<blockquote class="postcontent restore ">
هاهي الأيام تمضي سراعا، وها هو شهر رمضان قد آذن بالرحيل، نستقبل
مع وداعه عيد الفطر المبارك، عيد أهل الإيمان والسعادة، عيد من عمروا أيام
رمضان ولياليه بالطاعة، فحق لهم أن يفرحوا بنعمة الله عليهم بإتمام العدة،
ويكبروا الله على ما هداهم، ويشكروه على ما تفضل به عليهم وأولاهم ووفقهم.
لقد شرع الله سبحانه عيدين للمسلمين في كل عام، كل منهما قد أتى بعد عبادة
عظيمة جليلة، فعيد الفطر المبارك جاء بعد عبادة جليلة هي الركن الرابع من
أركان الإسلام وهي إكمال عدة رمضان فشرع العيد فرحة للصائمبن لإكمال صيامهم
وإتمام الشهر الكريم، وعيد الأضحى جاء بعد عبادة عظيمة أخرى هي الركن
الخامس من أركان الإسلام وهي حج بيت الله الحرام..
هذا العيد الذي يفرح به المسلمون في أقطار الأرض كلها قد شرع الله تعالى له
سننا وآدابا تمثلها النبي صلى الله عليه وسلم في يوم العيد، فكان يحافظ
عليها ويؤديها شكرا لله على ما أتم من نعمة وعلى ما أرشد الأمة إلى الصراط
المستقيم.
تكبيرات العيد:
ويبدأ التكبير في عيد الفطر من غروب الشمس ليلة العيد إلى خروج الإمام لقوله تعالى: {ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون}،
وفي الأضحى من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق، وقد ثبت عند الدارقطني
بسند صحيح "أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى
يجهر بالتكبير حتى يأتي المصلى ويكبر حتى يأتي الإمام، وقد ورد عن أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم ألفاظ في التكبير، من ذلك ما ثبت في مصنف ابن أبي
شيبة بإسناد صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يكبر أيام التشريق (الله
أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد ). وفي سنن البيهقي
بإسناد صحيح أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يكبر " الله أكبر الله أكبر
الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد".
ويسن الجهر به للرجال في الطرقات والمساجد والبيوت. وأما النساء فيخفضن أصواتهن به.
التجمل في العيد:
كان صلى الله عليه وسلم يلبس في يومي العيد أفضل ما يجده من الثياب وكان
يتجمل ويدهن ويضع العطر فكان لا يشم إلا طيبا طاهرا عليه الصلاة والسلام.
قال ابن القيم: وكان صلى الله عليه وسلم يلبس لهما (أي للعيدين) أجمل ثيابه وكان له حلة يلبسها للعيدين والجمعة.
وكان ابن عمر رضي الله عنهما يغتسل للعيدين. أخرجه ابن أبي شيبة بأسانيد
صحيحة. وابن عمر من أشد الناس تحريا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الأكل صباح العيد:
وكان صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم النحر حتى يذبح.1
وكان صلى الله عليه وسلم يأكل قبل أن يخرج إلى المصلى في عيد الفطر تمرات كما قال أنس رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وترا. رواه البخاري.
ويأكلهن وترا: أي واحدة أو ثلاثا أو خمسا أو سبعا.. وهكذا.
الخروج لصلاة العيد:
كان صلى الله عليه وسلم يأمر بإخراج الزكاة قبل الغدو للصلاة يوم الفطر.
ومن هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته أنه كان يخرج إلى المصلى ليصلي
العيد ولم يرد عنه أنه صلى العيد في المسجد، كما قال أبو سعيد الخدري رضي
الله عنه: "كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى" رواه البخاري.
ومن السنة الخروج إلى المصلى ماشيا فإن عاد ندب له أن يسير من طريق آخر غير
التي أتى منها فعن جابر رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم إذا كان يوم العيد خالف الطريق" رواه البخاري.
وعن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى العيد ماشيا ويرجع ماشيا.2
وكان صلى الله عليه وسلم يخرج إلى العيد مكبرا مهللا شاكرا الله على أنعمه، ممتثلا قول ربه تبارك وتعالى: { ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون } (185) سورة البقرة. فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يخرج من العيدين رافعا صوته بالتهليل والتكبير، فيأخذ طريق الحدادين حتى
يأتي المصلى، فإذا فرغ رجع على الحذائين حتى يأتي منزله.3
خروج النساء والصبيان::
يشرع خروج الصبيان والنساء في العيدين للمصلى من غير
فرق بين البكر والثيب والشابة والعجوز والحائض، لحديث أم عطية قالت:
"أمرنا أن نخرج العواتق -أي الجارية البالغة- والحيض في العيدين يشهدن
الخير ودعوة المسلمين ويعتزل الحيض المصلى" متفق عليه.
وعن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بناته ونساءه أن يخرجن في العيدين.4
صفة الصلاة والخطبة:
وكان صلى الله عليه وسلم يبدأ بالصلاة قبل الخطبة كما في الصحيحين من حديث
ابن عمر. وكان يصليها ركعتين يجهر فيهما بالقراءة يقرأ في الأولى بـ (سبح
اسم ربك الأعلى) وفي الثانية بـ(هل أتاك حديث الغاشية) كما في صحيح مسلم
من حديث النعمان بن بشير رضى الله عنهما، وفي صحيح مسلم أيضا من حديث أبي
واقد الليثي رضي الله عنه أنه قرأ في الأولى بـ (ق) وفي الثانية (اقتربت
الساعة وانشق القمر).
وكان يكبر قبل القراءة في الأولى سبعا منهن تكبيرة الإحرام، وفي الثانية
ستا منهن تكبيرة الانتقال، يرفع يديه مع كل تكبيرة، كما ثبت في سنن أبي
داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وهو حديث حسن، وفي مصنف ابن أبي
شيبة بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفا: أنه كان يكبر في
العيد سبع تكبيرات في الأولى مع تكبيرة الافتتاح وفي الثانية ست تكبيرات مع
تكبيرة الركعة".
وصح عن ابن مسعود رضي الله عنه كما في سنن البيهقي وغيره "أنه يحمد الله ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بين كل تكبيرتين، ونحوه عند الطبراني، واحتج به الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العيد من غير أذان ولا إقامة، فعن جابر بن سمرة قال:
لم يكن يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يقام له في العيدين.5
وعن ابن عباس وعن جابر بن عبد الله قالا: لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى. رواه البخاري.
وعن جابر بن عبد الله قال: شهدت مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة،
ثم قام متوكئا على بلال فأمر بتقوى الله وحث على طاعته ووعظ الناس وذكرهم،
ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن، فقال: (تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم)
فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين فقالت: لم يا رسول الله؟ قال:
(لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير)6 قال: فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في
ثوب بلال من أقرطتهن وخواتمهن.7
من سنن العيد:
الاغتسال:
فيسن أن يغتسل قبل الخروج إلى الصلاة، وفي الموطأ أن ابن عمر رضي الله
عنهما "كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى" وإسناده صحيح.
التهنئة:
يسن التهنئة بلفظ " تقبل الله منا ومنكم" ونحوها، مما تعارف عليه الناس،
فقد صح عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم إذا التقوا يوم العيد يقول
بعضهم لبعض "تقبل الله منا ومنكم" قال الإمام أحمد عنه: إسناده إسناد جيد.
التنفل بعد صلاة العيد:
من السنة أن يصلي ركعتين بعد صلاة العيد في بيته، كما ثبت في سنن ابن ماجه
من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي
قبل العيد شيئا فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين، قال الحافظ ابن حجر: إسناده
حسن.
ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه أنه صلى قبل صلاة العيد شيئا لكن إن كان الصلاة في مسجد فيشرع له أن يصلي ركعتين تحية المسجد.
قال ابن القيم رحمه الله:
"وكان صلى الله عليه وسلم إذا أكمل الصلاة انصرف فقام مقابل الناس والناس
جلوس على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم وينهاهم وإن كان يريد أن يقطع بعثا
قطعه، أو يأمر بشيء أمر به. ولم يكن هنالك منبر يرقى عليه ولم يكن يخرج
منبر المدينة وإنما كان يخطبهم قائما على الأرض. قال جابر: شهدت مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا
أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئا على بلال فأمر بتقوى الله وحث على طاعته
ووعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن. متفق عليه.
وقال أبو سعيد الخدري: كان النبي صلى الله عليه وسلم
يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول ما يبدأ به الصلاة ثم ينصرف فيقوم
مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم... الحديث. رواه مسلم. وذكر أبو سعيد
الخدري: أنه صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم العيد فيصلي بالناس ركعتين ثم
يسلم فيقف على راحلته مستقبل الناس وهم صفوف جلوس فيقول "تصدقوا" فأكثر من
يتصدق النساء بالقرط والخاتم والشيء. فإن كانت له حاجة يريد أن يبعث بعثا
يذكره لهم وإلا انصرف.. إلى أن قال ابن القيم:
وكان يفتتح خطبه كلها بالحمد لله ولم يحفظ عنه في حديث واحد أنه كان يفتتح
خطبتي العيدين بالتكبير وإنما روى ابن ماجه في " سننه " عن سعد القرظ مؤذن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر التكبير بين أضعاف الخطبة ويكثر
التكبير في خطبتي العيدين.8 وهذا لا يدل على أنه كان يفتتحها به. وقد اختلف
الناس في افتتاح خطبة العيدين والاستسقاء، فقيل: يفتتحان بالتكبير، وقيل:
تفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار، وقيل: يفتتحان بالحمد. قال شيخ الإسلام
ابن تيمية: وهو الصواب لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل أمر ذي بال
لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم)9، وكان يفتتح خطبه كلها بالحمد لله. ورخص
صلى الله عليه وسلم لمن شهد العيد أن يجلس للخطبة وأن يذهب، ورخص لهم إذا
وقع العيد يوم الجمعة أن يجتزئوا بصلاة العيد عن حضور الجمعة"إ.هـ10
عيد الأضحى:
فإذا عاد من صلاته وخطبته صلى الله عليه وسلم ذبح
أضحيته تقربا إلى الله تعالى، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان يضحي بكبشين أملحين أقرنين ويضع رجله على صفحتهما ويذبحهما
بيده.11
وكان يسمي الله عند ذبحه ويكبره كما ثبت عن أنس قال: ضحى النبي صلى الله
عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على
صفاحهما.12
وكان يذبح أضحيته بالمصلى، كما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينحر أو يذبح بالمصلى.13
وكان لا يذبح إلا بعد صلاة العيد، ويخبر أصحابه أن من ذبح قبل الصلاة فإنما
هو لحم وليس أضحية، فعن البراء ابن عازب رضي الله عنه قال: خطبنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بعد الصلاة فقال: (من صلى صلاتنا ونسك
نسكنا فقد أصاب النسك ومن نسك قبل الصلاة فتلك شاة لحم) فقام أبو بردة بن
نيار فقال: يا رسول الله والله لقد نسكت قبل أن أخرج إلى الصلاة وعرفت أن
اليوم يوم أكل وشرب فتعجلت وأكلت وأطعمت أهلي وجيراني! فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: (تلك شاة لحم) قال: فإن عندي عناق جذعة هي خير من شاتي لحم
فهل تجزي عني؟ قال: (نعم ولن تجزي عن أحد بعدك).14
وكان صلى الله عليه وسلم يذبح الأضحية بيده الشريفة.. فعن جابر بن عبد الله
قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأضحى بالمصلى فلما قضى خطبته
نزل من منبره وأتي بكبش فذبحه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال:
(بسم الله والله أكبر، هذا عني وعمن لم يضح من أمتي). رواه مسلم.
هذا بعض ما تيسر جمعه في هدي النبي صلى الله عليه وسلم يومي العيدين، فينبغي للمسلم الذي يرجو الله واليوم الآخر التأسي والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في يوم عيده وأيامه كلها,,
نسأل الله بمنه وكرمه أن يرزقنا حبه وحب من يحبه وحب العمل الذي يقرب إليه،
وأن يرزقنا حسن العبادة ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم والإخلاص لله رب
العالمين..
وأن يتقبل منا أعمالنا ، ويجعل أعيادنا عامرة بالطاعة والمودة، ويتوج
فرحتنا بعز الإسلام والمسلمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين.
[size=21]ولا تنسوا قراءة هذا الموضوع الخاص عن زكاة الفطر
زكاة الفطر
[/size]
</blockquote>