السؤال:
هناك بعض المخطوطات الإسلامية التي تقول إن الله خلق السموات والأرض من
العدم في ستة أيام ، ثم خلق آدم أبا البشر في اليوم السابع ، ثم خلق
محمداً صلى الله عليه وسلم بعد عشرة أجيال من ذلك الحين ، فعلى اعتبار أن
عمر الجيل الواحد ثلاثون سنة نضربها في تسعين مضافاً إليها المدة الزمنية
من مولد النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليوم سينتج لدينا أن الله خلق
السموات والأرض فقط منذ 4137 سنة أو عدد مقارب لهذا ، ولكن في الحقيقة هذا
لا يتوافق مع ما يقوله العلماء والمختصون إذ يقولون إن عمر الأرض أكثر من
ثلاثة بلايين سنة ، فما القول الفصل في هذه المسألة ؟ .
الجواب :
الحمد لله
أولاً:
إن
مجرد ورود قول أو رأي في كتاب مخطوط أو مطبوع ، لا يعني أن ذلك القول صواب مقبول ،
فضلا عن أن يكون ممثلا لوجهة النظر الإسلامية ، هكذا بإطلاق ، لمجرد أن هذا الكتاب
ـ المخطوط أو المطبوع ـ يصنف على أنه إسلامي ؛ بل لا بد من أن يكون صاحب الكلام من
أهل العلم المعروفين به ، الذين يؤخذ منهم ، ويصدر الناس عن رأيهم . ثم ينظر بعد
ذلك فيما ذكره من الدليل على قوله ، خاصة فيما اختلف فيه أهل العلم .
ثانياً:
ما جاء في المخطوط المشار إليه : " إن الله خلق السموات والأرض من العدم في ستة
أيام " : قد جاء نصا في كتاب الله تعالى ، فلا يحتاج إلى نقل من ذلك المخطوط أو
غيره .
ففي الخلق من العدم قال تعالى : (
بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ
كُنْ فَيَكُونُ ) البقرة/ 117 .
قال القرطبي – رحمه الله - :
( بديع السموات والأرض ) أي : منشؤها ، وموجدها ، ومبدعها ، ومخترعها على غير حدٍّ
، ولا مثال ، وكل من أنشأ ما لم يسبق إليه : قيل له " مبدع " ، ومنه " أصحاب البدع
" ، وسميت البدعة بدعة لأن قائلها ابتدعها من غير فعل أو مقال إمام .
" تفسير القرطبي " ( 2 / 86 ) .
وفي كون ذلك الخلق كان في ستة
أيام قال تعالى :
(
وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ
أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ ) ق/ 38 .
وقد
جاء في القرآن الكريم تفصيل الخلق في هذه الأيام الستة ، فقال تعالى : ( قُلْ
أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ
وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا
رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي
أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ
وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا
أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي
كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ) فصلت/ 9 – 12 .
قال
الشيخ الشنقيطي – رحمه الله - :
الظاهر أن معنى قوله هنا في ( أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ) : أي : في تتمة أربعة أيام
.
وتتمة الأربعة حاصلة بيومين فقط ؛ لأنه تعالى قال : ( قُلْ أَإِنَّكُمْ
لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ ) فصلت/ 9 ، ثم قال ( في
أربعة أيام ) أي : في تتمة أربعة أيام
.
ثم
قال : ( فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ ) فصلت/ 12 , فتضم اليومين
إلى الأربعة السابقة فيكون مجموع الأيام التي خلق فيها السماوات والأرض وما بينهما
ستة أيام .
وهذا التفسير الذي ذكرنا في الآية لا يصح غيره بحال ؛ لأن الله تعالى صرح في آيات
متعددة من كتابه بأنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ... .
"
أضواء البيان " ( 7 / 12 ) .
وانظر جواب السؤال رقم (
31865 ) ، وفي جواب السؤال رقم (
20613 ) بيان الحكمة في أن الخلق كان في ستة أيام ، مع قدرة الله سبحانه في أقل
من هذه المدة ، بل في لحظة من الزمان ؟ .
ثالثاً:
اختلف أهل العلم في خلق آدم على قولين :
القول الأول : أن يوم الجمعة من الأيام الستة ، وعليه تكون بداية الخلق في يوم
الأحد ، ونهايته يوم الجمعة ، وفيه خُلق آدم ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله في غير موضع من كتبه .
القول الثاني : أن يوم الجمعة زائد على الأيام الستة ، فبداية الخلق كانت يوم السبت
، ونهايته : يوم الخميس ، وقد تمَّ الخلق في ستة أيام ، ثم بعد فترة - الله أعلم
بمدتها - خلق اللهُ آدمَ عليه السلام ، وكان ذلك في يوم الجمعة .
ويشهد لهذا القول الثاني أمران :
1. أن الله تعالى قبل خلق آدم عليه السلام ذكر أنه خلق الأرض ، فقال :
( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً
قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ
نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
) البقرة/30 ، وهذا يعني أن خلق آدم عليه السلام لا دخل له في الأيام الستة التي
خلق الله فيها السموات والأرض وما بينهما .
2. أن آدم عليه السلام لا يدخل في خلق السموات ولا في الأرض ، بل هو مخلوق من الأرض
، فمن الطبيعي أن يكون خلقه بعد خلق الأرض التي خُلِق منها .
وثمة حديث استدل به أصحاب هذا القول :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِيَدِي فَقَالَ : ( خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ التُّرْبَةَ يَوْمَ
السَّبْتِ ، وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ
يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ، وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ ، وَخَلَقَ
النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ ، وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ ،
وَخَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَام بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي
آخِرِ الْخَلْقِ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ
الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ ) .
رواه مسلم ( 2789 ) وهذا الحديث قد أعلَّه بعض أهل العلم وجعله من كلام كعب الأحبار
.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" فَإِنَّ هَذَا طَعْنٌ فِيهِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْ مُسْلِمٍ مِثْلَ يَحْيَى
بْنِ مَعِينٍ وَمِثْلَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ
هَذَا مِنْ كَلَامِ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَطَائِفَةٌ اعْتَبَرَتْ صِحَّتَهُ مِثْلَ
أَبِي بَكْرٍ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ وَأَبِي الْفَرَجِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ
وَغَيْرِهِمَا وَالْبَيْهَقِي وَغَيْرُهُ وَافَقُوا الَّذِينَ ضَعَّفُوهُ وَهَذَا
هُوَ الصَّوَابُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَثَبَتَ أَنَّ
آخِرَ الْخَلْقِ كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ
الْخَلْقِ يَوْمَ الْأَحَدِ وَهَكَذَا هُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَعَلَى
ذَلِكَ تَدُلُّ أَسْمَاءُ الْأَيَّامِ وَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ الثَّابِتُ فِي
أَحَادِيثَ وَآثَارٍ أُخَرَ" . انتهى .
"مجموع الفتاوى" (18/18) .
وما قرره شيخ الإسلام هنا ، وفي غير موضع من كتبه ، اختاره تلميذاه : الإمام ابن
القيم رحمه الله ، كما في " المنار المنيف" (85) ، والحافظ ابن كثير رحمه الله في
تفسيره (1/215) .
وردَّ ذلك الشيخان المعلِّمي اليماني والألباني وغيرهما .
قال العلامة المعلمي - رحمه الله - :
ليس في هذا الحديث أنه خلق في اليوم السابع غير آدم ، وليس في القرآن ما يدل على أن
خلق آدم كان في الأيام الستة ، بل هذا معلوم البطلان .
وفي آيات خلق آدم أوائل البقرة وبعض الآثار ما يؤخذ منه أنه قد كان في الأرض
عُمَّار قبل آدم ، عاشوا فيها دهراً ، فهذا يساعد القول بأن خلق آدم متأخر بمدة عن
خلق السموات والأرض .
فتدبر الآيات والحديث على ضوء هذا البيان ، يتضح لك إن شاء الله أن دعوى مخالفة هذا
الحديث لظاهر القرآن قد اندفعت ولله الحمد .
" الأنوار الكاشفة " ( ص 187 ، 188
) .
وقال الشيخ الألباني – رحمه الله - :
وليس هو بمخالف للقرآن بوجه من الوجوه خلافاً لما توهمه بعضهم ؛ فإن الحديث يفصل
كيفية الخلق على وجه الأرض وأن ذلك كان في سبعة أيام ، ونص القرآن على أن خلق
السماوات والأرض كان في ستة أيام لا يعارض ذلك ؛ لاحتمال أن هذه الأيام الستة غير
الأيام السبعة المذكورة في الحديث ، وأنه - أعني الحديث - تحدث عن مرحلة من مراحل
تطور الخلق على وجه الأرض حتى صارت صالحة للسكنى ، ويؤيده : أن القرآن يذكر أن بعض
الأيام عند الله تعالى كألف سنة ، وبعضها خمسون ألفا ، فما المانع من أن تكون
الأيام الستة من هذا القبيل ؟ والأيام السبعة من أيامنا هذه كما هو صريح الحديث ،
وحينئذ فلا تعارض بينه وبين القرآن .
" مشكاة المصابيح " ( 3 / 1597 ) .
رابعا :
على كلا القولين ، ليس هناك معارضة بين عدد الأيام التي خلق الله فيها السموات
والأرض وأنها ستة ، وبين خلق آدم في يوم الجمعة ؛ أما على القول الأول ، وأن يوم
الجمعة داخل في الأيام الستة فهو واضح ولا إشكال ، وأما على القول الثاني
فإن خلق آدم ليس داخلا في " السموات " و " الأرض " ، كما هو الحال في خلق "
الملائكة " و " إبليس " و " الشياطين " ، بل إن ظاهر القرآن أن خلق السموات والأرض
وما بينهما كان قبل خلق ذلك كله .
قال الطاهر بن عاشور – رحمه الله - :
واعلم أن الله تعالى خلق السماوات والأرض قبل أن يخلق لهما سكانَهما كما دل عليه
قوله : (قُلْ
أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ
... ) .
" التحرير والتنوير " ( 15 / 343 ) .
رابعاً:
قول
الأخ السائل "
، ثم خلق محمداً صلى الله عليه وسلم بعد عشرة أجيال من ذلك الحين " : غير صحيح ،
وخاصة على قوله
"
عمر الجيل الواحد ثلاثون سنة " ! فالمدة بين آدم عليه السلام وولادة النبي صلى الله
عليه وسلم لا تعرف على وجه التحديد ، وقد ذكرنا هذه المسألة بتفصيل
سؤال في جواب السؤال رقم (
20907 ) فلينظر .
خامساً:
ما ورد في السؤال من "
أن عمر الجيل الواحد ثلاثون سنة ... " : غير صحيح ، فنوح
عليه السلام مكث في قومه يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاماً ، فكم يكون إذن عمر ذلك
الجيل ؟!.
وما بني عليه بعده من حساب ليس بصحيح ، وهو قولك "
سينتج لدينا أن الله خلق السموات والأرض فقط منذ 4137 سنة أو عدد مقارب لهذا "
.
على أن هناك أمرا آخر ، ربما كان له مدخل فيما ذكر الإشكال ، وهو
الخلط بين عمر الأرض وعمر الإنسان ؛ وهو خطأ بين ؛ فالأرض مخلوقة قبل الإنسان ،
وحساب المدة بين آدم عليه السلام وبين وقتنا الحالي ـ إذا افترضنا أن ذلك ممكن لنا
على وجه الدقة ، أو حتى التقريب ـ : لا يعني أن هذا هو عمر الأرض ، فليتنبه لهذا ،
ولا يُخلط بين الأمرين .
وإذا كان عسيراً على الباحثين ضبط عمر الإنسان بين آدم ومحمد عليهما
السلام ، فإن ضبط عمر الأرض أعسر ، ولذلك اختلف المعاصرون في عمرها اختلافاً يدل
على أن الأمر ليس فيه غلبة ظن ، ولا قريب من ذلك ، وأما القطع واليقين فهو أبعد شيء
عن الواقع ، فقد قال بعضهم إن عمر الأرض 3 بلايين سنة ، وقال آخرون 4,5 بليون سنة !
وقال فريق ثالث إن عمرها يتجاوز 13 بليون سنة ! وكلها تخرصات ليس هناك دليل قاطع
على صحتها .
والله أعلم
هناك بعض المخطوطات الإسلامية التي تقول إن الله خلق السموات والأرض من
العدم في ستة أيام ، ثم خلق آدم أبا البشر في اليوم السابع ، ثم خلق
محمداً صلى الله عليه وسلم بعد عشرة أجيال من ذلك الحين ، فعلى اعتبار أن
عمر الجيل الواحد ثلاثون سنة نضربها في تسعين مضافاً إليها المدة الزمنية
من مولد النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليوم سينتج لدينا أن الله خلق
السموات والأرض فقط منذ 4137 سنة أو عدد مقارب لهذا ، ولكن في الحقيقة هذا
لا يتوافق مع ما يقوله العلماء والمختصون إذ يقولون إن عمر الأرض أكثر من
ثلاثة بلايين سنة ، فما القول الفصل في هذه المسألة ؟ .
الجواب :
الحمد لله
أولاً:
إن
مجرد ورود قول أو رأي في كتاب مخطوط أو مطبوع ، لا يعني أن ذلك القول صواب مقبول ،
فضلا عن أن يكون ممثلا لوجهة النظر الإسلامية ، هكذا بإطلاق ، لمجرد أن هذا الكتاب
ـ المخطوط أو المطبوع ـ يصنف على أنه إسلامي ؛ بل لا بد من أن يكون صاحب الكلام من
أهل العلم المعروفين به ، الذين يؤخذ منهم ، ويصدر الناس عن رأيهم . ثم ينظر بعد
ذلك فيما ذكره من الدليل على قوله ، خاصة فيما اختلف فيه أهل العلم .
ثانياً:
ما جاء في المخطوط المشار إليه : " إن الله خلق السموات والأرض من العدم في ستة
أيام " : قد جاء نصا في كتاب الله تعالى ، فلا يحتاج إلى نقل من ذلك المخطوط أو
غيره .
ففي الخلق من العدم قال تعالى : (
بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ
كُنْ فَيَكُونُ ) البقرة/ 117 .
قال القرطبي – رحمه الله - :
( بديع السموات والأرض ) أي : منشؤها ، وموجدها ، ومبدعها ، ومخترعها على غير حدٍّ
، ولا مثال ، وكل من أنشأ ما لم يسبق إليه : قيل له " مبدع " ، ومنه " أصحاب البدع
" ، وسميت البدعة بدعة لأن قائلها ابتدعها من غير فعل أو مقال إمام .
" تفسير القرطبي " ( 2 / 86 ) .
وفي كون ذلك الخلق كان في ستة
أيام قال تعالى :
(
وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ
أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ ) ق/ 38 .
وقد
جاء في القرآن الكريم تفصيل الخلق في هذه الأيام الستة ، فقال تعالى : ( قُلْ
أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ
وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا
رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي
أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ
وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا
أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي
كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ) فصلت/ 9 – 12 .
قال
الشيخ الشنقيطي – رحمه الله - :
الظاهر أن معنى قوله هنا في ( أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ) : أي : في تتمة أربعة أيام
.
وتتمة الأربعة حاصلة بيومين فقط ؛ لأنه تعالى قال : ( قُلْ أَإِنَّكُمْ
لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ ) فصلت/ 9 ، ثم قال ( في
أربعة أيام ) أي : في تتمة أربعة أيام
.
ثم
قال : ( فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ ) فصلت/ 12 , فتضم اليومين
إلى الأربعة السابقة فيكون مجموع الأيام التي خلق فيها السماوات والأرض وما بينهما
ستة أيام .
وهذا التفسير الذي ذكرنا في الآية لا يصح غيره بحال ؛ لأن الله تعالى صرح في آيات
متعددة من كتابه بأنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ... .
"
أضواء البيان " ( 7 / 12 ) .
وانظر جواب السؤال رقم (
31865 ) ، وفي جواب السؤال رقم (
20613 ) بيان الحكمة في أن الخلق كان في ستة أيام ، مع قدرة الله سبحانه في أقل
من هذه المدة ، بل في لحظة من الزمان ؟ .
ثالثاً:
اختلف أهل العلم في خلق آدم على قولين :
القول الأول : أن يوم الجمعة من الأيام الستة ، وعليه تكون بداية الخلق في يوم
الأحد ، ونهايته يوم الجمعة ، وفيه خُلق آدم ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله في غير موضع من كتبه .
القول الثاني : أن يوم الجمعة زائد على الأيام الستة ، فبداية الخلق كانت يوم السبت
، ونهايته : يوم الخميس ، وقد تمَّ الخلق في ستة أيام ، ثم بعد فترة - الله أعلم
بمدتها - خلق اللهُ آدمَ عليه السلام ، وكان ذلك في يوم الجمعة .
ويشهد لهذا القول الثاني أمران :
1. أن الله تعالى قبل خلق آدم عليه السلام ذكر أنه خلق الأرض ، فقال :
( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً
قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ
نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
) البقرة/30 ، وهذا يعني أن خلق آدم عليه السلام لا دخل له في الأيام الستة التي
خلق الله فيها السموات والأرض وما بينهما .
2. أن آدم عليه السلام لا يدخل في خلق السموات ولا في الأرض ، بل هو مخلوق من الأرض
، فمن الطبيعي أن يكون خلقه بعد خلق الأرض التي خُلِق منها .
وثمة حديث استدل به أصحاب هذا القول :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِيَدِي فَقَالَ : ( خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ التُّرْبَةَ يَوْمَ
السَّبْتِ ، وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ
يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ، وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ ، وَخَلَقَ
النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ ، وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ ،
وَخَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَام بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي
آخِرِ الْخَلْقِ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ
الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ ) .
رواه مسلم ( 2789 ) وهذا الحديث قد أعلَّه بعض أهل العلم وجعله من كلام كعب الأحبار
.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" فَإِنَّ هَذَا طَعْنٌ فِيهِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْ مُسْلِمٍ مِثْلَ يَحْيَى
بْنِ مَعِينٍ وَمِثْلَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ
هَذَا مِنْ كَلَامِ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَطَائِفَةٌ اعْتَبَرَتْ صِحَّتَهُ مِثْلَ
أَبِي بَكْرٍ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ وَأَبِي الْفَرَجِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ
وَغَيْرِهِمَا وَالْبَيْهَقِي وَغَيْرُهُ وَافَقُوا الَّذِينَ ضَعَّفُوهُ وَهَذَا
هُوَ الصَّوَابُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَثَبَتَ أَنَّ
آخِرَ الْخَلْقِ كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ
الْخَلْقِ يَوْمَ الْأَحَدِ وَهَكَذَا هُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَعَلَى
ذَلِكَ تَدُلُّ أَسْمَاءُ الْأَيَّامِ وَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ الثَّابِتُ فِي
أَحَادِيثَ وَآثَارٍ أُخَرَ" . انتهى .
"مجموع الفتاوى" (18/18) .
وما قرره شيخ الإسلام هنا ، وفي غير موضع من كتبه ، اختاره تلميذاه : الإمام ابن
القيم رحمه الله ، كما في " المنار المنيف" (85) ، والحافظ ابن كثير رحمه الله في
تفسيره (1/215) .
وردَّ ذلك الشيخان المعلِّمي اليماني والألباني وغيرهما .
قال العلامة المعلمي - رحمه الله - :
ليس في هذا الحديث أنه خلق في اليوم السابع غير آدم ، وليس في القرآن ما يدل على أن
خلق آدم كان في الأيام الستة ، بل هذا معلوم البطلان .
وفي آيات خلق آدم أوائل البقرة وبعض الآثار ما يؤخذ منه أنه قد كان في الأرض
عُمَّار قبل آدم ، عاشوا فيها دهراً ، فهذا يساعد القول بأن خلق آدم متأخر بمدة عن
خلق السموات والأرض .
فتدبر الآيات والحديث على ضوء هذا البيان ، يتضح لك إن شاء الله أن دعوى مخالفة هذا
الحديث لظاهر القرآن قد اندفعت ولله الحمد .
" الأنوار الكاشفة " ( ص 187 ، 188
) .
وقال الشيخ الألباني – رحمه الله - :
وليس هو بمخالف للقرآن بوجه من الوجوه خلافاً لما توهمه بعضهم ؛ فإن الحديث يفصل
كيفية الخلق على وجه الأرض وأن ذلك كان في سبعة أيام ، ونص القرآن على أن خلق
السماوات والأرض كان في ستة أيام لا يعارض ذلك ؛ لاحتمال أن هذه الأيام الستة غير
الأيام السبعة المذكورة في الحديث ، وأنه - أعني الحديث - تحدث عن مرحلة من مراحل
تطور الخلق على وجه الأرض حتى صارت صالحة للسكنى ، ويؤيده : أن القرآن يذكر أن بعض
الأيام عند الله تعالى كألف سنة ، وبعضها خمسون ألفا ، فما المانع من أن تكون
الأيام الستة من هذا القبيل ؟ والأيام السبعة من أيامنا هذه كما هو صريح الحديث ،
وحينئذ فلا تعارض بينه وبين القرآن .
" مشكاة المصابيح " ( 3 / 1597 ) .
رابعا :
على كلا القولين ، ليس هناك معارضة بين عدد الأيام التي خلق الله فيها السموات
والأرض وأنها ستة ، وبين خلق آدم في يوم الجمعة ؛ أما على القول الأول ، وأن يوم
الجمعة داخل في الأيام الستة فهو واضح ولا إشكال ، وأما على القول الثاني
فإن خلق آدم ليس داخلا في " السموات " و " الأرض " ، كما هو الحال في خلق "
الملائكة " و " إبليس " و " الشياطين " ، بل إن ظاهر القرآن أن خلق السموات والأرض
وما بينهما كان قبل خلق ذلك كله .
قال الطاهر بن عاشور – رحمه الله - :
واعلم أن الله تعالى خلق السماوات والأرض قبل أن يخلق لهما سكانَهما كما دل عليه
قوله : (قُلْ
أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ
... ) .
" التحرير والتنوير " ( 15 / 343 ) .
رابعاً:
قول
الأخ السائل "
، ثم خلق محمداً صلى الله عليه وسلم بعد عشرة أجيال من ذلك الحين " : غير صحيح ،
وخاصة على قوله
"
عمر الجيل الواحد ثلاثون سنة " ! فالمدة بين آدم عليه السلام وولادة النبي صلى الله
عليه وسلم لا تعرف على وجه التحديد ، وقد ذكرنا هذه المسألة بتفصيل
سؤال في جواب السؤال رقم (
20907 ) فلينظر .
خامساً:
ما ورد في السؤال من "
أن عمر الجيل الواحد ثلاثون سنة ... " : غير صحيح ، فنوح
عليه السلام مكث في قومه يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاماً ، فكم يكون إذن عمر ذلك
الجيل ؟!.
وما بني عليه بعده من حساب ليس بصحيح ، وهو قولك "
سينتج لدينا أن الله خلق السموات والأرض فقط منذ 4137 سنة أو عدد مقارب لهذا "
.
على أن هناك أمرا آخر ، ربما كان له مدخل فيما ذكر الإشكال ، وهو
الخلط بين عمر الأرض وعمر الإنسان ؛ وهو خطأ بين ؛ فالأرض مخلوقة قبل الإنسان ،
وحساب المدة بين آدم عليه السلام وبين وقتنا الحالي ـ إذا افترضنا أن ذلك ممكن لنا
على وجه الدقة ، أو حتى التقريب ـ : لا يعني أن هذا هو عمر الأرض ، فليتنبه لهذا ،
ولا يُخلط بين الأمرين .
وإذا كان عسيراً على الباحثين ضبط عمر الإنسان بين آدم ومحمد عليهما
السلام ، فإن ضبط عمر الأرض أعسر ، ولذلك اختلف المعاصرون في عمرها اختلافاً يدل
على أن الأمر ليس فيه غلبة ظن ، ولا قريب من ذلك ، وأما القطع واليقين فهو أبعد شيء
عن الواقع ، فقد قال بعضهم إن عمر الأرض 3 بلايين سنة ، وقال آخرون 4,5 بليون سنة !
وقال فريق ثالث إن عمرها يتجاوز 13 بليون سنة ! وكلها تخرصات ليس هناك دليل قاطع
على صحتها .
والله أعلم