السلام عليكم : أحبتي في الله اليكم موضوع جدا مهم
ملخص الخطبة
1- معنى الصَّبر. 2- صور للصَّبر على المصائب. 3- ضرورة الصَّبر لحياتنا. 4- أنواع الصَّبر. 5- موقف المسلم من الصَّبر.
الخطبة الأولى
قال -تعالى-: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّـهِ ۚ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ}
[الأنعام: 34]. جرت سنَّة الله -تعالى- أنَّ الأنبياء ومن سار على دربهم
هم أشدُّ النَّاس بلاءً، والصَّبر هو ملجأ الأنبياء وأصحاب البلاء في كلِّ
زمانٍ ومكانٍ.
فما الصَّبر؟ وهل نحن بحاجة إلى الصَّبر؟ وما أنواعه؟ وما موقفنا منه؟
أمَّا الصَّبر: فهو حبس النَّفس على ما يقتضيه الشَّرع، في عقولنا فنوقن بقصورها عن الإحاطة بحكمة الله -عزَّ وجلَّ- فيما قضى وقدر: {وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}
[البقرة: 216]. وفي ألسنتنا فلا نتجاوز ما أخبر به الحقُّ عن أوليائه عند
المصيبة قولهم: {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون}
[البقرة: 156]. وفي الجوارح فلا تظهر التَّسخُّط للحديث: «ليس منَّا من لطم الخدود، وشقَّ الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية» [1]. وللحديث: «إنَّما الصَّبر عند الصَّدمة الأولى» [2].
وأما هل نحن بحاجة إلى الصَّبر؟
1-
فنعم؛ ذلك لأنَّ الدُّنيا دار بلاء وهموم وغموم تذيب القلب وتطحن البدن
فيعقوب -عليه السَّلام- فقد بصره من كثرة بكائه لفقده يوسف -عليه
السَّلام- فلم يجد غير الشَّكوى إلى الله والصَّبر ملجأ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّـهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18]. سئل الإمام علي:
ما أشدُّ جند الله -عزَّ وجلَّ-؟ فقال: الجبال، والحديد يقطع الجبال
فالحديد أقوى، والنَّار تذيب الحديد فالنَّار أقوى، والماء يطفئ النَّار
فالماء أقوى، والسَّحاب يحمل الماء فالسَّحاب أقوى، والرِّيح يعبث
بالسَّحاب فالرِّيح أقوى، والإنسان يتكفى الرِّيح بثوبه ويده فالإنسان
أقوى والنَّوم يغلب الإنسان فالنَّوم أقوى، والهم يغلب النَّوم فالهمّ
أقوى فأقوى جند الله -عزَّ وجلَّ- الهمّ".
2-
ونحن بحاجة إلى الصَّبر؛ لأنَّ مشيئة الله نافذةٌ، فما شاء الله كان وما
لم يشأ لم يكن، ومن أنت حتَّى تعترض على قضاء الله وأمره جاء في الحديث
القدسي: «عبدي أنت تريد وأنا أريد ولا يكون
إلا ما أريد فإذا رضيت عما أريد كفيتك ما تريد وإن لم ترض بما أريد أتعبتك
فيما تريد ولا يكون إلا ما أريد».
وأمَّا أنواع الصَّبر:
الصَّبر على الطَّاعة:
صلتنا بالله ليست صلة أيَّام ومواسم كالَّذين لا يعرفون الله إلا في رمضان
فإذا خرج رمضان خرجوا كالأنعام إلى شهواتهم. غايتنا أن نلقى الله -تعالى-
عن كلمة لا إله إلا الله محمَّد رسول الله، قال -سبحانه-: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99] أي الموت، وقال: {رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ ۚ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}
[مريم: 65]. وكلَّما ازداد العبد صبرًا على الطَّاعة ازداد حبًّا لها
وشوقًا فهذا أحد الصَّالحين يفرش له فراشه بعد صلاة العشاء فيضع يده عليه
ويقول: "والله إنك للين ولكن فراش الجنَّة ألين منك ثمَّ يقوم إلى صلاته
إلى الفجر، حتَّى يسأل عمر ما أحبُّ شيء إلى نفسه؟ فيقول: "ضرب السَّيف
وصيام بالصَّيف"، ورسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول: «ألا
أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدَّرجات؟ قالوا: بلى، يا
رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد،
وانتظار الصَّلاة بعد الصَّلاة، فذلكم الرِّباط» [3].
أ- قبل العمل: بأن تكون النِّيَّة خالصةٌ لله: «إنَّما الأعمال بالنِّيَّات» [4].
ب- عند العمل: فلا يكسل ولا يفتر: «أحبُّ الأعمال إلى الله -تعالى- أدومها وإن قل» [5].
ج- وعند الفراغ منه فلا يمنُّ به ولا يطلب به سمعةً: {مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160].
الصَّبر عن المعصية: فتحفظ نفسك عن كلِّ ما يد*-تم الحذف. كلمة غير محترمة لا يسمح بها في هذا المنتدى-* من المعصية في بصرك، وفي لسانك: «فأخذ
بلسانه، قال: كفَّ عليك هذا. فقلت: يا نبيَّ الله وإنَّا لمؤاخذون بما
نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمُّك يا معاذ، وهل يكبُّ النَّاس في النَّار على
وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم» [6]. وفي بطنك فلا يدخلها حرام. وفي فرجك فلا تزني للحديث: «من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنَّة» [7].
رحم الله أحد الأصحاب وكان يشعل سراجًا ثمَّ يضع إصبعه عليه ويقول: "حس حس ألم تفعل ذنب كذا، ألم تفعل ذنب كذا".
الصَّبر على المصائب: والمسلم موقنٌ بقدم ما كتبه الله على عبيده للحديث: «كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السَّماوات والأرض بخمسين ألف سنة» [8] ولله درُّ الشافعي إذ يقول:
دع الأيَّام تفعل ما تشاء***وطب نفسًا إذ حكم القضاء
ولا تجـزع لحادثة الليالي***فما لحوادث الدُّنيا بقاء
وكن رجلًا على الأهوال جلدًا***وشيمتك السَّماحة والوفاء
وأرض الله واسعـةٌ ولكن***إذا نزل القضا ضاق الفضاء
فهذا
أيوب -عليه السَّلام- ابتلي في نفسه وولده وماله وتسأله زوجه أن يسأل الله
كشف الضُِّّر وهو النَّبيُّ المستجابة دعوته فيقول لها: "كم مضى علينا في
عافية "فتقول: "ستين سنة"، فيقول لها: فإني أستحي أن أسأل ربِّي العافية
وما بلغنا في البلاء ما بلغناه في عافية". فالصَّحة أعوام والمرض أيَّام،
والعافية سنوات والبلاء ساعات وكلُّها تمضي وتكون شيئًا من الماضي كما قال
الشَّاعر:
يا صاحب الهمِّ إنَّ الهمَّ منفرج***أبشر بخير فإن الكاشف الله
سهرت عيون و نامت عيون***في أمور تكون أو لا تكون
إنَّ الَّذي كفاك بالأمـس همًّا***يكفيك غدًا مـا سيكون
وأما موقفنا من الصبر:
فعلينا
أن نوقن أنَّ العاقبة للصَّابرين المتَّقين: فهذا يوسف -عليه السَّلام-
تآمر عليه إخوته فصبر، وألقي في البئر فصبر، وبيع بيع العبيد وهو الحرُّ
فصبر، وعمل خادمًا في قصر وهو الشَّريف فصبر، واتهم في عرضه وهو العفيف
فصبر، وسجن وهو البريء فصبر، فأبلغه الله بعد ذلك المنزلة العالية حيث جعل
أرزاق النَّاس وحاجتهم إليه في المؤونة حتَّى جاءه إخوته بائسين محتاجين
الذين قالوا بالأمس: {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا} [يوسف: 9]. هم الَّذين يقولون اليوم: {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّ اللَّـهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} [يوسف: 88].
واعلم أنَّه لا صبر إلا بيقينٍ بالله وحكمته وعدله، وباليوم الآخر وما فيه من جزاءٍ وحسابٍ عادلٍ للحديث: «ما
من عبدٍ تصيبه مصيبةٌ فيقول: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون. اللهمَّ أجرني
في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها إلا أجره الله في مصيبته، وأخلف له خيرًا
منها» [9].
ومن الدُّعاء المأثور عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلَّم- قوله: «ومن اليقين ما تهوِّن به علينا مصيبات الدُّنيا» [10].
1- معنى الصَّبر. 2- صور للصَّبر على المصائب. 3- ضرورة الصَّبر لحياتنا. 4- أنواع الصَّبر. 5- موقف المسلم من الصَّبر.
الخطبة الأولى
قال -تعالى-: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّـهِ ۚ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ}
[الأنعام: 34]. جرت سنَّة الله -تعالى- أنَّ الأنبياء ومن سار على دربهم
هم أشدُّ النَّاس بلاءً، والصَّبر هو ملجأ الأنبياء وأصحاب البلاء في كلِّ
زمانٍ ومكانٍ.
فما الصَّبر؟ وهل نحن بحاجة إلى الصَّبر؟ وما أنواعه؟ وما موقفنا منه؟
أمَّا الصَّبر: فهو حبس النَّفس على ما يقتضيه الشَّرع، في عقولنا فنوقن بقصورها عن الإحاطة بحكمة الله -عزَّ وجلَّ- فيما قضى وقدر: {وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}
[البقرة: 216]. وفي ألسنتنا فلا نتجاوز ما أخبر به الحقُّ عن أوليائه عند
المصيبة قولهم: {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون}
[البقرة: 156]. وفي الجوارح فلا تظهر التَّسخُّط للحديث: «ليس منَّا من لطم الخدود، وشقَّ الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية» [1]. وللحديث: «إنَّما الصَّبر عند الصَّدمة الأولى» [2].
وأما هل نحن بحاجة إلى الصَّبر؟
1-
فنعم؛ ذلك لأنَّ الدُّنيا دار بلاء وهموم وغموم تذيب القلب وتطحن البدن
فيعقوب -عليه السَّلام- فقد بصره من كثرة بكائه لفقده يوسف -عليه
السَّلام- فلم يجد غير الشَّكوى إلى الله والصَّبر ملجأ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّـهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18]. سئل الإمام علي:
ما أشدُّ جند الله -عزَّ وجلَّ-؟ فقال: الجبال، والحديد يقطع الجبال
فالحديد أقوى، والنَّار تذيب الحديد فالنَّار أقوى، والماء يطفئ النَّار
فالماء أقوى، والسَّحاب يحمل الماء فالسَّحاب أقوى، والرِّيح يعبث
بالسَّحاب فالرِّيح أقوى، والإنسان يتكفى الرِّيح بثوبه ويده فالإنسان
أقوى والنَّوم يغلب الإنسان فالنَّوم أقوى، والهم يغلب النَّوم فالهمّ
أقوى فأقوى جند الله -عزَّ وجلَّ- الهمّ".
2-
ونحن بحاجة إلى الصَّبر؛ لأنَّ مشيئة الله نافذةٌ، فما شاء الله كان وما
لم يشأ لم يكن، ومن أنت حتَّى تعترض على قضاء الله وأمره جاء في الحديث
القدسي: «عبدي أنت تريد وأنا أريد ولا يكون
إلا ما أريد فإذا رضيت عما أريد كفيتك ما تريد وإن لم ترض بما أريد أتعبتك
فيما تريد ولا يكون إلا ما أريد».
وأمَّا أنواع الصَّبر:
الصَّبر على الطَّاعة:
صلتنا بالله ليست صلة أيَّام ومواسم كالَّذين لا يعرفون الله إلا في رمضان
فإذا خرج رمضان خرجوا كالأنعام إلى شهواتهم. غايتنا أن نلقى الله -تعالى-
عن كلمة لا إله إلا الله محمَّد رسول الله، قال -سبحانه-: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99] أي الموت، وقال: {رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ ۚ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}
[مريم: 65]. وكلَّما ازداد العبد صبرًا على الطَّاعة ازداد حبًّا لها
وشوقًا فهذا أحد الصَّالحين يفرش له فراشه بعد صلاة العشاء فيضع يده عليه
ويقول: "والله إنك للين ولكن فراش الجنَّة ألين منك ثمَّ يقوم إلى صلاته
إلى الفجر، حتَّى يسأل عمر ما أحبُّ شيء إلى نفسه؟ فيقول: "ضرب السَّيف
وصيام بالصَّيف"، ورسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول: «ألا
أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدَّرجات؟ قالوا: بلى، يا
رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد،
وانتظار الصَّلاة بعد الصَّلاة، فذلكم الرِّباط» [3].
أ- قبل العمل: بأن تكون النِّيَّة خالصةٌ لله: «إنَّما الأعمال بالنِّيَّات» [4].
ب- عند العمل: فلا يكسل ولا يفتر: «أحبُّ الأعمال إلى الله -تعالى- أدومها وإن قل» [5].
ج- وعند الفراغ منه فلا يمنُّ به ولا يطلب به سمعةً: {مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160].
الصَّبر عن المعصية: فتحفظ نفسك عن كلِّ ما يد*-تم الحذف. كلمة غير محترمة لا يسمح بها في هذا المنتدى-* من المعصية في بصرك، وفي لسانك: «فأخذ
بلسانه، قال: كفَّ عليك هذا. فقلت: يا نبيَّ الله وإنَّا لمؤاخذون بما
نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمُّك يا معاذ، وهل يكبُّ النَّاس في النَّار على
وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم» [6]. وفي بطنك فلا يدخلها حرام. وفي فرجك فلا تزني للحديث: «من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنَّة» [7].
رحم الله أحد الأصحاب وكان يشعل سراجًا ثمَّ يضع إصبعه عليه ويقول: "حس حس ألم تفعل ذنب كذا، ألم تفعل ذنب كذا".
الصَّبر على المصائب: والمسلم موقنٌ بقدم ما كتبه الله على عبيده للحديث: «كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السَّماوات والأرض بخمسين ألف سنة» [8] ولله درُّ الشافعي إذ يقول:
دع الأيَّام تفعل ما تشاء***وطب نفسًا إذ حكم القضاء
ولا تجـزع لحادثة الليالي***فما لحوادث الدُّنيا بقاء
وكن رجلًا على الأهوال جلدًا***وشيمتك السَّماحة والوفاء
وأرض الله واسعـةٌ ولكن***إذا نزل القضا ضاق الفضاء
فهذا
أيوب -عليه السَّلام- ابتلي في نفسه وولده وماله وتسأله زوجه أن يسأل الله
كشف الضُِّّر وهو النَّبيُّ المستجابة دعوته فيقول لها: "كم مضى علينا في
عافية "فتقول: "ستين سنة"، فيقول لها: فإني أستحي أن أسأل ربِّي العافية
وما بلغنا في البلاء ما بلغناه في عافية". فالصَّحة أعوام والمرض أيَّام،
والعافية سنوات والبلاء ساعات وكلُّها تمضي وتكون شيئًا من الماضي كما قال
الشَّاعر:
يا صاحب الهمِّ إنَّ الهمَّ منفرج***أبشر بخير فإن الكاشف الله
سهرت عيون و نامت عيون***في أمور تكون أو لا تكون
إنَّ الَّذي كفاك بالأمـس همًّا***يكفيك غدًا مـا سيكون
وأما موقفنا من الصبر:
فعلينا
أن نوقن أنَّ العاقبة للصَّابرين المتَّقين: فهذا يوسف -عليه السَّلام-
تآمر عليه إخوته فصبر، وألقي في البئر فصبر، وبيع بيع العبيد وهو الحرُّ
فصبر، وعمل خادمًا في قصر وهو الشَّريف فصبر، واتهم في عرضه وهو العفيف
فصبر، وسجن وهو البريء فصبر، فأبلغه الله بعد ذلك المنزلة العالية حيث جعل
أرزاق النَّاس وحاجتهم إليه في المؤونة حتَّى جاءه إخوته بائسين محتاجين
الذين قالوا بالأمس: {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا} [يوسف: 9]. هم الَّذين يقولون اليوم: {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّ اللَّـهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} [يوسف: 88].
واعلم أنَّه لا صبر إلا بيقينٍ بالله وحكمته وعدله، وباليوم الآخر وما فيه من جزاءٍ وحسابٍ عادلٍ للحديث: «ما
من عبدٍ تصيبه مصيبةٌ فيقول: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون. اللهمَّ أجرني
في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها إلا أجره الله في مصيبته، وأخلف له خيرًا
منها» [9].
ومن الدُّعاء المأثور عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلَّم- قوله: «ومن اليقين ما تهوِّن به علينا مصيبات الدُّنيا» [10].