فأين العبادة وأين الاستعانة بالله عز وجل
أن أصيب بمصيبة ليرفع الله درجته في حبيب له مرض أو في قريب له مرض أو في
نفسه هو لم يذهب ولم يلجأ إلى الله ويطلب الأسباب الشرعية- بل يذهب إلى
السحرة ويذهب إلى الكهنة ويذهب إلى الدجالين أو المشعوذين فيبيع دينه
ودنياه ناسياً قول الله جل وعلا (ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه
الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار) وينسى قول المصطفى صلى الله
عليه وسلم "من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل
على محمد صلى الله عليه وسلم" يغدو فيحلف بكل شئ إلا بالله الذي لا إله
إلا هو ، بالطلاق يحلف وبالحرام يحلف وبالذمة يحلف وبالحياة يحلف
وبالنبي يحلف لكنه لا يحلف بالله الذي لا إله إلا هو ناسيا قوله صلى الله
عليه وسلم "من كان حالفاً فليلحف بالله أو ليصمت" "من حلف بغير الله فقد
كفر أو أشرك" "ومن حُلِفَ له بالله فليرض ومن لم يرض فليس من الله" هو
كما في الصحيح رجل من بني إسرائيل احتاج إلى مائة دينار ، فذهب إلي رجل
آخر وقال له أريد أن تقرضني مائة دينار قال هل لك من شهيد قال والله ما
لي من شهيد إلا الله قال فكفى بالله شهيداً، قال هل لك من كفيل قال ما
لي من كفيل إلا الله قال كفى بالله كفيلاً ، أعطاه المائة دينار فرضى
بالله كفيلاً وشاهداً وما كان من هذا الرجل إلا أن تواعد هو وإياه على
أن يلتقيا بعد مدة معلومة أخذ المائة الدينار وانتقل إلى بلده وذهب إلى
بلده وعبر البحر إلى بلده وكان بلده في الشاطئ الثاني وجمع المائة الدينار
يريد أن يفي بوعده جزاء لما أقرضه وجاء إلى البحر ينتظر سفينة لعلها
توصله فلم يجد سفينة من السفن ولم يجد مركباً من المراكب ويريد أن
يوصلها في وقتها فماذا فعل أخذ عوداً من الحطب ثم حفره ثم وضع المائة
الدينار ثم أغلقه ثم رفع يديه إلى الله سبحانه وتعالى وقال اللهم يارب
إني استقرضته فأقرضني ورضي بك كفيلا ورضي بك شاهداً ولم أجد ما أوصل له
هذه الدراهم اللهم فبلغه هذه الدراهم والدنانير ثم رمى بها في البحر
وتأتي رياح الله عز وجل تسوقها إلى الشاطئ الثاني ذاك ينتظر آية من مجيء
هذه الدراهم وآية من مجيء الرجل وظن أنه قد غدر به فكان يقول حسبي الله
ونعم الوكيل وإذ بهذه الخشبة على الأمواج تأتي إلى طرف البحر قال إذاً
آخذ هذا العود من خشب لعلي أرجع به لنحتطبه ولأشعل به ناراً خير من أن
أرجع بلا شيء. أخذه وذهب إلى بيته وجاء ليكسر العود وإذ بهذه المائة
الدينار في وسطه فقال لا إله إلا الله من رضي بالله كفاه الله فهل رضينا
بالله جل وعلا ، وذاك غاد آخر يغدو لإعتاق نفسه إن تكلم فبذكر الله وإن استعان استعان بالله
وإن سأل فبالله وإن أصيب بمصيبة لجأ إلى الله ثم طلب الأسباب الشرعية لا
الأسباب الشركية إن حَلَفَ فبالله ، وإن حُلِفَ له بالله رضي فهو غاد
في حفظ الله وعائد في عناية الله فأي الغاديين أنت فكل يغدو فبائع نفسه
فمعتقها أو موبقها
وغاد آخر يغدو فيقدم مراد الله عز وجل على شهواته وعاداته ويقدم مراد الله
وأوامر الله على لذاته وعاداته وتقاليده فالحكم حكم الله والأمر أمر
الله والنهي نهي الله والسعادة لا تكون إلا من الله ووالله لن يسعد
إنسان حتى يقدم أوامر الله على كل هوى في نفسه وعلى كل حكم وعلى كل أمر
وعلى كل نهي عند ذلك يكون له الأجر العظيم والخير العظيم من الله ، في
الأثر إن الله عز وجل يقول "وعزتي وجلالي ما من عبد آثر هواي على هواه
إلا أقللت همومه وجمعت له ضيعته ونزعت الفقر من قلبه وجعلت الغنى بين
عينه واستجرت له من وراء كل هذا" وآخر يقدم ويغدو فيقدم شهوات نفسه
ولذائذها وعاداتها وتقاليدها على مراد الله جل وعلا فتجده يعبد هواه ما
وافق عادته وشهوته وهواه فهو الحق في رأيه فيعمل به وما خالفها فهو
الباطل فيعرض عنه حتى لو كان كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
(أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) يريد الدين موافقا لشهواته يريد الدين
موافقاً لرغباته يريد أن يخضع له كل شئ فيقبل أي حكم ويرفض أي حكم ما
دام أنه لا يتفق مع شهوته (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم
الكافرون) (فأولئك هم الفاسقون) (فأولئك هم الظالمون) في الأثر أن الله
عز وجل يقول: "وعزتي وجلالي ما من عبد آثر هواه على هواي إلا كَثَّرت همومه
وفرقت عليه ضيعته ونزعت الغنى من قلبه وجعلت الفقر بين عينيه ثم لا
أبالي في أي أودية النار هلك" فأي الغاديين أنت فكل يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها،
وغاد أخر يغدو فيترك الصلاة ويتبع الشهوات فيوبق نفسه كأنه لم يسمع قول رب العزة والجلال (فخلف
من بعدهم خلق أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً) كأنه لم
يسمع قول الله (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) كأنه لم يسمع الذين
لم يصلوا يوم أصبحوا في النار يوم يقول الله لهم (ما سلككم في صقر
قالوا لم نك من المصلين) الصلاة ركن هام وفرض فرضه الله لأهميته من فوق
سبع سماوات أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ثم عُرج به
إلى السماوات العلا لتفرض عليه من فوق سبع سماوات أمانة عظيمة ويل لمن
ضيعها من تركها فقد كفر بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم يقول
"العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة من تركها فقد كفر" ويترتب على ذلك ألا
يزوج لأنه كافر وإن كان متزوجاً بطل نكاحه ، لا يغسل إذا مات ، ولا
يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يرث ولا يورث ولا يجوز
الاستغفار له بعد موته لا يجوز أن نقول اللهم ارحمه اللهم اغفر له لأن
الله يقول (ما كان للنبي والذين آمنوا معه أن يستغفروا للمشركين ولو
كانوا أولي قربى ) وأسأل الله ألا يكون فينا من يترك الصلاة يترك الصلة
بينه وبين ربه لكن قد نجد فينا الكسول الذي لا يصليها مع المسلمين وإنما
يصليها في بيته نقول لهذا قد فَوَّتَّ على نفسك أجراً عظيماً وارتكبت
إثماً مبينا إن رب العزة والجلال يقول (واركعوا ما الراكعين ) وهو
القائل ( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو
والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة ).
تقول
[عائشة] رضى الله عنها وهى تصف هيئة النبي صلى الله عليه وسلم في بيته
تقول كان يكون في خدمة أهله يخصف نعله ويعجن العجين أحياناً صلى الله
عليه وسلم فإذا سمع الله أكبر فكأنه لا يعرفنا ولا نعرفه سمع نداء الله
فلبى نداء الله صلى الله عليه وسلم هو القائل صلى الله عليه وسلم في
رؤياه ورؤيا الأنبياء حق ووحي كما روى [البخاري] عن [سمرة بن جندب] يقول
"أتاني الليلة آتيان فانطلقا بي حتى جئنا على رجل مضطجع ممدود وآخر
قائم عليه بصخرة يسلب رأسه فينشدق رأسه ويتدهده الحجر قال ثم يصح رأسه
فيعود كما كان ثم يفعل به مثل ما فعل في المرة الأولى قال صلى الله عليه
وسلم فقلت ما هذا قالوا هذا لرجل يقرأ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة
المكتوبة" لا إله إلا الله أي جسد يطيق مثل هذا العذاب وَرُوِيَ كما
أخرج [الحاكم] عن [ابن عباس] "ثلاثة لعنهم الله رجل أم قوما هم له
كارهون وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط ورجل سمع حي على الصلاة حي على
الفلاح ثم لم يجبه" يقول [أبو هريرة] رضي الله عنه وأرضاه :لئن تمتلئ
أذنا ابن آدم رصاصاً مذاباً خير له من أن يسمع حي على الصلاة حي على
الفلاح ثم لم يجبه ويقول صلى الله عليه وسلم " أثقل الصلاة على المنافقين
صلاة العشاء والفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا ولقد هممت أن
آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلاً فيؤم الناس ثم أنطلق برجال معهم حزم من
حطب لأحرق عليهم بيوتهم بالنار" وفي رواية "ولولا ما فيها من النساء
والذرية لفعلت ذلك" أو كما قال صلى الله عليه وسلم .
هذا
غاد أما آخر فيغدو إلى المسجد ليصلي مع جماعة المسلمين فيعد الله له في
الجنة نزلاً كلما غدا أو راح ما خطا خطوة إلا كُتِبَ له بها حسنة ولا
رفع أخرى إلا وَرُفِعَ عنه سيئة ، ما جلس من مجلس إلا وملك موكل به يقول
اللهم اغفر له اللهم ارحمه حتى تقام الصلاة فما بالك إذا كان يقرأ
القرآن ها هو [ثابت بن عامر بن عبد الله بن الزبير] يقول أبناؤه: كان
كثيراً ما يقول اللهم إني أسألك الميتة الحسنة قالوا وما الميتة الحسنة
يا أبتاه قال أن يتوفاني الله وأنا ساجد وتحل به سكرات الموت قبل صلاة
المغرب ويسمع نداء الله أكبر الله أكبر حي على الصلاة حي على الفلاح
فماذا كان منه قال أقعدوني واحملوني إلى المسجد قالوا عذرك الله ،مريض في
سكرات الموت قال لا أسمع حي على الصلاة حي على الفلاح ثم لا أجيب فحملوه
على أكتافهم وأوصلوه إلى المسجد فصلى معهم صلاة المغرب حتى الركعة
الأخير فسجد فكانت السجدة الأخيرة (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت
في الحياة الدنيا وفي الآخرة) وهاهو [حاتم الأصم] عليه رحمة الله فاتته
صلاة العصر يوما من الأيام جماعة مع المسلمين فذهب أهل المسجد يعزونه
في جماعة فاتته كانوا يعزي بعضهم بعضا إذا فاتته جماعة دخلوا عليه في
بيته وهم قلة فعزوه فبكى قالوا ما يبكيك قال أبكي لأنها فاتتني جماعة
فعزاني بعض أهل المدينة ووالله لو مات أحد أبنائي لعزاني أهل
<المدينة> كلهم ووالله لموت أبنائي جميعاً أهون على من فوات هذه
الجماعة هكذا كان سلفنا الكرام [سعيد بن المسيب] في سكرات الموت بنياته
الصغار حواليه يبكين فيقول لهن أَحْسِنَّ الظن بالله فوالله ما فاتتني
تكبيرة الإحرام في المسجد ستين سنة هكذا كانوا أيها الأحبة فأي الغاديين
أنت وكل يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها .
وذاك
غاد يغدو لإهلاك نفسه فيسلط لسانه ويسلط سنانه ويسلط قلمه في النيل من
المسلمين بالسخرية بهم والاستهزاء بدين الله والاستهزاء بعباد الله
والاستهزاء بشعائر الله ليرتكب أعظم جريمة ألا وهي الدعوة إلى الظلام
فيكون عليه وزره ووزر من أضله إلي يوم القيامة وفوق ذلك يبوء بالكفر
الذي يقوده إلى النار. في غزوة تبوك يوم اتجه المسلمون مع قائدهم صلى
الله عليه وسلم إلى تبوك من <المدينة> حوالي ألف كيلو في صحار في
وقت حار بلغ بهم الجهد مبلغه حتى أن أحدهم في ليلة من الليالي قام يبول
فسمع صوت جلد تحت بوله فما كان إلا أن نفضه من البول ثم أشعل النار ووضعه
فيها وأكله من شدة ما يلاقي من الجوع وتأتي ثلة منهم ليسخروا برسول الله
وبأصحابه فيقلون ما رأينا كقرائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أجبن عند
اللقاء يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويأتي الكلام من
الله عز وجل إلى رسوله ويسري الخبر بينهم فيلحقون بالنبي صلى الله عليه
وسلم ويقولون (إنما كنا نخوض ونلعب) فيقول النبي صلى الله عليه وسلم
بكلام الله (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم
من بعد إيمانكم) ، يغدو أحدهم فيكتب كلاماً يسب فيه الإله سبحانه
وتعالى يقول
لم يبق من كتب السماء كتاب *** مات الإله وعاشت الأنصاب
جل الله سبحانه تعالى ثم يستهزئ ثم يسخر ويظن أنه لن يقف بين يدي الله جل وعلا لكن
إذا عير الطائي بالبخل ما در *** وعير قسا بالفهاهة باقل
وقال السها للشمس أنت كثيفة *** وقال الدجى للبدر وجهك حائل
فيا موت زر إن الحياة كئيبة *** ثم يا نفس جدي إن دهرك هازل
آخر
يغدو ليعتق نفسه فيدعو الناس إلى توحيد الله ويدعو الناس إلى ما فيه
الخير بقلمه وبلسانه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لأنه من أمة الأمر
والنهي وأنتم يا أهل هذه القرية البعيدة عن صخب المدينة وعما يحدث في
المدنية من الفساد إنكم لتغبطون على قريتكم هذه بين هذه الجبال وإنكم
لتغبطون على مثل هذا الاجتماع فالله الله لا تسكتوا على منكر الله الله
سلطوا ألسنتكم في الأمر بالمعروف كونوا جبهة ضد كل مفسد فوالله ما يمكن
أن تسعد هذه البلدة ولا تسعد أي بلدة في بلاد الدنيا إلا بالأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر بـ قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم
فلنأمر في بيوتنا ولنأمر في شوارعنا ولننهى عن المنكر أياً كان المنكر لأن
الله عز وجل رتب النجاة للذين ينهون عن السوء (وأنجينا الذين ينهون عن
السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس) يوم تأمر بالمعروف ويوم تنهى عن
المنكر فيستجيب لك واحد يكون لك مثل أجره لا ينقص من أجره شئ ثم إن الله
يهدي بك الضال فيكون لك من الأجور الشيء الكثير "لأن يهدى الله بك
رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم" أتريد رحمة الله يا عبد الله اسمع
ماذا قال الله (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف
وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله
أولئك سيرحمهم الله) أسأل الله أن يرحمنا وإياكم برحمته فأي الغاديين أنت وكل يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها .
وذاك
غاد في دنياه ويصاب بمصيبة فيوبق نفسه ويهلكها فيتسخط من قضاء الله
وقدره ويعترض على قدر الله ما علم أن المصائب ترفع الدرجات لمن احتسبها
عند الله سبحانه وتعالى وما علم أن الله مع الصابرين يصاب في دنياه
فيكسر دينه
أن أصيب بمصيبة ليرفع الله درجته في حبيب له مرض أو في قريب له مرض أو في
نفسه هو لم يذهب ولم يلجأ إلى الله ويطلب الأسباب الشرعية- بل يذهب إلى
السحرة ويذهب إلى الكهنة ويذهب إلى الدجالين أو المشعوذين فيبيع دينه
ودنياه ناسياً قول الله جل وعلا (ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه
الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار) وينسى قول المصطفى صلى الله
عليه وسلم "من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل
على محمد صلى الله عليه وسلم" يغدو فيحلف بكل شئ إلا بالله الذي لا إله
إلا هو ، بالطلاق يحلف وبالحرام يحلف وبالذمة يحلف وبالحياة يحلف
وبالنبي يحلف لكنه لا يحلف بالله الذي لا إله إلا هو ناسيا قوله صلى الله
عليه وسلم "من كان حالفاً فليلحف بالله أو ليصمت" "من حلف بغير الله فقد
كفر أو أشرك" "ومن حُلِفَ له بالله فليرض ومن لم يرض فليس من الله" هو
كما في الصحيح رجل من بني إسرائيل احتاج إلى مائة دينار ، فذهب إلي رجل
آخر وقال له أريد أن تقرضني مائة دينار قال هل لك من شهيد قال والله ما
لي من شهيد إلا الله قال فكفى بالله شهيداً، قال هل لك من كفيل قال ما
لي من كفيل إلا الله قال كفى بالله كفيلاً ، أعطاه المائة دينار فرضى
بالله كفيلاً وشاهداً وما كان من هذا الرجل إلا أن تواعد هو وإياه على
أن يلتقيا بعد مدة معلومة أخذ المائة الدينار وانتقل إلى بلده وذهب إلى
بلده وعبر البحر إلى بلده وكان بلده في الشاطئ الثاني وجمع المائة الدينار
يريد أن يفي بوعده جزاء لما أقرضه وجاء إلى البحر ينتظر سفينة لعلها
توصله فلم يجد سفينة من السفن ولم يجد مركباً من المراكب ويريد أن
يوصلها في وقتها فماذا فعل أخذ عوداً من الحطب ثم حفره ثم وضع المائة
الدينار ثم أغلقه ثم رفع يديه إلى الله سبحانه وتعالى وقال اللهم يارب
إني استقرضته فأقرضني ورضي بك كفيلا ورضي بك شاهداً ولم أجد ما أوصل له
هذه الدراهم اللهم فبلغه هذه الدراهم والدنانير ثم رمى بها في البحر
وتأتي رياح الله عز وجل تسوقها إلى الشاطئ الثاني ذاك ينتظر آية من مجيء
هذه الدراهم وآية من مجيء الرجل وظن أنه قد غدر به فكان يقول حسبي الله
ونعم الوكيل وإذ بهذه الخشبة على الأمواج تأتي إلى طرف البحر قال إذاً
آخذ هذا العود من خشب لعلي أرجع به لنحتطبه ولأشعل به ناراً خير من أن
أرجع بلا شيء. أخذه وذهب إلى بيته وجاء ليكسر العود وإذ بهذه المائة
الدينار في وسطه فقال لا إله إلا الله من رضي بالله كفاه الله فهل رضينا
بالله جل وعلا ، وذاك غاد آخر يغدو لإعتاق نفسه إن تكلم فبذكر الله وإن استعان استعان بالله
وإن سأل فبالله وإن أصيب بمصيبة لجأ إلى الله ثم طلب الأسباب الشرعية لا
الأسباب الشركية إن حَلَفَ فبالله ، وإن حُلِفَ له بالله رضي فهو غاد
في حفظ الله وعائد في عناية الله فأي الغاديين أنت فكل يغدو فبائع نفسه
فمعتقها أو موبقها
وغاد آخر يغدو فيقدم مراد الله عز وجل على شهواته وعاداته ويقدم مراد الله
وأوامر الله على لذاته وعاداته وتقاليده فالحكم حكم الله والأمر أمر
الله والنهي نهي الله والسعادة لا تكون إلا من الله ووالله لن يسعد
إنسان حتى يقدم أوامر الله على كل هوى في نفسه وعلى كل حكم وعلى كل أمر
وعلى كل نهي عند ذلك يكون له الأجر العظيم والخير العظيم من الله ، في
الأثر إن الله عز وجل يقول "وعزتي وجلالي ما من عبد آثر هواي على هواه
إلا أقللت همومه وجمعت له ضيعته ونزعت الفقر من قلبه وجعلت الغنى بين
عينه واستجرت له من وراء كل هذا" وآخر يقدم ويغدو فيقدم شهوات نفسه
ولذائذها وعاداتها وتقاليدها على مراد الله جل وعلا فتجده يعبد هواه ما
وافق عادته وشهوته وهواه فهو الحق في رأيه فيعمل به وما خالفها فهو
الباطل فيعرض عنه حتى لو كان كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
(أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) يريد الدين موافقا لشهواته يريد الدين
موافقاً لرغباته يريد أن يخضع له كل شئ فيقبل أي حكم ويرفض أي حكم ما
دام أنه لا يتفق مع شهوته (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم
الكافرون) (فأولئك هم الفاسقون) (فأولئك هم الظالمون) في الأثر أن الله
عز وجل يقول: "وعزتي وجلالي ما من عبد آثر هواه على هواي إلا كَثَّرت همومه
وفرقت عليه ضيعته ونزعت الغنى من قلبه وجعلت الفقر بين عينيه ثم لا
أبالي في أي أودية النار هلك" فأي الغاديين أنت فكل يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها،
وغاد أخر يغدو فيترك الصلاة ويتبع الشهوات فيوبق نفسه كأنه لم يسمع قول رب العزة والجلال (فخلف
من بعدهم خلق أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً) كأنه لم
يسمع قول الله (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) كأنه لم يسمع الذين
لم يصلوا يوم أصبحوا في النار يوم يقول الله لهم (ما سلككم في صقر
قالوا لم نك من المصلين) الصلاة ركن هام وفرض فرضه الله لأهميته من فوق
سبع سماوات أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ثم عُرج به
إلى السماوات العلا لتفرض عليه من فوق سبع سماوات أمانة عظيمة ويل لمن
ضيعها من تركها فقد كفر بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم يقول
"العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة من تركها فقد كفر" ويترتب على ذلك ألا
يزوج لأنه كافر وإن كان متزوجاً بطل نكاحه ، لا يغسل إذا مات ، ولا
يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يرث ولا يورث ولا يجوز
الاستغفار له بعد موته لا يجوز أن نقول اللهم ارحمه اللهم اغفر له لأن
الله يقول (ما كان للنبي والذين آمنوا معه أن يستغفروا للمشركين ولو
كانوا أولي قربى ) وأسأل الله ألا يكون فينا من يترك الصلاة يترك الصلة
بينه وبين ربه لكن قد نجد فينا الكسول الذي لا يصليها مع المسلمين وإنما
يصليها في بيته نقول لهذا قد فَوَّتَّ على نفسك أجراً عظيماً وارتكبت
إثماً مبينا إن رب العزة والجلال يقول (واركعوا ما الراكعين ) وهو
القائل ( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو
والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة ).
تقول
[عائشة] رضى الله عنها وهى تصف هيئة النبي صلى الله عليه وسلم في بيته
تقول كان يكون في خدمة أهله يخصف نعله ويعجن العجين أحياناً صلى الله
عليه وسلم فإذا سمع الله أكبر فكأنه لا يعرفنا ولا نعرفه سمع نداء الله
فلبى نداء الله صلى الله عليه وسلم هو القائل صلى الله عليه وسلم في
رؤياه ورؤيا الأنبياء حق ووحي كما روى [البخاري] عن [سمرة بن جندب] يقول
"أتاني الليلة آتيان فانطلقا بي حتى جئنا على رجل مضطجع ممدود وآخر
قائم عليه بصخرة يسلب رأسه فينشدق رأسه ويتدهده الحجر قال ثم يصح رأسه
فيعود كما كان ثم يفعل به مثل ما فعل في المرة الأولى قال صلى الله عليه
وسلم فقلت ما هذا قالوا هذا لرجل يقرأ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة
المكتوبة" لا إله إلا الله أي جسد يطيق مثل هذا العذاب وَرُوِيَ كما
أخرج [الحاكم] عن [ابن عباس] "ثلاثة لعنهم الله رجل أم قوما هم له
كارهون وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط ورجل سمع حي على الصلاة حي على
الفلاح ثم لم يجبه" يقول [أبو هريرة] رضي الله عنه وأرضاه :لئن تمتلئ
أذنا ابن آدم رصاصاً مذاباً خير له من أن يسمع حي على الصلاة حي على
الفلاح ثم لم يجبه ويقول صلى الله عليه وسلم " أثقل الصلاة على المنافقين
صلاة العشاء والفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا ولقد هممت أن
آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلاً فيؤم الناس ثم أنطلق برجال معهم حزم من
حطب لأحرق عليهم بيوتهم بالنار" وفي رواية "ولولا ما فيها من النساء
والذرية لفعلت ذلك" أو كما قال صلى الله عليه وسلم .
هذا
غاد أما آخر فيغدو إلى المسجد ليصلي مع جماعة المسلمين فيعد الله له في
الجنة نزلاً كلما غدا أو راح ما خطا خطوة إلا كُتِبَ له بها حسنة ولا
رفع أخرى إلا وَرُفِعَ عنه سيئة ، ما جلس من مجلس إلا وملك موكل به يقول
اللهم اغفر له اللهم ارحمه حتى تقام الصلاة فما بالك إذا كان يقرأ
القرآن ها هو [ثابت بن عامر بن عبد الله بن الزبير] يقول أبناؤه: كان
كثيراً ما يقول اللهم إني أسألك الميتة الحسنة قالوا وما الميتة الحسنة
يا أبتاه قال أن يتوفاني الله وأنا ساجد وتحل به سكرات الموت قبل صلاة
المغرب ويسمع نداء الله أكبر الله أكبر حي على الصلاة حي على الفلاح
فماذا كان منه قال أقعدوني واحملوني إلى المسجد قالوا عذرك الله ،مريض في
سكرات الموت قال لا أسمع حي على الصلاة حي على الفلاح ثم لا أجيب فحملوه
على أكتافهم وأوصلوه إلى المسجد فصلى معهم صلاة المغرب حتى الركعة
الأخير فسجد فكانت السجدة الأخيرة (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت
في الحياة الدنيا وفي الآخرة) وهاهو [حاتم الأصم] عليه رحمة الله فاتته
صلاة العصر يوما من الأيام جماعة مع المسلمين فذهب أهل المسجد يعزونه
في جماعة فاتته كانوا يعزي بعضهم بعضا إذا فاتته جماعة دخلوا عليه في
بيته وهم قلة فعزوه فبكى قالوا ما يبكيك قال أبكي لأنها فاتتني جماعة
فعزاني بعض أهل المدينة ووالله لو مات أحد أبنائي لعزاني أهل
<المدينة> كلهم ووالله لموت أبنائي جميعاً أهون على من فوات هذه
الجماعة هكذا كان سلفنا الكرام [سعيد بن المسيب] في سكرات الموت بنياته
الصغار حواليه يبكين فيقول لهن أَحْسِنَّ الظن بالله فوالله ما فاتتني
تكبيرة الإحرام في المسجد ستين سنة هكذا كانوا أيها الأحبة فأي الغاديين
أنت وكل يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها .
وذاك
غاد يغدو لإهلاك نفسه فيسلط لسانه ويسلط سنانه ويسلط قلمه في النيل من
المسلمين بالسخرية بهم والاستهزاء بدين الله والاستهزاء بعباد الله
والاستهزاء بشعائر الله ليرتكب أعظم جريمة ألا وهي الدعوة إلى الظلام
فيكون عليه وزره ووزر من أضله إلي يوم القيامة وفوق ذلك يبوء بالكفر
الذي يقوده إلى النار. في غزوة تبوك يوم اتجه المسلمون مع قائدهم صلى
الله عليه وسلم إلى تبوك من <المدينة> حوالي ألف كيلو في صحار في
وقت حار بلغ بهم الجهد مبلغه حتى أن أحدهم في ليلة من الليالي قام يبول
فسمع صوت جلد تحت بوله فما كان إلا أن نفضه من البول ثم أشعل النار ووضعه
فيها وأكله من شدة ما يلاقي من الجوع وتأتي ثلة منهم ليسخروا برسول الله
وبأصحابه فيقلون ما رأينا كقرائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أجبن عند
اللقاء يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويأتي الكلام من
الله عز وجل إلى رسوله ويسري الخبر بينهم فيلحقون بالنبي صلى الله عليه
وسلم ويقولون (إنما كنا نخوض ونلعب) فيقول النبي صلى الله عليه وسلم
بكلام الله (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم
من بعد إيمانكم) ، يغدو أحدهم فيكتب كلاماً يسب فيه الإله سبحانه
وتعالى يقول
لم يبق من كتب السماء كتاب *** مات الإله وعاشت الأنصاب
جل الله سبحانه تعالى ثم يستهزئ ثم يسخر ويظن أنه لن يقف بين يدي الله جل وعلا لكن
إذا عير الطائي بالبخل ما در *** وعير قسا بالفهاهة باقل
وقال السها للشمس أنت كثيفة *** وقال الدجى للبدر وجهك حائل
فيا موت زر إن الحياة كئيبة *** ثم يا نفس جدي إن دهرك هازل
آخر
يغدو ليعتق نفسه فيدعو الناس إلى توحيد الله ويدعو الناس إلى ما فيه
الخير بقلمه وبلسانه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لأنه من أمة الأمر
والنهي وأنتم يا أهل هذه القرية البعيدة عن صخب المدينة وعما يحدث في
المدنية من الفساد إنكم لتغبطون على قريتكم هذه بين هذه الجبال وإنكم
لتغبطون على مثل هذا الاجتماع فالله الله لا تسكتوا على منكر الله الله
سلطوا ألسنتكم في الأمر بالمعروف كونوا جبهة ضد كل مفسد فوالله ما يمكن
أن تسعد هذه البلدة ولا تسعد أي بلدة في بلاد الدنيا إلا بالأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر بـ قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم
فلنأمر في بيوتنا ولنأمر في شوارعنا ولننهى عن المنكر أياً كان المنكر لأن
الله عز وجل رتب النجاة للذين ينهون عن السوء (وأنجينا الذين ينهون عن
السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس) يوم تأمر بالمعروف ويوم تنهى عن
المنكر فيستجيب لك واحد يكون لك مثل أجره لا ينقص من أجره شئ ثم إن الله
يهدي بك الضال فيكون لك من الأجور الشيء الكثير "لأن يهدى الله بك
رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم" أتريد رحمة الله يا عبد الله اسمع
ماذا قال الله (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف
وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله
أولئك سيرحمهم الله) أسأل الله أن يرحمنا وإياكم برحمته فأي الغاديين أنت وكل يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها .
وذاك
غاد في دنياه ويصاب بمصيبة فيوبق نفسه ويهلكها فيتسخط من قضاء الله
وقدره ويعترض على قدر الله ما علم أن المصائب ترفع الدرجات لمن احتسبها
عند الله سبحانه وتعالى وما علم أن الله مع الصابرين يصاب في دنياه
فيكسر دينه