لو قمت بجولة في النظام الشمسي فإنك سوف تشاهد منظراً غاية في الإبداع.
دعنا
نتخيل أننا مثل ذلك المسافر وأننا وصلنا دائرة الكسوف العظيمة (دائرة
البروج) للكرة السماوية والتي تتحرك فيها كل الكواكب الرئيسية لنظامنا
الشمسي، فأول كوكب سوف نقابله هو (بلوتو)، وهذا الكوكب هو مكان بارد جداً
ودرجة حرارته نحو (-238) درجة مئوية، وله جو لطيف يكون في حالته الغازية
فقط عندما يكون أقرب إلى الشمس في مداره الشبه اهليلجي، أما في الأوقات
الأخرى فيصبح جوه كتلة من الجليد، إذاً (بلوتو) باختصار هو كرة لا حياة
فيها مغلفة بالجليد.
وبالتقدم نحو الشمس فإنك ستواجه الكوكب التالي
وهو (نبتون) وهو أيضاً بارد جداً ودجة حرارته حوالي (-218) درجة مئوية،
وجوه يحتوي على غاز الهيدروجين والهليوم والميتان وهو سام للحياة وتهب فيه
الرياح بسرعة 2000كيلومتر في الساعة عاصفةً عبر سطح الكوكب.
الكوكب
التالي هو (أورانوس) وهو كوكب غازي فيه صخور غازية فيه صخور وجليد على سطحه
ودرجة حرارته (-214) درجة مئوية وجوه يحتوي على الهيدروجين والهليوم
والمتيان وبالتالي فهو غير ملائم لحياة الجنس البشري.
نصل إلى كوكب
زحل بعد أورانوس وهو ثاني أكبر الكواكب في المجموعة الشمسية ويتميز بخاصية
في امتلاكه جملة من الحلقات المحيطة به، وتلك الحلقات مكونة من الغازات
والصخور والجليد.
وتعتبر تلك الحلقات واحدة من أجمل الأشياء حول زحل وهي مكونة كلياً من غازين (75% هيدروجين و 25% هيليوم).
وكثافتها
أقل منها للماء، وإذا أردت أن تهبط على زحل فالأفضل أن تصمم سفينتك
الفضائية بشكل تشبه فيه قارب منفوخاً واسعاً، ولا تنسى أن درجة الحرارة
الوسطية منخفضة جداً وتصل إلى (-178) درجة مئوية.
وبالاقتراب من
المشتري وهو أضخم كواكب النظام الشمسي، واتساعه يعادل 238 مرة اتساع الأرض،
والمشتري هو مثل زحل أي هو كوكب غازي، و طالما أنه من الصعب أن نميز بين
الجو والسطح على مثل هذا الكواكب فمن الصعب أن نقول ما هي درجة حرارة
السطح، لكنها في أعالي الجو تصل في الغلاف الجوي حوالي –143 درجة مئوية ومن
المظاهر الملحوظة في جو المشتري شيء ما يدعى النقطة الحمراء العظمى، وقد
لوحظت قبل ثلاثمائة سنة، ويعرفها الفلكيون الآن بأنها عبارة عن نظام عاصفة
ضخمة هائجة في جو المشتري لعدة قرون، وهي من الاتساع بحيث تستطيع ابتلاع
كوكبين بحجم الأرض، ويرى المشتري كأنه كوكب مثير لكنه وجوه مكون من غاز
الكربون في معظمه، والضغط الجوي عند سطحه يعادل (تسعين) ضغط جوي أرضي، وعلى
الأرض يجب أن تغوص كيلومتراً داخل ماء البحر قبل أن تصل لمثل ذلك الضغط
العالي، ويحتوي جو الزهرة على طبقات غازية من حامض الكبريت وسمكها تبلغ عدة
كيلومترات.
وعندما تمطر الزهرة، فكما تعلم فهي لا تمطر مطراً بل تمطر حمضاً.
لذلك لا يمكن لأي إنسان أو لأي كائن حي آخر أن يعيش في مثل ذلك المكان الجهنمي ولو لثانية واحدة.
نتابع
رحلتنا فنصل إلى كوكب عطارد وهو عالم صخري صغير مدمر بالحرارة والإشعاع من
الشمس، ودورانه حدث له إبطاء بسبب قربه من الشمس بحيث يصنع ذلك الكوكب
ثلاثة دورات كاملة محورية (حول نفسه) في الوقت الذي يأخذه ذاته ليدور مرتين
حول الشمس، وبكلمة أخرى فإن سنتين من عطارد تساوي ثلاثة من أيامه.
وبسبب تلك الدورة اليومية المطولة يكون أحد وجهي عطارد حاراً تماماً بينما
الطرف الآخر يكون بارداً تماماً والفرق بين درجتي حرارة وجهي النهار والليل
لعطارد يزيد على ألف درجة مئوية. وطبعاً مثل تلك البيئة لا تسمح بالحياة
فيها.
ليس صالحاً للإقامة فيه بسبب درجة الحرارة الباردة جداً حدّ التّجمد والرياح العنيفة والإشعاع الشديد.
الآن
يأتي دور المريخ فجو المريخ ليس مكاناً ملائماً للحياة لأن معظمه غاز
كربون وسطحه في كل الأماكن يطفح بالبثور، وتلك البثور هي ثقوب لفوهات
بركانية، أو نتيجة لصدمات النيازك والرياح القوية العاتية التي تهب عبر
السطح حاملة معها عواصف رملية والتي تدوم أياماً وأسابيع متواصلة، وتتغير
درجة الحرارة كثيراً وقد تصل إلى مستويات منخفضة في حدود –53درجة مئوية.
مرت فترة ساد الاعتقاد فيها بأن المريخ ربما كان يحتوي على شكل من الحياة، لكن كل الأدلة بينت أنه عالم لا حياة فيه.
بالانطلاق بعيداً عن المريخ باتجاه الشمس نلاحظ كوكباً أزرق وسنقرر أن نتخطاه لفترة حتى نتمكن من اكتشاف ما هو أكبر.
ويوصلنا
بحثنا إلى كوكب يدعى الزهرة وهذا الكوكب في أماكنه مغطى و محجوب بسحب
ساطعة لكن درجة حرارته عند السطح هي 450 درجة مئوية، هي كافية لانصهار
الرصاص (إذابته).
وفي مجمل القول، ألقينا النظر على الكواكب الثمانية
وليس لواحد منها بما فيها توابعها الثلاث والخمسين، و هي لم تبد شيئاً
يساعد كملاذ يؤوي الحياة.
أما الكوكب الأزرق الذي تخطيناه لفترة مضت
فهو واحد يختلف كثيراً جداً عن الآخرين فكل ما فيه ينبض حياةً جوه وتضاريس
سطحه ودرجات حرارته الملائمة وحقله المغناطيسي ومصادر عناصره وهو موضوع على
البعد المناسب من الشمس، فهو يبدو كما لو كان قد خلق خصيصاً ليصبح موطن
الحياة، والذي سنكشف حقيقة لاحقاً.
درجة حرارة الأرض:
درجة الحرارة والجو هي أول عوامل أساسية للحياة على الأرض. والكوكب الأزرق
له درجة الحرارة الحياتية والجو التنفسي للكائنات الحية. خاصة لمثل تلك
الكائنات الحية المعقدة كالجنس البشري.
وعلى كل حال أتى هذان العاملان المختلفان كلياً إلى الوجود نتيجة انقلاب الشروط لتصبح مثالية لهما.
وأحد
تلك العوامل هي المسافة بين الأرض والشمس، فالأرض لا يمكن أن تكون مقراً
للحياة إذا كانت أقرب إلى الشمس مثل الزهرة، أو كانت بعيدة مثل بعد
المشتري، والجزيئات ذات الأساس الكربوني يمكن أن تبقى حية بين حدين هما
(-20) و(120)، والأرض هي الكوكب الوحيد الذي له درجة حرارة وسطية بين هذين
الحدين.
عندما يفكر شخص في الكون ككل مستعرضاً ضيق مجال درجات
الحرارة فتلك مهمة صعبة جداً لأن الحرارة في الكون تتراوح بين بلايين
الدرجات في أسخن النجوم إلى درجة الصفر المطلق أي لـ (-273س).
وفي
مثل ذلك المجال الواسع لدرجات الحرارة يكون الفاصل الحراري الذي يسمح
للحياة بأن توجد هو ضئيل جداً بالفعل، لكن كوكب الأرض له هذا الفاصل.
الجيولوجي
الأمريكي (فرانك بريس) و(ريموند سيفر) جذبا الانتباه لمتوسط درجات الحرارة
السائدة على الأرض. ولاحظا كما نعلم أن الحياة ممكنة ضمن فاصل حراري ضيق،
وذلك الفاصل هو من واحد إلى اثنين بالمئة من المجال بين درجة حرارة الصفر
المطلق ودرجة حرارة سطح الشمس..
إن الاحتفاظ بهذا المجال الحراري
مرتبط أيضاً بكمية الحرارة التي تشعها الشمس وكذلك بالمسافة بين الأرض
والشمس، ووفق الحسابات فإن نقصان 10% من طاقة الإشعاع الشمسي سيؤدي إلى
تغطية سطح الأرض بطبقات من الجليد سمكها عدة أمتار، وإذا زادت تلك النسبة
عن ذلك بقليل فكل الكائنات الحية سوف تتجمد وتموت.
لا يكفي أن تكون
درجات الحرارة المتوسطة مثالية، بل يجب أن تكون الحرارة المتوفرة أيضاً
موزعة بالتساوي تقريباً على سطح الكوكب وأن عدداً من الوقائيات الخاصة يجب
توفرها، وبالفعل فقد تم تأمينها.
يميل محور دوران الأرض بزاوية 23
و27 على مستوى دائرة البروج، وهذا الميل يمنع الإفراط الحراري للجو في
المناطق بين القطبين وخط الاستواء ومسببة لها اعتدلاً حرارياً أكثر، وإذا
لم يكن ذلك الميل موجوداً فالتدرج الحراري بين القطبين وخط الاستواء سيكون
أكثر ارتفاعاً مما هو عليه، والمناطق المعتدلة سوف لن تكون معتدلة بعد أو
ملائمة للعيش فيها.
وسرعة دوران الأرض حول محورها تساعد أيضاً في حفظ
التوازن الحراري في حالة توازن، وتقوم الأرض بدورة واحد كل 24 ساعة،
والنتيجة هي فترات متناوبة قصيرة تقريباً من الليل والنهار، وبسبب قصرهما
يكون التدرج الحراري بين الطرفين المضيء والمظلم للكوكب معتدلاً تماماً،
وأهمية ذلك يمكن رؤيته في المثال المتطرف لعطارد، حيث أن يومه أطول من سنته
فيكون الفرق بين درجات حرارة النهار والليل فيه حوالي ألف درجة مئوية.
تساعد
الجغرافية أيضاً في توزيع الحرارة وتساويها على سطح الأرض، بحيث يكون
الفرق بين درجتي حرارة المناطق القطبية والاستوائية للأرض حوالي مئة درجة
مئوية فقط، وإذا كان مثل ذلك التدرج الحراري موجوداً على مساحات مستوية
كلياً لا تضاريس فيها فستكون النتيجة رياحاً سرعتها عالية جداً ربما بلغت
ألف كيلومتر في الساعة وجارفة معها كل شيء في مسارها، ولكن بدلاً عن ذلك
فالأرض مملوءة بالعوائق الجيولوجية التي توقف الحركات الهائلة للهواء التي
يسببها التدرج الحراري.
وتلك العوائق هي السلاسل الجبلية والممتدة من
المحيط الهادي في الشرق إلى المحيط الأطلسي في الغرب، ويبدأ بجبال
الهملايا في الصين ويستمر حتى جبال طوروس في الأناضول والألب في أوربا، وفي
البحر تنتقل الزيادة في الحرارة في المناطق الاستوائية شمالاً وجنوباً،
والفضل في ذلك لقابلية الماء المثلى في نقل الحرارة وتبديدها.
كتلة الأرض والحقل المغناطيسي للكوكب :
حجم الأرض ليس أقل أهمية للحياة من بعدها عن الشمس وسرعة دورانها وتضاريسها
الجغرافية. وبالنظر إلى الكواكب نرى أن هناك تفاوتاً كبيراً في أحجامها،
فعطارد حجمه صغير وأصغر بعشر مرات من حجم الأرض بينما المشتري أكبر منها
بحوالي 318 مرة، والسؤال الآن هو، هل كان حجم الأرض إذا ما قورن بحجم
الكواكب الأخرى مصادفة ؟ أم هو مدروس ؟.
عندما نفحص أبعاد الأرض نرى
بسهولة أن كوكبنا صمم تماماً بهذا الحجم وقد علق الجيولوجيان الأمريكيان
(فرانك بريس) و(ريموند سيفر) على تلائم الأرض بقولهما: "إن حجم الأرض هو
تماماً ما ينبغي أن يكون عليه، فهي ليست صغيرة جدا فتخسر جوها لكون
جاذبيتها الثقالية عندئذ صغيرة فلا تستطيع منع هروب الغازات منها إلى
الفضاء، وهي ليست كبيرة بالقدر الذي يجعل جاذبيتها الثقالية تزداد كثيراً
فتحتفظ بجو غزي أكبر بما فيها غازات ضارة.
بالإضافة إلى كتلتها فإن
أعماق الأرض أيضاً مصممة بطريقة تخصصية مضبوطة وذلك من ناحية لبها وحقلها
المغناطيسي القوي والذي له دور حيوي هام في حفظ الحياة، ووفق ما كتبه
العالمان (بريس وسيفر) يكون: أعماق الأرض هي محرك عملاق متوازن حرارياً
بلطف.
وقوده النشاط الإشعاعي.. وعندما تباطأت حركتها صار نشاطها
الجيولوجي يتقدم بخطوات بطيئة موزونة، ولنفرض أنه ربما لم ينصهر الحديد
ويغوص ليشكل لباً سائلاً، والحقل المغناطيسي ربما لم يتطور إطلاقاً.. فإذا
كان هناك زيادة من الوقود (أي النشاط الإشعاعي) وكان المحرك يدور أسرع فإن
غازات البراكين والغبار بما حجبت الشمس وعندئذ سيكون الجو كثيفاً، والسطح
سيكون مدمراً بالزلازل اليومية والانفجارات البركانية.
الحقل
المغناطيسي الذي تحدث عنه الجيولوجيون له أهمية كبيرة عل الحياة وينشأ هذا
الحقل المغناطيسي في جوف الأرض، فهو يحتوي على عناصر ثقيلة مثل الحديد
وال*-تم الحذف. كلمة غير محترمة لا يسمح بها في هذا المنتدى-*ل وهما معدنان قادران على حمل شحنات مغناطيسية، والجوف الداخلي صلب
أما اللب الخارجي الذي يعلوه فهو سائل، وتتحرك هاتان الطبقتان من اللب حول
بعضهما البعض، وتلك الحركة هو التي تولد الحقل المغناطيسي الأرضي، ويمتد
هذا الحقل بعيداً خلف السطح، وهذا الحقل يحمي الأرض من تأثيرات الإشعاع
الضار الوارد من الفضاء الخارجي، أما الإشعاعات الوردة من النجوم عدا
الإشعاع الشمس فهو لا تستطيع السفر عبر ذلك الدرع، فحزام (فان آلن) الذي
تمتد خطوطه المغناطيسية عشرة آلاف ميل من الأرض تحمي الكرة الأرضية من هذه
الطاقة المميتة.
حسبت طاقة السحب البلازمية التي يأسرها حزام (فان
آلن) فوجد أنها تبلغ في بعض الأحيان سويات عالية ربما وصلت لأكثر من مئة
بليون مرة من طاقة القنبلة التي ألقيت فوق (هيروشيما).
وكما هو
معلوم فإن الأشعة الكونية ضارة على جميع المستويات، والحقل المغناطيس هي
تقريباً بحدود بليون أمبير، وهذا أكثر مما ولده الجنس البشري عبر التاريخ
كله.
فإذا لم يكن ذلك الدرع الحامي موجوداً فمن المفروض أنها دُمرت
بالإشعاعات الضارة والمؤذية من وقت لآخر،. وبالتالي لم يكن للحياة أن تظهر
على الأرض إطلاقاً، ولكن كما أشار (بريس وسيفر) فإن لب الأرض مصمم تماماً
كي يحفظ سلامه الأرض.
وبكلمه أخرى، فإن يوجد هدف خاص كما نص القرآن:
{وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا
مُعْرِضُونَ}... (الأنبياء : 32).
التلاؤم الجوي:
كما رأينا فإن المميزات والتضاريس والمظاهر الفيزيائية للأرض مثل الكتلة
والتركيب ودرجة الحرارة.. الخ هي مضبوطة بالتحديد لحفظ الحياة، ومثل تلك
المظاهر وحدها غير كافية لتسمح بوجود الحياة وبقائها كيفياً على الأرض،
ويوجد عامل حيوي آخر هو مكونات الغلاف الجوي الأرضي.
يتكون الجو
الأرضي من 77% نتروجين (آزوت ) و21% غاز الكربون، لنبدأ بأكثر غاز أهمية و
هو غاز الأوكسجين فالأكسجين هو غاز هام حيوياً للحياة لأنه يدخل في معظم
التفاعلات الكيميائية التي تتحرر منها الطاقة والتي تتطلبها أشكال الحياة
المعقدة.
تتفاعل المركبات الكربونية مع الأوكسجين ونتيجة لتلك
التفاعلات ينتج الماء وغاز الكربون والطاقة، وتتولد من تلك التفاعلات رزم
صغيرة من الطاقة تدعى (ATP) وهي (أدينوسين ثلاثي الفوسفات) وتستخدم في
الخلايا الحية، وهذا هو السبب الذي يجعلنا نحتاج إلى الأوكسجين باستمرار
للحياة وأن نتنفس لتلبية تلك الحاجة.
الشيء العجيب هنا هو أن النسبة
المئوية للأوكسجين في الهواء الذي نتنفسه معينة بدقة عالية جداً، وقد كتب
(ميشيل دينتون) حول هذا الموضوع. فقال: هل يمكن للجو أن يحتوي أوكسجيناً
أكثر ويبقى داعماً للحياة ؟
الجواب لا: فالأوكسجين هو عنصر فعال جداً
حتى النسبة المئوية الدائمة له في الجو وهي 21% قريبة إلى الحد الأعلى
للأمان من أجل الحياة عند درجات الحرارة المكتنفة فيه.
واحتمال
احتراق الغابات واشتعال النار فيها يزداد بمعدل 70% لك لزيادة مقدارها واحد
بالمئة فقط في النسبة المئوية في أوكسجين الجو وهذا يتفق مع ما ذكره
الكيميائي الحيوي الإنكليزي (جيمس لوفلك)، الذي قال: في حال أصبحت نسبة
الأوكسجين أكثر من 25% فإن بعضاً من أراضينا الزراعية قد يشهد حرائق عنيفة
هائجة والتي قد تدمر الغابات الاستوائية، وبطريقة مماثلة سهول التندرا
الجرداء في المنطقة لأن نسبة الأوكسجين في جوها مرتفعة بشكل طبيعي.
إذن "إن مستوى الأوكسجين الحالي هي عند نقطة يتوازن عندها الخطر والنفع بلطافة".
إبقاء
تلك النسبة من الأوكسجين في الجو عند تلك القيمة الصحيحة بالضبط هو نتيجة
النظام الرائع القائم بين الحيوانات التي تستهلك الأوكسجين بانتظام وتنتج
غاز الكربون الذي لا يصلح لتنفس الحيوانات التي تعمل بطريقة معاكسة تماماً
فهي تأخذ غاز الكربون لأنها تحتاجه لتنفسها وحياتها، ومن ثم تطلق غاز
الأوكسجين بدلاً منها، وبفضل ذلك النظام تستمر الحياة، وهكذا تطلق النباتات
ملايين الأطنان من الأوكسجين في الجو كل يوم.
بدون وجود تعاون
وتوازن بين هاتين المجموعتين المختلفتين من الأشياء الحية، فإن كوكبنا
سيكون كوكباً لا حياة فيه، ومثال على ذلك إذا كانت الأشياء الحية تأخذ فقط
غاز الكربون وتطلق غاز الأوكسجين عندئذ يدعم جو الأرض الاحتراق بسهولة أكثر
بكثير مما يفعله عادة، وحتى أن شرارة صغيرة تستطيع أن تسبب حرائق ضخمة.
وبطريقة مماثلة إذا أخذت تلك الأشياء الحية الأوكسجين فقط وأطلقت غاز الكربون فالحياة ستنعدم أخيراً عندما يستهلك كل الأوكسجين.
في الحقيقة إن الجو هو في حالة توازن والتي يتوازن فيها الخطر والمنفعة بشكل مثالي لتنفسنا.
الجو والتنفس:
نحن نتنفس في كل لحظة من حياتنا ونستنشق باستمرار الهواء ثم نطلقه. ونحن
نفعلها كثيراً بحيث يمكن الاعتقاد بأنها عادة نظامية لدينا، وفي الحقيقة،
إن التنفس هو عملية معقدة جداً.
إن كمال تصميم أنظمة أجسامنا لا
يضطرنا لأن نفكر في التنفس. وجسمنا يقدر كم يحتاج لأوكسجين وينظم لاستلام
الكمية الصحيحة منه سواء أكان يمشي أم يركض أم يقرأ كتاباً أم كان نائماً،
والداعي للتنفس هو أهميته البالغة لنا بسبب أن ملايين التفاعلات والتي يجب
أن تحدث بانتظام في أجسامنا لتبقينا أحياء تتطلب الأوكسجين.
إن قدرتك
على أن تقرأ هذا الكتاب يعود فضله لملايين الخلايا في قرنية عينك والتي
تغذي دوماً بطاقة مشتقة من الأوكسجين وبطريقة مماثلة فكل النسج في أجسامنا
وخلايانا تأخذ طاقتها من حرق المركبات الكربونية في الأوكسجين، وناتج هذا
الاحتراق هو غاز الكربون الذي يجب أن يتخلص منه الجسم، فإذا كان مستوى
الأوكسجين في قطرات الدم الجاري في عروقك منخفضاً فالنتيجة هي ضعف، وفي حال
غياب الأوكسجين لفترة تزيد عن بضع دقائق فالنتيجة هي الموت.
وهذا هو
السبب في تنفسنا، فعندما نستنشق فالأوكسجين سوف يغمر بطوفانه جوف 300
مليون حجيرة صغيرة دقيقة في رئتينا، وتتصل تلك الحجيرات بعروق شعرية هي
التي تمتص الأوكسجين في طرفة عين (في لمحة) وتحولها أولاً إلى القلب وبعدها
لك عضو آخر في أجسامنا، وتستخدم خلايا جسمنا هذا الأوكسجين وتطلق غاز
الكربون داخل الدم، والذي يحولها ثانية إلى الرئتين حيث تزفر، وتأخذ كل هذه
العملية فترة لا تزيد عن نصف ثانية. وخلالها يدخل الأوكسجين النظيف ويخرج
غاز الكربون الملوث.
ربما تتساءل لماذا يوجد مقدار 300 مليون من تلك
الحجيرات الصغيرة في الرئتين، والسبب هو لتكبير سطح المنطقة التي تتعرض
للهواء، وهي مطوية بدقة وبتأن لتحتل أصغر فضاء ممكن بحيث إذا نشرت فالنتيجة
ستكون كافية لتغطية ملعب تنس.
توجد نقطة أخرى هنا يجب أن نتذكرها
باستمرار، وهي أن حجيرات الرئتين والشعيرات الدموية التي تتصل بالرئتين
مصممة من الصغر والكمال لكي تزيد من المعدل الذي يجري فيه تبادل الأوكسجين
وغاز الكربون، لكن ذلك التصميم الكامل يعتمد على عوامل أخرى مثل الكثافة
واللزوجة وضغط الهواء فيجب أن تكون كلها صحيحة لكي يتحرك الهواء بشكل ملائم
وهو يدخل ويخرج من رئتينا.
عند سطح البحر يكون ضغط الهواء هو 760 ميلمتراً زئبقياً وكثافته ولزوجته وضغطه.. الخ..
ويجب أن تكون مقاديرها مشابهة تماماً لما هي عليه في الواقع وهذا ضروري جداً خاصة للعضويات هوائية التنفس.
عندما
نتنفس فإن رئتينا تستخدم طاقة لتتغلب على القوة التي تدعى مقاومة منفذ
الهواء وتلك القوة هي نتيجة مقاومة الهواء للحركة بسبب الخواص الفيزيائية
للجو، على كل حال هذه المقاومة ضعيفة بشكل كاف بحيث أن رئتينا تستطيع أن
تأخذ الهواء إلى الداخل وتطرحه إلى الخارج مع أقل ضياع ممكن للطاقة، فإذا
كانت مقاومة الهواء أعلى فإن رئتينا سوف تجبر على العمل بمشقة لتمكننا من
التنفس، وهذا يمكن تفسيره بمثال:
من السهل أن نسحب الماء داخل إبرة
حقن لكن سحب العسل بواسطة تلك الإبرة أكثر صعوبة، والسبب في ذلك هو أن
العسل أكثف من الماء ويتحرك أيضاً بلزوجة أكبر.
إذا كانت الكثافة
واللزوجة والضغط في الهواء أعلى فإن التنفس سيكون صعباً كما في عملية سحب
العسل لداخل إبرة الحقن، وربما يقول شخص لكن ذلك سهل وذلك بإجراء إصلاح (أو
تقويم)! كأن نجعل فتحة الإبرة أوسع لزيادة معدل السريان، لكن إذا نحن
فعلنا ذلك في حالة الأنابيب الشعرية في الرئتين، فالنتيجة هي تخفيض في
اتساع مساحة منطقة التماس مع الهواء.
وبالنتيجة فإن أقل أوكسجين وغاز
كربون سوف يتبادلان في الوقت نفسه وذلك لن يرضي حاجات الجسم التنفسية،
وبكلمة أخرى القيم الإفرادية لكثافة الهواء ولزوجة والضغط كلها يجب أن تقع
ضمن حدود معينة لكي تكون قابلة للتنفس وهذا ما هو حاصل فعلاً في الهواء
الذي نتنفسه.
وقد علق (ميشل دنيتون) على ذلك بقوله :
من الواضح أنه إذا كانت اللزوجة أو الكثافة أكبر بكثير من ذلك، فإن مقاومة
منفذ الهواء سوف تصبح مانعة ومعوقة، وإن إعادة تصميم النظام التنفسي لا
يمكن التصور أنه قادر على أن يقدم أوكسجيناً كافياً لعضويات هوائية التنفس
والنشطة أيضاً.
وأنه برسم المنحني البياني لتغيرات الضغوط الجوية
بدلالة كل محتوياته الممكنة من الأوكسجين فإنه يتضح أنه توجد على المنحني
منطقة صغيرة فريدة واحد فقط.. تلبي كل الشروط المختلفة للحياة، وبالتأكيد
تلك الفكرة هي ذات معنى كبير في أن عدداً من الشروط الأساسية يمكن أن يلبي
في هذه المنطقة الصغيرة في الفضاء لكل الأجواء المختلفة.
القيم
العددية للجو ليست ضرورية لتنفسنا فقط لكنها ضرورية أيضاً لكوكبنا الأزرق
كي يبقى أزرق، فإذا انخفض الضغط الجوي عند سطح البحر كثيراً عن قيمة
الحالية، فإن معدل تبخر الماء سيكون أعلى، وزيادة الماء في الجو سيكون له
تأثير مفعول البيت الزجاجي الذي يأسر حرارة أكثر ويرفع بذلك درجة الحرارة
الوسطية للكوكب، ومن ناحية أخرى إذا كان الضغط أعلى بكثير، فإن معدل تبخر
الماء سيكون أقل ومحولاً أجزاء واسعة من الكوكب إلى صحارى.
تشير كل
تلك التوازنات المضبوطة بدقة إلى أن جونا صمم بدقة متأنية كي تبقى الحياة
قائمة على الأرض. هذه حقيقة كشفها العلم وهي تبين لنا مرة أخرى أن الكون
ليس مزيجاً أو خليطاً من مادة أتت بالصدفة، وبدون شك يوجد خالق يحكم الكون
ويشكل المادة كما يريد لها أن تكون، كما يحكم على كل المجرات والنجوم
والكواكب والكل تحت حكمه وسلطته العليا.
تلك القدرة الأسمى كما نحيا
عليه صمم خصصياً وتم تمهيده من قبل الله للناس كما ذكر في القرآن:
{وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا}.. [النازعات : 30].
وتوجد آيات
أخرى توضح أن الله هو خالق الأرض ليحيا عليها الإنسان.. {اللَّهُ الَّذِي
جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ
فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ
رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}.. [غافر : 64].
{هُوَ
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا
وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}... [الملك : 15].
التوازنات التي جعلت الحياة ممكنة:
قال الله تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ}... (الذريات : 20).
الأشياء
التي ذكرناها سابقاً هي بالضبط بعض التوازنات الدقيقة اللطيفة الضرورية
للحياة على الأرض، وبدراسة الأرض نستطيع أن نضع قائمة للعوامل الأساسية
الضرورية للحياة، ولقد وضع الفلكي الأمريكي (هيوج روس) قائمة خاصة به تضمنت
ما يلي:
1- الجاذبية الثقافية السطحية:
إذا كانت أقوى: فالجو سيحتجز كثيراً من غاز الأمونيا والميتان.
إذا كانت أضعف: جو الكوكب سوف يخسر كثيراً من الماء.
2- البعد عن النجم الأم:
إذا كان أبعد: الكوكب سيكون بارداً جداً من أجل دورة مائية منتظمة.
إذا كان أقرب: الكوكب سيكون ساخناً جداً من أجل دورة مائية منتظمة.
3- سمك القشرة :
إذا كانت أكثر سمكاً: كثير من الأوكسجين سوف ينتقل من الجو إلى القشرة.
إذا كانت أرق: النشاط البركاني التكتوني سيكون كبيراً جداً.
4- فترة الدوران:
إذا كانت أطول: فوق درجات الحرارة اليومية سيكون كبيراً جداً.
إذا كانت أقصر: سرعات الرياح الجوية ستكون كبيراً جداً.
5- التفاعل الجاذبي الثقالي مع القمر:
إذا كان أكبر: تأثيرات المد على المحيطات والجو ودور الدوران سيكون قاسياً جداً.
إذا كان أقل: تغيراً في الميل المداري سوف يسبب عدم استقرار مناخي.
6- الحقل المغناطيسي:
إذا كان أقوى: العواصف الكهرطيسية ستكون عنيفة.
إذا كان أضعف: الحماية غير ملائة غير ملائمة من الإشعاعات النجمية القاسية.
7- البيدو (نسبة الضوء المنعكس إلى مجمل كمية الضوء الساقط على السطح):
إذا كان كبيراً: ستحل عصور جليدية.
إذا كان صغيراً: ستذوب الثلوج وتغرق الأرض في الماء، ثم تصبح جافة قاحلة.
8- نسبة الأوكسجين إلى النتروجين في الجو:
إذا كان أكبر: توابع تطور الحياة سوف تقدم بسرعة كبيراً.
إذا كانت أصغر: توابع تطور الحياة سوف تتقدم بسرعة بطيئة.
9- مستوى غاز الكربون وبخار الماء في الجو:
إذا كانت كبيرة: ترتفع درجة الحرارة الجو بشكل أكبر.
إذا كانت أصغر: تنخفض درجة حرارة الجو.
10- مستوى الأوزون في الجو:
إذا كان أكبر: درجة حرارة السطح ستكون منخفضة جداً.
إذا كان أقل: درجة حرارة السطح ستكون عالية جداً، وسيكون هناك كثير من الإشعاع فوق البنفسجي عند السطح.
11- النشاط الزلزالي:
إذا كان أكبر: سيتحطم كثير من أشكال الحياة.
إذا كان أقل: المادة الغذائية على قيعان المحيطان (الآتية من مقذوفات الأنهار).
لن تخضع للدورة المتكررة لارتفاع القارات التكتوني.
هذه
بالضبط بعض من صور التصميم الدقيق لتوازنات بيئية والتي صنعت لكي تبقي
الحياة قائمة، ولكن حتى هذه الصور ليست كافية لإظهار أن الأرض لم تأت
للوجود نتيجة مصادفة أو أنها تشكلت نتيجة سلسلة حوادث سعيدة.
هذه
التفاصيل وغير مما لا يحصى يؤكد حقيقة واضحة بسيطة وهي أن الله والله وحدة
هو الذي خلق هذا الكون والنجوم والكوكب والجبال والبحار كاملة، وأنه هو
الذي أعطى الحياة للمخلوقات البشرية والأشياء الحية الأخرى.
وسخر ما
خلقه لسيطرة الإنسان، الله والله وحده هو منبع الرحمة والقدرة، وقدرته
كافيه لأن يخلق أشياء من العدم. هذا الخلق الكامل من قبله سبحانه وتعالى
وصف في القرآن بالآن التالية.
دعنا
نتخيل أننا مثل ذلك المسافر وأننا وصلنا دائرة الكسوف العظيمة (دائرة
البروج) للكرة السماوية والتي تتحرك فيها كل الكواكب الرئيسية لنظامنا
الشمسي، فأول كوكب سوف نقابله هو (بلوتو)، وهذا الكوكب هو مكان بارد جداً
ودرجة حرارته نحو (-238) درجة مئوية، وله جو لطيف يكون في حالته الغازية
فقط عندما يكون أقرب إلى الشمس في مداره الشبه اهليلجي، أما في الأوقات
الأخرى فيصبح جوه كتلة من الجليد، إذاً (بلوتو) باختصار هو كرة لا حياة
فيها مغلفة بالجليد.
وبالتقدم نحو الشمس فإنك ستواجه الكوكب التالي
وهو (نبتون) وهو أيضاً بارد جداً ودجة حرارته حوالي (-218) درجة مئوية،
وجوه يحتوي على غاز الهيدروجين والهليوم والميتان وهو سام للحياة وتهب فيه
الرياح بسرعة 2000كيلومتر في الساعة عاصفةً عبر سطح الكوكب.
الكوكب
التالي هو (أورانوس) وهو كوكب غازي فيه صخور غازية فيه صخور وجليد على سطحه
ودرجة حرارته (-214) درجة مئوية وجوه يحتوي على الهيدروجين والهليوم
والمتيان وبالتالي فهو غير ملائم لحياة الجنس البشري.
نصل إلى كوكب
زحل بعد أورانوس وهو ثاني أكبر الكواكب في المجموعة الشمسية ويتميز بخاصية
في امتلاكه جملة من الحلقات المحيطة به، وتلك الحلقات مكونة من الغازات
والصخور والجليد.
وتعتبر تلك الحلقات واحدة من أجمل الأشياء حول زحل وهي مكونة كلياً من غازين (75% هيدروجين و 25% هيليوم).
وكثافتها
أقل منها للماء، وإذا أردت أن تهبط على زحل فالأفضل أن تصمم سفينتك
الفضائية بشكل تشبه فيه قارب منفوخاً واسعاً، ولا تنسى أن درجة الحرارة
الوسطية منخفضة جداً وتصل إلى (-178) درجة مئوية.
وبالاقتراب من
المشتري وهو أضخم كواكب النظام الشمسي، واتساعه يعادل 238 مرة اتساع الأرض،
والمشتري هو مثل زحل أي هو كوكب غازي، و طالما أنه من الصعب أن نميز بين
الجو والسطح على مثل هذا الكواكب فمن الصعب أن نقول ما هي درجة حرارة
السطح، لكنها في أعالي الجو تصل في الغلاف الجوي حوالي –143 درجة مئوية ومن
المظاهر الملحوظة في جو المشتري شيء ما يدعى النقطة الحمراء العظمى، وقد
لوحظت قبل ثلاثمائة سنة، ويعرفها الفلكيون الآن بأنها عبارة عن نظام عاصفة
ضخمة هائجة في جو المشتري لعدة قرون، وهي من الاتساع بحيث تستطيع ابتلاع
كوكبين بحجم الأرض، ويرى المشتري كأنه كوكب مثير لكنه وجوه مكون من غاز
الكربون في معظمه، والضغط الجوي عند سطحه يعادل (تسعين) ضغط جوي أرضي، وعلى
الأرض يجب أن تغوص كيلومتراً داخل ماء البحر قبل أن تصل لمثل ذلك الضغط
العالي، ويحتوي جو الزهرة على طبقات غازية من حامض الكبريت وسمكها تبلغ عدة
كيلومترات.
وعندما تمطر الزهرة، فكما تعلم فهي لا تمطر مطراً بل تمطر حمضاً.
لذلك لا يمكن لأي إنسان أو لأي كائن حي آخر أن يعيش في مثل ذلك المكان الجهنمي ولو لثانية واحدة.
نتابع
رحلتنا فنصل إلى كوكب عطارد وهو عالم صخري صغير مدمر بالحرارة والإشعاع من
الشمس، ودورانه حدث له إبطاء بسبب قربه من الشمس بحيث يصنع ذلك الكوكب
ثلاثة دورات كاملة محورية (حول نفسه) في الوقت الذي يأخذه ذاته ليدور مرتين
حول الشمس، وبكلمة أخرى فإن سنتين من عطارد تساوي ثلاثة من أيامه.
وبسبب تلك الدورة اليومية المطولة يكون أحد وجهي عطارد حاراً تماماً بينما
الطرف الآخر يكون بارداً تماماً والفرق بين درجتي حرارة وجهي النهار والليل
لعطارد يزيد على ألف درجة مئوية. وطبعاً مثل تلك البيئة لا تسمح بالحياة
فيها.
ليس صالحاً للإقامة فيه بسبب درجة الحرارة الباردة جداً حدّ التّجمد والرياح العنيفة والإشعاع الشديد.
الآن
يأتي دور المريخ فجو المريخ ليس مكاناً ملائماً للحياة لأن معظمه غاز
كربون وسطحه في كل الأماكن يطفح بالبثور، وتلك البثور هي ثقوب لفوهات
بركانية، أو نتيجة لصدمات النيازك والرياح القوية العاتية التي تهب عبر
السطح حاملة معها عواصف رملية والتي تدوم أياماً وأسابيع متواصلة، وتتغير
درجة الحرارة كثيراً وقد تصل إلى مستويات منخفضة في حدود –53درجة مئوية.
مرت فترة ساد الاعتقاد فيها بأن المريخ ربما كان يحتوي على شكل من الحياة، لكن كل الأدلة بينت أنه عالم لا حياة فيه.
بالانطلاق بعيداً عن المريخ باتجاه الشمس نلاحظ كوكباً أزرق وسنقرر أن نتخطاه لفترة حتى نتمكن من اكتشاف ما هو أكبر.
ويوصلنا
بحثنا إلى كوكب يدعى الزهرة وهذا الكوكب في أماكنه مغطى و محجوب بسحب
ساطعة لكن درجة حرارته عند السطح هي 450 درجة مئوية، هي كافية لانصهار
الرصاص (إذابته).
وفي مجمل القول، ألقينا النظر على الكواكب الثمانية
وليس لواحد منها بما فيها توابعها الثلاث والخمسين، و هي لم تبد شيئاً
يساعد كملاذ يؤوي الحياة.
أما الكوكب الأزرق الذي تخطيناه لفترة مضت
فهو واحد يختلف كثيراً جداً عن الآخرين فكل ما فيه ينبض حياةً جوه وتضاريس
سطحه ودرجات حرارته الملائمة وحقله المغناطيسي ومصادر عناصره وهو موضوع على
البعد المناسب من الشمس، فهو يبدو كما لو كان قد خلق خصيصاً ليصبح موطن
الحياة، والذي سنكشف حقيقة لاحقاً.
درجة حرارة الأرض:
درجة الحرارة والجو هي أول عوامل أساسية للحياة على الأرض. والكوكب الأزرق
له درجة الحرارة الحياتية والجو التنفسي للكائنات الحية. خاصة لمثل تلك
الكائنات الحية المعقدة كالجنس البشري.
وعلى كل حال أتى هذان العاملان المختلفان كلياً إلى الوجود نتيجة انقلاب الشروط لتصبح مثالية لهما.
وأحد
تلك العوامل هي المسافة بين الأرض والشمس، فالأرض لا يمكن أن تكون مقراً
للحياة إذا كانت أقرب إلى الشمس مثل الزهرة، أو كانت بعيدة مثل بعد
المشتري، والجزيئات ذات الأساس الكربوني يمكن أن تبقى حية بين حدين هما
(-20) و(120)، والأرض هي الكوكب الوحيد الذي له درجة حرارة وسطية بين هذين
الحدين.
عندما يفكر شخص في الكون ككل مستعرضاً ضيق مجال درجات
الحرارة فتلك مهمة صعبة جداً لأن الحرارة في الكون تتراوح بين بلايين
الدرجات في أسخن النجوم إلى درجة الصفر المطلق أي لـ (-273س).
وفي
مثل ذلك المجال الواسع لدرجات الحرارة يكون الفاصل الحراري الذي يسمح
للحياة بأن توجد هو ضئيل جداً بالفعل، لكن كوكب الأرض له هذا الفاصل.
الجيولوجي
الأمريكي (فرانك بريس) و(ريموند سيفر) جذبا الانتباه لمتوسط درجات الحرارة
السائدة على الأرض. ولاحظا كما نعلم أن الحياة ممكنة ضمن فاصل حراري ضيق،
وذلك الفاصل هو من واحد إلى اثنين بالمئة من المجال بين درجة حرارة الصفر
المطلق ودرجة حرارة سطح الشمس..
إن الاحتفاظ بهذا المجال الحراري
مرتبط أيضاً بكمية الحرارة التي تشعها الشمس وكذلك بالمسافة بين الأرض
والشمس، ووفق الحسابات فإن نقصان 10% من طاقة الإشعاع الشمسي سيؤدي إلى
تغطية سطح الأرض بطبقات من الجليد سمكها عدة أمتار، وإذا زادت تلك النسبة
عن ذلك بقليل فكل الكائنات الحية سوف تتجمد وتموت.
لا يكفي أن تكون
درجات الحرارة المتوسطة مثالية، بل يجب أن تكون الحرارة المتوفرة أيضاً
موزعة بالتساوي تقريباً على سطح الكوكب وأن عدداً من الوقائيات الخاصة يجب
توفرها، وبالفعل فقد تم تأمينها.
يميل محور دوران الأرض بزاوية 23
و27 على مستوى دائرة البروج، وهذا الميل يمنع الإفراط الحراري للجو في
المناطق بين القطبين وخط الاستواء ومسببة لها اعتدلاً حرارياً أكثر، وإذا
لم يكن ذلك الميل موجوداً فالتدرج الحراري بين القطبين وخط الاستواء سيكون
أكثر ارتفاعاً مما هو عليه، والمناطق المعتدلة سوف لن تكون معتدلة بعد أو
ملائمة للعيش فيها.
وسرعة دوران الأرض حول محورها تساعد أيضاً في حفظ
التوازن الحراري في حالة توازن، وتقوم الأرض بدورة واحد كل 24 ساعة،
والنتيجة هي فترات متناوبة قصيرة تقريباً من الليل والنهار، وبسبب قصرهما
يكون التدرج الحراري بين الطرفين المضيء والمظلم للكوكب معتدلاً تماماً،
وأهمية ذلك يمكن رؤيته في المثال المتطرف لعطارد، حيث أن يومه أطول من سنته
فيكون الفرق بين درجات حرارة النهار والليل فيه حوالي ألف درجة مئوية.
تساعد
الجغرافية أيضاً في توزيع الحرارة وتساويها على سطح الأرض، بحيث يكون
الفرق بين درجتي حرارة المناطق القطبية والاستوائية للأرض حوالي مئة درجة
مئوية فقط، وإذا كان مثل ذلك التدرج الحراري موجوداً على مساحات مستوية
كلياً لا تضاريس فيها فستكون النتيجة رياحاً سرعتها عالية جداً ربما بلغت
ألف كيلومتر في الساعة وجارفة معها كل شيء في مسارها، ولكن بدلاً عن ذلك
فالأرض مملوءة بالعوائق الجيولوجية التي توقف الحركات الهائلة للهواء التي
يسببها التدرج الحراري.
وتلك العوائق هي السلاسل الجبلية والممتدة من
المحيط الهادي في الشرق إلى المحيط الأطلسي في الغرب، ويبدأ بجبال
الهملايا في الصين ويستمر حتى جبال طوروس في الأناضول والألب في أوربا، وفي
البحر تنتقل الزيادة في الحرارة في المناطق الاستوائية شمالاً وجنوباً،
والفضل في ذلك لقابلية الماء المثلى في نقل الحرارة وتبديدها.
كتلة الأرض والحقل المغناطيسي للكوكب :
حجم الأرض ليس أقل أهمية للحياة من بعدها عن الشمس وسرعة دورانها وتضاريسها
الجغرافية. وبالنظر إلى الكواكب نرى أن هناك تفاوتاً كبيراً في أحجامها،
فعطارد حجمه صغير وأصغر بعشر مرات من حجم الأرض بينما المشتري أكبر منها
بحوالي 318 مرة، والسؤال الآن هو، هل كان حجم الأرض إذا ما قورن بحجم
الكواكب الأخرى مصادفة ؟ أم هو مدروس ؟.
عندما نفحص أبعاد الأرض نرى
بسهولة أن كوكبنا صمم تماماً بهذا الحجم وقد علق الجيولوجيان الأمريكيان
(فرانك بريس) و(ريموند سيفر) على تلائم الأرض بقولهما: "إن حجم الأرض هو
تماماً ما ينبغي أن يكون عليه، فهي ليست صغيرة جدا فتخسر جوها لكون
جاذبيتها الثقالية عندئذ صغيرة فلا تستطيع منع هروب الغازات منها إلى
الفضاء، وهي ليست كبيرة بالقدر الذي يجعل جاذبيتها الثقالية تزداد كثيراً
فتحتفظ بجو غزي أكبر بما فيها غازات ضارة.
بالإضافة إلى كتلتها فإن
أعماق الأرض أيضاً مصممة بطريقة تخصصية مضبوطة وذلك من ناحية لبها وحقلها
المغناطيسي القوي والذي له دور حيوي هام في حفظ الحياة، ووفق ما كتبه
العالمان (بريس وسيفر) يكون: أعماق الأرض هي محرك عملاق متوازن حرارياً
بلطف.
وقوده النشاط الإشعاعي.. وعندما تباطأت حركتها صار نشاطها
الجيولوجي يتقدم بخطوات بطيئة موزونة، ولنفرض أنه ربما لم ينصهر الحديد
ويغوص ليشكل لباً سائلاً، والحقل المغناطيسي ربما لم يتطور إطلاقاً.. فإذا
كان هناك زيادة من الوقود (أي النشاط الإشعاعي) وكان المحرك يدور أسرع فإن
غازات البراكين والغبار بما حجبت الشمس وعندئذ سيكون الجو كثيفاً، والسطح
سيكون مدمراً بالزلازل اليومية والانفجارات البركانية.
الحقل
المغناطيسي الذي تحدث عنه الجيولوجيون له أهمية كبيرة عل الحياة وينشأ هذا
الحقل المغناطيسي في جوف الأرض، فهو يحتوي على عناصر ثقيلة مثل الحديد
وال*-تم الحذف. كلمة غير محترمة لا يسمح بها في هذا المنتدى-*ل وهما معدنان قادران على حمل شحنات مغناطيسية، والجوف الداخلي صلب
أما اللب الخارجي الذي يعلوه فهو سائل، وتتحرك هاتان الطبقتان من اللب حول
بعضهما البعض، وتلك الحركة هو التي تولد الحقل المغناطيسي الأرضي، ويمتد
هذا الحقل بعيداً خلف السطح، وهذا الحقل يحمي الأرض من تأثيرات الإشعاع
الضار الوارد من الفضاء الخارجي، أما الإشعاعات الوردة من النجوم عدا
الإشعاع الشمس فهو لا تستطيع السفر عبر ذلك الدرع، فحزام (فان آلن) الذي
تمتد خطوطه المغناطيسية عشرة آلاف ميل من الأرض تحمي الكرة الأرضية من هذه
الطاقة المميتة.
حسبت طاقة السحب البلازمية التي يأسرها حزام (فان
آلن) فوجد أنها تبلغ في بعض الأحيان سويات عالية ربما وصلت لأكثر من مئة
بليون مرة من طاقة القنبلة التي ألقيت فوق (هيروشيما).
وكما هو
معلوم فإن الأشعة الكونية ضارة على جميع المستويات، والحقل المغناطيس هي
تقريباً بحدود بليون أمبير، وهذا أكثر مما ولده الجنس البشري عبر التاريخ
كله.
فإذا لم يكن ذلك الدرع الحامي موجوداً فمن المفروض أنها دُمرت
بالإشعاعات الضارة والمؤذية من وقت لآخر،. وبالتالي لم يكن للحياة أن تظهر
على الأرض إطلاقاً، ولكن كما أشار (بريس وسيفر) فإن لب الأرض مصمم تماماً
كي يحفظ سلامه الأرض.
وبكلمه أخرى، فإن يوجد هدف خاص كما نص القرآن:
{وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا
مُعْرِضُونَ}... (الأنبياء : 32).
التلاؤم الجوي:
كما رأينا فإن المميزات والتضاريس والمظاهر الفيزيائية للأرض مثل الكتلة
والتركيب ودرجة الحرارة.. الخ هي مضبوطة بالتحديد لحفظ الحياة، ومثل تلك
المظاهر وحدها غير كافية لتسمح بوجود الحياة وبقائها كيفياً على الأرض،
ويوجد عامل حيوي آخر هو مكونات الغلاف الجوي الأرضي.
يتكون الجو
الأرضي من 77% نتروجين (آزوت ) و21% غاز الكربون، لنبدأ بأكثر غاز أهمية و
هو غاز الأوكسجين فالأكسجين هو غاز هام حيوياً للحياة لأنه يدخل في معظم
التفاعلات الكيميائية التي تتحرر منها الطاقة والتي تتطلبها أشكال الحياة
المعقدة.
تتفاعل المركبات الكربونية مع الأوكسجين ونتيجة لتلك
التفاعلات ينتج الماء وغاز الكربون والطاقة، وتتولد من تلك التفاعلات رزم
صغيرة من الطاقة تدعى (ATP) وهي (أدينوسين ثلاثي الفوسفات) وتستخدم في
الخلايا الحية، وهذا هو السبب الذي يجعلنا نحتاج إلى الأوكسجين باستمرار
للحياة وأن نتنفس لتلبية تلك الحاجة.
الشيء العجيب هنا هو أن النسبة
المئوية للأوكسجين في الهواء الذي نتنفسه معينة بدقة عالية جداً، وقد كتب
(ميشيل دينتون) حول هذا الموضوع. فقال: هل يمكن للجو أن يحتوي أوكسجيناً
أكثر ويبقى داعماً للحياة ؟
الجواب لا: فالأوكسجين هو عنصر فعال جداً
حتى النسبة المئوية الدائمة له في الجو وهي 21% قريبة إلى الحد الأعلى
للأمان من أجل الحياة عند درجات الحرارة المكتنفة فيه.
واحتمال
احتراق الغابات واشتعال النار فيها يزداد بمعدل 70% لك لزيادة مقدارها واحد
بالمئة فقط في النسبة المئوية في أوكسجين الجو وهذا يتفق مع ما ذكره
الكيميائي الحيوي الإنكليزي (جيمس لوفلك)، الذي قال: في حال أصبحت نسبة
الأوكسجين أكثر من 25% فإن بعضاً من أراضينا الزراعية قد يشهد حرائق عنيفة
هائجة والتي قد تدمر الغابات الاستوائية، وبطريقة مماثلة سهول التندرا
الجرداء في المنطقة لأن نسبة الأوكسجين في جوها مرتفعة بشكل طبيعي.
إذن "إن مستوى الأوكسجين الحالي هي عند نقطة يتوازن عندها الخطر والنفع بلطافة".
إبقاء
تلك النسبة من الأوكسجين في الجو عند تلك القيمة الصحيحة بالضبط هو نتيجة
النظام الرائع القائم بين الحيوانات التي تستهلك الأوكسجين بانتظام وتنتج
غاز الكربون الذي لا يصلح لتنفس الحيوانات التي تعمل بطريقة معاكسة تماماً
فهي تأخذ غاز الكربون لأنها تحتاجه لتنفسها وحياتها، ومن ثم تطلق غاز
الأوكسجين بدلاً منها، وبفضل ذلك النظام تستمر الحياة، وهكذا تطلق النباتات
ملايين الأطنان من الأوكسجين في الجو كل يوم.
بدون وجود تعاون
وتوازن بين هاتين المجموعتين المختلفتين من الأشياء الحية، فإن كوكبنا
سيكون كوكباً لا حياة فيه، ومثال على ذلك إذا كانت الأشياء الحية تأخذ فقط
غاز الكربون وتطلق غاز الأوكسجين عندئذ يدعم جو الأرض الاحتراق بسهولة أكثر
بكثير مما يفعله عادة، وحتى أن شرارة صغيرة تستطيع أن تسبب حرائق ضخمة.
وبطريقة مماثلة إذا أخذت تلك الأشياء الحية الأوكسجين فقط وأطلقت غاز الكربون فالحياة ستنعدم أخيراً عندما يستهلك كل الأوكسجين.
في الحقيقة إن الجو هو في حالة توازن والتي يتوازن فيها الخطر والمنفعة بشكل مثالي لتنفسنا.
الجو والتنفس:
نحن نتنفس في كل لحظة من حياتنا ونستنشق باستمرار الهواء ثم نطلقه. ونحن
نفعلها كثيراً بحيث يمكن الاعتقاد بأنها عادة نظامية لدينا، وفي الحقيقة،
إن التنفس هو عملية معقدة جداً.
إن كمال تصميم أنظمة أجسامنا لا
يضطرنا لأن نفكر في التنفس. وجسمنا يقدر كم يحتاج لأوكسجين وينظم لاستلام
الكمية الصحيحة منه سواء أكان يمشي أم يركض أم يقرأ كتاباً أم كان نائماً،
والداعي للتنفس هو أهميته البالغة لنا بسبب أن ملايين التفاعلات والتي يجب
أن تحدث بانتظام في أجسامنا لتبقينا أحياء تتطلب الأوكسجين.
إن قدرتك
على أن تقرأ هذا الكتاب يعود فضله لملايين الخلايا في قرنية عينك والتي
تغذي دوماً بطاقة مشتقة من الأوكسجين وبطريقة مماثلة فكل النسج في أجسامنا
وخلايانا تأخذ طاقتها من حرق المركبات الكربونية في الأوكسجين، وناتج هذا
الاحتراق هو غاز الكربون الذي يجب أن يتخلص منه الجسم، فإذا كان مستوى
الأوكسجين في قطرات الدم الجاري في عروقك منخفضاً فالنتيجة هي ضعف، وفي حال
غياب الأوكسجين لفترة تزيد عن بضع دقائق فالنتيجة هي الموت.
وهذا هو
السبب في تنفسنا، فعندما نستنشق فالأوكسجين سوف يغمر بطوفانه جوف 300
مليون حجيرة صغيرة دقيقة في رئتينا، وتتصل تلك الحجيرات بعروق شعرية هي
التي تمتص الأوكسجين في طرفة عين (في لمحة) وتحولها أولاً إلى القلب وبعدها
لك عضو آخر في أجسامنا، وتستخدم خلايا جسمنا هذا الأوكسجين وتطلق غاز
الكربون داخل الدم، والذي يحولها ثانية إلى الرئتين حيث تزفر، وتأخذ كل هذه
العملية فترة لا تزيد عن نصف ثانية. وخلالها يدخل الأوكسجين النظيف ويخرج
غاز الكربون الملوث.
ربما تتساءل لماذا يوجد مقدار 300 مليون من تلك
الحجيرات الصغيرة في الرئتين، والسبب هو لتكبير سطح المنطقة التي تتعرض
للهواء، وهي مطوية بدقة وبتأن لتحتل أصغر فضاء ممكن بحيث إذا نشرت فالنتيجة
ستكون كافية لتغطية ملعب تنس.
توجد نقطة أخرى هنا يجب أن نتذكرها
باستمرار، وهي أن حجيرات الرئتين والشعيرات الدموية التي تتصل بالرئتين
مصممة من الصغر والكمال لكي تزيد من المعدل الذي يجري فيه تبادل الأوكسجين
وغاز الكربون، لكن ذلك التصميم الكامل يعتمد على عوامل أخرى مثل الكثافة
واللزوجة وضغط الهواء فيجب أن تكون كلها صحيحة لكي يتحرك الهواء بشكل ملائم
وهو يدخل ويخرج من رئتينا.
عند سطح البحر يكون ضغط الهواء هو 760 ميلمتراً زئبقياً وكثافته ولزوجته وضغطه.. الخ..
ويجب أن تكون مقاديرها مشابهة تماماً لما هي عليه في الواقع وهذا ضروري جداً خاصة للعضويات هوائية التنفس.
عندما
نتنفس فإن رئتينا تستخدم طاقة لتتغلب على القوة التي تدعى مقاومة منفذ
الهواء وتلك القوة هي نتيجة مقاومة الهواء للحركة بسبب الخواص الفيزيائية
للجو، على كل حال هذه المقاومة ضعيفة بشكل كاف بحيث أن رئتينا تستطيع أن
تأخذ الهواء إلى الداخل وتطرحه إلى الخارج مع أقل ضياع ممكن للطاقة، فإذا
كانت مقاومة الهواء أعلى فإن رئتينا سوف تجبر على العمل بمشقة لتمكننا من
التنفس، وهذا يمكن تفسيره بمثال:
من السهل أن نسحب الماء داخل إبرة
حقن لكن سحب العسل بواسطة تلك الإبرة أكثر صعوبة، والسبب في ذلك هو أن
العسل أكثف من الماء ويتحرك أيضاً بلزوجة أكبر.
إذا كانت الكثافة
واللزوجة والضغط في الهواء أعلى فإن التنفس سيكون صعباً كما في عملية سحب
العسل لداخل إبرة الحقن، وربما يقول شخص لكن ذلك سهل وذلك بإجراء إصلاح (أو
تقويم)! كأن نجعل فتحة الإبرة أوسع لزيادة معدل السريان، لكن إذا نحن
فعلنا ذلك في حالة الأنابيب الشعرية في الرئتين، فالنتيجة هي تخفيض في
اتساع مساحة منطقة التماس مع الهواء.
وبالنتيجة فإن أقل أوكسجين وغاز
كربون سوف يتبادلان في الوقت نفسه وذلك لن يرضي حاجات الجسم التنفسية،
وبكلمة أخرى القيم الإفرادية لكثافة الهواء ولزوجة والضغط كلها يجب أن تقع
ضمن حدود معينة لكي تكون قابلة للتنفس وهذا ما هو حاصل فعلاً في الهواء
الذي نتنفسه.
وقد علق (ميشل دنيتون) على ذلك بقوله :
من الواضح أنه إذا كانت اللزوجة أو الكثافة أكبر بكثير من ذلك، فإن مقاومة
منفذ الهواء سوف تصبح مانعة ومعوقة، وإن إعادة تصميم النظام التنفسي لا
يمكن التصور أنه قادر على أن يقدم أوكسجيناً كافياً لعضويات هوائية التنفس
والنشطة أيضاً.
وأنه برسم المنحني البياني لتغيرات الضغوط الجوية
بدلالة كل محتوياته الممكنة من الأوكسجين فإنه يتضح أنه توجد على المنحني
منطقة صغيرة فريدة واحد فقط.. تلبي كل الشروط المختلفة للحياة، وبالتأكيد
تلك الفكرة هي ذات معنى كبير في أن عدداً من الشروط الأساسية يمكن أن يلبي
في هذه المنطقة الصغيرة في الفضاء لكل الأجواء المختلفة.
القيم
العددية للجو ليست ضرورية لتنفسنا فقط لكنها ضرورية أيضاً لكوكبنا الأزرق
كي يبقى أزرق، فإذا انخفض الضغط الجوي عند سطح البحر كثيراً عن قيمة
الحالية، فإن معدل تبخر الماء سيكون أعلى، وزيادة الماء في الجو سيكون له
تأثير مفعول البيت الزجاجي الذي يأسر حرارة أكثر ويرفع بذلك درجة الحرارة
الوسطية للكوكب، ومن ناحية أخرى إذا كان الضغط أعلى بكثير، فإن معدل تبخر
الماء سيكون أقل ومحولاً أجزاء واسعة من الكوكب إلى صحارى.
تشير كل
تلك التوازنات المضبوطة بدقة إلى أن جونا صمم بدقة متأنية كي تبقى الحياة
قائمة على الأرض. هذه حقيقة كشفها العلم وهي تبين لنا مرة أخرى أن الكون
ليس مزيجاً أو خليطاً من مادة أتت بالصدفة، وبدون شك يوجد خالق يحكم الكون
ويشكل المادة كما يريد لها أن تكون، كما يحكم على كل المجرات والنجوم
والكواكب والكل تحت حكمه وسلطته العليا.
تلك القدرة الأسمى كما نحيا
عليه صمم خصصياً وتم تمهيده من قبل الله للناس كما ذكر في القرآن:
{وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا}.. [النازعات : 30].
وتوجد آيات
أخرى توضح أن الله هو خالق الأرض ليحيا عليها الإنسان.. {اللَّهُ الَّذِي
جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ
فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ
رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}.. [غافر : 64].
{هُوَ
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا
وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}... [الملك : 15].
التوازنات التي جعلت الحياة ممكنة:
قال الله تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ}... (الذريات : 20).
الأشياء
التي ذكرناها سابقاً هي بالضبط بعض التوازنات الدقيقة اللطيفة الضرورية
للحياة على الأرض، وبدراسة الأرض نستطيع أن نضع قائمة للعوامل الأساسية
الضرورية للحياة، ولقد وضع الفلكي الأمريكي (هيوج روس) قائمة خاصة به تضمنت
ما يلي:
1- الجاذبية الثقافية السطحية:
إذا كانت أقوى: فالجو سيحتجز كثيراً من غاز الأمونيا والميتان.
إذا كانت أضعف: جو الكوكب سوف يخسر كثيراً من الماء.
2- البعد عن النجم الأم:
إذا كان أبعد: الكوكب سيكون بارداً جداً من أجل دورة مائية منتظمة.
إذا كان أقرب: الكوكب سيكون ساخناً جداً من أجل دورة مائية منتظمة.
3- سمك القشرة :
إذا كانت أكثر سمكاً: كثير من الأوكسجين سوف ينتقل من الجو إلى القشرة.
إذا كانت أرق: النشاط البركاني التكتوني سيكون كبيراً جداً.
4- فترة الدوران:
إذا كانت أطول: فوق درجات الحرارة اليومية سيكون كبيراً جداً.
إذا كانت أقصر: سرعات الرياح الجوية ستكون كبيراً جداً.
5- التفاعل الجاذبي الثقالي مع القمر:
إذا كان أكبر: تأثيرات المد على المحيطات والجو ودور الدوران سيكون قاسياً جداً.
إذا كان أقل: تغيراً في الميل المداري سوف يسبب عدم استقرار مناخي.
6- الحقل المغناطيسي:
إذا كان أقوى: العواصف الكهرطيسية ستكون عنيفة.
إذا كان أضعف: الحماية غير ملائة غير ملائمة من الإشعاعات النجمية القاسية.
7- البيدو (نسبة الضوء المنعكس إلى مجمل كمية الضوء الساقط على السطح):
إذا كان كبيراً: ستحل عصور جليدية.
إذا كان صغيراً: ستذوب الثلوج وتغرق الأرض في الماء، ثم تصبح جافة قاحلة.
8- نسبة الأوكسجين إلى النتروجين في الجو:
إذا كان أكبر: توابع تطور الحياة سوف تقدم بسرعة كبيراً.
إذا كانت أصغر: توابع تطور الحياة سوف تتقدم بسرعة بطيئة.
9- مستوى غاز الكربون وبخار الماء في الجو:
إذا كانت كبيرة: ترتفع درجة الحرارة الجو بشكل أكبر.
إذا كانت أصغر: تنخفض درجة حرارة الجو.
10- مستوى الأوزون في الجو:
إذا كان أكبر: درجة حرارة السطح ستكون منخفضة جداً.
إذا كان أقل: درجة حرارة السطح ستكون عالية جداً، وسيكون هناك كثير من الإشعاع فوق البنفسجي عند السطح.
11- النشاط الزلزالي:
إذا كان أكبر: سيتحطم كثير من أشكال الحياة.
إذا كان أقل: المادة الغذائية على قيعان المحيطان (الآتية من مقذوفات الأنهار).
لن تخضع للدورة المتكررة لارتفاع القارات التكتوني.
هذه
بالضبط بعض من صور التصميم الدقيق لتوازنات بيئية والتي صنعت لكي تبقي
الحياة قائمة، ولكن حتى هذه الصور ليست كافية لإظهار أن الأرض لم تأت
للوجود نتيجة مصادفة أو أنها تشكلت نتيجة سلسلة حوادث سعيدة.
هذه
التفاصيل وغير مما لا يحصى يؤكد حقيقة واضحة بسيطة وهي أن الله والله وحدة
هو الذي خلق هذا الكون والنجوم والكوكب والجبال والبحار كاملة، وأنه هو
الذي أعطى الحياة للمخلوقات البشرية والأشياء الحية الأخرى.
وسخر ما
خلقه لسيطرة الإنسان، الله والله وحده هو منبع الرحمة والقدرة، وقدرته
كافيه لأن يخلق أشياء من العدم. هذا الخلق الكامل من قبله سبحانه وتعالى
وصف في القرآن بالآن التالية.