أهمُّ شرط لنجاح الدعوة الإخلاصُ؛ وتجريدُ القلب من الأغراض الدنيوية
والأهواء الشخصية، فإن كثيرًا من هذه الأغراض أو من هذه الأهواء تتسلل
خُفْيةً دون أن يحسَّ بها المُبْتَلَى بها في كثير من الأحيان، وحينئذ
يصدق عليه قولُ القائل:
إنْ كنْتَ لا تدرِي فتلك مصيبةٌ *** أو كنْتَ تدري فالمصيبة أعظمُ
ومن أبرز هذه الأهواء الخفية حبُّ الثناء والمدح، فما من أحد إلا وهو
يحب أن يُثنِي عليه الناسُ ويمدحوه، هذه طبيعةٌ بشرية، ولذلك لما نزل قوله
- تعالى -: (لا تَحْسَبَنَّ الَّذينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا
ويُحِبُّونَ أنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ
بِمَفَازَةٍ مِنَ العَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (آل عمران: 188)
قال ثابت بن قيس الأنصاري - رضي الله عنه -: "يا رسول الله لقد خشيتُ أن
أكونَ هلكتُ. قال: ((وَلِمَ؟)) قال: نهى الله المرءَ أن يحبَّ أن يُحْمَدَ
بما لم يفعل وأَجِدُنِي أُحِبُّ الحَمْدَ، ونَهَى الله عن الخيلاء
وأَجِدُنِي أُحِبُّ الجمالَ، ونَهَى الله أن نرفع أصواتنا فوق صوتك وأنا
امرؤٌ جَهِيرُ الصوت. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أما ترضى
أن تعيش حميدًا، وتُقْتَلَ شهيدًا، وتدخلَ الجنة)) فقال: بلى يا رسول
الله. فعاش حميدًا وقُتِلَ شهيدًا يومَ مسيلمة الكذاب".
فهذا القَدْرُ هو من الطبيعة البشرية السوية وهو أن يحب أن يَحْمَدَهُ
الناسُ ويكره أن يَذُمُّوه، لكنه إذا تمادى في الانسياق وراءَ ذلك فصار
يحب أن يُحْمَدَ بما لم يفعل، أي أن ينتحل عَمَلَ غيره، أو أن يبالغ
الناسُ في مدحه بما ليس فيه فعندئذ دخل في حدود المحرمات، ووقع فريسة
الآفات المهلكات، التي تُحْبِطُ العملَ، وتُفْشِلُ الدعوةَ، ولعل هذا من
أسباب عدم التأثير، فما أكثر الذين يتحركون ولكن ليس في حركتهم بركة، وما
أكثر الذين يثرثرون ولكن ليس لكلامهم طعم..
سمع الحسنُ البصري خطيبًا فلما انتهى قال له: يا هذا أقَلْبُكَ المريضُ أمْ قلبِي فإنِّي لم أَذُقْ لكلامك طعمًا.