عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم
على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخوانا ، المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا
يخذله ولا يحقره ، التقوى هاهنا – ويشير إلى صدره ثلاث مرات – بحسب امريء
من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله
وعرضه ) رواه مسلم .
الشرح
الأخوة
الإسلامية شجرة وارفة الظلال ، يستظل بفيئها من أراد السعادة ، إنها شجرة
تؤتي أكلها كل حين ، شهيّة ثمارها ، طيّبة ريحها ، تأوي إليها النفوس
الظمأى ، لترتوي منها معاني الود والمحبة ، والألفة والرحمة .
إنها
ليست مجرد علاقة شخصية ، ولكنها رابطة متينة ، قائمة على أساس من التقوى
وحسن الخلق ، والتعامل بأرقى صوره ، وهي في الوقت ذاته معلم بارز ، ودليل
واضح على تلاحم لبنات المجتمع ووحدة صفوفه ، وحسبك أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قد ربط الأخوة بالإيمان ، وجعل رعايتها من دلائل قوته وكماله ،
ولا عجب حينئذٍ أن يأتي الإسلام بالتدابير الكافية التي تحول دون تزعزع
أركان هذه الأخوّة .
وفي
ضوء ذلك ، جاء هذا الحديث العظيم لينهى المؤمنين عن جملة من الأخلاق
الذميمة ، والتي من شأنها أن تعكر صفو الأخوة الإسلاميّة ، وتزرع الشحناء
والبغضاء في نفوس أهلها ، وتثير الحسد والتدابر ، والغش والخداع ، وأخلاقاً
سيئة أخرى جاء ذكرها في الحديث .
فقد
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسد ، ولا عجب في ذلك ! ، فإنه أول
معصية وقعت على الأرض ، وهو الداء العضال الذي تسلل إلينا من الأمم الغابرة
، فأثمر ثماره النتنة في القلوب ، وأي حقد أعظم من تمني زوال النعمة عن
الآخرين ؟ ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( دب إليكم داء الأمم : الحسد والبغضاء ، ألا إنها هي الحالقة ، لا أقول تحلق الشعر ، ولكن تحلق الدين ) رواه الترمذي .
وعلاوة
على ذلك ، فإن الحسد في حقيقته تسخّط على قضاء الله وقدره ، واعتراضٌ على
تدبير الله وقسمته للأرزاق والأقوات ، وهذه جناية عظيمة في حق الباري تبارك
وتعالى ، وقد قال بعضهم :
ألا قل لمن ظل لي حاسـد أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في حكمه لأنك لم ترض لي مــا وهب
ومما
جاء النهي عنه في الحديث : النجش ، وأصل النجش : استخدام المكر والحيلة ،
والسعي بالخديعة لنيل المقصود والمراد ، ولا شك أن هذا لون من ألوان الغش
المحرم في الشرع ، والمذموم في الطبع ، إذ هو مناف لنقاء السريرة التي هي
عنوان المسلم الصادق ، وزد على ذلك أن في التعامل بها كسرٌ لحاجز الثقة بين
المؤمنين .
والنجش
لفظة عامة ، تشمل كل صور المخادعة والتحايل ، لكن أشهر صورها النجش في
البيع ، ويكون ذلك إذا أراد شخص أن يعرض سلعة في السوق رغبةً في بيعها ،
فيتفق مع أشخاص آخرين ، بحيث يُظهرون للمشتري رغبتهم في شراء هذه السلعة من
البائع بسعر أكبر ، مما يضطر المشتري إلى أن يزيد في سعر السلعة ، فهذا
وإن كان فيه منفعة للبائع فهو إضرار بالمشتري وخداع له .
ومن
الآفات التي جاء ذمها في الحديث ، البغضاء بين المؤمنين ، والتدابر
والتهاجر ، والاحتقار ونظرات الكبر ، وغيرها من الأخلاق المولّدة للشحناء ،
والمسبّبة للتنافر .
والإسلام
إذ ينهى عن مثل هذه المسالك المذمومة ؛ فإنه يهدف إلى رعاية الإخاء
الإسلامي ، وإشاعة معاني الألفة والمحبة ؛ حتى يسلم أفراد المجتمع من عوامل
التفكك وأسباب التمزق ، فتقوى شوكتهم ، ويصبحوا يدا واحدة على أعدائهم ؛
فالمؤمن ضعيف بنفسه ، قوي بإخوانه ، ومن هنا جاء التوجيه في محكم التنزيل
بالاعتصام بحبل الله ، والوحدة على منهجه ، ونبذ كل مظاهر الفرقة والاختلاف
، يقول الله عزوجل في كتابه : { واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا } ( آل عمران : 103 ) .
ولن
تبلغ هذه الوحدة مداها حتى يرعى المسلم حقوق إخوانه المسلمين ، ويؤدي ما
أوجبه الله عليه تجاههم ، ولتحقيق ذلك لابد من مراعاة جملة من الأمور ، فمن
ذلك : العدل معهم ، والمسارعة في نصرتهم ونجدتهم بالحقّ في مواطن الحاجة ،
كما قال الله عزوجل في كتابه : { وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر } ( الأنفال : 72 ) ، وقد حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ، ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( انصر أخاك ظالما أو مظلوما ، فقال رجل : يا رسول الله أنصره إذا كان
مظلوما ، أفرأيت إذا كان ظالماً ، كيف أنصره ؟ ، قال : تمنعه من الظلم ؛
فإن ذلك نصره ) .
ثم توّج النبي صلى الله عليه وسلم حديثه بالتذكير بحرمة المؤمن فقال : ( كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه )
فالمسلم مأمور بالحفاظ على حرمات المسلمين ، وصيانة أعراضهم وأموالهم
وأعراضهم ، فلا يحل له أن يصيب من ذلك شيئا بغير حق ، وحسبك أن النبي صلى
الله عليه وسلم اختار أشرف البقاع وأشرف الأيام ، وتحيّن موقف الحاجة إلى
الموعظة ، لينبّه الناس إلى ذلك الأمر العظيم ، لقد خطب الناس يوم النحر
فقال : ( يا أيها الناس ، أي يوم هذا ؟ ) ، قالوا : يوم حرام ، قال : ( فأي بلد هذا ؟ ) ، قالوا : بلد حرام ، قال : ( فأي شهر هذا ؟ ) ، قالوا : شهر حرام ، قال : ( فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في بلدكم هذا ، في شهركم هذا ) .
فإذا
رعى المسلمون تلك المباديء التي أصلها هذا الحديث ، وصارت أخوّتهم واقعا
ملموسا ، فسوف نشهد أيّاما من العزة والرفعة لهذه الأمة ، وسوف يصبح
التمكين لها قاب قوسين أو أدنى ، بإذن الله تعالى .
( لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم
على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخوانا ، المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا
يخذله ولا يحقره ، التقوى هاهنا – ويشير إلى صدره ثلاث مرات – بحسب امريء
من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله
وعرضه ) رواه مسلم .
الشرح
الأخوة
الإسلامية شجرة وارفة الظلال ، يستظل بفيئها من أراد السعادة ، إنها شجرة
تؤتي أكلها كل حين ، شهيّة ثمارها ، طيّبة ريحها ، تأوي إليها النفوس
الظمأى ، لترتوي منها معاني الود والمحبة ، والألفة والرحمة .
إنها
ليست مجرد علاقة شخصية ، ولكنها رابطة متينة ، قائمة على أساس من التقوى
وحسن الخلق ، والتعامل بأرقى صوره ، وهي في الوقت ذاته معلم بارز ، ودليل
واضح على تلاحم لبنات المجتمع ووحدة صفوفه ، وحسبك أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قد ربط الأخوة بالإيمان ، وجعل رعايتها من دلائل قوته وكماله ،
ولا عجب حينئذٍ أن يأتي الإسلام بالتدابير الكافية التي تحول دون تزعزع
أركان هذه الأخوّة .
وفي
ضوء ذلك ، جاء هذا الحديث العظيم لينهى المؤمنين عن جملة من الأخلاق
الذميمة ، والتي من شأنها أن تعكر صفو الأخوة الإسلاميّة ، وتزرع الشحناء
والبغضاء في نفوس أهلها ، وتثير الحسد والتدابر ، والغش والخداع ، وأخلاقاً
سيئة أخرى جاء ذكرها في الحديث .
فقد
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسد ، ولا عجب في ذلك ! ، فإنه أول
معصية وقعت على الأرض ، وهو الداء العضال الذي تسلل إلينا من الأمم الغابرة
، فأثمر ثماره النتنة في القلوب ، وأي حقد أعظم من تمني زوال النعمة عن
الآخرين ؟ ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( دب إليكم داء الأمم : الحسد والبغضاء ، ألا إنها هي الحالقة ، لا أقول تحلق الشعر ، ولكن تحلق الدين ) رواه الترمذي .
وعلاوة
على ذلك ، فإن الحسد في حقيقته تسخّط على قضاء الله وقدره ، واعتراضٌ على
تدبير الله وقسمته للأرزاق والأقوات ، وهذه جناية عظيمة في حق الباري تبارك
وتعالى ، وقد قال بعضهم :
ألا قل لمن ظل لي حاسـد أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في حكمه لأنك لم ترض لي مــا وهب
ومما
جاء النهي عنه في الحديث : النجش ، وأصل النجش : استخدام المكر والحيلة ،
والسعي بالخديعة لنيل المقصود والمراد ، ولا شك أن هذا لون من ألوان الغش
المحرم في الشرع ، والمذموم في الطبع ، إذ هو مناف لنقاء السريرة التي هي
عنوان المسلم الصادق ، وزد على ذلك أن في التعامل بها كسرٌ لحاجز الثقة بين
المؤمنين .
والنجش
لفظة عامة ، تشمل كل صور المخادعة والتحايل ، لكن أشهر صورها النجش في
البيع ، ويكون ذلك إذا أراد شخص أن يعرض سلعة في السوق رغبةً في بيعها ،
فيتفق مع أشخاص آخرين ، بحيث يُظهرون للمشتري رغبتهم في شراء هذه السلعة من
البائع بسعر أكبر ، مما يضطر المشتري إلى أن يزيد في سعر السلعة ، فهذا
وإن كان فيه منفعة للبائع فهو إضرار بالمشتري وخداع له .
ومن
الآفات التي جاء ذمها في الحديث ، البغضاء بين المؤمنين ، والتدابر
والتهاجر ، والاحتقار ونظرات الكبر ، وغيرها من الأخلاق المولّدة للشحناء ،
والمسبّبة للتنافر .
والإسلام
إذ ينهى عن مثل هذه المسالك المذمومة ؛ فإنه يهدف إلى رعاية الإخاء
الإسلامي ، وإشاعة معاني الألفة والمحبة ؛ حتى يسلم أفراد المجتمع من عوامل
التفكك وأسباب التمزق ، فتقوى شوكتهم ، ويصبحوا يدا واحدة على أعدائهم ؛
فالمؤمن ضعيف بنفسه ، قوي بإخوانه ، ومن هنا جاء التوجيه في محكم التنزيل
بالاعتصام بحبل الله ، والوحدة على منهجه ، ونبذ كل مظاهر الفرقة والاختلاف
، يقول الله عزوجل في كتابه : { واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا } ( آل عمران : 103 ) .
ولن
تبلغ هذه الوحدة مداها حتى يرعى المسلم حقوق إخوانه المسلمين ، ويؤدي ما
أوجبه الله عليه تجاههم ، ولتحقيق ذلك لابد من مراعاة جملة من الأمور ، فمن
ذلك : العدل معهم ، والمسارعة في نصرتهم ونجدتهم بالحقّ في مواطن الحاجة ،
كما قال الله عزوجل في كتابه : { وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر } ( الأنفال : 72 ) ، وقد حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ، ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( انصر أخاك ظالما أو مظلوما ، فقال رجل : يا رسول الله أنصره إذا كان
مظلوما ، أفرأيت إذا كان ظالماً ، كيف أنصره ؟ ، قال : تمنعه من الظلم ؛
فإن ذلك نصره ) .
ثم توّج النبي صلى الله عليه وسلم حديثه بالتذكير بحرمة المؤمن فقال : ( كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه )
فالمسلم مأمور بالحفاظ على حرمات المسلمين ، وصيانة أعراضهم وأموالهم
وأعراضهم ، فلا يحل له أن يصيب من ذلك شيئا بغير حق ، وحسبك أن النبي صلى
الله عليه وسلم اختار أشرف البقاع وأشرف الأيام ، وتحيّن موقف الحاجة إلى
الموعظة ، لينبّه الناس إلى ذلك الأمر العظيم ، لقد خطب الناس يوم النحر
فقال : ( يا أيها الناس ، أي يوم هذا ؟ ) ، قالوا : يوم حرام ، قال : ( فأي بلد هذا ؟ ) ، قالوا : بلد حرام ، قال : ( فأي شهر هذا ؟ ) ، قالوا : شهر حرام ، قال : ( فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في بلدكم هذا ، في شهركم هذا ) .
فإذا
رعى المسلمون تلك المباديء التي أصلها هذا الحديث ، وصارت أخوّتهم واقعا
ملموسا ، فسوف نشهد أيّاما من العزة والرفعة لهذه الأمة ، وسوف يصبح
التمكين لها قاب قوسين أو أدنى ، بإذن الله تعالى .