السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله الذي خلّص قلوب عباده المتقين من ظُلْم الشهوات ، وأخلص عقولهم عن ظُلَم الشبهات
أحمده حمد من رأى آيات قدرته الباهرة ، وبراهين عظمته القاهرة ، وأشكره شكر من اعترف بمجده وكماله
واغترف من بحر جوده وأفضاله وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر الأرضين والسماوات ، شهادة تقود قائلها إلى الجنات
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، وحبيبه وخليله ، والمبعوث إلى كافة البريات ، بالآيات المعجزات
والمنعوت بأشرف الخلال الزاكيات صلى الله عليه وعلى آله الأئمة الهداة ، وأصحابه الفضلاء الثقات
وعلى أتباعهم بإحسان ، وسلم كثيرا
أما بعد :
فإن اصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها،
وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار
ــــ أعاذنا الله وإياكم من النار ــــ
[center]
الحمد لله الذي خلّص قلوب عباده المتقين من ظُلْم الشهوات ، وأخلص عقولهم عن ظُلَم الشبهات
أحمده حمد من رأى آيات قدرته الباهرة ، وبراهين عظمته القاهرة ، وأشكره شكر من اعترف بمجده وكماله
واغترف من بحر جوده وأفضاله وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر الأرضين والسماوات ، شهادة تقود قائلها إلى الجنات
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، وحبيبه وخليله ، والمبعوث إلى كافة البريات ، بالآيات المعجزات
والمنعوت بأشرف الخلال الزاكيات صلى الله عليه وعلى آله الأئمة الهداة ، وأصحابه الفضلاء الثقات
وعلى أتباعهم بإحسان ، وسلم كثيرا
أما بعد :
فإن اصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها،
وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار
ــــ أعاذنا الله وإياكم من النار ــــ
[center]
قوله تعالى::(وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا)
لأهل العلم في تفسير هذه الآية قولان مشهوران :
القول الأول :
أن
المعني : لا تنس نصيبك مما أباح الله لك فيها من المآكل والمشارب والملابس
والمساكن والمناكح ، فإن لربك عليك حقًّا ، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك
عليك حقا .
"تفسير ابن كثير" (6/253) .
وهذا قول الحسن وقتادة وابن جريج .
وقد سئل الإمام مَالِكٌ رحمه الله عَنْ هذه الآية فَقَالَ : (أَنْ يَعِيشَ وَيَأْكُلَ وَيَشْرَبَ غَيْرَ مُضَيِّقٍ عَلَيْهِ فِي رَأْيٍ) انتهى .
"المنتقى" (4 / 302) .
ويؤيده قوله تعالى قبلها : ( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ )
أي : استعمل ما وهبك الله من هذا المال الجزيل والنعمة الطائلة ، في طاعة
ربك والتقرب إليه بأنواع القربات ، التي يحصل لك بها الثواب في الدار
الآخرة ، ولا تنس مع ذلك نصيبك من الدنيا .
فلا نأمرك أن تتصدق بجميع مالك وتبقى ضائعا ، بل أنفق لآخرتك ، واستمتع بدنياك استمتاعا لا يضر دينك ، ولا يضر بآخرتك .
راجع : "تفسير الطبري" (19 / 625) - "تفسير ابن كثير" (6/253) – "زاد المسير" (6/241) - "تفسير السعدي" (ص/623) .
"والإسلام
وسط في العمل للدنيا والآخرة ، فكل منهما عبادة لله تعالى ، وتحقيق لغاية
الوجود الإنساني ضمن شروط معينة ، بينما تأرجحت المذاهب الأخرى بين
الاهتمام بالنواحي المادية الذي يظهر في المدنية الغربية الحديثة ، وأصبح
معبودها هو المال والقوة والرفاهية والرقي المادي - وبين الإزراء بهذا
الرقي المادي والمتاع الدنيوي كما هو الشأن في المذاهب التي تدعو إلى
الرهبنة وتعذيب الجسد من أجل الروح وتهذيبها للوصول إلى مرحلة الفناء ،
أما الإسلام فيقول الله تعالى : (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) البقرة /201 ، وقوله : (وَابْتَغِ
فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ
الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ
الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)
القصص/77 " .
"بحوث ندوة أثر القرآن في تحقيق الوسطية ودفع الغلو" (ص/400) .
والقول الثاني :
لا تنس نصيبك من الدنيا بأن تعمل فيها للآخرة .
وهذا القول اختاره أكثر المفسرين ، وهو قول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما .
قال الشوكاني :
"قال
جمهور المفسرين : وهو أن يعمل في دنياه لآخرته ، ونصيبُ الإنسان : عمرهُ
وعملُه الصالح . قال الزجاج : معناه : لا تنس أن تعمل لآخرتك ، لأن حقيقة
نصيب الإنسان من الدنيا الذي يعمل به لآخرته" انتهى .
"فتح القدير" (4/266) .
وعن مجاهد قال : عمرك تعمل فيه لآخرتك . "تفسير ابن أبى حاتم" (9 / 3010) .
وقال مجاهد أيضا : لا تترك أن تعمل في الدنيا للآخرة حتى تنجو من العذاب ، لأن حقيقة نصيب الإنسان من الدنيا أن يعمل للآخرة .
"تفسير البغوي" (6 / 221) .
وقال عون بن عبد الله : إن قوما يضعونها على غير موضعها (وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا) :
تعمل فيها بطاعة الله .
"تفسير الطبري" (19 / 524) .
وقال الطبري يقول : ولا تترك نصيبك وحظك من الدنيا ، أن تأخذ فيها بنصيبك من الآخرة ، فتعمل فيه بما ينجيك غدا من عقاب الله .
"تفسير الطبري" (19 / 524) .
وقال
القرطبي : "اختلف فيه ؛ فقال ابن عباس والجمهور : لا تضيع عمرك في ألا
تعمل عملا صالحا في دنياك ؛ إذ الآخرة إنما يعمل لها ، فنصيبُ الإنسان :
عمره وعمله الصالح فيها ، فالكلام على هذا التأويل شدة في الموعظة .
وقال
الحسن وقتادة : معناه : لا تضيع حظك من دنياك في تمتعك بالحلال وطلبك إياه
، ونظرك لعاقبة دنياك . فالكلام على هذا التأويل فيه بعض الرفق به وإصلاح
الأمر الذي يشتهيه" انتهى .
"الجامع لأحكام القرآن" (13 / 314) .
ولا
منافاة بين القولين فالمؤمن لا ينسى نصيبه من الدنيا ـ فيتمتع بها تمتعاً
مباحاً ، لا يجره إلى الحرام ، ويستعين بهذا المباح على طاعة الله تعالى ،
فهو ترويح عن النفس ، واستجماع لنشاطها .
والمؤمن لا ينسى نصيبه من الدنيا ، وهو عمله الصالح الذي سيصحبه في قبره ، ولهذا أثنى الله تعالى على من يدعو قائلاً : (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) البقرة/201 .
قال ابن كثير :
"
فجمعت هذه الدعوةُ كلَّ خير في الدنيا ، وصرَفت كلّ شر ؛ فإن الحسنة في
الدنيا تشملُ كلّ مطلوب دنيوي ، من عافية ، ودار رحبة ، وزوجة حسنة ، ورزق
واسع ، وعلم نافع ، وعمل صالح ، ومركب هنيء ، وثناء جميل ، إلى غير ذلك
مما اشتملت عليه عباراتُ المفسرين ، ولا منافاة بينها ، فإنها كلها مندرجة
في الحسنة في الدنيا .
وأما
الحسنة في الآخرة فأعلى ذلك دخول الجنة وتوابعه من الأمن من الفزع الأكبر
في العَرَصات ، وتيسير الحساب وغير ذلك من أمور الآخرة الصالحة " انتهى .
"تفسير ابن كثير" (1/558) .
القول الأول :
أن
المعني : لا تنس نصيبك مما أباح الله لك فيها من المآكل والمشارب والملابس
والمساكن والمناكح ، فإن لربك عليك حقًّا ، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك
عليك حقا .
"تفسير ابن كثير" (6/253) .
وهذا قول الحسن وقتادة وابن جريج .
وقد سئل الإمام مَالِكٌ رحمه الله عَنْ هذه الآية فَقَالَ : (أَنْ يَعِيشَ وَيَأْكُلَ وَيَشْرَبَ غَيْرَ مُضَيِّقٍ عَلَيْهِ فِي رَأْيٍ) انتهى .
"المنتقى" (4 / 302) .
ويؤيده قوله تعالى قبلها : ( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ )
أي : استعمل ما وهبك الله من هذا المال الجزيل والنعمة الطائلة ، في طاعة
ربك والتقرب إليه بأنواع القربات ، التي يحصل لك بها الثواب في الدار
الآخرة ، ولا تنس مع ذلك نصيبك من الدنيا .
فلا نأمرك أن تتصدق بجميع مالك وتبقى ضائعا ، بل أنفق لآخرتك ، واستمتع بدنياك استمتاعا لا يضر دينك ، ولا يضر بآخرتك .
راجع : "تفسير الطبري" (19 / 625) - "تفسير ابن كثير" (6/253) – "زاد المسير" (6/241) - "تفسير السعدي" (ص/623) .
"والإسلام
وسط في العمل للدنيا والآخرة ، فكل منهما عبادة لله تعالى ، وتحقيق لغاية
الوجود الإنساني ضمن شروط معينة ، بينما تأرجحت المذاهب الأخرى بين
الاهتمام بالنواحي المادية الذي يظهر في المدنية الغربية الحديثة ، وأصبح
معبودها هو المال والقوة والرفاهية والرقي المادي - وبين الإزراء بهذا
الرقي المادي والمتاع الدنيوي كما هو الشأن في المذاهب التي تدعو إلى
الرهبنة وتعذيب الجسد من أجل الروح وتهذيبها للوصول إلى مرحلة الفناء ،
أما الإسلام فيقول الله تعالى : (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) البقرة /201 ، وقوله : (وَابْتَغِ
فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ
الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ
الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)
القصص/77 " .
"بحوث ندوة أثر القرآن في تحقيق الوسطية ودفع الغلو" (ص/400) .
والقول الثاني :
لا تنس نصيبك من الدنيا بأن تعمل فيها للآخرة .
وهذا القول اختاره أكثر المفسرين ، وهو قول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما .
قال الشوكاني :
"قال
جمهور المفسرين : وهو أن يعمل في دنياه لآخرته ، ونصيبُ الإنسان : عمرهُ
وعملُه الصالح . قال الزجاج : معناه : لا تنس أن تعمل لآخرتك ، لأن حقيقة
نصيب الإنسان من الدنيا الذي يعمل به لآخرته" انتهى .
"فتح القدير" (4/266) .
وعن مجاهد قال : عمرك تعمل فيه لآخرتك . "تفسير ابن أبى حاتم" (9 / 3010) .
وقال مجاهد أيضا : لا تترك أن تعمل في الدنيا للآخرة حتى تنجو من العذاب ، لأن حقيقة نصيب الإنسان من الدنيا أن يعمل للآخرة .
"تفسير البغوي" (6 / 221) .
وقال عون بن عبد الله : إن قوما يضعونها على غير موضعها (وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا) :
تعمل فيها بطاعة الله .
"تفسير الطبري" (19 / 524) .
وقال الطبري يقول : ولا تترك نصيبك وحظك من الدنيا ، أن تأخذ فيها بنصيبك من الآخرة ، فتعمل فيه بما ينجيك غدا من عقاب الله .
"تفسير الطبري" (19 / 524) .
وقال
القرطبي : "اختلف فيه ؛ فقال ابن عباس والجمهور : لا تضيع عمرك في ألا
تعمل عملا صالحا في دنياك ؛ إذ الآخرة إنما يعمل لها ، فنصيبُ الإنسان :
عمره وعمله الصالح فيها ، فالكلام على هذا التأويل شدة في الموعظة .
وقال
الحسن وقتادة : معناه : لا تضيع حظك من دنياك في تمتعك بالحلال وطلبك إياه
، ونظرك لعاقبة دنياك . فالكلام على هذا التأويل فيه بعض الرفق به وإصلاح
الأمر الذي يشتهيه" انتهى .
"الجامع لأحكام القرآن" (13 / 314) .
ولا
منافاة بين القولين فالمؤمن لا ينسى نصيبه من الدنيا ـ فيتمتع بها تمتعاً
مباحاً ، لا يجره إلى الحرام ، ويستعين بهذا المباح على طاعة الله تعالى ،
فهو ترويح عن النفس ، واستجماع لنشاطها .
والمؤمن لا ينسى نصيبه من الدنيا ، وهو عمله الصالح الذي سيصحبه في قبره ، ولهذا أثنى الله تعالى على من يدعو قائلاً : (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) البقرة/201 .
قال ابن كثير :
"
فجمعت هذه الدعوةُ كلَّ خير في الدنيا ، وصرَفت كلّ شر ؛ فإن الحسنة في
الدنيا تشملُ كلّ مطلوب دنيوي ، من عافية ، ودار رحبة ، وزوجة حسنة ، ورزق
واسع ، وعلم نافع ، وعمل صالح ، ومركب هنيء ، وثناء جميل ، إلى غير ذلك
مما اشتملت عليه عباراتُ المفسرين ، ولا منافاة بينها ، فإنها كلها مندرجة
في الحسنة في الدنيا .
وأما
الحسنة في الآخرة فأعلى ذلك دخول الجنة وتوابعه من الأمن من الفزع الأكبر
في العَرَصات ، وتيسير الحساب وغير ذلك من أمور الآخرة الصالحة " انتهى .
"تفسير ابن كثير" (1/558) .