الإيمان بالجن
كان النبي ( يصلي ذات مرة، فطلع عليه
جان يريد أن يقطع عليه صلاته، فمكن الله النبي ( من هذا الجان، فأمسك به
وأراد ( أن يربطه فى عمود من أعمدة المسجد حتى يشاهده الناس فى الصباح،
ولكن النبي ( تذكر دعوة سليمان -عليه السلام-: {رب اغفر لي وهب لي ملكًا
لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب} [ص: 35]. فترك الجان وعفا عنه.
[متفق عليه].
والجن من مخلوقات الله -عز وجل- والمسلم يؤمن بأن الجن
خلقوا من النار، قال تعالى: {وخلق الجان من مارج من نار} [الرحمن: 15] .
وقال (: (خُلقتْ الملائكة من نور، وخُلقتْ الجان من مارج من نار، وخُلق
آدم مما وصف لكم) [مسلم].
وقد خلق الله -عز وجل- الجن قبل الإنس، قال
تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون . والجان خلقناه من قبل
من نار السموم} [الحجر: 26- 27].
والمسلم يؤمن بأن الجن مأمور مثل
الإنسان بطاعة الله، وأن يجعلوا حياتهم كلها طبقًا لما أراده الله، قال
تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}
[الذاريات: 56]. وقال
سبحانه مخاطبًا الجن والإنس: {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم
يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا
وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين} [الأنعام:
130].
والمسلم يؤمن بأن الله -عز وجل- أرسل نبيَّه محمدًا ( إلى كل من
الإنس والجن، قال (: (وأرسلت إلى الخلق كافة) [مسلم]. وقوله تعالى: {وإذ
صرفنا إليك نفرًا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما
قضي ولوا إلى قومهم منذرين. قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابًا أنزل من بعد
موسى مصدقًا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم. يا قومنا
أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم. ومن
لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في
ضلال مبين} [الأحقاف: 29- 32].
طوائف الجن:
والمسلم يؤمن بأن الجن
طوائف كثيرة مثل الإنس تمامًا، فمنهم المؤمنون ومنهم الكافرون، ومنهم
الصالحون ومنهم المفسدون، ومنهم الشياطين، ومنهم العفاريت، قال تعالى:
{وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدًا. وأما
القاسطون فكانوا لجهنم حطبًا} [الجن:14-15]. وقال أيضًا: {وأنا منا
الصالحون ومن دون ذلك كنا طرائق قددًا} [الجن: 11]، وقال: {وكذلك جعلنا
لكل نبي عدوًا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا}
[الأنعام: 112]. والجن أنواع مختلفة، لكل نوع ميزات يتميز بها عن غيره،
فهناك الجن الطيار والغواص والفحَّار وغير ذلك.
قدرات الجن:
والمسلم
يؤمن بأن الله -عز وجل- منح الجن قدرات خاصة لم يمنحها للإنس جميعًا، ومن
هذه القدرات سرعة التنقل الفائق، والقوة العظيمة التى تدل على عظمة الخالق
-سبحانه-، كما جاء فى قصة سليمان ( عندما أراد أن يثبت لملكة سبأ عـظم ما
أعطاه الله -عز وجل- له من نعم عظيمة وآلاء جليلة، قال تعالى: {قال يا
أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين. قال عفريت من الجن
أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين. قال الذي عنده علم
من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك}
[النمل: 38- 40].
والمسلم
يؤمن بأن الجن يستطيعون التحليق فى الفضاء الخارجى، وكانوا يستمعون إلى
السماء، وينقلون أخبارها إلى الكهنة بعد إضافة كثير من الأكاذيب إليها،
فلما بعث الله -عز وجل- النبي ( حُرِسَت السماء بالشهب والملائكة، يقول
الله -عز وجل- على لسان أحد الجن: {وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسًا
شديدًا وشهبًا. وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له
شهابًا رصدًا} [الجن: 8-9].
والمسلم يؤمن بأن الله -عز وجل- قد سخر
الجنَّ لسليمان، يغوصون فى البحر، ويستخرجون له من خيراته، ويبنون له
القصور الشامخات، وقد جعلهم
الله -عز وجل- من جنود سليمان عليه السلام، قال تعالى: {وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون} [النمل: 17].
وقال
تعالى: {ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه
من عذاب السعير. يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور
راسيات اعملوا آل داوود شكرًا وقليل من عبادي الشكور}
[سبأ: 12-13].
وقال:
{ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملاً دون ذلك وكنا لهم حافظين}
[الأنبياء: 82]. والمسلم يؤمن أن للجن قدرة على تغيير أشكالهم، فعن أبى
هريرة -رضى الله عنه- أنه قال: وكلني رسول الله ( بحفظ زكاة رمضان، فأتانى
آت، فجعل يحثو (يسرق) من الطعام، فأخذته، وقلت والله لأرفعنك إلى رسول
الله (. قال: إنى محتاج، وعليَّ عيال، ولي حاجة شديدة. قال: فخليت عنه.
فأصبحت،
فقال النبي (: (يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟) قال: فقلت: يا رسول
الله! شكا حاجة شديدة وعيالا، فرحمته، وخليت سبيله. فقال (: (أما إنه قد
كذبك وسيعود). فعرفت أنه سيعود، لقول رسول الله ( إنه سيعود، فرصدته، فجعل
يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله (. فقال: دعنى، فإنى
محتاج، وعليَّ عيال، لا أعود. فرحمته، فخليت سبيله.
فأصبحت، فقال لي
رسول الله (: (يا أباهريرة ما فعل أسيرك؟) قلت: يا رسول الله شكا حاجة
شديدة وعيالا، فرحمته، فخليت سبيله. قال: (أما إنه قد كذبك وسيعود).
فرصدته الثالثة، فجعل يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول
الله ( وهذا آخر ثلاث مرات، إنك تزعم لا تعود ثم تعود. قال: دعني، أعلمك
كلمات ينفعك الله بها. قلت: وما هى؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية
الكرسى: الله لا إله إلا هو الحى القيوم.. حتى تختم الآية، فإنك لن يزال
عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح. فخليت سبيله.
فأصبحت،
فقال لي رسول الله (: (ما فعل أسيرك البارحة؟) قلت: يا رسول الله، زعم أنه
يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله، فقال (: (ما هي؟) قلت: قال لى:
إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسى من أولها حتى تختم الآية، وقال لي:
لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح. فقال رسول الله (:
(أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب مذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟).
قلت: لا. فقال: (ذاك شيطان) [البخارى].
والرسول ( يقول: (إن عفريتًا من
الجن، تَفَلت عليَّ البارحة ليقطع عليَّ الصلاة، فأمكنني الله منه، وأردتُ
أن أربطه إلى سارية من سوارى المسجد، حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم، فذكرت
قول أخي سليمان: {رب اغفر لي وهب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي} [ص:
35]. فرده الله خاسئًا) [متفق عليه].
مساكن الجن:
المسلم يؤمن بأن
للجن مساكن يسكنون فيها، مثل: الأماكن الخربة، والصحارى، والأماكن النجسة،
والأماكن المظلمة. فقد كان فتى على عهد رسول الله ( حديث عهد بعرس - تزوج
حديثًا-، فخرج مع رسول الله ( إلى الخندق، فكان ذلك الفتى يستأذن رسول
الله ( بأنصاف النهار فيرجع إلى أهله، فاستأذنه يومًا، فقال له: (خذ عليك
سلاحك، فإنى أخشى عليك قريظة). فأخذ الفتى سلاحه ثم رجع، فوجد امرأته
واقفة أمام حجرتها، فدخل البيت فوجد حية عظيمة على الفراش، فأهوى إليها
بالرمح، فضربها به ثم خرج من الحجرة، ولكن الحية أسرعت نحوه، وأمسكت به،
فما يُدرى أيهما كان أسرع موتًا، الحية أم الفتى، فذُكِرَ ذلك لرسول الله
(، فقال: (إن بالمدينة جنًّا قد أسلموا فإذا رأيتم منهم شيئًا، فآذنوه
ثلاثة أيام، فإن بدا لكم (ظهر) بعد ذلك فاقتلوه، فإنما هو شيطان) [مسلم].
طعام الجن:
والمسلم
يؤمن بما أخبر به الرسول ( عن طعام الجن، وهو العظم والروثة، فقد سُئل
الرسول ( عنهما، فقال: (هما من طعام الجن) [متفق عليه]. وعنه ( أنه قال:
(أتاني داعي الجن فذهبت معه، فقرأت عليهم القرآن). ثم انطلق رسول الله (
بأصحابه فأراهم آثار الجن، وآثار نيرانهم، وسألوه الزاد (الطعام) فقال:
(لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع فى أيديكم أوفر ما يكون لحمًا، وكل
بعرة علف لدوابكم). ثم قال رسول الله (: (فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام
إخوانكم) [مسلم وأبوداود وأحمد].
والمسلم يعلم أن الشياطين يأكلون مع
الإنسان إذا لم يذكر اسم الله -تعالى-، فالشيطان يحضر موائد البشر، يأكل
مما يتساقط منها قال (: (إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه، حتى
يحضره عند طعامه، فإذا سقطت من أحدكم اللقمة فليمط (يزيل) ما كان بها من
أذى، ثم ليأكلها ولا يدعها للشيطان، فإذا فرغ فليلعق أصابعه، فإنه لا يدرى
فى أي طعامه تكون البركة) [مسلم].
ولكي يحترس المسلم من وجود الشيطان
معه عند الطعام، فعليه أن يلتزم بآداب الإسلام فى تناول الطعام بأن يبدأ
باسم الله -تعالى-، ويأكل بيمينه، ولا يأكل بشماله؛ حتى لا يشاركه الشيطان
فى أكله، قال (: (لا يأكلن أحد منكم بشماله ولا يشربن بها، فإن الشيطان
يأكل بشماله ويشرب بها) [مسلم].
والمسلم يؤمن بأن مصير الكافرين من
الجن هو نفس مصير الكافرين من الإنس، فهم مكلفون بالإيمان بالله وطاعته،
وسوف يحاسبون على ما يعملون فى الدنيا، قال تعالى: {ولقد ذرأنا لجهنم
كثيرًا من الجن والإنس} [الأعراف: 179]. وقال: {ولكن حق القول مني لأملأن
جهنم من الجنة والناس أجمعين} [السجدة: 13].
الجن والإنس:
المسلم
يؤمن بأن الكافرين من الجن يوسوسون إلى الإنسان، ويزينون له المعاصى،
ويشككون المسلم فى الله -عز وجل- قال (: (يأتي الشيطان أحدكم فيقول: مَنْ
خلق كذا؟ ومَنْ خلق كذا؟ حتى يقول: مَنْ خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله
ولينْته) [متفق عليه].
والمسلم يؤمن بأن الله -سبحانه- يحفظه من مس
الجن وإيذائه، بالتزام الطاعات، أما الذين يبتعدون عن طريق الله، فمن
السهل على الجن أن يؤذوهم بالصرع والجنون، قال أبي بن كعب: كنت عند النبي
(، فجاء أعرابي، فقال: يا نبى الله إن لي أخًا به وَجَعٌ. قال: (وما
وجعه؟) قال: به لمم (أي: أصيب بمس الجن). قال: (فأتني به). فأتاه به،
فوضعه بين يديه، فعَوَّذَه بفاتحة الكتاب، فقام الرجل كأن لم يَشْكُ شيئًا
قط [أحمد والحاكم].
ومن ذلك ما رواه يعلي بن مرة، قال: خرجت مع النبي (
فى سفر، فلما كنا ببعض الطريق، مررنا بامرأة ومعها صبي لها، فقالت، يا
رسول الله، هذا صبي أصابه بلاء، وأصابنا منه بلاء، فإنه يصرع فى اليوم
أكثر من مرة. قال: (ناولينه). فأعطته إياه، ففتح فمه، فنفث فيه ثلاثًا،
وقال: (باسم الله، أنا عبد الله، اخسأ عدو الله). ثم أعطاه للمرأة، وقال:
(تنتظرينا هنا ونحن راجعون، فتخبرينا بما فعل). قال يعلي: فذهبنا ثم عدنا
إلى هذا المكان، فوجدناها ومعها ثلاث شياه، فقال (: (ما فعل صبيك؟). قالت:
والذى بعثك بالحق ما رأينا منه شيئًا إلى هذه الساعة، وخذ من هذه الشياه،
فقال (: (انزل فخذ منها واحدة ورُدَّ لها البقية) [أحمد]. وقال تعالى:
{الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس}
[البقرة: 275].
والمسلم يعلم أنه فى معركة مستمرة مع الشياطين وأعوانهم
من شياطين الإنس والجن، الذين يفسدون فى الأرض ولا يطيعون الله -عز وجل-.
والمسلم يعرف أعداءه جيدًا، وأول عدو يجب أن يحترس منه هو الشيطان، قال
تعالى: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوًا} [فاطر: 6]. وقال: {ألم أعهد
إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين} [يس: 60].
فالمسلم
لا يتبع الشيطان فى طريق غوايته، بل يحذر دائمًا من وسوسته؛ لأنه سبب
الضلال فى كل وقت وفى أي مكان، فهو الذى زين للأمم السابقة طرق الشرك
بالله -تعالى-، ودعاهم إلى تكذيب الرسل، وقد أخذ على نفسه العهد أن يضل
الناس جميعًا إلا المخلصين المؤمنين، فقال: {فبعزتك لأغوينهم أجمعين. إلا
عبادك منهم المخلصين} [ص: 82-83].
وقال -سبحانه- عن إضلال إبليس للأمم
السابقة: {وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون}
[النمل: 24]. والشيطان يلازم الإنسان فى كل حركاته وسكناته، فكلما همَّ
بطاعة الله صرفه عنها، وكلما ابتعد عن معصية الله قَرَّبَهُ منها، فهو
يكره أن يرى الإنسان فى طاعة لله -عز وجل-، ويوسوس للإنسان فى صلاته
ودعائه وقراءة القرآن، بل وفى كل طاعة.
فعلى المسلم أن يتعوذ بالله من
الشيطان حينما يشعر بوسوسة منه، قال تعالى: {وإما ينـزغنك من الشيطان نزغ
فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم}
[فصلت: 36].
قال ( : (إذا نودى
بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط، فإذا قضى أقبل، فإذا ثوب بها (أي أقيمت)
أدبر، فإذا قضى أقبل حتى يخطر (يوسوس) بين الإنسان وقلبه، فيقول: اذكر كذا
وكذا، حتى لا يدري أثلاثًا صلى أو أربعًا، فإذا لم يدر ثلاثًا صلى أو
أربعًا سجد سجدتي السهو) [متفق عليه].
والمسلم يعلم أن الشيطان يحاول
أن يوقعه فى الشرك بالله، وهى أكبر جريمة يرتكبها الإنسان فى حق الله، فإن
لم يستطع أن يوقعه فى الشرك أوقعه فى كبائر الذنوب، والبدع، وإن لم يستطع
حاول أن يوقعه فى صغائر الذنوب، فهو لا يمل أبدًا من إضلال الإنسان، قال
تعالى: {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء}
[البقرة: 268].
والشيطان
يسعى بين الناس بالفساد، وتقطيع الأرحام، ونشر الحقد والحسد والضغينة
بينهم، قال تعالى: {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في
الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون}
[المائدة: 91].
والمسلم
يعلم أن إبليس يبعث جنوده من الشياطين للفساد فى الأرض، ويكون أكثرهم
فسادًا أقربهم إليه منزلة. قال ( : (إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث
سراياه (أي: جنوده للفتنة)، فأدناهم (أقربهم) منه منزلة أعظمهم فتنة،
ويجىء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا. فيقول: ما صنعت شيئًا. ثم يجىء أحدهم
فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته. قال: فيدنيه منه، يمدحه
فيقول: نعم أنت) [مسلم]. فالشيطان يفرح بخراب البيوت العامرة، وتشريد
النفوس الآمنة.
والمسلم يعلم ملازمة الشيطان وإصراره على غوايته، فعليه
أن يذكر الله عند دخوله إلى بيته حتى لا يدخل الشيطان معه، وعند طعامه حتى
لا يأكل الشيطان معه، وفى كل أمور حياته ليبعد عنه الشيطان، والمسلم يعلم
أنه إن لم يفعل ذلك أكل وشرب ونام معه الشيطان، قال ( : (إذا دخل الرجل
بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء.
وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت. وإذا لم
يذكر الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء) [مسلم].
والمسلم يعلم
أن الشيطان عدو للأنبياء والمرسلين. قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي
عدوًا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا}
[الأنعام: 112].
وتسأل عائشة الرسول (: يا رسول الله، أو معي شيطان؟
قال: (نعم). قلت: ومع كل إنسان؟ قال: (نعم). قلت: ومعك يا رسول الله؟ قال:
(نعم). ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم) [مسلم].
والمسلم يعلم أن السحر
حقيقة لا ريب فيها، يقول الله فى سحرة فرعون: {سحروا أعين الناس
واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم} [الأعراف: 116]. وقال سبحانه: {واتبعوا ما
تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون
الناس السحر} [البقرة: 102].
وقد سُحِرَ الرسول ( على يد لبيد بن
الأعصم اليهودي، كما قالت عائشة -رضى الله عنها-: (سَحَر رسولَ الله
يهودىٌّ من يهود بني زريق، يقال له لبيد بن الأعصم، حتى كان ( يخيل إليه
أنه يفعل الشيء وما يفعله، حتى إذا كان ذات يوم، دعا رسول الله ( مرات، ثم
قال: (أُشْعِرْتُ أن الله أفتاني فيما فيه شفائي (أي: أجابني فيما طلبت)؛
أتاني رجلان، فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال أحدهما للآخر:
ما وجع الرجل؟ فقال: مطبوب (أي: مسحور) قال: ومن طبَّه؟ قال: لبيد بن
الأعصم. قال: في ماذا؟ قال: في مُشط ومُشاطة (أي: شعر سقط من التسريح)
وجُفَّ طلعة ذكر (أي غشاء الطلع) قال: فأين هو؟ قال: فى بئر
ذى ذروان.
قالت: فخرج إليها النبي ( ثم رجع، فقال لعائشة حين رجع: (نخلها كأنه رءوس
الشياطين). فقلتُ: استخرجته؟ قال: (لا، أما أنا فقد شفاني الله، وخشيتُ
يثير ذلك على الناس شرًّا ثُمَّ دفنت البئر) [متفق عليه].
فالمسلم يدعو
ربه دائمًا ويستغفره، ويتعوذ به من شرور الشياطين، قال تعالى: {وقل رب
أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون}
[المؤمنون: 97-98].
وهو
يعلم أن الله -عز وجل- يحمى عباده المؤمنين من مكائد الشيطان، وأنه قد
بشرهم بالحفظ من كيد الشيطان فقال: {إن عبادي ليس لك عليم سلطان إلا من
اتبعك من الغاوين} [الحجر: 42].
وقد كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه،
حينما يسير فى طريق، يلتمس الشيطان طريقًا آخر خوفًا من عمر، لأنه كان
عبدًا مخلصًا لله. والمسلم يعلم أن الجن لا تقدر على شيء إلا بإرادة الله،
كما أنها لا تعلم من غيب الله شيئًا، قال تعالى: {عالم الغيب فلا يظهر على
غيبه أحدًا. إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدًا}
[الجن: 26- 27]. فعلى المسلم أن يكون دائم الصلة بالله -عز وجل-، فمن كان
فى كنف الله -عز وجل- حماه الله من شياطين الإنس والجن فهو نعم المولى
ونعم النصير.
والمسلم يعلم أن إبليس تكبر على أمر الله -عز وجل- عندما
أمره بالسجود لآدم تكريمًا له، وقال: {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته
من طين} [الأعراف: 12]. فغضب الله عليه، وأنزله من السماء، وأخرجه من
رحمته: {قال اخرج منها مذءومًا مدحورًا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم
أجمعين} [الأعراف: 18].
والجن مكلفون بالعبادة والطاعة لله -عز وجل-
مثل الإنس ، يدل على ذلك خطاب الله -عز وجل- لهم فى القرآن، وما ورد عن
الرسول ( أنه خرج على أصحابه، فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها
فسكتوا فقال: (لقد قرأتها على الجن، فكانوا أحسن مردودًا منكم، كنت كلما
أتيت على قوله: {فبأي آلا ربكما تكذبان} [الرحمن: 13]. قالوا: لا بشيء من
نعمك ربنا نكذب، فلك الحمد) [الترمذي].
علم إبليس أن الله خلقه،
وكلَّفه وأمره، ولكنه استكبر على أمر الله. والمسلم لا يفعل هذا أبدًا،
ففي يوم القيامة يرى الناس رجلا فى النار، فيسألوه: ألم تكن تأمرنا
بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟! فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا أعمله،
وأنهاكم عن المنكر وآتيه.
والمسلم يجب أن يعلم أن الشيطان سوف يتبرأ من
أوليائه يوم القيامة، قال تعالى: {وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله
وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم
فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم} [إبراهيم: 22].
والذين ينكرون
الجن ليس لهم حجة ولا سند، فإن كانوا لا يؤمنون بالغيب فإن هناك أشياء من
الغيب لا ندركها، ولكن ندرك تأثيرها، فالكهرباء -مثلا- لا نراها، ولكن
ندرك تأثيرها، وكذلك الجاذبية والروح، فإن كانوا ينكرون هذه الأشياء،
فليمسك أحدهم بسلك من الكهرباء، ويزعم أنه غير موجود لأنه لا يراه، هذا إن
أرادوا دليلا عقليًّا، فإن أرادوا دليلا من الشرع، فيكفيهم أن
الله -عز وجل- أنزل سورة كاملة، وسماها سورة الجن، وذكرهم فى أكثر من موضع فى القرآن الكريم
كان النبي ( يصلي ذات مرة، فطلع عليه
جان يريد أن يقطع عليه صلاته، فمكن الله النبي ( من هذا الجان، فأمسك به
وأراد ( أن يربطه فى عمود من أعمدة المسجد حتى يشاهده الناس فى الصباح،
ولكن النبي ( تذكر دعوة سليمان -عليه السلام-: {رب اغفر لي وهب لي ملكًا
لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب} [ص: 35]. فترك الجان وعفا عنه.
[متفق عليه].
والجن من مخلوقات الله -عز وجل- والمسلم يؤمن بأن الجن
خلقوا من النار، قال تعالى: {وخلق الجان من مارج من نار} [الرحمن: 15] .
وقال (: (خُلقتْ الملائكة من نور، وخُلقتْ الجان من مارج من نار، وخُلق
آدم مما وصف لكم) [مسلم].
وقد خلق الله -عز وجل- الجن قبل الإنس، قال
تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون . والجان خلقناه من قبل
من نار السموم} [الحجر: 26- 27].
والمسلم يؤمن بأن الجن مأمور مثل
الإنسان بطاعة الله، وأن يجعلوا حياتهم كلها طبقًا لما أراده الله، قال
تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}
[الذاريات: 56]. وقال
سبحانه مخاطبًا الجن والإنس: {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم
يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا
وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين} [الأنعام:
130].
والمسلم يؤمن بأن الله -عز وجل- أرسل نبيَّه محمدًا ( إلى كل من
الإنس والجن، قال (: (وأرسلت إلى الخلق كافة) [مسلم]. وقوله تعالى: {وإذ
صرفنا إليك نفرًا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما
قضي ولوا إلى قومهم منذرين. قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابًا أنزل من بعد
موسى مصدقًا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم. يا قومنا
أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم. ومن
لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في
ضلال مبين} [الأحقاف: 29- 32].
طوائف الجن:
والمسلم يؤمن بأن الجن
طوائف كثيرة مثل الإنس تمامًا، فمنهم المؤمنون ومنهم الكافرون، ومنهم
الصالحون ومنهم المفسدون، ومنهم الشياطين، ومنهم العفاريت، قال تعالى:
{وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدًا. وأما
القاسطون فكانوا لجهنم حطبًا} [الجن:14-15]. وقال أيضًا: {وأنا منا
الصالحون ومن دون ذلك كنا طرائق قددًا} [الجن: 11]، وقال: {وكذلك جعلنا
لكل نبي عدوًا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا}
[الأنعام: 112]. والجن أنواع مختلفة، لكل نوع ميزات يتميز بها عن غيره،
فهناك الجن الطيار والغواص والفحَّار وغير ذلك.
قدرات الجن:
والمسلم
يؤمن بأن الله -عز وجل- منح الجن قدرات خاصة لم يمنحها للإنس جميعًا، ومن
هذه القدرات سرعة التنقل الفائق، والقوة العظيمة التى تدل على عظمة الخالق
-سبحانه-، كما جاء فى قصة سليمان ( عندما أراد أن يثبت لملكة سبأ عـظم ما
أعطاه الله -عز وجل- له من نعم عظيمة وآلاء جليلة، قال تعالى: {قال يا
أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين. قال عفريت من الجن
أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين. قال الذي عنده علم
من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك}
[النمل: 38- 40].
والمسلم
يؤمن بأن الجن يستطيعون التحليق فى الفضاء الخارجى، وكانوا يستمعون إلى
السماء، وينقلون أخبارها إلى الكهنة بعد إضافة كثير من الأكاذيب إليها،
فلما بعث الله -عز وجل- النبي ( حُرِسَت السماء بالشهب والملائكة، يقول
الله -عز وجل- على لسان أحد الجن: {وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسًا
شديدًا وشهبًا. وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له
شهابًا رصدًا} [الجن: 8-9].
والمسلم يؤمن بأن الله -عز وجل- قد سخر
الجنَّ لسليمان، يغوصون فى البحر، ويستخرجون له من خيراته، ويبنون له
القصور الشامخات، وقد جعلهم
الله -عز وجل- من جنود سليمان عليه السلام، قال تعالى: {وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون} [النمل: 17].
وقال
تعالى: {ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه
من عذاب السعير. يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور
راسيات اعملوا آل داوود شكرًا وقليل من عبادي الشكور}
[سبأ: 12-13].
وقال:
{ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملاً دون ذلك وكنا لهم حافظين}
[الأنبياء: 82]. والمسلم يؤمن أن للجن قدرة على تغيير أشكالهم، فعن أبى
هريرة -رضى الله عنه- أنه قال: وكلني رسول الله ( بحفظ زكاة رمضان، فأتانى
آت، فجعل يحثو (يسرق) من الطعام، فأخذته، وقلت والله لأرفعنك إلى رسول
الله (. قال: إنى محتاج، وعليَّ عيال، ولي حاجة شديدة. قال: فخليت عنه.
فأصبحت،
فقال النبي (: (يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟) قال: فقلت: يا رسول
الله! شكا حاجة شديدة وعيالا، فرحمته، وخليت سبيله. فقال (: (أما إنه قد
كذبك وسيعود). فعرفت أنه سيعود، لقول رسول الله ( إنه سيعود، فرصدته، فجعل
يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله (. فقال: دعنى، فإنى
محتاج، وعليَّ عيال، لا أعود. فرحمته، فخليت سبيله.
فأصبحت، فقال لي
رسول الله (: (يا أباهريرة ما فعل أسيرك؟) قلت: يا رسول الله شكا حاجة
شديدة وعيالا، فرحمته، فخليت سبيله. قال: (أما إنه قد كذبك وسيعود).
فرصدته الثالثة، فجعل يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول
الله ( وهذا آخر ثلاث مرات، إنك تزعم لا تعود ثم تعود. قال: دعني، أعلمك
كلمات ينفعك الله بها. قلت: وما هى؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية
الكرسى: الله لا إله إلا هو الحى القيوم.. حتى تختم الآية، فإنك لن يزال
عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح. فخليت سبيله.
فأصبحت،
فقال لي رسول الله (: (ما فعل أسيرك البارحة؟) قلت: يا رسول الله، زعم أنه
يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله، فقال (: (ما هي؟) قلت: قال لى:
إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسى من أولها حتى تختم الآية، وقال لي:
لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح. فقال رسول الله (:
(أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب مذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟).
قلت: لا. فقال: (ذاك شيطان) [البخارى].
والرسول ( يقول: (إن عفريتًا من
الجن، تَفَلت عليَّ البارحة ليقطع عليَّ الصلاة، فأمكنني الله منه، وأردتُ
أن أربطه إلى سارية من سوارى المسجد، حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم، فذكرت
قول أخي سليمان: {رب اغفر لي وهب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي} [ص:
35]. فرده الله خاسئًا) [متفق عليه].
مساكن الجن:
المسلم يؤمن بأن
للجن مساكن يسكنون فيها، مثل: الأماكن الخربة، والصحارى، والأماكن النجسة،
والأماكن المظلمة. فقد كان فتى على عهد رسول الله ( حديث عهد بعرس - تزوج
حديثًا-، فخرج مع رسول الله ( إلى الخندق، فكان ذلك الفتى يستأذن رسول
الله ( بأنصاف النهار فيرجع إلى أهله، فاستأذنه يومًا، فقال له: (خذ عليك
سلاحك، فإنى أخشى عليك قريظة). فأخذ الفتى سلاحه ثم رجع، فوجد امرأته
واقفة أمام حجرتها، فدخل البيت فوجد حية عظيمة على الفراش، فأهوى إليها
بالرمح، فضربها به ثم خرج من الحجرة، ولكن الحية أسرعت نحوه، وأمسكت به،
فما يُدرى أيهما كان أسرع موتًا، الحية أم الفتى، فذُكِرَ ذلك لرسول الله
(، فقال: (إن بالمدينة جنًّا قد أسلموا فإذا رأيتم منهم شيئًا، فآذنوه
ثلاثة أيام، فإن بدا لكم (ظهر) بعد ذلك فاقتلوه، فإنما هو شيطان) [مسلم].
طعام الجن:
والمسلم
يؤمن بما أخبر به الرسول ( عن طعام الجن، وهو العظم والروثة، فقد سُئل
الرسول ( عنهما، فقال: (هما من طعام الجن) [متفق عليه]. وعنه ( أنه قال:
(أتاني داعي الجن فذهبت معه، فقرأت عليهم القرآن). ثم انطلق رسول الله (
بأصحابه فأراهم آثار الجن، وآثار نيرانهم، وسألوه الزاد (الطعام) فقال:
(لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع فى أيديكم أوفر ما يكون لحمًا، وكل
بعرة علف لدوابكم). ثم قال رسول الله (: (فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام
إخوانكم) [مسلم وأبوداود وأحمد].
والمسلم يعلم أن الشياطين يأكلون مع
الإنسان إذا لم يذكر اسم الله -تعالى-، فالشيطان يحضر موائد البشر، يأكل
مما يتساقط منها قال (: (إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه، حتى
يحضره عند طعامه، فإذا سقطت من أحدكم اللقمة فليمط (يزيل) ما كان بها من
أذى، ثم ليأكلها ولا يدعها للشيطان، فإذا فرغ فليلعق أصابعه، فإنه لا يدرى
فى أي طعامه تكون البركة) [مسلم].
ولكي يحترس المسلم من وجود الشيطان
معه عند الطعام، فعليه أن يلتزم بآداب الإسلام فى تناول الطعام بأن يبدأ
باسم الله -تعالى-، ويأكل بيمينه، ولا يأكل بشماله؛ حتى لا يشاركه الشيطان
فى أكله، قال (: (لا يأكلن أحد منكم بشماله ولا يشربن بها، فإن الشيطان
يأكل بشماله ويشرب بها) [مسلم].
والمسلم يؤمن بأن مصير الكافرين من
الجن هو نفس مصير الكافرين من الإنس، فهم مكلفون بالإيمان بالله وطاعته،
وسوف يحاسبون على ما يعملون فى الدنيا، قال تعالى: {ولقد ذرأنا لجهنم
كثيرًا من الجن والإنس} [الأعراف: 179]. وقال: {ولكن حق القول مني لأملأن
جهنم من الجنة والناس أجمعين} [السجدة: 13].
الجن والإنس:
المسلم
يؤمن بأن الكافرين من الجن يوسوسون إلى الإنسان، ويزينون له المعاصى،
ويشككون المسلم فى الله -عز وجل- قال (: (يأتي الشيطان أحدكم فيقول: مَنْ
خلق كذا؟ ومَنْ خلق كذا؟ حتى يقول: مَنْ خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله
ولينْته) [متفق عليه].
والمسلم يؤمن بأن الله -سبحانه- يحفظه من مس
الجن وإيذائه، بالتزام الطاعات، أما الذين يبتعدون عن طريق الله، فمن
السهل على الجن أن يؤذوهم بالصرع والجنون، قال أبي بن كعب: كنت عند النبي
(، فجاء أعرابي، فقال: يا نبى الله إن لي أخًا به وَجَعٌ. قال: (وما
وجعه؟) قال: به لمم (أي: أصيب بمس الجن). قال: (فأتني به). فأتاه به،
فوضعه بين يديه، فعَوَّذَه بفاتحة الكتاب، فقام الرجل كأن لم يَشْكُ شيئًا
قط [أحمد والحاكم].
ومن ذلك ما رواه يعلي بن مرة، قال: خرجت مع النبي (
فى سفر، فلما كنا ببعض الطريق، مررنا بامرأة ومعها صبي لها، فقالت، يا
رسول الله، هذا صبي أصابه بلاء، وأصابنا منه بلاء، فإنه يصرع فى اليوم
أكثر من مرة. قال: (ناولينه). فأعطته إياه، ففتح فمه، فنفث فيه ثلاثًا،
وقال: (باسم الله، أنا عبد الله، اخسأ عدو الله). ثم أعطاه للمرأة، وقال:
(تنتظرينا هنا ونحن راجعون، فتخبرينا بما فعل). قال يعلي: فذهبنا ثم عدنا
إلى هذا المكان، فوجدناها ومعها ثلاث شياه، فقال (: (ما فعل صبيك؟). قالت:
والذى بعثك بالحق ما رأينا منه شيئًا إلى هذه الساعة، وخذ من هذه الشياه،
فقال (: (انزل فخذ منها واحدة ورُدَّ لها البقية) [أحمد]. وقال تعالى:
{الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس}
[البقرة: 275].
والمسلم يعلم أنه فى معركة مستمرة مع الشياطين وأعوانهم
من شياطين الإنس والجن، الذين يفسدون فى الأرض ولا يطيعون الله -عز وجل-.
والمسلم يعرف أعداءه جيدًا، وأول عدو يجب أن يحترس منه هو الشيطان، قال
تعالى: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوًا} [فاطر: 6]. وقال: {ألم أعهد
إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين} [يس: 60].
فالمسلم
لا يتبع الشيطان فى طريق غوايته، بل يحذر دائمًا من وسوسته؛ لأنه سبب
الضلال فى كل وقت وفى أي مكان، فهو الذى زين للأمم السابقة طرق الشرك
بالله -تعالى-، ودعاهم إلى تكذيب الرسل، وقد أخذ على نفسه العهد أن يضل
الناس جميعًا إلا المخلصين المؤمنين، فقال: {فبعزتك لأغوينهم أجمعين. إلا
عبادك منهم المخلصين} [ص: 82-83].
وقال -سبحانه- عن إضلال إبليس للأمم
السابقة: {وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون}
[النمل: 24]. والشيطان يلازم الإنسان فى كل حركاته وسكناته، فكلما همَّ
بطاعة الله صرفه عنها، وكلما ابتعد عن معصية الله قَرَّبَهُ منها، فهو
يكره أن يرى الإنسان فى طاعة لله -عز وجل-، ويوسوس للإنسان فى صلاته
ودعائه وقراءة القرآن، بل وفى كل طاعة.
فعلى المسلم أن يتعوذ بالله من
الشيطان حينما يشعر بوسوسة منه، قال تعالى: {وإما ينـزغنك من الشيطان نزغ
فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم}
[فصلت: 36].
قال ( : (إذا نودى
بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط، فإذا قضى أقبل، فإذا ثوب بها (أي أقيمت)
أدبر، فإذا قضى أقبل حتى يخطر (يوسوس) بين الإنسان وقلبه، فيقول: اذكر كذا
وكذا، حتى لا يدري أثلاثًا صلى أو أربعًا، فإذا لم يدر ثلاثًا صلى أو
أربعًا سجد سجدتي السهو) [متفق عليه].
والمسلم يعلم أن الشيطان يحاول
أن يوقعه فى الشرك بالله، وهى أكبر جريمة يرتكبها الإنسان فى حق الله، فإن
لم يستطع أن يوقعه فى الشرك أوقعه فى كبائر الذنوب، والبدع، وإن لم يستطع
حاول أن يوقعه فى صغائر الذنوب، فهو لا يمل أبدًا من إضلال الإنسان، قال
تعالى: {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء}
[البقرة: 268].
والشيطان
يسعى بين الناس بالفساد، وتقطيع الأرحام، ونشر الحقد والحسد والضغينة
بينهم، قال تعالى: {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في
الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون}
[المائدة: 91].
والمسلم
يعلم أن إبليس يبعث جنوده من الشياطين للفساد فى الأرض، ويكون أكثرهم
فسادًا أقربهم إليه منزلة. قال ( : (إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث
سراياه (أي: جنوده للفتنة)، فأدناهم (أقربهم) منه منزلة أعظمهم فتنة،
ويجىء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا. فيقول: ما صنعت شيئًا. ثم يجىء أحدهم
فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته. قال: فيدنيه منه، يمدحه
فيقول: نعم أنت) [مسلم]. فالشيطان يفرح بخراب البيوت العامرة، وتشريد
النفوس الآمنة.
والمسلم يعلم ملازمة الشيطان وإصراره على غوايته، فعليه
أن يذكر الله عند دخوله إلى بيته حتى لا يدخل الشيطان معه، وعند طعامه حتى
لا يأكل الشيطان معه، وفى كل أمور حياته ليبعد عنه الشيطان، والمسلم يعلم
أنه إن لم يفعل ذلك أكل وشرب ونام معه الشيطان، قال ( : (إذا دخل الرجل
بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء.
وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت. وإذا لم
يذكر الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء) [مسلم].
والمسلم يعلم
أن الشيطان عدو للأنبياء والمرسلين. قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي
عدوًا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا}
[الأنعام: 112].
وتسأل عائشة الرسول (: يا رسول الله، أو معي شيطان؟
قال: (نعم). قلت: ومع كل إنسان؟ قال: (نعم). قلت: ومعك يا رسول الله؟ قال:
(نعم). ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم) [مسلم].
والمسلم يعلم أن السحر
حقيقة لا ريب فيها، يقول الله فى سحرة فرعون: {سحروا أعين الناس
واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم} [الأعراف: 116]. وقال سبحانه: {واتبعوا ما
تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون
الناس السحر} [البقرة: 102].
وقد سُحِرَ الرسول ( على يد لبيد بن
الأعصم اليهودي، كما قالت عائشة -رضى الله عنها-: (سَحَر رسولَ الله
يهودىٌّ من يهود بني زريق، يقال له لبيد بن الأعصم، حتى كان ( يخيل إليه
أنه يفعل الشيء وما يفعله، حتى إذا كان ذات يوم، دعا رسول الله ( مرات، ثم
قال: (أُشْعِرْتُ أن الله أفتاني فيما فيه شفائي (أي: أجابني فيما طلبت)؛
أتاني رجلان، فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال أحدهما للآخر:
ما وجع الرجل؟ فقال: مطبوب (أي: مسحور) قال: ومن طبَّه؟ قال: لبيد بن
الأعصم. قال: في ماذا؟ قال: في مُشط ومُشاطة (أي: شعر سقط من التسريح)
وجُفَّ طلعة ذكر (أي غشاء الطلع) قال: فأين هو؟ قال: فى بئر
ذى ذروان.
قالت: فخرج إليها النبي ( ثم رجع، فقال لعائشة حين رجع: (نخلها كأنه رءوس
الشياطين). فقلتُ: استخرجته؟ قال: (لا، أما أنا فقد شفاني الله، وخشيتُ
يثير ذلك على الناس شرًّا ثُمَّ دفنت البئر) [متفق عليه].
فالمسلم يدعو
ربه دائمًا ويستغفره، ويتعوذ به من شرور الشياطين، قال تعالى: {وقل رب
أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون}
[المؤمنون: 97-98].
وهو
يعلم أن الله -عز وجل- يحمى عباده المؤمنين من مكائد الشيطان، وأنه قد
بشرهم بالحفظ من كيد الشيطان فقال: {إن عبادي ليس لك عليم سلطان إلا من
اتبعك من الغاوين} [الحجر: 42].
وقد كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه،
حينما يسير فى طريق، يلتمس الشيطان طريقًا آخر خوفًا من عمر، لأنه كان
عبدًا مخلصًا لله. والمسلم يعلم أن الجن لا تقدر على شيء إلا بإرادة الله،
كما أنها لا تعلم من غيب الله شيئًا، قال تعالى: {عالم الغيب فلا يظهر على
غيبه أحدًا. إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدًا}
[الجن: 26- 27]. فعلى المسلم أن يكون دائم الصلة بالله -عز وجل-، فمن كان
فى كنف الله -عز وجل- حماه الله من شياطين الإنس والجن فهو نعم المولى
ونعم النصير.
والمسلم يعلم أن إبليس تكبر على أمر الله -عز وجل- عندما
أمره بالسجود لآدم تكريمًا له، وقال: {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته
من طين} [الأعراف: 12]. فغضب الله عليه، وأنزله من السماء، وأخرجه من
رحمته: {قال اخرج منها مذءومًا مدحورًا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم
أجمعين} [الأعراف: 18].
والجن مكلفون بالعبادة والطاعة لله -عز وجل-
مثل الإنس ، يدل على ذلك خطاب الله -عز وجل- لهم فى القرآن، وما ورد عن
الرسول ( أنه خرج على أصحابه، فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها
فسكتوا فقال: (لقد قرأتها على الجن، فكانوا أحسن مردودًا منكم، كنت كلما
أتيت على قوله: {فبأي آلا ربكما تكذبان} [الرحمن: 13]. قالوا: لا بشيء من
نعمك ربنا نكذب، فلك الحمد) [الترمذي].
علم إبليس أن الله خلقه،
وكلَّفه وأمره، ولكنه استكبر على أمر الله. والمسلم لا يفعل هذا أبدًا،
ففي يوم القيامة يرى الناس رجلا فى النار، فيسألوه: ألم تكن تأمرنا
بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟! فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا أعمله،
وأنهاكم عن المنكر وآتيه.
والمسلم يجب أن يعلم أن الشيطان سوف يتبرأ من
أوليائه يوم القيامة، قال تعالى: {وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله
وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم
فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم} [إبراهيم: 22].
والذين ينكرون
الجن ليس لهم حجة ولا سند، فإن كانوا لا يؤمنون بالغيب فإن هناك أشياء من
الغيب لا ندركها، ولكن ندرك تأثيرها، فالكهرباء -مثلا- لا نراها، ولكن
ندرك تأثيرها، وكذلك الجاذبية والروح، فإن كانوا ينكرون هذه الأشياء،
فليمسك أحدهم بسلك من الكهرباء، ويزعم أنه غير موجود لأنه لا يراه، هذا إن
أرادوا دليلا عقليًّا، فإن أرادوا دليلا من الشرع، فيكفيهم أن
الله -عز وجل- أنزل سورة كاملة، وسماها سورة الجن، وذكرهم فى أكثر من موضع فى القرآن الكريم