ندعوكم لزيارة المكتبة والإستفادة مما تقدمه من كتب رقمية ومخطوطات ورسائل جامعية وغير ذلك
http://www.al-kawkab.net/
نقل التجار السوريون الأساطير البابلية و السورية والمصرية إلى بلاد الإغريق، ومن تلك الأساطير قصة أيوب البابلي، وهي قصة تطرح مواضيع فلسفية حول القضاء والقدر، وأسئلة محيرة حول العناية الإلهية،
مثل: ما هو سر الألم في الوجود الإنساني؟ ولماذا يشقى الناس؟ ولماذا تدع العناية الإلهية العادلة الرجل التقي الورع يتألم؟ ولما لا تنصفه؟ وما العلاقة بين الألم وعدل الآلهة؟ وعنوان القصة الأصلي «تعالوا لنمجد الآلهة». يقول: «الرجل الصالح ذو السلطة والثروة، والذي أصابته المحن والأمراض، ولكن ذلك الألم والشقاء لم يزعزع اعتقاده بالرب خالقه، على الرغم من صلواته المتواصلة ودعواته الصادقة، ونبوءات العرافين والكهنة. أخذ هذا الرجل يتساءل عن السر، ولكنه لم يشك في عدالة الرب».
وقد أجاب على أسئلته الفيلسوف السوري زينون الأكتيومي «336 – 264 ق.م»، وهو الذي ابتدع المذهب الرواقي.
اشتهر زينون ببساطته، إن كان في حياته الخاصة، أو في تعامله مع الآخرين. كانت الفضيلة شرطاً أساسياً للسعادة في فلسفة زينون، كما أنه أكد على مجاهدة النفس. اعترف واقتنع بأن وطن الإنسان هو العالم، حيث لا دستور ولا قوانين موضوعة، بل يعيش جميع الناس في أمة واحدة وفي مجتمع واحد يسودهما الانسجام الناشئ عن الغرائز الطبيعية المستقيمة والنقية.
لم يكن أحد في عصره، إلا وقد لمس هذا التحول في الفكر والفلسفة الأثينيين. ولذلك فقد رفعه الأثينيون إلى مقام كبير يستحقه، فأعطوه مفاتيح مدينتهم، وجعلوه أحد رموزهم، وقدموا له تاجاً من ذهب، ونصبوا له تمثالاً من البرونز.
ومن الوقائع الهامة وذات الأثر الحضاري الهام في غرب المتوسط، أسطورة قدموس ذات الأصل التاريخي. كان قدموس ابناً لملك صور المدعو «أجنور» وأخاً لأوربا، وعندما خطف الإله زيوس أوربا من أهلها، أرسل أجنور الملك ولده قدموس ليفتش عنها ويعيدها إلى صور.
وطبقاً لرواية هيرودوت، نقل قدموس من بلاده الحروف الهجائية وكانت الحروف الإغريقية منقولة عن الحروف الفينيقية، لأن ترتيب الحروف هو نفس الترتيب في كلا اللغتين. إلا أن المؤرخ الإنكليزي هول R. Hall وهو المتخصص في دراسة هذا الموضوع، يرى أن الحروف الهجائية اليونانية مصدرها هو الآرامية وليس الفينيقية، لأن الألف والبتا يشبهان اللفظ الآرامي، وقد انتقلتْ منذ النصف الأول من القرن الثامن إلى اليونان عن طريق قبرص أو عن طريق سارديس في آسيا الصغرى.
أحدثتْ الكتابة ثورة معرفية في النصف الغربي للمتوسط، منذ أن دخلتْ إلى اليونان وروما حوالي عام 700 ق.م، وكانت الكتابة قد رافقت نشوء المدن الكبرى، مثل روما التي بنيت في زمن الملك أنكوس ماركيوس «640 – 614 ق.م»؛ حيث بني الفوروم في وسط المدينة، وآثار الفوروم الباقية اليوم تعود إلى زمن متأخر إلى عهد الملك تراجان «98 – 117م»، وقد صممه وبناه المهندس المعماري السوري الدمشقي أبولودور الدمشقي «60 – 125م»، الذي كان معمارياً وفناناً مبدعاً، ترك عدة آثار رائعة، حتى قال مؤرخٌ لاتيني: «إن أبولودور الدمشقي رفع عمائر في الأرض كلها». ومن تلك الروائع عمود تراجان، أعجوبة روما الحديثة، أنجزه عام 113م، وخلد فيه أعمال تراجان. وقد استوحى فيه الأسلوب الآشوري في النحت، حتى قال مورتيمر هويلر: «إن هذا العمود أعظم إنجازات الفن التاريخي الروماني».
وأنجز أبولودور الدمشقي على الدانوب جسراً، لم تزل آثاره إلى اليوم، حتى قال عنه الشاعر الروماني الشهير جوفينال: «إن نهر العاصي السوري أخذ يصب مياهه، منذ وقت طويل في نهر التيبر حاملاً معه لغته وعاداته». وفي وسط المدينة، في الطرف الآخر على الرابية، بني الكوميتوم، لكي يكون مركزاً للاجتماعات السياسية. وفي زمن تراجان، أنجز أبولودور الدمشقي السوق على سفح رابية الكوريزبناس، ودار العدل.
ومن الأساطير السورية، التي انتقلت إلى اليونان، ولعبتْ دوراً هاماً، ملحمة الشاعر السوري مليا قراتا «140 – 70 ق.م»، الذي أنشد الحب في أجمل قصائده، وطلب أن يكتب على قبره القول التالي «إن سورية هي مسقط رأسي، وإن صور هي التي ربتني، وإن كان مولدي في بلدة قدارة الأتيكية اليونانية. أيها الغريب: أنا مليا قراتا، لا تتعجب!! ألا نسكن كلنا بلاداً واحدة هي العالم؟!». وقد وضع الباحث الفرنسي فيكتور برارد كتاباً ضخماً تحت عنوان «الفينيقيون والأوديسة» عام 1903م،
حاول فيه أن يثبت أوصافاً عدة عن الأماكن الواردة في الأوديسة، تنطبق على أوصاف الساحل السوري كما تتشابه فيها أسماء المدن التي ردها بسهولة إلى جذر آرامي.
إن الثقافة السورية هي ثقافة غنية. قال المؤرخ اللبناني فيليب حتي: «إن تاريخ سورية بمفهومه الجغرافي، هو من جهة معينة، تاريخ العالم بصورة مصغرة». وعلق على قوله هذا المؤرخ أسد الأشقر: «إن أي إنسان غربي متمدن، يمكنه أن يدعي الانتساب إلى بلدين: بلده الأصلي، وسورية». على أساس هذا الرأي يمكننا القول: إن الثقافة السورية هي الثقافة التي غذتْ الحضارة الإنسانية بالأصول الأولى للمعرفة «الدين والرياضيات والفلك والفلسفة والفن»، وكان للمثلث الحضاري المتوسطي دورٌ كبيرٌ في تقدم البشرية.
يرى أرنولد توينبي، أن الحضارات لا يجوز النظر إليها كأجزاء مستقلة، الواحدة عن الأخرى، ولا يمكن النظر إلى هذه المسيرة بمعزل عن الحضارة السورية خاصة، وأن العالم العربي الذي شكل منذ القدم مداه الحيوي في الهلال الخصيب الذي يعتبر نقطة جذب والتقاء وصدام وممراً إجبارياً للتجمعات البشرية، ودائرة تقاطع الطرق القديمة، طرق الحرير الكبرى وطرق التوابل والعطور.
ومن أبرز مزايا الشعب السوري، أنه كان دائماً يطبع غزاة بلاده بطابعه الحضاري الخاص، كما حدث للحضارتين اليونانية والرومانية. يقول المفكر التركي حلمي زيا أولكن «1901 – 1980م»: «مجّدَ الإغريق العقل، ومثلوه بالعالم فوق الطبيعي، واستبدلوه بآلهة الميثولوجيا، وخلقوا منه نموذجاً للرجل الحكيم «الفيلسوف» الذي يعيش وفقاً للنظام الكوني، مخضعاً هواه لعقله. وهكذا شهدنا امتزاجاً بين الفكر اليوناني والفكر السوري المتمثل بالعقل والضمير والعدالة والمحبة».
الثورة
كوكب المعرفة
http://www.al-kawkab.net/