<blockquote class="postcontent restore ">
# كل عام أنتم بخير تقبل الله منا ومنكم هدي النبي صلى الله عليه وسلم في العيد:
فإن من سنن
الله تعالى في الكون أن يعاقب بين الأيام والمناسبات فهانحن نودع رمضان
في مثل هذه الليلة ، ونستقبل في الوقت ذاته أيام العيد ، الأيام التي جعل
الإسلام فيها فسحة عريضة للمسلم أن يعبّر فيها عن فرحته . فأهلاً بالعيد
وأيامه آملين أن يكون عيداً مباركاً على الأمة الإسلامية في شتى بقاع الأرض
. غير أن هناك ثمة وقفات مهمة :
أولاً :
أن هذا هو عيد أمة الإسلام في أقطار الدنيا ، وهو اليوم الذي تعبّر فيه
الأمة عن فرحتها ، وسر هذه الفرحة هو تحقيق العبودية لله تعالى بامتثال
أمره في صيام هذا الشهر الكريم ، وليس عند أمة الإسلام عيداً للأم ، ولا
عيداً للطفل ، ولا عيداً للميلاد ، بل ليس في قاموس الإسلام غير عيدان
اثنان ، الفطر والأضحى ، وحين تلقاها الأمة لها أن تعبّر فيها عن هذه
الفرحة بما شاءت شريطة ألا تخالف أمراً ،أو ترتكب نهياً لمن تتعبّد له وإلا
صارت هذه الأعياد شؤماً في حياة من شهدها .
ثانياً :
لقد شرع الله تعالى لهذه الأمة في هذا العيد التكبير ، بل جُعل من شعائر
العيد الخاصة حين قال عز وجل : (( ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما
هداكم ولعلكم تشكرون )) سورة البقرة (185)
. وللإنسان أن يبدأ في التكبير من حين غروب شمس آخر يوم من شهر رمضان ،
وليصدح بهذا التكبير في البيوت وسائر الأمكنة امتثالاً لأمر الله تعالى ،
وليبق يردد هذا التكبير إلى أن يخرج الإمام لأداء صلاة العيد .
ثالثاً :
للإنسان أن يتجمّل في يوم العيد ، وليخرج في أبهى حُلة لأداء هذه الصلاة ،
فقد أخذ عمر جبة من استبرق تباع في السوق فأتى بها إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم وقال له : ابتع هذه تجمّل بها للعيد والوفود ...........
الحديث )) (163) . ففيه دلالة على أن التجمّل يوم العيد كان معروفاً
مشهوداً عند الصحابة رضوان الله عليهم . وعند البيهقي عن ابن عمر رضي الله
عنهما أن ابن عمر كان يلبس للعيد أجمل ثيابه .
رابعاً :
ينبغي للإنسان ألا يخرج لعيد الفطر حتى يأكل تمرات لما جاء عن أنس رضي
الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يغدوا يوم الفطر حتى يأكل
تمرات .(164) . وفي هذا الأكل مبالغة في النهي عن الصوم في هذا اليوم كما
جاءت بذلك الآثار .
خامساً :
للإنسان أن يبادل أخاه بالتهنئة في يوم العيد كأن يقول الإنسان تقبل الله
منا ومنكم ، وأعاده الله علينا وعليكم ، أو أي لفظ آخر رآه الإنسان
مناسباً في المقام فإن الأمر واسع في ذلك كما أشار إلى ذلك غير واحد من
أهل العلم رحمهم الله تعالى .
سادساً :
أن هذه الفرحة التي يشهدها المسلم يوم عيده إنما هي تعبير صادق على
الانتماء لهذا المنهج العظيم ، فكما أن الإنسان صام رمضان امتثالاً لأمر
الله تعالى فهاهو حين يشهد العيد إنما يشهده تلبية لأمر الله ، وأمر رسوله
صلى الله عليه وسلم . وفي هذا أعظم دلالة على صدق المسلم واتباعه منهج هذا
الدين . وحين تجد المعايد في ذلك اليوم يستمع إلى أغنية أو يتلذذ بمشاهد
مشينة أو يتجاوز بلسانه في أعراض المسلمين أو حتى حين يتزيّن بالعبث في
لحيته أو يزيد في طول ثوبه طولاً يتجاوز به النطاق . أوحين يعبّر عن هذه
الفرحة تعبيراً يخرج عن نطاق هذا العيد إنما يتجاوز بذلك هذا السياج العظيم
من الشرع الحنيف ، وحينئذ لا يعيش الفرحة الحقيقية التي أذن الله تعالى
بها وإنما يشطح بعواطفه إلى هناك بعيداً عن الحياة الروحية الجميلة التي
يعيشها المسلم وهو يتلذذ بطاعة الله تعالى .
سابعاً :
العيد بمعناه الحقيقي هو الاجتماع والألفة والمحبة وإشباع العاطفة في
نطاقها الصحيح ، ولن يجمل العيد في نفوسنا الجمال الحقيقي حتى نتجاوز كل
خلافاتنا ، ونصافح كل من نلقاه على ظهر هذه الأرض ممن تربطنا رابطة الإيمان
غير آبهين بأي خلاف مهما كان . آن لنا اليوم أن نرمي بكل خلافاتنا مهما
كانت خلف ظهورنا ، ولنتعانق من جديد ، ولنعيد البسمة التي غابت من زمن طويل
، وحينئذ سيكون هذا العيد حين ما تحقق هذه المعاني من أجمل الأعياد في
تاريخ الواحد منا .
وأخيراً :
غداً العيد ، وغداً تتجلى كل معاني المحبة والصفاء والنقاء ، غداً ستعبّر
النفس عن عواطفها تعبيراً صادقاً يضمن لها حياة السعداء بهذا الدين ،
وبين هذا المساء ويوم غد سينطلق التكبير في الأفنية الواسعة من بيوتنا ،
وفي الأسواق وتجمعات الناس ، وغداً تدوي طرقاتنا بالتكبير من كل مكان ،
فيالله ما أعظم أمة الإسلام حينما ترتبط بمنهجها راضية به ، واثقة منه ،
مطمئنّة به .
[center]وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
العيد
هو موسم الفرح والسرور وأفراح المؤمنين وسرورهم في الدنيا إنما هو
بمولاهم إذا فازوا بإكمال طاعته وحازوا ثواب أعمالهم بوثوقهم بوعده لهم
عليها بفضله ومغفرته كما قال تعالى:}قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ{[سورة يونس آية: 58].
قال بعض العارفين: ما فرح أحد بغير الله إلا لغفلته عن الله، فالغافل يفرح بلهوه وهواه والعاقل يفرح بمولاه.
لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان لهم يومان يلعبون فيهما فقال: «إن الله قد أبدلكم يومين خيرًا منهما يوم الفطر والأضحى» أخرجه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح.
والحديث
دليل على أن إظهار السرور في العيدين مندوب وأن ذلك من الشريعة فيجوز
التوسعة على العيال في الأعياد بما يحصل لهم من ترويح البدن وبسط النفس مما
ليس بحظور ولا شاغل عن طاعة الله.
وأما
ما يفعله كثير من الناس في الأعياد من التوسع في الملاهي والملاعب فلا
يجوز لأن ذلك خلاف ما شرع لهم من إقامة ذكر الله فليست الأعياد للهو واللعب
والإضاعة وإنما هي لإقامة ذكر الله والاجتهاد في الطاعة. فأبدل الله هذه
الأمة بيومي اللعب واللهو يومي الذكر والشكر والمغفرة والعفو.
ففي الدنيا للمؤمنين ثلاثة أعياد: عيد يتكرر كل أسبوع وعيدان يأتيان في كل عام مرة من غير تكرار في السنة.
فأما
العيد المتكرر فهو يوم الجمعة وهو عيد الأسبوع وهو مترتب على إكمال
الصلوات المكتوبات وهي أعظم أركان الإسلام ومبانيه بعد الشهادتين.
وأما
العيدان اللذان لا يتكرران في كل عام وإنما يأتي كل واحد منهما في العام
مرة واحدة فأحدهما. عيد الفطر من صوم رمضان وهو مترتب على إكمال صيام
رمضان وهو الركن الرابع من أركان الإسلام ومبانيه فإذا استكمل المسلمون
صيام شهرهم المفروض عليهم استوجبوا من الله المغفرة والعتق من النار فإن
صيامه يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب وآخره عتق من النار يعتق فيه من النار
من استحقها بذنوبه فشرع الله تعالى لهم عقب إكمالهم لصيامهم عيدًا
يجتمعون فيه على شكر الله وذكره وتكبيره على ما هداهم له وشرع لهم في ذلك
العيد الصلاة والصدقة وهو يوم الجوائز يستوفي الصائمون فيه أجر صيامهم
ويرجعون من عيدهم بالمغفرة.
والعيد
الثاني عيد النحر وهو أكبر العيدين وأفضلهما وهو مترتب على إكمال الحج
وهو الركن الخامس من أركان الإسلام ومبانيه فإذا أكمل المسلمون حجهم غفر
لهم.
فهذه أعياد المسلمين في الدنيا وكلها عند إكمال طاعة مولاهم الملك الوهاب وحيازتهم لما وعدهم من الأجر والثواب([1]).
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في العيد:
كان يلبس أجمل ثيابه ويأكل في عيد الفطر قبل خروجه تمرات ويأكلهن وترًا – ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا.
وأما في عيد الأضحى فلا يأكل حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته.
وكان يؤخر صلاة عيد الفطر ليتسع الوقت قبلها لتوزيع الفطرة ويعجل صلاة عيد الأضحى ليتفرغ الناس بعدها لذبح الأضاحي. قال تعالى }فصل لربك وانحر{.
وكان ابن عمر مع شدة اتباعه للسنة لا يخرج لصلاة العيد حتى تطلع الشمس ويكبر من بيته إلى المصلى.
وكان
النبي صلى الله عليه وسلم يبدأ بالصلاة قبل الخطبة فيصلي ركعتين يكبر في
الأولى سبعًا متوالية بتكبيرة الإحرام ويسكت بين كل تكبيرتين سكتة يسيرة
ولم يحفظ عنه ذكر معين بين التكبيرات ولكن ذكر عن ابن مسعود أنه قال: يحمد
الله ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم .
وكان ابن عمر يرفع يديه مع كل تكبيرة.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا أتم التكبير أخذ في القراءة فقرأ في الأولى الفاتحة ثم «ق» وفي الثانية «اقتربت» وربما قرأ فيها بـ «سبح» و«الغاشية».
فإذا
فرغ من القراءة كبر وركع ثم يكبر في الثانية خمسًا متوالية ثم أخذ في
القراءة فإذا انصرف قام مقابل الناس وهم جلوس على صفوفهم فيعظهم ويأمرهم
وينهاهم.
وكان يخالف الطريق يوم العيد فيذهب من طريق ويرجع من آخر([2]).
وكان يغتسل للعيدين، وكان صلى الله عليه وسلم يفتتح خطبه كلها بالحمد وقال «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم» رواه أحمد وغيره.
وعن
ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم العيد
ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما.
والحديث دليل على أن صلاة العيد ركعتين وفيه دليل على عدم مشروعية النافلة قبلها وبعدها في موضعها. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(163) رواه البخاري
(164) رواه البخاري
([1]) انظر لطائف المعارف لابن رجب ص 285- 288.
([2]) انظر زاد المعاد في هدي خير العباد جزء 1 ص 250 – 254 لابن القيم رحمه الله تعالى.
</blockquote>
[/center]