السؤال: ما الفرق بين
النفاق الأكبر والنفاق الأصغر ، وهل من كان متلبسا بواحد منهما كان خالداً
مخلداً في النار إذ لا يخرج منها ؟
الجواب :
الحمد لله
النفاق
الأكبر هو نفاق من يبطن الكفر ويظهر الإسلام ، قال الجرجاني رحمه الله :
"
المنافق هو الذي يضمر الكفر اعتقادا ، ويظهر الإيمان قولا " انتهى .
"التعريفات"
(ص / 298)
فمن أظهر الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وأبطن ما
يناقض ذلك ، أو يناقض شيئا منه : فهذا هو المنافق النفاق الأكبر .
وهؤلاء
هم المعنيون بقوله تعالى : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ
الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ) النساء / 145
ومن أبرز صفاتهم الكذب
والخيانة والغدر واللجاج في الخصام .
وأما النفاق الأصغر – ويسمى أيضا بالنفاق العملي - فهو نفاق الأعمال ،
وهو أن يظهر عملا صالحا ويبطن خلاف ذلك ، أو تختلف سريرته عن علانيته ، لكن
ليس في أصول الإيمان التي مر ذكرها . ومن ذلك أن يقع في شبعة من شعب
النفاق العملي ، أو يتصف بصفات المنافقين من الكذب والخيانة وخلف الوعد .
عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِي الله عَنْهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ
مُنَافِقًا خَالِصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ
فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ،
وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ
فَجَرَ )
رواه البخاري (34) ومسلم (58)
فمن اتصف من أهل التوحيد بشيء
من ذلك وقع في النفاق الأصغر بحسب ما فعله أو اتصف به ؛ لأنه شابه
المنافقين في بعض أعمالهم ، وإن لم يكن مثلهم تماما .
قال
شيخ الإسلام رحمه الله :
" وَالنِّفَاقُ يُطْلَقُ عَلَى النِّفَاقِ
الْأَكْبَرِ الَّذِي هُوَ إضْمَارُ الْكُفْرِ ، وَعَلَى النِّفَاقِ
الْأَصْغَرِ الَّذِي هُوَ اخْتِلَافُ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ فِي
الْوَاجِبَاتِ ... وهَذَا مَشْهُورٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ . وَبِذَلِكَ
فَسَّرُوا قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( آيَةُ
الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ : إذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ
وَإِذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ ) وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ
وَغَيْرُهُ . وَحَكَوْهُ عَنْ الْعُلَمَاءِ . وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ
السَّلَفِ " كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ ، وَنِفَاقٌ دُونَ نِفَاقٍ ، وَشِرْكٌ
دُونَ شِرْكٍ " .
"مجموع الفتاوى" (11 /140)
وقال الحافظ ابن رجب
رحمه الله :
" والذي فسره به أهل العلم المعتبرون أن النفاق في اللغة هو
من جنس الخداع والمكر ، وإظهار الخير وإبطان خلافه ، وهو في الشرع ينقسم
إلى قسمين : أحدهما النفاق الأكبر ، وهو أن يظهر الإنسان الإيمان بالله
وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، ويبطن ما يناقض ذلك كله أو بعضه ،
وهذا هو النفاق الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونزل
القرآن بذم أهله وتكفيرهم ، وأخبر أن أهله في الدرك الأسفل من النار .
والثاني النفاق الأصغر ، وهو نفاق العمل ، وهو أن يظهر الإنسان علانية
صالحة ويبطن ما يخالف ذلك .
وحاصل الأمر : أن النفاق الأصغر كله يرجع
إلى اختلاف السريرة والعلانية ، كما قاله الحسن . والنفاق الأصغر وسيلة إلى
النفاق الأكبر ، كما أن المعاصي بريد الكفر ، وكما يخشي على من أصر على
المعصية أن يسلب الإيمان عند الموت ؛ كذلك يخشي على من أصر على خصال النفاق
أن يسلب الإيمان فيصير منافقا خالصا ، وسئل الإمام أحمد : ما تقول فيمن لا
يخاف على نفسه النفاق ؟ قال : ومن يأمن على نفسه النفاق ؟ وكان الحسن يسمي
من ظهرت منه أوصاف النفاق العملي منافقا ، وروى نحوه عن حذيفة " انتهى
ملخصا.
"جامع العلوم والحكم" (ص430-434)
ومن كان فيه شيء من النفاق الأصغر ، ومات على ذلك : فإنه لا يخلد في
النار ، إنما يخلد في النار المنافق نفاقا أكبر ، إلا أن النفاق الأصغر
وسيلة إلى النفاق الأكبر كما سبق ؛ ولذلك كان الصحابة والسلف رضي الله عنهم
يتعوذون بالله منه .
وعلى ذلك : فمن كان فيه شيء من النفاق الأصغر من المسلمين ، فليس من أهل
الخلود في النار ، بل مرده إلى مشيئة الله تعالى في الآخرة : إن شاء عذبه
في النار بذنبه ، ثم يخرجه منها بما معه من التوحيد ، وإن شاء غفر له
ابتداء ، شأنه شأن أهل المعاصي من الموحدين .
أما المنافق
نفاقا أكبر ففي النار خالدا فيها – نعوذ بالله من النار - .
والله أعلم .
المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب