السؤال:
هل من نبذة عن شخصية " أبي حيان التوحيدي " وهل هو من الملحدين ؟ وما رأيكم بكتابه " الذخائر والبصائر " ؟
الجواب :
الحمد لله
شخصية أبي حيَّان التوحيدي – توفي عام 414 هـ - شخصية جدليَّة ، وقد تضاربت الأقوال
في اعتقاده ومنهجه - بل وحتى في لقبه " التوحيدي " هل هو نسبة لنوع تمر أو هو
للتوحيد الذي عند المعتزلة وحقيقته : نفي صفات الله تعالى - فمن قائل فيه إنه زنديق
ضال ملحد ، ومن قائل إنه كان صحيح العقيدة وليس عنده ما يوجب الوقيعة فيه .
ومن أبرز القادحين فيه : ابن الجوزي والذهبي رحمهما الله .
قال الإمام الذهبي – رحمه الله - : " أبو حيان التوحيدي ، الضال الملحد ، أبو
حيَّان ، علي بن محمد بن العباس البغدادي الصوفي ، صاحب التصانيف الأدبية والفلسفية
، ويقال : كان من أعيان الشافعية .
قال ابن بابي في كتاب " الخريدة والفريدة " : كان أبو حيان هذا كذَّاباً ، قليل
الدين والورع عن القذف والمجاهرة بالبهتان ، تعرض لأمور جسام من القدح في الشريعة
والقول بالتعطيل ، ولقد وقف سيدنا الوزير الصاحب كافي الكفاة على بعض ما كان يدغله
ويخفيه من سوء الاعتقاد فطلبه ليقتله ، فهرب والتجأ إلى أعدائه ، ونفق عليهم تزخرفه
وإفكه ، ثم عثروا منه على قبيح دخيلته وسوء عقيدته وما يبطنه من الإلحاد ويرومه في
الإسلام من الفساد ، وما يلصقه بأعلام الصحابة من القبائح ، ويضيفه إلى السلف
الصالح من الفضائح ، فطلبه الوزير المهلبي ، فاستتر منه ، ومات في الاستتار ، وأراح
الله ، ولم يؤثر عنه إلا مثلبة أو مخزية ".
وقال أبو الفرج بن الجوزي : " زنادقة الإسلام ثلاثة : ابن الراوندي ، وأبو حيان
التوحيدي ، وأبو العلاء المعري ، وأشدهم على الاسلام : أبو حيان ؛ لأنهما صرَّحا ،
وهو مجمج ولم يصرح " .
قلت : وكان من تلامذة علي بن عيسى الرماني ، ورأيته يبالغ في تعظيم الرماني في
كتابه الذي ألفه في تقريظ الجاحظ ، فانظر إلى المادح والممدوح ، وأجود الثلاثة
الرماني - مع اعتزاله وتشيعه - .
وأبو حيان له مصنف كبير في تصوف الحكماء وزهاد الفلاسفة ، وكتاب سمَّاه " البصائر
والذخائر " ، وكتاب " الصديق والصداقة " مجلد ، وكتاب " المقابسات " ، وكتاب "
مثالب الوزيرين " - يعني : ابن العميد وابن عباد - ، وغير ذلك .
وهو الذي نسب نفسه إلى التوحيد ، كما سمى ابن تومرت أتباعه بالموحدين ، وكما
يُسمِّي صوفية الفلاسفة نفوسهم بأهل الوحدة وبالاتحادية .
أنبأني أحمد بن أبي الخير عن محمد بن إسماعيل الطرسوسي عن ابن طاهر : سمعت أبا
الفتح عبد الوهاب الشيرازي بالري يقول : سمعت أبا حيان التوحيدي يقول : أناس مضوا
تحت التوهم ، وظنوا أن الحق معهم ، وكان الحق وراءهم .
قلت : أنت حامل لوائهم .
وقال أبو نصر السجزي الحافظ فيما يأثروه عنه جعفر الحكاك : سمعت أبا سعد الماليني
يقول : قرأت الرسالة - يعني المنسوبة إلى أبي بكر وعمر مع أبي عبيدة إلى علي رضي
الله عنهم - على أبي حيان ، فقال : هذه الرسالة عملتُها ردّاً على الرافضة ، وسببه
: أنهم كانوا يحضرون مجلس بعض الوزراء وكانوا يُغلون في حال " علي " ، فعملتُ هذه
الرسالة .
قلت : قد باء بالاختلاف على " علي " الصفوة ، وقد رأيتُها ، وسائرها كذِب بيِّنٌ "
انتهى من " سير أعلام النبلاء " ( 17 / 119 – 123 ) باختصار .
ومن أبرز الذابين عنه والمادحين له : تاج الدين الدين السبكي ووالده تقي الدين ،
وابن النجار رحمهم الله .
قال تاج الدين الدين السبكي – رحمه الله - : " قال ابن النجار : له المصنفات الحسنة
كـ " البصائر " وغيرها .
قال : وكان فقيراً صابراً متديِّناً ، قال : وكان صحيح العقيدة .
قلت – أي : السبكي - : الحامل للذهبي على الوقيعة في التوحيدي - مع ما يبطنه من بغض
الصوفية ! - هذان الكلامان – أي : كلام ابن بابي وابن الجوزي - ولم يثبت عندي إلى
الآن مِن حال أبي حيان ما يوجب الوقيعة فيه ، ووقفتُ على كثير من كلامه فلم أجد فيه
إلا ما يدل على أنه كان قوي النفس مزدرياً بأهل عصره ، لا يوجب هذا القدر أن ينال
منه هذا النيل ، وسئل الشيخ الإمام الوالد رحمه الله عنه فأجاب بقريب مما أقول "
انتهى من " طبقات الشافعية الكبرى " ( 5 / 287 ، 288 ) باختصار .
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يثبت لأبي حيان اشتغاله بالفلسفة ولا يجزم له
بالزندقة.
قال – رحمه الله - : " فإنَّ أبا حيان تغلب عليه الخطابة والفصاحة ، وهو مركب من
فنون أدبية وفلسفية وكلامية وغير ذلك ، وإن كان قد شهد عليه بالزندقة غير واحد
وقرنوه بابن الراوندي ، كما ذكر ذلك ابن عقيل وغيره " انتهى من " العقيدة
الأصفهانية " ( ص 172 ) .
وقال – رحمه الله – أيضاً - : " والغزالي في كلامه مادة فلسفية كبيرة بسبب كلام ابن
سينا في " الشفا " وغيره ، " ورسائل إخوان الصفا " وكلام أبي حيان التوحيدي " انتهى
من " مجموع الفتاوى " ( 6 / 54 ) .
ونحن نتوقف في الحكم عليه حتى نقف على ترجمة لباحث يتفرغ لقراءة كتبه ويحكم على
جمله وعباراته بالعدل ، ولعلنا نحظى برسالة جامعية متخصصة من باحث من أهل السنَّة
قريباً ، وبعدها لعلنا نرجِّح قولاً على آخر .
وأما كتابه " البصائر والذخائر " فهو يحتوي على قطع أدبية مسموعة ومنقولة ، وقد
أثنى عليه ابن النجار – كما سبق ذِكر كلامه - ، وفيه أشياء فائقة البلاغة ، حسنة
المعنى جدا . ووقفنا فيه على نقدٍ شديد لأهل الكلام في دينهم وسلوكهم وتعبدهم ، وقد
حققه جماعة من المختصين وطُبع عدة طبعات ، وقد استوفت الكلام عليه – تقريباً -
الدكتورة وداد القاضي وذلك في دراسة خاصة بالكتاب جعلتها في آخره .
والله أعلم
هل من نبذة عن شخصية " أبي حيان التوحيدي " وهل هو من الملحدين ؟ وما رأيكم بكتابه " الذخائر والبصائر " ؟
الجواب :
الحمد لله
شخصية أبي حيَّان التوحيدي – توفي عام 414 هـ - شخصية جدليَّة ، وقد تضاربت الأقوال
في اعتقاده ومنهجه - بل وحتى في لقبه " التوحيدي " هل هو نسبة لنوع تمر أو هو
للتوحيد الذي عند المعتزلة وحقيقته : نفي صفات الله تعالى - فمن قائل فيه إنه زنديق
ضال ملحد ، ومن قائل إنه كان صحيح العقيدة وليس عنده ما يوجب الوقيعة فيه .
ومن أبرز القادحين فيه : ابن الجوزي والذهبي رحمهما الله .
قال الإمام الذهبي – رحمه الله - : " أبو حيان التوحيدي ، الضال الملحد ، أبو
حيَّان ، علي بن محمد بن العباس البغدادي الصوفي ، صاحب التصانيف الأدبية والفلسفية
، ويقال : كان من أعيان الشافعية .
قال ابن بابي في كتاب " الخريدة والفريدة " : كان أبو حيان هذا كذَّاباً ، قليل
الدين والورع عن القذف والمجاهرة بالبهتان ، تعرض لأمور جسام من القدح في الشريعة
والقول بالتعطيل ، ولقد وقف سيدنا الوزير الصاحب كافي الكفاة على بعض ما كان يدغله
ويخفيه من سوء الاعتقاد فطلبه ليقتله ، فهرب والتجأ إلى أعدائه ، ونفق عليهم تزخرفه
وإفكه ، ثم عثروا منه على قبيح دخيلته وسوء عقيدته وما يبطنه من الإلحاد ويرومه في
الإسلام من الفساد ، وما يلصقه بأعلام الصحابة من القبائح ، ويضيفه إلى السلف
الصالح من الفضائح ، فطلبه الوزير المهلبي ، فاستتر منه ، ومات في الاستتار ، وأراح
الله ، ولم يؤثر عنه إلا مثلبة أو مخزية ".
وقال أبو الفرج بن الجوزي : " زنادقة الإسلام ثلاثة : ابن الراوندي ، وأبو حيان
التوحيدي ، وأبو العلاء المعري ، وأشدهم على الاسلام : أبو حيان ؛ لأنهما صرَّحا ،
وهو مجمج ولم يصرح " .
قلت : وكان من تلامذة علي بن عيسى الرماني ، ورأيته يبالغ في تعظيم الرماني في
كتابه الذي ألفه في تقريظ الجاحظ ، فانظر إلى المادح والممدوح ، وأجود الثلاثة
الرماني - مع اعتزاله وتشيعه - .
وأبو حيان له مصنف كبير في تصوف الحكماء وزهاد الفلاسفة ، وكتاب سمَّاه " البصائر
والذخائر " ، وكتاب " الصديق والصداقة " مجلد ، وكتاب " المقابسات " ، وكتاب "
مثالب الوزيرين " - يعني : ابن العميد وابن عباد - ، وغير ذلك .
وهو الذي نسب نفسه إلى التوحيد ، كما سمى ابن تومرت أتباعه بالموحدين ، وكما
يُسمِّي صوفية الفلاسفة نفوسهم بأهل الوحدة وبالاتحادية .
أنبأني أحمد بن أبي الخير عن محمد بن إسماعيل الطرسوسي عن ابن طاهر : سمعت أبا
الفتح عبد الوهاب الشيرازي بالري يقول : سمعت أبا حيان التوحيدي يقول : أناس مضوا
تحت التوهم ، وظنوا أن الحق معهم ، وكان الحق وراءهم .
قلت : أنت حامل لوائهم .
وقال أبو نصر السجزي الحافظ فيما يأثروه عنه جعفر الحكاك : سمعت أبا سعد الماليني
يقول : قرأت الرسالة - يعني المنسوبة إلى أبي بكر وعمر مع أبي عبيدة إلى علي رضي
الله عنهم - على أبي حيان ، فقال : هذه الرسالة عملتُها ردّاً على الرافضة ، وسببه
: أنهم كانوا يحضرون مجلس بعض الوزراء وكانوا يُغلون في حال " علي " ، فعملتُ هذه
الرسالة .
قلت : قد باء بالاختلاف على " علي " الصفوة ، وقد رأيتُها ، وسائرها كذِب بيِّنٌ "
انتهى من " سير أعلام النبلاء " ( 17 / 119 – 123 ) باختصار .
ومن أبرز الذابين عنه والمادحين له : تاج الدين الدين السبكي ووالده تقي الدين ،
وابن النجار رحمهم الله .
قال تاج الدين الدين السبكي – رحمه الله - : " قال ابن النجار : له المصنفات الحسنة
كـ " البصائر " وغيرها .
قال : وكان فقيراً صابراً متديِّناً ، قال : وكان صحيح العقيدة .
قلت – أي : السبكي - : الحامل للذهبي على الوقيعة في التوحيدي - مع ما يبطنه من بغض
الصوفية ! - هذان الكلامان – أي : كلام ابن بابي وابن الجوزي - ولم يثبت عندي إلى
الآن مِن حال أبي حيان ما يوجب الوقيعة فيه ، ووقفتُ على كثير من كلامه فلم أجد فيه
إلا ما يدل على أنه كان قوي النفس مزدرياً بأهل عصره ، لا يوجب هذا القدر أن ينال
منه هذا النيل ، وسئل الشيخ الإمام الوالد رحمه الله عنه فأجاب بقريب مما أقول "
انتهى من " طبقات الشافعية الكبرى " ( 5 / 287 ، 288 ) باختصار .
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يثبت لأبي حيان اشتغاله بالفلسفة ولا يجزم له
بالزندقة.
قال – رحمه الله - : " فإنَّ أبا حيان تغلب عليه الخطابة والفصاحة ، وهو مركب من
فنون أدبية وفلسفية وكلامية وغير ذلك ، وإن كان قد شهد عليه بالزندقة غير واحد
وقرنوه بابن الراوندي ، كما ذكر ذلك ابن عقيل وغيره " انتهى من " العقيدة
الأصفهانية " ( ص 172 ) .
وقال – رحمه الله – أيضاً - : " والغزالي في كلامه مادة فلسفية كبيرة بسبب كلام ابن
سينا في " الشفا " وغيره ، " ورسائل إخوان الصفا " وكلام أبي حيان التوحيدي " انتهى
من " مجموع الفتاوى " ( 6 / 54 ) .
ونحن نتوقف في الحكم عليه حتى نقف على ترجمة لباحث يتفرغ لقراءة كتبه ويحكم على
جمله وعباراته بالعدل ، ولعلنا نحظى برسالة جامعية متخصصة من باحث من أهل السنَّة
قريباً ، وبعدها لعلنا نرجِّح قولاً على آخر .
وأما كتابه " البصائر والذخائر " فهو يحتوي على قطع أدبية مسموعة ومنقولة ، وقد
أثنى عليه ابن النجار – كما سبق ذِكر كلامه - ، وفيه أشياء فائقة البلاغة ، حسنة
المعنى جدا . ووقفنا فيه على نقدٍ شديد لأهل الكلام في دينهم وسلوكهم وتعبدهم ، وقد
حققه جماعة من المختصين وطُبع عدة طبعات ، وقد استوفت الكلام عليه – تقريباً -
الدكتورة وداد القاضي وذلك في دراسة خاصة بالكتاب جعلتها في آخره .
والله أعلم