السؤال :
لقد أشرتم في إحدى فتواكم رقم (6533) إلى هذا الحديث :
عن النبي صلى الله عليه وسلم : " ثَلَاثَةٌ لَا تَقْرَبُهُمْ
الْمَلَائِكَةُ جِيفَةُ الْكَافِرِ وَالْمُتَضَمِّخُ بِالْخَلُوقِ ( وهو
الرجل المتلطّخ بطيب فيه زعفران لما في ذلك من الرّعونة والتشبّه بالنساء :
فيض القدير 3/325 ) وَالْجُنُبُ إِلا أَنْ يَتَوَضَّأَ " رواه أبو داود
(4180) ، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (3522) .
وقد شاركت فتواكم مع آخرين لكي أنوه إلى أهمية الغسل ، لكن سألني أحدهم
"إذا كانت الملائكة لا تقترب من جيفة الكافر ، فكيف ستسأله الملائكة في
القبر؟ وإذا حان أجل الجنب الآن ، هل يذهب إليه ملك الموت؟ " فهل بوسعكم
رجاءً توضيح هذا الأمر فأنا على يقين من وجود سياق لهذا الحديث وأن هناك
توضيح له؟ وأنا في انتظار ردكم بفارغ الصبر .
الجواب :
الحمد لله
فقد روى أبو داود (4180) عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( ثَلَاثَةٌ لَا تَقْرَبُهُمْ
الْمَلَائِكَةُ : جِيفَةُ الْكَافِرِ وَالْمُتَضَمِّخُ بِالْخَلُوقِ وَالْجُنُبُ
إِلَّا أَنْ يَتَوَضَّأَ ) وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" .
والمراد من الحديث أن ملائكة الرحمة لا تقرب هؤلاء بتنزل بركة أو رحمة عليهم ؛
لأنهم ليسوا أهلا لهذا الفضل ، والمراد التنفير من فعلهم وما هم عليه من الحال
الموجب لانصراف ملائكة الرحمة عنهم ، يؤيده رواية البيهقي لهذا الحديث في "سننه"
(9241) وفيه : ( ثَلاَثَةٌ لاَ تَقْرَبُهُمُ الْمَلاَئِكَةُ بِخَيْرٍ ... ) الحديث
.
وأخرجه الطبراني ، ولفظه : ( إن الملائكة لا تحضر جنازة كافر بخير ، ولا جنباً حتى
يغتسل أو يتوضأ وضوءه للصلاة ، ولا متضمخاً بصفرة ) .
"فتح الباري" لابن رجب (1 /360) .
فيفيد قوله ( بخير ) في هاتين الروايتين ، أن المراد ملائكة الرحمة الذين يحصل
بقدومهم الخير.
أما ملائكة الموت والكتبة
الحفظة فإنهم لا يدخلون في هذا الحديث ، وكذا ملائكة العذاب والملائكة الذين يسألون
العبد في قبره ونحوهم لا يشملهم الحديث .
قال المناوي رحمه الله :
" ( ثلاثة لا تقربهم الملائكة ) أي : الملائكة النازلون بالبركة والرحمة ،
والطائفون على العباد للزيارة واستماع الذكر وأضرابهم ، لا الكَتَبة ؛ فإنهم لا
يفارقون المكلفين طرفة عين في شيء من أحوالهم الحسنة والسيئة ، ( ما يلفظ من قول
إلا لديه رقيب عتيد ) " انتهى من "فيض القدير" (3 /428) ، وانظر : "مرقاة المفاتيح"
(2/384) .
وقال الخطابي رحمه الله في
شرحه لحديث ( لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب ولا جنب ) – وهو حديث ضعيف –
قال :
" قوله لا تدخل الملائكة بيتا يريد الملائكة الذين ينزلون بالبركة والرحمة دون
الملائكة الذين هم الحفظة فإنهم لا يفارقون الجنب وغير الجنب" انتهى من "معالم
السنن" (1/75) ، وقرر نحوه البغوي في "شرح السنة" (2/37) .
وروى البخاري (3322) ومسلم
(2106) عَنْ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ : ( لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ ) .
قال النووي رحمه الله :
" قَالَ الْعُلَمَاء : سَبَب اِمْتِنَاعهمْ مِنْ بَيْتٍ فِيهِ صُورَة كَوْنهَا
مَعْصِيَة فَاحِشَة , وَفِيهَا مُضَاهَاة لِخَلْقِ اللَّه تَعَالَى , وَبَعْضهَا
فِي صُورَة مَا يَعْبُد مِنْ دُون اللَّه تَعَالَى ، وَسَبَب اِمْتِنَاعهمْ مِنْ
بَيْت فِيهِ كَلْب لِكَثْرَةِ أَكْله النَّجَاسَات ... فَعُوقِبَ مُتَّخِذهَا
بِحِرْمَانِهِ دُخُول الْمَلَائِكَة بَيْته , وَصَلَاتهَا فِيهِ, وَاسْتِغْفَارهَا
لَهُ , وَتَبْرِيكهَا عَلَيْهِ وَفِي بَيْته , وَدَفْعهَا أَذًى لِلشَّيْطَانِ ،
وَأَمَّا هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَة الَّذِينَ لَا يَدْخُلُونَ بَيْتًا فِيهِ كَلْب
أَوْ صُورَة فَهُمْ مَلَائِكَة يَطُوفُونَ بِالرَّحْمَةِ وَالتَّبْرِيك
وَالِاسْتِغْفَار , وَأَمَّا الْحَفَظَة فَيَدْخُلُونَ فِي كُلّ بَيْت , وَلَا
يُفَارِقُونَ بَنِي آدَم فِي كُلّ حَال , لِأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِإِحْصَاءِ
أَعْمَالهمْ , وَكِتَابَتهَا " انتهى من " شرح مسلم " ( 7/207 ) .
فتبين أنه لا إشكال في الحديث ، إذا فهمناه على ما قرره أهل العلم في شرحه ، من أن
الحديث فيه نوع عقوبة لمن فعل ذلك ، بأن تجتنب ملائكة الرحمة والبركة مجلسه .
وهذا كله على تقدير ثبوت
الحديث وصحته ، وهو اختيار الشيخ الألباني رحمه الله ، وعليه اعتماد الجواب المذكور
في الموقع سابقا .
وأما على ما ذهب إليه غير واحد من أهل العلم بالعلل إلى أن الحديث ضعيف الإسناد ،
معلول بالانقطاع بين الصحابي ، عمار بن ياسر رضي الله عنه ، والراوي عنه : يحي بن
يعمر ، فإنه لم يسمع منه ، فقد زال لإشكال من أساسه .
ينظر : مسند الإمام أحمد ، ط الرسالة (31/182) ، النافلة ، للشيخ أبي إسحاق الحويني
، رقم (149) .
راجع للفائدة إجابة السؤال
رقم : (147161) .
والله أعلم .
لقد أشرتم في إحدى فتواكم رقم (6533) إلى هذا الحديث :
عن النبي صلى الله عليه وسلم : " ثَلَاثَةٌ لَا تَقْرَبُهُمْ
الْمَلَائِكَةُ جِيفَةُ الْكَافِرِ وَالْمُتَضَمِّخُ بِالْخَلُوقِ ( وهو
الرجل المتلطّخ بطيب فيه زعفران لما في ذلك من الرّعونة والتشبّه بالنساء :
فيض القدير 3/325 ) وَالْجُنُبُ إِلا أَنْ يَتَوَضَّأَ " رواه أبو داود
(4180) ، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (3522) .
وقد شاركت فتواكم مع آخرين لكي أنوه إلى أهمية الغسل ، لكن سألني أحدهم
"إذا كانت الملائكة لا تقترب من جيفة الكافر ، فكيف ستسأله الملائكة في
القبر؟ وإذا حان أجل الجنب الآن ، هل يذهب إليه ملك الموت؟ " فهل بوسعكم
رجاءً توضيح هذا الأمر فأنا على يقين من وجود سياق لهذا الحديث وأن هناك
توضيح له؟ وأنا في انتظار ردكم بفارغ الصبر .
الجواب :
الحمد لله
فقد روى أبو داود (4180) عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( ثَلَاثَةٌ لَا تَقْرَبُهُمْ
الْمَلَائِكَةُ : جِيفَةُ الْكَافِرِ وَالْمُتَضَمِّخُ بِالْخَلُوقِ وَالْجُنُبُ
إِلَّا أَنْ يَتَوَضَّأَ ) وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" .
والمراد من الحديث أن ملائكة الرحمة لا تقرب هؤلاء بتنزل بركة أو رحمة عليهم ؛
لأنهم ليسوا أهلا لهذا الفضل ، والمراد التنفير من فعلهم وما هم عليه من الحال
الموجب لانصراف ملائكة الرحمة عنهم ، يؤيده رواية البيهقي لهذا الحديث في "سننه"
(9241) وفيه : ( ثَلاَثَةٌ لاَ تَقْرَبُهُمُ الْمَلاَئِكَةُ بِخَيْرٍ ... ) الحديث
.
وأخرجه الطبراني ، ولفظه : ( إن الملائكة لا تحضر جنازة كافر بخير ، ولا جنباً حتى
يغتسل أو يتوضأ وضوءه للصلاة ، ولا متضمخاً بصفرة ) .
"فتح الباري" لابن رجب (1 /360) .
فيفيد قوله ( بخير ) في هاتين الروايتين ، أن المراد ملائكة الرحمة الذين يحصل
بقدومهم الخير.
أما ملائكة الموت والكتبة
الحفظة فإنهم لا يدخلون في هذا الحديث ، وكذا ملائكة العذاب والملائكة الذين يسألون
العبد في قبره ونحوهم لا يشملهم الحديث .
قال المناوي رحمه الله :
" ( ثلاثة لا تقربهم الملائكة ) أي : الملائكة النازلون بالبركة والرحمة ،
والطائفون على العباد للزيارة واستماع الذكر وأضرابهم ، لا الكَتَبة ؛ فإنهم لا
يفارقون المكلفين طرفة عين في شيء من أحوالهم الحسنة والسيئة ، ( ما يلفظ من قول
إلا لديه رقيب عتيد ) " انتهى من "فيض القدير" (3 /428) ، وانظر : "مرقاة المفاتيح"
(2/384) .
وقال الخطابي رحمه الله في
شرحه لحديث ( لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب ولا جنب ) – وهو حديث ضعيف –
قال :
" قوله لا تدخل الملائكة بيتا يريد الملائكة الذين ينزلون بالبركة والرحمة دون
الملائكة الذين هم الحفظة فإنهم لا يفارقون الجنب وغير الجنب" انتهى من "معالم
السنن" (1/75) ، وقرر نحوه البغوي في "شرح السنة" (2/37) .
وروى البخاري (3322) ومسلم
(2106) عَنْ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ : ( لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ ) .
قال النووي رحمه الله :
" قَالَ الْعُلَمَاء : سَبَب اِمْتِنَاعهمْ مِنْ بَيْتٍ فِيهِ صُورَة كَوْنهَا
مَعْصِيَة فَاحِشَة , وَفِيهَا مُضَاهَاة لِخَلْقِ اللَّه تَعَالَى , وَبَعْضهَا
فِي صُورَة مَا يَعْبُد مِنْ دُون اللَّه تَعَالَى ، وَسَبَب اِمْتِنَاعهمْ مِنْ
بَيْت فِيهِ كَلْب لِكَثْرَةِ أَكْله النَّجَاسَات ... فَعُوقِبَ مُتَّخِذهَا
بِحِرْمَانِهِ دُخُول الْمَلَائِكَة بَيْته , وَصَلَاتهَا فِيهِ, وَاسْتِغْفَارهَا
لَهُ , وَتَبْرِيكهَا عَلَيْهِ وَفِي بَيْته , وَدَفْعهَا أَذًى لِلشَّيْطَانِ ،
وَأَمَّا هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَة الَّذِينَ لَا يَدْخُلُونَ بَيْتًا فِيهِ كَلْب
أَوْ صُورَة فَهُمْ مَلَائِكَة يَطُوفُونَ بِالرَّحْمَةِ وَالتَّبْرِيك
وَالِاسْتِغْفَار , وَأَمَّا الْحَفَظَة فَيَدْخُلُونَ فِي كُلّ بَيْت , وَلَا
يُفَارِقُونَ بَنِي آدَم فِي كُلّ حَال , لِأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِإِحْصَاءِ
أَعْمَالهمْ , وَكِتَابَتهَا " انتهى من " شرح مسلم " ( 7/207 ) .
فتبين أنه لا إشكال في الحديث ، إذا فهمناه على ما قرره أهل العلم في شرحه ، من أن
الحديث فيه نوع عقوبة لمن فعل ذلك ، بأن تجتنب ملائكة الرحمة والبركة مجلسه .
وهذا كله على تقدير ثبوت
الحديث وصحته ، وهو اختيار الشيخ الألباني رحمه الله ، وعليه اعتماد الجواب المذكور
في الموقع سابقا .
وأما على ما ذهب إليه غير واحد من أهل العلم بالعلل إلى أن الحديث ضعيف الإسناد ،
معلول بالانقطاع بين الصحابي ، عمار بن ياسر رضي الله عنه ، والراوي عنه : يحي بن
يعمر ، فإنه لم يسمع منه ، فقد زال لإشكال من أساسه .
ينظر : مسند الإمام أحمد ، ط الرسالة (31/182) ، النافلة ، للشيخ أبي إسحاق الحويني
، رقم (149) .
راجع للفائدة إجابة السؤال
رقم : (147161) .
والله أعلم .