قلنا: صدقه في أداء حقوق الله سبحانه وتعالى، ثم رأفته وشفقته على الخلق في جميع أحواله، ثم انبساط رحمته للخلق كافة، ثم دوام تحمله عنهم بجميل الخلق، وتعليق الهمة بنجاة الخلق، وترك الانتقام منهم، والتوقي عن استشعار حقد عليهم، ومع قصر اليد عن أموالهم وترك الطمع بكل وجه وقبض اللسان عن بسطه بالسوء فيهم، والتهاون عن شهود مساويهم، ولا يكون خصماً في الدنيا ولا في الآخرة.
قلت: معناه أنه يعفو عن حقوقه في الدنيا فلا يطالبهم بها في الدنيا ولا يبقى له عندهم شيء يطالب به في الآخرة.
قال الله تعالى: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } (43) سورة الشورى.
وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (134) سورة آل عمران.
وروينا في كتاب عمل اليوم والليلة لابن السني بإسناده عن أنس رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم؟! قالوا: ومن أبو ضمضم يا رسول الله؟! قال: كان إذا أصبح قال: اللهم إني وهبت نفسي وعرضي لك؛ فلا يشتم من شتمه، ولا يظلم من ظلمه، ولا يضرب من ضربه)(1).
قلت: معناه لا يقتص ممن ظلمه، كما قال الله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (194) سورة البقرة.
دوامُ الطاعات
قال القشيري: واعلم أنَّ من أجل الكرامات التي تكون للأولياء دوام التوفيق للطاعة، والعصمة عن المعاصي والمخالفات.
قلت: يدخل في المخالفات ما ليس معصية، كالمكروه كراهة التنزيه، وكترك الشهوات التي يستحب تركها.
- - - - - - - - - - - - - - -
كراماتُ الأولياء (2)
" ( وَكَرَامَاتُ الْأَوْلِيَاءِ ) وَهُمْ الْعَارِفُونَ بِاَللَّهِ تَعَالَى حَسْبَمَا يُمْكِنُ الْمُوَاظِبُونَ عَلَى الطَّاعَاتِ الْمُجْتَنَبُونَ لِلْمَعَاصِي الْمُعْرِضُونَ عَنِ الِانْهِمَاكِ فِي اللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ ( حَقٌّ ) أَيْ جَائِزَةٌ وَوَاقِعَةٌ كَجَرَيَانِ النِّيلِ بِكِتَابِ عُمَرَ وَرُؤْيَتِهِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ بِالْمَدِينَةِ جَيْشَهُ بِنَهَاوَنْدَ حَتَّى قَالَ لِأَمِيرِ الْجَيْشِ : يَا سَارِيَةُ ، الْجَبَلَ الْجَبَلَ (3)، مُحَذِّرًا لَهُ مِنْ وَرَاءِ الْجَبَلِ لِكَمَنَ الْعَدُوِّ هُنَاكَ ، وَسَمَاعِ سَارِيَةَ كَلَامَهُ مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ ،وَكَشُرْبِ خَالِدٍ السُّمَّ مِنْ غَيْرِ تَضَرُّرٍ بِهِ (4)وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا وَقَعَ لِلصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ .
( قَالَ الْقُشَيْرِيُّ : وَلَا يَنْتَهُونَ إلَى نَحْوِ وَلَدٍ دُونَ وَالِدٍ ) وَقَلْبِ جَمَادٍ بَهِيمَةً، قَالَ الْمُصَنِّفُ :وَهَذَا حَقٌّ يُخَصِّصُ قَوْلَ غَيْرِهِ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ مُعْجِزَةً لِنَبِيٍّ جَازَ أَنْ يَكُونَ كَرَامَةً لِوَلِيٍّ لَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا إلَّا التَّحَدِّي، وَمَنَعَ أَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ الْخَوَارِقَ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ وَكَذَلِكَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ قَالَ: كُلُّ مَا جَازَ تَقْدِيرُهُ مُعْجِزَةً لِنَبِيٍّ لَا يَجُوزُ ظُهُورُ مِثْلِهِ كَرَامَةً لِوَلِيٍّ ،وَإِنَّمَا مَبَالِغُ الْكَرَامَاتِ إجَابَةُ دَعْوَةٍ أَوْ مُوَافَاةُ مَاءٍ فِي بَادِيَةٍ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّعِ الْمِيَاهِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَنْحَطُّ عَنْ خَرْقِ الْعَادَاتِ .
الشَّرْحُ
( قَوْلُهُ : وَكَرَامَاتُ الْأَوْلِيَاءِ ) جَمْعُ كَرَامَةٍ وَهِيَ أَمْرٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ مِنْ قِبَلِهِ غَيْرُ مُقَارِنٍ لِدَعْوَى النُّبُوَّةِ وَبِهَذَا تَمْتَازُ عَنِ الْمُعْجِزَةِ وَبِمُقَارَنَةِ الِاعْتِقَادِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَقَدْ تَظْهَرُ الْخَوَارِقُ مِنْ قِبَلِ عَدَمِ الْمُسْلِمِينَ تَخَلُّصًا لَهُمْ عَنْ الْمِحَنِ وَالْمَكَارِهِ وَتُسَمَّى مَعُونَةً .
__________
(1) - عن ثابت ، نا أنس بن مالك ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول : « أيعجز أحدكم أن يكون مثل أبي ضمضم ؟ » قالوا : وما أبو ضمضم يا رسول الله ؟ قال : « كان أبو ضمضم رجلا فيمن كان قبلنا إذا أصبح ، قال : اللهم إني أتصدق اليوم بعرضي على من ظلمني »
الإستيعاب في معرفة الأصحاب - (ج 2 / ص 42) والإصابة في معرفة الصحابة - (ج 3 / ص 352) ومسند البزار(7269)
شعب الإيمان للبيهقي (7858 ) وسنن أبى داود (4888) ومصنف عبد الرزاق (16409)و الإصابة 4/112 و الشعب (8082 و 8083) من طرق وهو حسن لغيره
(2) - انظر حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع - (ج 6 / ص 180)
(3) - أخرجه ابن عساكر (20/25) والإستيعاب في معرفة الأصحاب - (ج 2 / ص 10) والإصابة في معرفة الصحابة - (ج 1 / ص 410) وهو صحيح
(4) - مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 2 / ص 496) وسير أعلام النبلاء (1/376)
قلت: معناه أنه يعفو عن حقوقه في الدنيا فلا يطالبهم بها في الدنيا ولا يبقى له عندهم شيء يطالب به في الآخرة.
قال الله تعالى: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } (43) سورة الشورى.
وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (134) سورة آل عمران.
وروينا في كتاب عمل اليوم والليلة لابن السني بإسناده عن أنس رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم؟! قالوا: ومن أبو ضمضم يا رسول الله؟! قال: كان إذا أصبح قال: اللهم إني وهبت نفسي وعرضي لك؛ فلا يشتم من شتمه، ولا يظلم من ظلمه، ولا يضرب من ضربه)(1).
قلت: معناه لا يقتص ممن ظلمه، كما قال الله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (194) سورة البقرة.
دوامُ الطاعات
قال القشيري: واعلم أنَّ من أجل الكرامات التي تكون للأولياء دوام التوفيق للطاعة، والعصمة عن المعاصي والمخالفات.
قلت: يدخل في المخالفات ما ليس معصية، كالمكروه كراهة التنزيه، وكترك الشهوات التي يستحب تركها.
- - - - - - - - - - - - - - -
كراماتُ الأولياء (2)
" ( وَكَرَامَاتُ الْأَوْلِيَاءِ ) وَهُمْ الْعَارِفُونَ بِاَللَّهِ تَعَالَى حَسْبَمَا يُمْكِنُ الْمُوَاظِبُونَ عَلَى الطَّاعَاتِ الْمُجْتَنَبُونَ لِلْمَعَاصِي الْمُعْرِضُونَ عَنِ الِانْهِمَاكِ فِي اللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ ( حَقٌّ ) أَيْ جَائِزَةٌ وَوَاقِعَةٌ كَجَرَيَانِ النِّيلِ بِكِتَابِ عُمَرَ وَرُؤْيَتِهِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ بِالْمَدِينَةِ جَيْشَهُ بِنَهَاوَنْدَ حَتَّى قَالَ لِأَمِيرِ الْجَيْشِ : يَا سَارِيَةُ ، الْجَبَلَ الْجَبَلَ (3)، مُحَذِّرًا لَهُ مِنْ وَرَاءِ الْجَبَلِ لِكَمَنَ الْعَدُوِّ هُنَاكَ ، وَسَمَاعِ سَارِيَةَ كَلَامَهُ مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ ،وَكَشُرْبِ خَالِدٍ السُّمَّ مِنْ غَيْرِ تَضَرُّرٍ بِهِ (4)وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا وَقَعَ لِلصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ .
( قَالَ الْقُشَيْرِيُّ : وَلَا يَنْتَهُونَ إلَى نَحْوِ وَلَدٍ دُونَ وَالِدٍ ) وَقَلْبِ جَمَادٍ بَهِيمَةً، قَالَ الْمُصَنِّفُ :وَهَذَا حَقٌّ يُخَصِّصُ قَوْلَ غَيْرِهِ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ مُعْجِزَةً لِنَبِيٍّ جَازَ أَنْ يَكُونَ كَرَامَةً لِوَلِيٍّ لَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا إلَّا التَّحَدِّي، وَمَنَعَ أَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ الْخَوَارِقَ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ وَكَذَلِكَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ قَالَ: كُلُّ مَا جَازَ تَقْدِيرُهُ مُعْجِزَةً لِنَبِيٍّ لَا يَجُوزُ ظُهُورُ مِثْلِهِ كَرَامَةً لِوَلِيٍّ ،وَإِنَّمَا مَبَالِغُ الْكَرَامَاتِ إجَابَةُ دَعْوَةٍ أَوْ مُوَافَاةُ مَاءٍ فِي بَادِيَةٍ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّعِ الْمِيَاهِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَنْحَطُّ عَنْ خَرْقِ الْعَادَاتِ .
الشَّرْحُ
( قَوْلُهُ : وَكَرَامَاتُ الْأَوْلِيَاءِ ) جَمْعُ كَرَامَةٍ وَهِيَ أَمْرٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ مِنْ قِبَلِهِ غَيْرُ مُقَارِنٍ لِدَعْوَى النُّبُوَّةِ وَبِهَذَا تَمْتَازُ عَنِ الْمُعْجِزَةِ وَبِمُقَارَنَةِ الِاعْتِقَادِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَقَدْ تَظْهَرُ الْخَوَارِقُ مِنْ قِبَلِ عَدَمِ الْمُسْلِمِينَ تَخَلُّصًا لَهُمْ عَنْ الْمِحَنِ وَالْمَكَارِهِ وَتُسَمَّى مَعُونَةً .
__________
(1) - عن ثابت ، نا أنس بن مالك ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول : « أيعجز أحدكم أن يكون مثل أبي ضمضم ؟ » قالوا : وما أبو ضمضم يا رسول الله ؟ قال : « كان أبو ضمضم رجلا فيمن كان قبلنا إذا أصبح ، قال : اللهم إني أتصدق اليوم بعرضي على من ظلمني »
الإستيعاب في معرفة الأصحاب - (ج 2 / ص 42) والإصابة في معرفة الصحابة - (ج 3 / ص 352) ومسند البزار(7269)
شعب الإيمان للبيهقي (7858 ) وسنن أبى داود (4888) ومصنف عبد الرزاق (16409)و الإصابة 4/112 و الشعب (8082 و 8083) من طرق وهو حسن لغيره
(2) - انظر حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع - (ج 6 / ص 180)
(3) - أخرجه ابن عساكر (20/25) والإستيعاب في معرفة الأصحاب - (ج 2 / ص 10) والإصابة في معرفة الصحابة - (ج 1 / ص 410) وهو صحيح
(4) - مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 2 / ص 496) وسير أعلام النبلاء (1/376)