(10) سورة البقرة. فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ قَدْ يَكُونُ فِيهِ قِسْطٌ مِنْ وِلَايَةِ اللَّهِ بِحَسَبِ إيمَانِهِ ؛ وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ قِسْطٌ مِنْ عَدَاوَةِ اللَّهِ بِحَسَبِ كُفْرِهِ وَنِفَاقِهِ . وَقَالَ تَعَالَى :{وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ}(1) (31) سورة المدثر ،وَقَالَ تَعَالَى :{هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}(2) (4) سورة الفتح.
- - - - - - - - - - - - - - - - -
وَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ عَلَى طَبَقَتَيْنِ
سَابِقُونَ مُقَرَّبُونَ وَأَصْحَابُ يَمِينٍ مُقْتَصِدُونَ
__________
(1) - لَمَّا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى قوْلَهُ الكَرِيمَ ( عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ) ، قَالَ أَبُو جَهْلٍ مُسْتَهْزِئاً : أَيَعْجَزُ كُلُّ عَشَرَةٍ مِنْكُمْ أَنْ يَبْطُشُوا بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ رَدّاً عَلَى هَؤُلاَءِ السَّاخِرِينَ مِنَ المُشْرِكِينَ ، فَقَالَ تَعَالَى : إِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ حَرَسَ النَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً ، وَمَنْ يُطِيقُ مُغَالَبَةَ مَلاَئِكَةِ اللهِ تَعَالَى؟ وَمَا جَعَلَ عَدَدَهُمْ ( تِسْعَةَ عَشَرَ ) ، إِلاَّ لِيَقُولَ الكَافِرُونَ مَا قَالُوا ، لِيَتَضَاعَفَ غَضَبُ اللهِ وَنَقْمَتُهُ عَلَيْهِمْ ، فَقَدِ اسْتَقَلُّوا العَدَدَ ، وَقَالُوا كَيْفَ يَتَوَلَّى مِثْلُ هَذَا العَدَدِ القَلِيلِ تَعْذِيبَ خَلْقِ اللهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ؟ وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى العَدَدَ لِرَسُولِهِ لِيَحْصُلَ اليَقِينُ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِأَنَّ مُحَمَّداً صَادِقٌ فِي نُبُوَّتِهِ ، وَأَنَّ القُرْآنَ الذِي أَنْزَلَهُ اللهُ عَلَيْهِ مُوَافِقٌ لِمَا جَاءَ فِي كُتُبِهِمْ ، وَلِيَزْدَادَ المُؤْمِنُونَ إِيْمَاناً ، حِينَمَا يَرَوْنَ تَسْلِيمَ أَهْلِ الكِتَابِ ، وَتَصْدِيقَهُمْ لِمَا جَاءَ فِي القُرْآنِ ، فَلاَ يَبْقَى فِي أَنْفُسِهِمْ شَكًّ مِنْ أَنَّ القُرْآنَ مُنَزَّلٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ ، وَلِكَيْلاَ يَشُكَّ أَهْلُ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ ، وَالمُؤْمِنُونَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ، مِنَ المُنَافِقِينَ ، وَالكَافِرِينَ بِرِسَالَتِهِ : مَا الذِي أَرَادَهُ اللهُ بِذِكْرِ هَذَا العَدَدِ القَلِيلِ المُسْتَغْرَبِ ، وَمَا الحِكْمَةُ فِيهِ؟
وَكَمَا أَضَلَّ اللهُ تَعَالَى المُنَافِقِينَ وَالمُشْرِكِينَ بِذِكْرِ العَدَدِ ، كَذَلِكَ فَإِنَّهُ تَعَالَى يُضِلّ مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ فَيَصْرِفُهُ عَنِ الحَقِّ ، وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ مِنْهُمْ فَيُوفِّقُهُ لِلْهُدَى ، وَالخَيْرِ ، والصَّوَابِ . وَمَا يَعْلَمُ عَدَدَ خَلْقِ اللهِ ، وَمِقْدَارَ جُمُوعِهِ ، التِي مِنْهَا المَلاَئِكَةُ ، إِلاَّ اللهُ تَعَالَى ، لِكَيْلاَ يَتَوَهَّمَ مُتَوهِّمٌ أَنَّهُمْ تِسْعَةَ عَشَرَ فَقَطْ ، وَمَا سَقَرُ ولاَ صِفَتُهَا إِلاَّ تَذْكِرَةٌ لِمَنْ يَتَّعَظُ مِنَ البَشَرِ ، وَتَخْوِيفٌ لَهُمْ .
(2) - كَانَ مِنْ شُرُوطِ صُلْحِ الحُدَيْبِيَةِ شَرْطَانِ تَرَكَا أَثَراً فِي نُفُوسِ المُؤْمِنِينَ :
1- أَنْ لاَ يَدْخُلَ المُسْلِمُونَ مَكَّةَ عَامَهُمْ ذَاكَ ، وَأَنْ يَأتُوا مُعْتَِرينَ فِي العَامِ ، الذِي يَلِيهِ .
2- أنْ يَرُدَّ المُسْلِمُونَ مَنْ جَاءَهُمْ مِنْ قُرَيشٍ مُسْلِماً إِلى قَوْمهِم ، وَأَنْ لاَ تَرُدَّ قُرَيشٌ مَنْ جَاءَها مِنَ المُسْلِمِينَ مُرْتَداً عَنِ الإِسْلامِ .
وَظَنَّ بَعْضُ المُسْلِمِين أَنَّ في هذينِ الشَّرْطِينِ غبْناً لِلمُسْلِمِينَ ، حَتّى إِن رَسُولَ اللهِ لَمَّا أَمرَ المُسْلِمِينَ بِنَحْرِ الهَدْيِ ، وَبِحَلقِ شُعُورِهِمْ ، لَمْ يَمْتَثِلوا لأَمْرِهِ في بَادئِ الأَمرِ ، فَقَدْ ثَارَتْ في نُفُوسِهِمِ الحَمِيَّةُ للإِسْلامِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ لِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُهم ، وَلِيَزْدَادُوا يَقِينا في دِينِهمْ بِطَاعَةِ اللهِ ، وَطَاعَةِ رَسُولِهِ ، وَاللهُ تَعَالى هُوَ الذِي يُدَبِّرُ أمرَ الكَوْنِ ، فَيَجْعَلُ جَمَاعةً مِنْ جُنْدِهِ يُقَاتِلُون لإِعْلاَءِ كَلِمَةِ الحَقِّ ، وَيَجْعَلُ غَيْرَهم يُقَاتِلُونَ في سَبيلِ الشَّيْطَانِ ، وَلَوْ شَاءَ اللهُ لأَرْسَلَ عَلَيْهِم جُنْداً مِنَ السَّماء يَقْضُونَ عَلَيهم ، لكِنَّهُ سُبْحَانَه وَتَعَالى شَرَعَ الجِهَادَ والقِتَالَ لما في ذلِكَ مِنَ المَصْلَحَةِ التِي لاَ يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ ، وَاللهُ عَلِيمٌ بِالأُمُورِ ، حَكِيمٌ في شَرْعِهِ
- - - - - - - - - - - - - - - - -
وَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ عَلَى طَبَقَتَيْنِ
سَابِقُونَ مُقَرَّبُونَ وَأَصْحَابُ يَمِينٍ مُقْتَصِدُونَ
__________
(1) - لَمَّا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى قوْلَهُ الكَرِيمَ ( عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ) ، قَالَ أَبُو جَهْلٍ مُسْتَهْزِئاً : أَيَعْجَزُ كُلُّ عَشَرَةٍ مِنْكُمْ أَنْ يَبْطُشُوا بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ رَدّاً عَلَى هَؤُلاَءِ السَّاخِرِينَ مِنَ المُشْرِكِينَ ، فَقَالَ تَعَالَى : إِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ حَرَسَ النَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً ، وَمَنْ يُطِيقُ مُغَالَبَةَ مَلاَئِكَةِ اللهِ تَعَالَى؟ وَمَا جَعَلَ عَدَدَهُمْ ( تِسْعَةَ عَشَرَ ) ، إِلاَّ لِيَقُولَ الكَافِرُونَ مَا قَالُوا ، لِيَتَضَاعَفَ غَضَبُ اللهِ وَنَقْمَتُهُ عَلَيْهِمْ ، فَقَدِ اسْتَقَلُّوا العَدَدَ ، وَقَالُوا كَيْفَ يَتَوَلَّى مِثْلُ هَذَا العَدَدِ القَلِيلِ تَعْذِيبَ خَلْقِ اللهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ؟ وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى العَدَدَ لِرَسُولِهِ لِيَحْصُلَ اليَقِينُ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِأَنَّ مُحَمَّداً صَادِقٌ فِي نُبُوَّتِهِ ، وَأَنَّ القُرْآنَ الذِي أَنْزَلَهُ اللهُ عَلَيْهِ مُوَافِقٌ لِمَا جَاءَ فِي كُتُبِهِمْ ، وَلِيَزْدَادَ المُؤْمِنُونَ إِيْمَاناً ، حِينَمَا يَرَوْنَ تَسْلِيمَ أَهْلِ الكِتَابِ ، وَتَصْدِيقَهُمْ لِمَا جَاءَ فِي القُرْآنِ ، فَلاَ يَبْقَى فِي أَنْفُسِهِمْ شَكًّ مِنْ أَنَّ القُرْآنَ مُنَزَّلٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ ، وَلِكَيْلاَ يَشُكَّ أَهْلُ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ ، وَالمُؤْمِنُونَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ، مِنَ المُنَافِقِينَ ، وَالكَافِرِينَ بِرِسَالَتِهِ : مَا الذِي أَرَادَهُ اللهُ بِذِكْرِ هَذَا العَدَدِ القَلِيلِ المُسْتَغْرَبِ ، وَمَا الحِكْمَةُ فِيهِ؟
وَكَمَا أَضَلَّ اللهُ تَعَالَى المُنَافِقِينَ وَالمُشْرِكِينَ بِذِكْرِ العَدَدِ ، كَذَلِكَ فَإِنَّهُ تَعَالَى يُضِلّ مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ فَيَصْرِفُهُ عَنِ الحَقِّ ، وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ مِنْهُمْ فَيُوفِّقُهُ لِلْهُدَى ، وَالخَيْرِ ، والصَّوَابِ . وَمَا يَعْلَمُ عَدَدَ خَلْقِ اللهِ ، وَمِقْدَارَ جُمُوعِهِ ، التِي مِنْهَا المَلاَئِكَةُ ، إِلاَّ اللهُ تَعَالَى ، لِكَيْلاَ يَتَوَهَّمَ مُتَوهِّمٌ أَنَّهُمْ تِسْعَةَ عَشَرَ فَقَطْ ، وَمَا سَقَرُ ولاَ صِفَتُهَا إِلاَّ تَذْكِرَةٌ لِمَنْ يَتَّعَظُ مِنَ البَشَرِ ، وَتَخْوِيفٌ لَهُمْ .
(2) - كَانَ مِنْ شُرُوطِ صُلْحِ الحُدَيْبِيَةِ شَرْطَانِ تَرَكَا أَثَراً فِي نُفُوسِ المُؤْمِنِينَ :
1- أَنْ لاَ يَدْخُلَ المُسْلِمُونَ مَكَّةَ عَامَهُمْ ذَاكَ ، وَأَنْ يَأتُوا مُعْتَِرينَ فِي العَامِ ، الذِي يَلِيهِ .
2- أنْ يَرُدَّ المُسْلِمُونَ مَنْ جَاءَهُمْ مِنْ قُرَيشٍ مُسْلِماً إِلى قَوْمهِم ، وَأَنْ لاَ تَرُدَّ قُرَيشٌ مَنْ جَاءَها مِنَ المُسْلِمِينَ مُرْتَداً عَنِ الإِسْلامِ .
وَظَنَّ بَعْضُ المُسْلِمِين أَنَّ في هذينِ الشَّرْطِينِ غبْناً لِلمُسْلِمِينَ ، حَتّى إِن رَسُولَ اللهِ لَمَّا أَمرَ المُسْلِمِينَ بِنَحْرِ الهَدْيِ ، وَبِحَلقِ شُعُورِهِمْ ، لَمْ يَمْتَثِلوا لأَمْرِهِ في بَادئِ الأَمرِ ، فَقَدْ ثَارَتْ في نُفُوسِهِمِ الحَمِيَّةُ للإِسْلامِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ لِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُهم ، وَلِيَزْدَادُوا يَقِينا في دِينِهمْ بِطَاعَةِ اللهِ ، وَطَاعَةِ رَسُولِهِ ، وَاللهُ تَعَالى هُوَ الذِي يُدَبِّرُ أمرَ الكَوْنِ ، فَيَجْعَلُ جَمَاعةً مِنْ جُنْدِهِ يُقَاتِلُون لإِعْلاَءِ كَلِمَةِ الحَقِّ ، وَيَجْعَلُ غَيْرَهم يُقَاتِلُونَ في سَبيلِ الشَّيْطَانِ ، وَلَوْ شَاءَ اللهُ لأَرْسَلَ عَلَيْهِم جُنْداً مِنَ السَّماء يَقْضُونَ عَلَيهم ، لكِنَّهُ سُبْحَانَه وَتَعَالى شَرَعَ الجِهَادَ والقِتَالَ لما في ذلِكَ مِنَ المَصْلَحَةِ التِي لاَ يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ ، وَاللهُ عَلِيمٌ بِالأُمُورِ ، حَكِيمٌ في شَرْعِهِ