هل خلق الله السماوات أولا ثم الأرض؟ أسأل عن ذلك
لأني حائر بسبب الآيات التالية، قوله تعالى : (هو الذي خلق لكم ما في
الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم)
البقرة/29 ، وقوله : (أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها ، رفع سمكها فسواها
، وأغطش ليلها وأخرج ضحاها ، والأرض بعد ذلك دحاها) النازعات/27-30 .
الحمد لله
دل القرآن العظيم في موضعين منه على أن الأرض مخلوقة قبل السماء ، وذلك في قوله
تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى
إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )
البقرة/29
، وقوله تعالى : ( قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي
يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ . وَجَعَلَ
فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا
فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ . ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ
وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا
أَتَيْنَا طَائِعِينَ ) فصلت/9-11
.
وهذا لا يتعارض مع قوله تعالى في سورة النازعات : ( أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا
أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا . رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا . وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا
وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا . وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا . أَخْرَجَ مِنْهَا
مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا ) النازعات/27- 31
فالأرض خلقت أولا ، غير مدحُوّة ، ثم خلقت السماء ، ثم دُحيت الأرض ، وذلك بإخراج
الماء منها والمرعى ، أي الأشجار والزراعات ونحوها .
ومعنى قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ) أي
: أصل الأرض ، مع تقدير ما سيكون عليها من أرزاق وغير ذلك . فـ (خَلَقَ) هنا بمعنى
: قدّر ، وهذا موافق لقوله في سورة فصلت : ( وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا ) .
قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله : " اعلم أولا أن ابن عباس رضي الله
عنهما سئل عن الجمع بين آية السجدة [أي آية سورة فصلت] وآية النازعات ، فأجاب بأن
الله تعالى خلق الأرض أولا قبل السماء غير مدحُوَّة ، ثم استوى إلى السماء فسواهن
سبعا في يومين ، ثم دحا الأرض بعد ذلك ، وجعل فيها الرواسي والأنهار وغير ذلك .
فأصل خلق الأرض قبل خلق السماء ، ودحوها بجبالها وأشجارها ونحو ذلك ، بعد خلق
السماء .
ويدل لهذا أنه قال : ( والأرض بعد ذلك دحاها ) ولم يقل : خلقها ، ثم فسر دحوه إياها
بقوله : ( أخرج منها ماءها ومرعاها ) وهذا الجمع الذي جمع به ابن عباس بين هاتين
الآيتين واضح لا إشكال فيه . مفهوم من ظاهر القرآن العظيم "
انتهى
.
ثم ذكر آية سورة البقرة ، وبين أن المراد بالخلق فيها : التقدير ، أو خلق أصل الأرض
.
وذكر وجها آخر للجمع ، وهو أن قوله : ( والأرض بعد ذلك دحاها ) أي مع ذلك ، فلفظة (
بعد ) بمعنى ( مع ) ، مثل قوله تعالى : ( عتل بعد ذلك زنيم ) . وهذا الجمع يُستأنس
له بالقراءة الشاذة ، وبها قرأ مجاهد ( والأرض مع ذلك دحاها ) . فتكون آية النازعات
لا ذكر فيها للترتيب بين خلق السموات والأرض ، وحينئذ فلا تعارض بينها وبين آية
البقرة وفصلت .
ينظر : "دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب"
للعلامة محمد الأمين الشنقيطي ، مطبوع مع تفسيره "أضواء البيان" (10/16- 18)
.
والله أعلم .
لأني حائر بسبب الآيات التالية، قوله تعالى : (هو الذي خلق لكم ما في
الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم)
البقرة/29 ، وقوله : (أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها ، رفع سمكها فسواها
، وأغطش ليلها وأخرج ضحاها ، والأرض بعد ذلك دحاها) النازعات/27-30 .
الحمد لله
دل القرآن العظيم في موضعين منه على أن الأرض مخلوقة قبل السماء ، وذلك في قوله
تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى
إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )
البقرة/29
، وقوله تعالى : ( قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي
يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ . وَجَعَلَ
فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا
فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ . ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ
وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا
أَتَيْنَا طَائِعِينَ ) فصلت/9-11
.
وهذا لا يتعارض مع قوله تعالى في سورة النازعات : ( أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا
أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا . رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا . وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا
وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا . وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا . أَخْرَجَ مِنْهَا
مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا ) النازعات/27- 31
فالأرض خلقت أولا ، غير مدحُوّة ، ثم خلقت السماء ، ثم دُحيت الأرض ، وذلك بإخراج
الماء منها والمرعى ، أي الأشجار والزراعات ونحوها .
ومعنى قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ) أي
: أصل الأرض ، مع تقدير ما سيكون عليها من أرزاق وغير ذلك . فـ (خَلَقَ) هنا بمعنى
: قدّر ، وهذا موافق لقوله في سورة فصلت : ( وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا ) .
قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله : " اعلم أولا أن ابن عباس رضي الله
عنهما سئل عن الجمع بين آية السجدة [أي آية سورة فصلت] وآية النازعات ، فأجاب بأن
الله تعالى خلق الأرض أولا قبل السماء غير مدحُوَّة ، ثم استوى إلى السماء فسواهن
سبعا في يومين ، ثم دحا الأرض بعد ذلك ، وجعل فيها الرواسي والأنهار وغير ذلك .
فأصل خلق الأرض قبل خلق السماء ، ودحوها بجبالها وأشجارها ونحو ذلك ، بعد خلق
السماء .
ويدل لهذا أنه قال : ( والأرض بعد ذلك دحاها ) ولم يقل : خلقها ، ثم فسر دحوه إياها
بقوله : ( أخرج منها ماءها ومرعاها ) وهذا الجمع الذي جمع به ابن عباس بين هاتين
الآيتين واضح لا إشكال فيه . مفهوم من ظاهر القرآن العظيم "
انتهى
.
ثم ذكر آية سورة البقرة ، وبين أن المراد بالخلق فيها : التقدير ، أو خلق أصل الأرض
.
وذكر وجها آخر للجمع ، وهو أن قوله : ( والأرض بعد ذلك دحاها ) أي مع ذلك ، فلفظة (
بعد ) بمعنى ( مع ) ، مثل قوله تعالى : ( عتل بعد ذلك زنيم ) . وهذا الجمع يُستأنس
له بالقراءة الشاذة ، وبها قرأ مجاهد ( والأرض مع ذلك دحاها ) . فتكون آية النازعات
لا ذكر فيها للترتيب بين خلق السموات والأرض ، وحينئذ فلا تعارض بينها وبين آية
البقرة وفصلت .
ينظر : "دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب"
للعلامة محمد الأمين الشنقيطي ، مطبوع مع تفسيره "أضواء البيان" (10/16- 18)
.
والله أعلم .