السؤال :
هل كان ابن حزم من أهل السنة ؟
الجواب :
الحمد لله
أبو محمد علي بن أحد بن سعيد بن حزم الفارسي الأصل ، ثم الأندلسي القرطبي رحمه الله
، صاحب التصانيف .
لا يشك من له أدنى دراية بالعلم وأهله في فرط ذكائه وحدة خاطرة وتعظيمه للسنة
والأثر ، لكن الكمال عزيز ، وما من أحد إلا ويؤخذ من قوله ويترك .
قال رحمه الله مبينا سلوكه مسلك السلف في الجملة ونبذه لأهل البدع :
" وإنما نعني بقولنا العلماء من حفظ عنه الفتيا من الصحابة والتابعين وتابعيهم
وعلماء الأمصار وأئمة أهل الحديث ومن تبعهم رضي الله عنهم أجمعين ، ولسنا نعني أبا
الهذيل ولا ابن الأصم ولا بشر بن المعتمر ولا إبراهيم بن سيار ولا جعفر بن حرب ولا
جعفر بن مبشر ولا ثمامة ولا أبا غفار ولا الرقاشي ولا الأزارقة والصفرية ولا جهال
الأباضية ولا أهل الرفض ؛ فإن هؤلاء لم يتعنوا من تثقيف الآثار ومعرفة صحيحها من
سقيمها ولا البحث عن أحكام القرآن لتمييز حق الفتيا من باطلها بطرف محمود ، بل
اشتغلوا عن ذلك بالجدال في أصول الاعتقادات ولكل قوم علمهم " انتهى .
"مراتب الإجماع" (ص 12-15)
وعلى الرغم من تعظيم الإمام ابن حزم للسنة وأهلها ، وتبحره في الحديث وعلومه ، وسعة
حفظه ، وعظيم معارفه ، قد وقعت له أمور من المخالفات للسنة وأهلها ، في مسائل
معروفة من الأصول والفروع .
قال الذهبي رحمه الله في ترجمته من "السير" (18/186-187) :
" نشأ في تنعم ورفاهية ، ورزق ذكاء مفرطا ، وذهنا سيالا ، وكتبا نفيسة كثيرة ، وكان
والده من كبراء أهل قرطبة ، عمل الوزارة في الدولة العامرية ، وكذلك وزر أبو محمد
في شبيبته ، وكان قد مهر أولا في الأدب والأخبار والشعر ، وفي المنطق وأجزاء
الفلسفة ، فأثرت فيه تأثيرا ليته سلم من ذلك ، ولقد وقفت له على تأليف يحض فيه على
الاعتناء بالمنطق ، ويقدمه على العلوم ، فتألمت له ، فإنه رأس في علوم الاسلام ،
متبحر في النقل ، عديم النظير ؛ على يُبْس فيه ، وفرط ظاهرية في الفروع لا الأصول .
قيل : إنه تفقه أولا للشافعي ، ثم أداه اجتهاده إلى القول بنفي القياس كله جليه
وخفيه ، والأخذ بظاهر النص وعموم الكتاب والحديث ، والقول بالبراءة الأصلية ،
واستصحاب الحال ، وصنف في ذلك كتبا كثيرة ، وناظر عليه ، وبسط لسانه وقلمه ، ولم
يتأدب مع الائمة في الخطاب ، بل فجَّج العبارة ، وسب وجدَّع ، فكان جزاؤه من جنس
فعله ، بحيث إنه أعرض
عن تصانيفه جماعة من الائمة ، وهجروها ، ونفروا منها ، وأحرقت في وقت ، واعتنى بها
آخرون من العلماء ، وفتشوها انتقادا واستفادة ، وأخذا ومؤاخذة ، ورأوا فيها الدر
الثمين ممزوجا في الرصف بالخرز المهين ، فتارة يطربون ، ومرة يعجبون ، ومن تفرده
يهزؤون .
وفي الجملة فالكمال عزيز ، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك ، إلا رسول الله صلى الله
عليه وسلم .
وكان ينهض بعلوم جمة ، ويجيد النقل ، ويحسن النظم والنثر .
وفيه دين وخير ، ومقاصده جميلة ، ومصنفاته مفيدة ، وقد زهد في الرئاسة ، ولزم منزله
مكبا على العلم ، فلا نغلو فيه ، ولا نجفو عنه ، وقد أثنى عليه قبلنا الكبار "
انتهى .
وترجم له في "السير" (18/184-212) ترجمة وافية .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَإِنْ كَانَ " أَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ حَزْمٍ " فِي مَسَائِلِ الْإِيمَانِ
وَالْقَدَرِ أَقْوَمَ مِنْ غَيْرِهِ وَأَعْلَمَ بِالْحَدِيثِ وَأَكْثَرَ تَعْظِيمًا
لَهُ وَلِأَهْلِهِ مَنْ غَيْرِهِ ، لَكِنْ قَدْ خَالَطَ مِنْ أَقْوَالِ
الْفَلَاسِفَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ فِي مَسَائِلِ الصِّفَاتِ مَا صَرَفَهُ عَنْ
مُوَافَقَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي مَعَانِي مَذْهَبِهِمْ فِي ذَلِكَ ، فَوَافَقَ
هَؤُلَاءِ فِي اللَّفْظِ وَهَؤُلَاءِ فِي الْمَعْنَى . وَبِمِثْلِ هَذَا صَارَ
يَذُمُّهُ مَنْ يَذُمُّهُ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِين وَعُلَمَاءِ
الْحَدِيثِ بِاتِّبَاعِهِ لِظَاهِرِ لَا بَاطِنَ لَهُ . كَمَا نَفَى الْمَعَانِيَ
فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالِاشْتِقَاقِ ، وَكَمَا نَفَى خَرْقَ الْعَادَاتِ
وَنَحْوَهُ مِنْ عِبَادَاتِ الْقُلُوبِ . مَضْمُومًا إلَى مَا فِي كَلَامِهِ مِنْ
الْوَقِيعَةِ فِي الْأَكَابِرِ وَالْإِسْرَافِ فِي نَفْيِ الْمَعَانِي ، وَدَعْوَى
مُتَابَعَةِ الظَّوَاهِرِ . وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْ الْإِيمَانِ وَالدِّينِ
وَالْعُلُومِ الْوَاسِعَةِ الْكَثِيرَةِ مَا لَا يَدْفَعُهُ إلَّا مُكَابِرٌ ؛
وَيُوجَدُ فِي كُتُبِهِ مِنْ كَثْرَةِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْأَقْوَالِ ،
وَالْمَعْرِفَةِ بِالْأَحْوَالِ ، وَالتَّعْظِيمِ لِدَعَائِمِ الْإِسْلَامِ ،
وَلِجَانِبِ الرِّسَالَةِ : مَا لَا يَجْتَمِعُ مِثْلُهُ لِغَيْرِهِ .
فَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا حَدِيثٌ ، يَكُونُ جَانِبُهُ فِيهَا
ظَاهِرَ التَّرْجِيحِ . وَلَهُ مِنْ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالضَّعِيفِ
وَالْمَعْرِفَةِ بِأَقْوَالِ السَّلَفِ مَا لَا يَكَادُ يَقَعُ مِثْلُهُ لِغَيْرِهِ
مِنْ الْفُقَهَاءِ " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (4 /19-20)
وقال شيخ الإسلام رحمه الله أيضا :
" وكذلك أبو محمد بن حزم مع معرفته بالحديث وانتصاره لطريقة داود وأمثاله من نفاة
القياس أصحاب الظاهر قد بالغ في نفي الصفات وردها إلى العلم ، مع أنه لا يثبت علما
هو صفة ويزعم أن أسماء الله كالعليم والقدير ونحوهما لا تدل على العلم والقدرة ،
وينتسب إلى الإمام أحمد وأمثاله من أئمة السنة ، ويدعي أن قوله هو قول أهل السنة
والحديث ، ويذم الأشعري وأصحابه ذما عظيما ، ويدعي أنهم خرجوا عن مذهب السنة
والحديث في الصفات .
ومن المعلوم الذي لا يمكن مدافعته أن مذهب الأشعري وأصحابه في مسائل الصفات أقرب
إلى مذهب أهل السنة والحديث من مذهب ابن حزم وأمثاله في ذلك " انتهى .
"درء تعارض العقل والنقل" (3 /24)
وقال شيخ الإسلام أيضا :
" وزعم ابن حزم أن أسماء الله تعالى الحسنى لا تدل على المعاني ، وهذا يشبه قول من
يقول بأنها تقال بالإشتراك اللفظي ، وأصل غلط هؤلاء شيئان : إما نفى الصفات والغلو
في نفى التشبيه ، وإما ظن ثبوت الكليات المشتركة في الخارج ، فالأول هو مأخذ
الجهمية ومن وافقهم على نفى الصفات ، قالوا إذا قلنا عليم يدل على علم وقدير يدل
على قدرة لزم من إثبات الأسماء إثبات الصفات .
وهذا مأخذ ابن حزم ؛ فإنه من نفاة الصفات مع تعظيمه للحديث والسنة والإمام أحمد ،
ودعواه أن الذي يقوله في ذلك هو مذهب أحمد وغيره ، وغلطه في ذلك بسبب أنه أخذ أشياء
من أقوال الفلاسفة والمعتزلة عن بعض شيوخه ، ولم يتفق له من يبين له خطأهم ،
وَنَقَل المنطق بالإسناد عن متى الترجمان " انتهى .
"منهاج السنة النبوية" (2 /353)
وقال ابن كثير رحمه الله :
" كان كثير الوقيعة في العلماء بلسانه وقلمه ، فأورثه ذلك حقدا في قلوب أهل زمانه ،
وما زالوا به حتى بغضوه إلى ملوكهم ، فطردوه عن بلاده ، حتى كانت وفاته في قرية له
في شعبان من هذه السنة ، وقد جاوز التسعين .
والعجب كل العجب منه أنه كان ظاهريا حائرا في الفروع ، لا يقول بشئ من القياس لا
الجلي ولا غيره ، وهذا الذي وضعه عند العلماء ، وأدخل عليه خطأ كبيرا في نظره
وتصرفه . وكان مع هذا من أشد الناس تأويلا في باب الأصول ، وآيات الصفات وأحاديث
الصفات ؛ لأنه كان أولا قد تضلع من علم المنطق ، أخذه عن محمد بن الحسن المذحجي
الكناني القرطبي ، ذكره ابن ماكولا وابن خلكان ، ففسد بذلك حاله في باب الصفات "
انتهى .
"البداية والنهاية" (12 /113) . وينظر : "طبقات علماء الحديث" لابن عبد الهادي
(3/349).
وقال علماء اللجنة الدائمة :
" من العلماء المبرزين في الأصول ، والفروع ، وفي علم الكتاب والسنة ، إلا أنه خالف
جمهور أهل العلم في مسائل كثيرة أخطأ فيها الصواب ؛ لجموده على الظاهر ، وعدم قوله
بالقياس الجلي المستوفي للشروط المعتبرة ، وخطأه في العقيدة بتأويل نصوص الأسماء
والصفات أشد وأعظم " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (12 /223)
وبالجملة : فقد خالف رحمه الله أهل السنة في كثير من القضايا والمسائل الكبار ، في
الأصول والفروع ، مما جعل كثير من أهل العلم يتنقصه ويغمزه في عقيدته – كما تقدم -
.
والحاصل :
أن الإمام أبا محمد ابن حزم رحمه الله ، من أهل العلم الكبار ، وحفاظ الحديث ،
والمعظمين للسنة وأهلها ، والطالبين لها ، الحريصين عليها وعلى اتباعه ، لكن وقع في
قلبه أصول من أصول الفلاسفة وأهل البدعة ، أورثته مقالات خالف بها أهل الحديث
والسنة في باب الأسماء والصفات خاصة ، وفي مسائل أخرى من الأصول والفروع ، ولذلك لا
يقال عنه إنه من أهل السنة بإطلاق ، في أبواب الصفات خاصة . وإن كان أيضا لا يخرج
من السنة وأهلها بالكلية ، ويعد من أهل البدع ، لتعظيمه للسنة وطريقه ، وحضها على
اتباعها وترك ما خالفها ، وإن كان قد أخطأ بعض تفاصيلها .
والله أعلم .
هل كان ابن حزم من أهل السنة ؟
الجواب :
الحمد لله
أبو محمد علي بن أحد بن سعيد بن حزم الفارسي الأصل ، ثم الأندلسي القرطبي رحمه الله
، صاحب التصانيف .
لا يشك من له أدنى دراية بالعلم وأهله في فرط ذكائه وحدة خاطرة وتعظيمه للسنة
والأثر ، لكن الكمال عزيز ، وما من أحد إلا ويؤخذ من قوله ويترك .
قال رحمه الله مبينا سلوكه مسلك السلف في الجملة ونبذه لأهل البدع :
" وإنما نعني بقولنا العلماء من حفظ عنه الفتيا من الصحابة والتابعين وتابعيهم
وعلماء الأمصار وأئمة أهل الحديث ومن تبعهم رضي الله عنهم أجمعين ، ولسنا نعني أبا
الهذيل ولا ابن الأصم ولا بشر بن المعتمر ولا إبراهيم بن سيار ولا جعفر بن حرب ولا
جعفر بن مبشر ولا ثمامة ولا أبا غفار ولا الرقاشي ولا الأزارقة والصفرية ولا جهال
الأباضية ولا أهل الرفض ؛ فإن هؤلاء لم يتعنوا من تثقيف الآثار ومعرفة صحيحها من
سقيمها ولا البحث عن أحكام القرآن لتمييز حق الفتيا من باطلها بطرف محمود ، بل
اشتغلوا عن ذلك بالجدال في أصول الاعتقادات ولكل قوم علمهم " انتهى .
"مراتب الإجماع" (ص 12-15)
وعلى الرغم من تعظيم الإمام ابن حزم للسنة وأهلها ، وتبحره في الحديث وعلومه ، وسعة
حفظه ، وعظيم معارفه ، قد وقعت له أمور من المخالفات للسنة وأهلها ، في مسائل
معروفة من الأصول والفروع .
قال الذهبي رحمه الله في ترجمته من "السير" (18/186-187) :
" نشأ في تنعم ورفاهية ، ورزق ذكاء مفرطا ، وذهنا سيالا ، وكتبا نفيسة كثيرة ، وكان
والده من كبراء أهل قرطبة ، عمل الوزارة في الدولة العامرية ، وكذلك وزر أبو محمد
في شبيبته ، وكان قد مهر أولا في الأدب والأخبار والشعر ، وفي المنطق وأجزاء
الفلسفة ، فأثرت فيه تأثيرا ليته سلم من ذلك ، ولقد وقفت له على تأليف يحض فيه على
الاعتناء بالمنطق ، ويقدمه على العلوم ، فتألمت له ، فإنه رأس في علوم الاسلام ،
متبحر في النقل ، عديم النظير ؛ على يُبْس فيه ، وفرط ظاهرية في الفروع لا الأصول .
قيل : إنه تفقه أولا للشافعي ، ثم أداه اجتهاده إلى القول بنفي القياس كله جليه
وخفيه ، والأخذ بظاهر النص وعموم الكتاب والحديث ، والقول بالبراءة الأصلية ،
واستصحاب الحال ، وصنف في ذلك كتبا كثيرة ، وناظر عليه ، وبسط لسانه وقلمه ، ولم
يتأدب مع الائمة في الخطاب ، بل فجَّج العبارة ، وسب وجدَّع ، فكان جزاؤه من جنس
فعله ، بحيث إنه أعرض
عن تصانيفه جماعة من الائمة ، وهجروها ، ونفروا منها ، وأحرقت في وقت ، واعتنى بها
آخرون من العلماء ، وفتشوها انتقادا واستفادة ، وأخذا ومؤاخذة ، ورأوا فيها الدر
الثمين ممزوجا في الرصف بالخرز المهين ، فتارة يطربون ، ومرة يعجبون ، ومن تفرده
يهزؤون .
وفي الجملة فالكمال عزيز ، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك ، إلا رسول الله صلى الله
عليه وسلم .
وكان ينهض بعلوم جمة ، ويجيد النقل ، ويحسن النظم والنثر .
وفيه دين وخير ، ومقاصده جميلة ، ومصنفاته مفيدة ، وقد زهد في الرئاسة ، ولزم منزله
مكبا على العلم ، فلا نغلو فيه ، ولا نجفو عنه ، وقد أثنى عليه قبلنا الكبار "
انتهى .
وترجم له في "السير" (18/184-212) ترجمة وافية .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَإِنْ كَانَ " أَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ حَزْمٍ " فِي مَسَائِلِ الْإِيمَانِ
وَالْقَدَرِ أَقْوَمَ مِنْ غَيْرِهِ وَأَعْلَمَ بِالْحَدِيثِ وَأَكْثَرَ تَعْظِيمًا
لَهُ وَلِأَهْلِهِ مَنْ غَيْرِهِ ، لَكِنْ قَدْ خَالَطَ مِنْ أَقْوَالِ
الْفَلَاسِفَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ فِي مَسَائِلِ الصِّفَاتِ مَا صَرَفَهُ عَنْ
مُوَافَقَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي مَعَانِي مَذْهَبِهِمْ فِي ذَلِكَ ، فَوَافَقَ
هَؤُلَاءِ فِي اللَّفْظِ وَهَؤُلَاءِ فِي الْمَعْنَى . وَبِمِثْلِ هَذَا صَارَ
يَذُمُّهُ مَنْ يَذُمُّهُ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِين وَعُلَمَاءِ
الْحَدِيثِ بِاتِّبَاعِهِ لِظَاهِرِ لَا بَاطِنَ لَهُ . كَمَا نَفَى الْمَعَانِيَ
فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالِاشْتِقَاقِ ، وَكَمَا نَفَى خَرْقَ الْعَادَاتِ
وَنَحْوَهُ مِنْ عِبَادَاتِ الْقُلُوبِ . مَضْمُومًا إلَى مَا فِي كَلَامِهِ مِنْ
الْوَقِيعَةِ فِي الْأَكَابِرِ وَالْإِسْرَافِ فِي نَفْيِ الْمَعَانِي ، وَدَعْوَى
مُتَابَعَةِ الظَّوَاهِرِ . وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْ الْإِيمَانِ وَالدِّينِ
وَالْعُلُومِ الْوَاسِعَةِ الْكَثِيرَةِ مَا لَا يَدْفَعُهُ إلَّا مُكَابِرٌ ؛
وَيُوجَدُ فِي كُتُبِهِ مِنْ كَثْرَةِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْأَقْوَالِ ،
وَالْمَعْرِفَةِ بِالْأَحْوَالِ ، وَالتَّعْظِيمِ لِدَعَائِمِ الْإِسْلَامِ ،
وَلِجَانِبِ الرِّسَالَةِ : مَا لَا يَجْتَمِعُ مِثْلُهُ لِغَيْرِهِ .
فَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا حَدِيثٌ ، يَكُونُ جَانِبُهُ فِيهَا
ظَاهِرَ التَّرْجِيحِ . وَلَهُ مِنْ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالضَّعِيفِ
وَالْمَعْرِفَةِ بِأَقْوَالِ السَّلَفِ مَا لَا يَكَادُ يَقَعُ مِثْلُهُ لِغَيْرِهِ
مِنْ الْفُقَهَاءِ " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (4 /19-20)
وقال شيخ الإسلام رحمه الله أيضا :
" وكذلك أبو محمد بن حزم مع معرفته بالحديث وانتصاره لطريقة داود وأمثاله من نفاة
القياس أصحاب الظاهر قد بالغ في نفي الصفات وردها إلى العلم ، مع أنه لا يثبت علما
هو صفة ويزعم أن أسماء الله كالعليم والقدير ونحوهما لا تدل على العلم والقدرة ،
وينتسب إلى الإمام أحمد وأمثاله من أئمة السنة ، ويدعي أن قوله هو قول أهل السنة
والحديث ، ويذم الأشعري وأصحابه ذما عظيما ، ويدعي أنهم خرجوا عن مذهب السنة
والحديث في الصفات .
ومن المعلوم الذي لا يمكن مدافعته أن مذهب الأشعري وأصحابه في مسائل الصفات أقرب
إلى مذهب أهل السنة والحديث من مذهب ابن حزم وأمثاله في ذلك " انتهى .
"درء تعارض العقل والنقل" (3 /24)
وقال شيخ الإسلام أيضا :
" وزعم ابن حزم أن أسماء الله تعالى الحسنى لا تدل على المعاني ، وهذا يشبه قول من
يقول بأنها تقال بالإشتراك اللفظي ، وأصل غلط هؤلاء شيئان : إما نفى الصفات والغلو
في نفى التشبيه ، وإما ظن ثبوت الكليات المشتركة في الخارج ، فالأول هو مأخذ
الجهمية ومن وافقهم على نفى الصفات ، قالوا إذا قلنا عليم يدل على علم وقدير يدل
على قدرة لزم من إثبات الأسماء إثبات الصفات .
وهذا مأخذ ابن حزم ؛ فإنه من نفاة الصفات مع تعظيمه للحديث والسنة والإمام أحمد ،
ودعواه أن الذي يقوله في ذلك هو مذهب أحمد وغيره ، وغلطه في ذلك بسبب أنه أخذ أشياء
من أقوال الفلاسفة والمعتزلة عن بعض شيوخه ، ولم يتفق له من يبين له خطأهم ،
وَنَقَل المنطق بالإسناد عن متى الترجمان " انتهى .
"منهاج السنة النبوية" (2 /353)
وقال ابن كثير رحمه الله :
" كان كثير الوقيعة في العلماء بلسانه وقلمه ، فأورثه ذلك حقدا في قلوب أهل زمانه ،
وما زالوا به حتى بغضوه إلى ملوكهم ، فطردوه عن بلاده ، حتى كانت وفاته في قرية له
في شعبان من هذه السنة ، وقد جاوز التسعين .
والعجب كل العجب منه أنه كان ظاهريا حائرا في الفروع ، لا يقول بشئ من القياس لا
الجلي ولا غيره ، وهذا الذي وضعه عند العلماء ، وأدخل عليه خطأ كبيرا في نظره
وتصرفه . وكان مع هذا من أشد الناس تأويلا في باب الأصول ، وآيات الصفات وأحاديث
الصفات ؛ لأنه كان أولا قد تضلع من علم المنطق ، أخذه عن محمد بن الحسن المذحجي
الكناني القرطبي ، ذكره ابن ماكولا وابن خلكان ، ففسد بذلك حاله في باب الصفات "
انتهى .
"البداية والنهاية" (12 /113) . وينظر : "طبقات علماء الحديث" لابن عبد الهادي
(3/349).
وقال علماء اللجنة الدائمة :
" من العلماء المبرزين في الأصول ، والفروع ، وفي علم الكتاب والسنة ، إلا أنه خالف
جمهور أهل العلم في مسائل كثيرة أخطأ فيها الصواب ؛ لجموده على الظاهر ، وعدم قوله
بالقياس الجلي المستوفي للشروط المعتبرة ، وخطأه في العقيدة بتأويل نصوص الأسماء
والصفات أشد وأعظم " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (12 /223)
وبالجملة : فقد خالف رحمه الله أهل السنة في كثير من القضايا والمسائل الكبار ، في
الأصول والفروع ، مما جعل كثير من أهل العلم يتنقصه ويغمزه في عقيدته – كما تقدم -
.
والحاصل :
أن الإمام أبا محمد ابن حزم رحمه الله ، من أهل العلم الكبار ، وحفاظ الحديث ،
والمعظمين للسنة وأهلها ، والطالبين لها ، الحريصين عليها وعلى اتباعه ، لكن وقع في
قلبه أصول من أصول الفلاسفة وأهل البدعة ، أورثته مقالات خالف بها أهل الحديث
والسنة في باب الأسماء والصفات خاصة ، وفي مسائل أخرى من الأصول والفروع ، ولذلك لا
يقال عنه إنه من أهل السنة بإطلاق ، في أبواب الصفات خاصة . وإن كان أيضا لا يخرج
من السنة وأهلها بالكلية ، ويعد من أهل البدع ، لتعظيمه للسنة وطريقه ، وحضها على
اتباعها وترك ما خالفها ، وإن كان قد أخطأ بعض تفاصيلها .
والله أعلم .