كثير من الناس من العناية بأمور
الدنيا ، والتهاون بأمور الآخرة ، بل معناه على العكس ، وهو المبادرة والمسارعة في
إنجاز أعمال الآخرة ، والتباطؤ في إنجاز أمور الدنيا ؛ لأن قوله : ( اعمل لدنياك
كأنك تعيش أبداً ) يعني أن الشيء الذي لا ينقضي اليوم ينقضي غداً ، والذي لا ينقضي
غداً ينقضي بعد غدٍ ، فاعمل بتمهل وعدم تسرع ، لو فات اليوم فما يفوت اليوم يأتي
غداً ، وهكذا .
وأما الآخرة : فاعمل لآخرتك كأنك تموت غداً ، أي : بادر بالعمل ، ولا تتهاون ،
وقدِّر كأنك تموت غداً ، بل أقول : قدِّر كأنك تموت قبل غد ؛ لأن الإنسان لا يدري
متى يأتيه الموت .
وقد قال ابن عمر رضي الله عنهما : (إذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وإذا أمسيت فلا
تنتظر الصباح ، وخذ من صحتك لمرضك ، ومن حياتك لموتك) .
هذا هو معنى هذا القول المشهور .
إذاً : فالجواب : أن هذا لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن معناه : ليس
كما يفهمه كثير من الناس من إحكام عمل الدنيا وعدم إحكام عمل الآخرة ، بل معناه
المبادرة في أعمال الآخرة ، وعدم التأخير والتساهل فيها ، وأما أعمال الدنيا فالأمر
فيها واسع ، ما لا ينقضي اليوم ينقضي غداً وهكذا " انتهى من "فتاوى نور على الدرب"
(فتاوى مصطلح الحديث/شروح الحديث والحكم عليها) .
أما إذا فهم قوله : (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً) على أنه دعوة إلى الرغبة في
الدنيا والتشبث بها ، والحرص على ما فيها من ملذات وشهوات ، فهذا فهم مردود ، لا
تأتي بمثله الشريعة ، وإنما تأتي دائما بالترغيب في الآخرة ، واتخاذ الدنيا مزرعة
وسبيلا إليها .
والله أعلم .
هناك قول اشتهر على ألسنة الناس على أنه حديث ، ولا أدري صحة ذلك ، (اعمل
لدنياك كأنك تعيش أبداً ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً) فأرجو التوضيح .
الجواب :
الحمد لله
أولا :
هذا الكلام مع شهرته لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الشيخ الألباني رحمه الله :
"لا أصل له مرفوعاً ، وإن اشتهر على الألسنة في الأزمنة المتأخرة" انتهى من
"السلسلة الضعيفة" ( .
وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " ( المجموعة الثانية 3/269 ) :
" ليس بحديث مرفوع عن الرسول صلى الله عليه وسلم " انتهى.
ثانياً :
أما من حيث المعنى :
فالشق الثاني منه وهو قوله : (واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً) فهو صحيح المعنى ، وفيه
الحث على العمل للآخرة ، ودوام الاستعداد لها ، وهذا أمر مرغوب مطلوب .
ولهذا المعنى شواهد كثيرة من الكتاب والسنة ، فيها الأمر بالاستعداد للآخرة وللقاء
الله بالعمل الصالح والمبادرة بذلك .
وأما الشق الأول منه ، وهو قوله : (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً) فله وجه مقبول ،
ووجه آخر مردود :
أما الوجه المقبول : فهو إذا فهم على أنه دعوة إلى الأخذ بالأسباب ، وبذل الوسع في
تحصيل الرزق ، والاهتمام بعمارة الأرض فيما يرضي الله عز وجل .
أو يقال : إن معنى قوله : (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً) : هو التمهل في عمل الدنيا
، وعدم المسارعة به كعمل الآخرة ، بل يتمهل ويتأنى ويزهد فيه لأنه ـ على افتراض أنه
مخلد في الدنيا ـ سيأتيه كل ما يريد من الدنيا ، وسيأخذ منها كل ما يريد ، ولكن ..
ما لا يأتيه اليوم قد يأتيه غداً ... وهكذا يكون هذا الكلام في الحث على الزهد في
الدنيا وليس كما يفهمه كثير من الناس .
قال ابن الأثير رحمه الله :
" الظاهر من مَفْهُوم لفظِ هذا الحديث : أمَّا في الدنيا فَلِلْحثِّ على عِمارتها ،
وبقاء الناس فيها حتى يَسْكُن فيها ، ويَنْتَفع بها من يَجيء بعدك ، كما انْتَفَعْت
أنت بعَمَل من كان قبلك ، وسَكَنْتَ فيما عَمَرَه ، فإنّ الإنسان إذا عَلم أنه
يَطُول عُمْرُه أحْكَم ما يَعمَلُه ، وحَرصَ على ما يَكْسِبُه ، وأمّا في جانِب
الآخرة فإنه حَثٌّ على إخلاص العمل ، وحُضُور النّيَّة والقَلْب في العباداتِ
والطاعات ، والإكْثار منها ، فإِنّ من يَعْلم أنه يموت غَداً يُكْثر من عبَادَته ،
ويُخْلِص في طاعتِه، كقوله في الحديث الآخر : ( صَلِّ صَلاَة مُوَدِّعٍ ) .
قال بعض أهل العلم : المراد من هذا الحديث غَيْرُ السَّابق إلى الفَهْم من ظاهره ؛
لأنّ النبي صلى اللّه عليه وسلم إنما نَدب إلى الزُّهْد في الدنيا والتَّقْلِيل
منها ومن الانْهمَاك فيها والاسْتِمتاع بلَذَّاتها ، وهو الغالب على أوَامره
ونَواهيه فيما يتعلق بالدنيا ، فكيف يَحُثُّ على عِمارتها والاسْتِكْثار منها ،
وإنما أراد - واللّه أعلم - أنّ الإنسان إذا عَلِم أنه يعِيش أبداً قَلَّ حِرْصُه ،
وعَلِم أنّ مَا يُريدُه لَنْ يَفُوتَه تَحْصِيلُه بتَرْك الحِرْص عليه ،
والمُبَادَرة إليه ، فإنه يقول: إن فاتَنِي اليَوْم أدْرَكْتُه غَداً ، فإِنّي أعيش
أبداً ، فقال عليه الصلاة والسلام : اعْمَل عَمَل من يَظُنُّ أنه يُخَلَّد ، فلا
يحْرِص في العمل ، فيكون حَثًّا لَهُ على الترك والتَّقْلِيل بِطَرِيقَة أنيقة ، من
الإشَارة والتَّنْبيه ، ويكون أمْرُه لعَمَل الآخِرة على ظاهره ، فيَجْمَع
بالأمْرَيْن حَالَة واحدة وهو الزُّهْد والتَّقْلِيل ، ولَكِن بلَفْظَيْن
مُخْتَلِفَيْن ، وقد اختَصَر الأزهري هذا المعْنى فقال : معْناه : تقْدِيم أمْرِ
الآخِرة وأعْمَالِها حِذَارَ المَوْت بالفَوْت على عَمل الدنيا ، وتَأخير أمْر
الدنيا كَراهيَة الاشْتِغال بها عن عَمل الآخرة " انتهى من "النهاية" (1/927) .
ومثل هذا قاله المناوي رحمه الله في "فيض القدير" .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" هذا القول المشهور ، لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فهو من الأحاديث
الموضوعة ، ثم إن معناه ليس هو المتبادر إلى أذهان كثير من الناس من العناية بأمور
الدنيا ، والتهاون بأمور الآخرة ، بل معناه على العكس ، وهو المبادرة والمسارعة في
إنجاز أعمال الآخرة ، والتباطؤ في إنجاز أمور الدنيا ؛ لأن قوله : ( اعمل لدنياك
كأنك تعيش أبداً ) يعني أن الشيء الذي لا ينقضي اليوم ينقضي غداً ، والذي لا ينقضي
غداً ينقضي بعد غدٍ ، فاعمل بتمهل وعدم تسرع ، لو فات اليوم فما يفوت اليوم يأتي
غداً ، وهكذا .
وأما الآخرة : فاعمل لآخرتك كأنك تموت غداً ، أي : بادر بالعمل ، ولا تتهاون ،
وقدِّر كأنك تموت غداً ، بل أقول : قدِّر كأنك تموت قبل غد ؛ لأن الإنسان لا يدري
متى يأتيه الموت .
وقد قال ابن عمر رضي الله عنهما : (إذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وإذا أمسيت فلا
تنتظر الصباح ، وخذ من صحتك لمرضك ، ومن حياتك لموتك) .
هذا هو معنى هذا القول المشهور .
إذاً : فالجواب : أن هذا لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن معناه : ليس
كما يفهمه كثير من الناس من إحكام عمل الدنيا وعدم إحكام عمل الآخرة ، بل معناه
المبادرة في أعمال الآخرة ، وعدم التأخير والتساهل فيها ، وأما أعمال الدنيا فالأمر
فيها واسع ، ما لا ينقضي اليوم ينقضي غداً وهكذا " انتهى من "فتاوى نور على الدرب"
(فتاوى مصطلح الحديث/شروح الحديث والحكم عليها) .
أما إذا فهم قوله : (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً) على أنه دعوة إلى الرغبة في
الدنيا والتشبث بها ، والحرص على ما فيها من ملذات وشهوات ، فهذا فهم مردود ، لا
تأتي بمثله الشريعة ، وإنما تأتي دائما بالترغيب في الآخرة ، واتخاذ الدنيا مزرعة
وسبيلا إليها .
والله أعلم .